المرشح الكومبارس ليس مجرد ظاهرة فردية مرتبطة بشخص بعينه، بل هو نتاج بيئة سياسية واجتماعية تحتاج إلى مراجعة عميقة، فالديمقراطية الحقيقية لا تزدهر بمجرد ملئ استمارات الترشيح أو زيادة عدد الأسماء على أوراق الاقتراع، بل بتقديم منافسة فعلية بين أشخاص يمتلكون برامج واضحة وإرادة تغيير...

عرفنا في عالم الفن هنالك اشخاص او شخص يسمى او يُعرف بالكومبارس، وهو الممثل الذي يؤدي أدوارا ثانوية محدودة، وجوده ضروري لإكمال المشهد البصري، لكنه لا يغير من مسار الأحداث أو يؤثر في مجرى القصة.

 هذا المفهوم انتقل بشكل غير مباشر وبكثرة إلى الحياة السياسية والانتخابية، ليظهر ما يُسمى بـالمرشح الكومبارس، والذي يمكن ان نعرفه بانه ذلك المرشح الذي يملأ فراغا انتخابيا أو يضفي شكلا تنافسيا على الانتخابات، دون أن يمتلك مشروعا سياسيا حقيقيا أو إرادة جدية في الفوز.

فما هي صفا هذا المرشح؟

من سما هذا المرشح الذي يؤدي دور الكومبارس هي انه عادة ما يفتقر إلى خبرة سياسية واضحة، أو قاعدة شعبية تمكنه من المنافسة، وكذلك يفتقر الى برنامج انتخابي متكامل يمكن أن يقنع الناخبين.

وفي أحيان كثيرة يرشح هذا النوع من الأشخاص بتنسيق أو دعم من جهات سياسية نافذة، تسعى لخلق انطباع زائف بوجود تعددية وتنافس، بينما الهدف الحقيقي هو ضمان فوز شخصية محددة، وقد يرشح البعض سعيا لمكاسب شخصية مثل تعزيز المكانة الاجتماعية أو فتح أبواب لمناصب حكومية مستقبلية، أكثر مما يسعى لخدمة الصالح العام.

لكنه لا يؤدي الدور الطبيعي لكل مرشح في العملية الانتخابية، وعادة ما يكون دوره محدود جدا، في المقابل لا يقود حملات انتخابية قوية ولا يسعى إلى خلق نقاشات جادة بين الناخبين. غالباً ما تكون حملاته ضعيفة في الأداء والتمويل، وافتقاره للبرامج الواضحة يجعله مجرد رقم في قائمة المرشحين. 

اذ تلجأ بعض القوى السياسية إلى الدفع بمرشحين من هذا النوع بهدف تشتيت الأصوات أو إعطاء إيحاء بالتنافسية، خصوصاً عندما يكون الفائز معروفا مسبقا ضمن توازنات القوى.

فمن سمح لهذا النوع من المرشحين التواجد في العملية الانتخابية؟

تعاني التجربة الديمقراطية في البلد من خلل واضح وملوس لدى العامة، الامر الذي سمح لدخول أعداد كبيرة من المرشحين، يشكلون بمجملهم الكومبارس الانتخابي، ومن انعكاسات هذا التواجد هو ضعف حماسة الناخبين، ويؤدي إلى فقدان الثقة بالعملية الانتخابية. 

ويأتي فقدان الثقة عندما يدرك المواطن أن بعض المرشحين ليس لديهم نية حقيقية لخدمة المجتمع أو حتى تحقيق الفوز، تتراجع جدية المشاركة الشعبية، لا سيما في المجتمعات التي تعاني أصلاً من ضعف الوعي الانتخابي، وبهذا تتحول الانتخابات إلى مسرح شكلي، يُستخدم فيه "الكومبارس السياسي" لإضفاء شرعية صورية فقط.

ويمكن القول إن من أسباب انتشار هذه الظاهرة هو ضعف التشريعات التي لا تضع شروطاً صارمة للترشح، وقلة وعي الناخبين بأهمية البرامج الانتخابية، وتأثير القوى السياسية الكبيرة التي توظف مرشحين صوريين لتحقيق مكاسب محددة، أضف الى ذلك الثقافة الاجتماعية التي تلعب دوراً في تعزيز هذه الظاهرة، حيث ينظر بعض الأفراد إلى الترشح باعتباره فرصة لإثبات الحضور أو تحقيق طموحات شخصية، بغض النظر عن امتلاكهم الكفاءة المطلوبة.

ولمعالجة هذه الظاهرة لا بد من إصلاحات قانونية وإجرائية، مثل وضع معايير صارمة لقبول الترشيح، تضمن وجود برامج انتخابية واضحة وخبرة عملية مناسبة، كما يجب توعية الناخبين بضرورة التصويت للمرشحين الفاعلين القادرين على إحداث تغيير حقيقي.

المرشح الكومبارس ليس مجرد ظاهرة فردية مرتبطة بشخص بعينه، بل هو نتاج بيئة سياسية واجتماعية تحتاج إلى مراجعة عميقة، فالديمقراطية الحقيقية لا تزدهر بمجرد ملئ استمارات الترشيح أو زيادة عدد الأسماء على أوراق الاقتراع، بل بتقديم منافسة فعلية بين أشخاص يمتلكون برامج واضحة وإرادة تغيير. 

اضف تعليق