إن التحضيرات الإسرائيلية للضربة ولاستدراج ترامب لها بدأت قبل أشهر. وأن نتنياهو كان قد حدد شهر حزيران كأبعد توقيت للهجوم، لأن استخباراته أكدت أن إيران قد تكون قادرة على إعادة بناء قدرات دفاعاتها الجوية التي دمرتها الهجمات الجوية الإسرائيلية السابقة في 2024، خلال النصف الثاني من 2025...

كشف تقرير نشرته الواشنطن بوست أمس خفايا القرار الإسرائيلي بمهاجمة إيران في الثالث عشر من هذا الشهر، والذي استند إلى «عقيدة البداية» (Begin doctrine)، وليس لتقييم استخباراتي مؤكد. خطّ رئيس الوزراء السابق مناحيم بيغن هذا المبدأ عندما هاجم مفاعل تموز العراقي في حزيران 1981. ولا أعلم إن كان اختيار شهر حزيران لمهاجمة البرنامج النووي العراقي والإيراني كان محض صدفة، لكن المؤكد أن الاثنين تمت مهاجمتهما وفق ذات المبدأ «عقيدة البداية»، والذي ينص على أن "من المبرر شن هجوم استباقي على أي دولة تشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، بغض النظر عن مدى قرب ودقة هذا الخطر". أي إن مجرد الشك يكفي لشن الهجوم! لكن ما سر هذا التوقيت للهجوم؟

بحسب التقرير، فإن التحضيرات الإسرائيلية للضربة ولاستدراج ترامب لها بدأت قبل أشهر. وأن نتنياهو كان قد حدد شهر حزيران كأبعد توقيت للهجوم، لأن استخباراته أكدت أن إيران قد تكون قادرة على إعادة بناء قدرات دفاعاتها الجوية التي دمرتها الهجمات الجوية الإسرائيلية السابقة في 2024، خلال النصف الثاني من 2025. هذا فضلاً عن الخشية من استعادة إيران لقدرتها على إعادة تفعيل شبكاتها التي تضررت في المنطقة. مع ذلك، فلا يبدو أن هذا لوحده كان كافيًا لاتخاذ (إسرائيل) ومعها الإدارة الأمريكية لقرار الحرب. طبقًا للصحيفة، فإن الاستخبارات الإسرائيلية كشفت أن علماء نوويين إيرانيين اجتمعوا عدة مرات في بداية السنة لمناقشة مشروع بحث (نظري) لإنتاج قنبلة ذرية، مشابه لمشروع آماد (Amad Project) الذي كان يرأسه العالم النووي محسن فخري زاده، والذي اغتالته الاستخبارات الإسرائيلية في إحدى ضواحي طهران في عام 2020 في عملية مثيرة هزت إيران آنذاك. 

ومعروف أن برنامج آماد الهادف لإنتاج سلاح نووي قد بدأ في 1989 وتوقف في 2003 بناءً على تعليمات من المرشد الأعلى «الخامنئي». وعلى الرغم من تأكيد مصادر الاستخبارات الإسرائيلية ومعها الأمريكية أن المشروع الذي كان يناقشه علماء إيران هذه المرة هو مجرد مشروع نظري، وأنهم غير متأكدين مما إذا كان المرشد الأعلى على علم به، إلا أن نتنياهو قرر عدم المجازفة والركون للتقديرات الاستخبارية. فقرار الهجوم وفقًا لذلك كان قرارًا سياسيًا وليس استخباريًا. فعلى ما يبدو، كانت هذه هي القطعة الناقصة التي يحتاجها نتنياهو لإقناع ترامب بأنه لا يمكن المجازفة بانتظار أن يتحول هذا البحث النظري إلى حقيقة فعلية مرعبة. وهذا بالضبط ما جعل ترامب يغضب من مديرة استخباراته التي قالت إن إيران ما زالت بعيدة عن إنتاج القنبلة النووية.

هذه المعلومة أيضًا هي التي جعلت هدف اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين يأخذ أسبقية متقدمة على كل أسبقيات الحرب (الإسرائيلية) الأخرى، مما أدى لاغتيال أكثر من عشرة علماء من الصف الأول، والذين سيكون تعويضهم أصعب بكثير من تعويض المنشآت المضروبة أو قادة الجيش الذين تم اغتيالهم. وتشير الصحيفة إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت على علم بكل ما يفعله العلماء الإيرانيون نتيجة تجنيدها لعملاء من بين الخبراء العاملين في المنشآت النووية الإيرانية، بما فيها فوردو ونطنز. 

لقد بات واضحًا اليوم أن الدرس الأول الذي يجب أن تتعلمه إيران مما حصل هو كيفية حماية العنصر البشري وليس المادي في برنامجها النووي، وهو هدف أصعب بكثير من مجرد تدريب وتعليم العلماء، بل وحتى أبعد كثير من مجرد تحصينهم عقائديًا. إيران اليوم بحاجة لمراجعة شاملة لكل ما جرى قبل أن تقرر مواجهة (إسرائيل) أو أمريكا مرة أخرى.

اضف تعليق