q
ان الشفاعة من شأنها ان تكون طريقاً لتعزيز قدرات الانسان المادية، وايضاً قدراته النفسية والروحية للتغلب على ما يعانيه من مشاكل مهما كانت، وإلا ما الذي يضخ القوة البدنية، والعزيمة والارادة في انسان معوّق ليشقّ طريقه نحو مرقد الامام الحسين، عليه السلام، في زيارة الاربعين؟...

يتساءل البعض عن سبب تزاحم الناس في المشاهد المشرفة للأئمة المعصومين، عليهم السلام، وايضاً لأولياء الله الصالحين، وهم يؤدون مناسك الزيارة وتقديم التحية والسلام، ثم يطلبون قضاء حاجاتهم منهم، كأن تكون سعة في الرزق، او شفاء من مرض عضال، او نجاح في عمل ما وغيرها كثير مما يشكو منه الناس، هذا الى جانب الحاجات الأخروية من غفران الذنوب والشفاعة عند الله –تعالى- للفوز بالجنة؟ ولماذا لا يعتمد هؤلاء على انفسهم ويستفيدون من قدراتهم الذاتية لحل مشاكلهم؟

هذا السؤال ينطلق من انطباع سائد بان الضعف والهوان هو الذي يدفع اصحاب الحوائج للتوسل الى الأولياء الصالحين والمشفّعين عند الله –تعالى- ومعظم هؤلاء من الطبقة الفقيرة او التي تعاني التهميش والتمييز في ظل انظمة حكم غير سليمة في مناهجها وسياساتها، كما هو الحال في العراق، فالناس يتوسلون الى الأولياء الصالحين في حاجات صغيرة وكبيرة، مثل؛ الحصول على وظيفة حكومية، او النجاح في الامتحانات، او التخلص من شبح الفقر وايضاً الامراض المختلفة.

وقد بين العلماء المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للشفاعة، فالاول؛ يعني "ضم الشيء الى آخر يماثله، اما الآخر (الاصطلاحي)فانه "عبارة عن ضمّ العنصر الأقوى إلى العنصر الأضعف".

وبالامكان ملاحظة مشاهد من الشفاعة وفق المعنى الاصطلاحي، في الكائنات الحيّة من، فالحيوان والنبات لن يكون بمقدورهما الظهور على وجه الحياة ثم النمو والاستمرار في الحياة إلا بوجود عوامل يشفع لهما بعناصر قوة وحماية يقيهما تقلبات الطبيعة، وايضاً السباق المرير على البقاء بين الحيوانات، فمن البذرة الصغيرة التي تُغرس في باطن الارض، تشفع لها عناصر النمو من ماء وهواء واشعة الشمس لتتحول الى شجرة باسقة، والطائر الصغير الذي يرعى فرخه، وحتى الحيوان الكبير مثل الفيل المعروف بطبعة الاجتماعي والعيش جنباً الى جنب مع اقرانه، وهكذا الحال في عديد الحيوانات الساكنة في غابات العالم.

بيد ان هذا لا ينطبق دائماً على الانسان لما فضله الله –تعالى- بقدرات كبيرة اختصّ بها دون سائر الموجودات، ولعل أبرزها؛ العقل، الى جانب الارادة ودوافع نفسية عدّة تجعل منه يسخّر الطبيعة والكون لتحقيق ما يريد. ولكن!

هل هذا يعني استغناء هذا الانسان عن كل شيء، وانه القادر على فعل ما يريد، بما يمتلكه من مال وعلم وقوة بدنية وعناصر قوة اخرى؟

بالطبع؛ كلا، فهو جاء الى هذه الدنيا لا يعلم شيئاً، إلا بما يتعلمه ممن حوله، ثم انه يأتي الى الحياة وامامه قوانين الطبيعة والكون غير قابلة للتغيير، إنما تدخل في اكتشافها فقط، ثم بحث في الاستفادة منها ليعيش حياة افضل، فالحقائق العلمية والكونية وسنن الحياة ثابتة منذ أن خلق الله –تعالى- آدم وبدأ حياته في هذا العالم، فقد كانت الجاذبية، وكانت البكتريا تفسد الطعام، والفيروس يفتك بخلايا الجسم، وامواج البحر تطيح بالمباني والمنازل فكان عليه بناء السدود وشق الانهر، والبحث عن اسباب العلاج من الامراض، إنما المطلوب؛ التطلع نحو الرقي والمزيد من التطور في الحياة من خلال العمل الجاد والسعي المستمر في المجالات كافة.

وفي الجانب العقائدي من الشفاعة، حسم العلماء الأمر بضرورة توفر شروط ومقدمات لمن يريد الشفاعة، في مقدمتها او يكون مرضياً عند الله، وهذا بشكل عام، مستندين في ذلك على صريح الآيات الكريمة منها: {...وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}، سورة الانعام، الآية61، الى جانب هذا، فان ثمة شرط آخر لتحقيق الشفاعة وهي ان يكون الانسان على خط العمل الدؤوب والمتابعة والمثابرة، ولعل قصة النبي الاكرم مع ذلك الاعرابي تكون مصداقاً لهذا الجانب، عندما ترك دابته ودخل المسجد بدعوى التوكل على الله تطبيقاً لما سمع من النبي، وعندما افتقدها، جاء يسأل النبي عن السبب، فأجابه، صلى الله عليه وآله بأن "اعقلها وتوكل".

واذا نقرأ ونسمع عن معاجز الشفاعات لدى الاولياء الصالحين، نجد انها كانت – هي نفسها- مشفوعة بالعمل والسعي لايجاد الحلول، كما يحصل لمن يطلب الشفاء من مرض عضال، فهو يجرب كل الاطباء والمختصين، وعندما يعجز الجميع، ويكون المريض مشرفاً على الموت، نرى التوسل والتشفّع لدى مراقد الاولياء الصالحين.

ومما نستفيد منه في هذا السياق من عبر الماضين، مما جرى للشيخ محمد بن الحسن العاملي، المعروف بالحر العاملي، الذي كان مشرفاً على الموت بسبب مرض عضال،وكان في طفلاً في العاشرة من العمر، وفيما كان في حالة الاحتضار ويستعد أهله للمناحة عليه، انتقل فجأة الى عالم آخر، ليرى – من المنام واليقظة- رسول الله، والأئمة المعصومين، عليهم السلام، مقبلين عليه، وبعد أداء التحية والسلام عليهم، وصل الى الامام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، فأخذ يبكي ويقول: باني سأموت وانا طفل صغير ولم أنجز شيئاً في حياتي، فجاءه الجواب – في قصة مفصلة- بانه سيعود الى الحياة بصحة كاملة ويعمّر طويلاً، ثم تحوّل هذا الطفل الصغير الى ذلك العالم الفذّ والمؤلف الكبير، وقد حقق طموحه الذي رافقه من الصغر بأن ينجز شيئاً عظيماً، فكان كتاب وسائل الشيعة، وهو يعد من أهم مصادر الحديث والروايات لدى فقهاء الشيعة، هذا الى جانب منجزات علمية عديدة طيلة فترة حياته.

لذا فان الشفاعة من شأنها ان تكون طريقاً لتعزيز قدرات الانسان المادية، وايضاً قدراته النفسية والروحية للتغلب على ما يعانيه من مشاكل مهما كانت، وإلا ما الذي يضخ القوة البدنية، والعزيمة والارادة في انسان معوّق ليشقّ طريقه نحو مرقد الامام الحسين، عليه السلام، في زيارة الاربعين؟

ان سيرة الأئمة الاطهار والاولياء الصالحين، وما تضمنته حياتهم من توصيات وحكم ومواقف تؤكد كلها على البذل والعطاء والعمل الدؤوب والبحث عن افضل الخيارات لتحقيق الاهداف السامية، وعندما يتوسل الزائر بهم، عليه ان ينظر الى هذا الجانب ايضاً والاقتداء بهم.

اضف تعليق