q
ان الذي مرّ بالعراق ينبغي ان يكون درساً عميقاً في الفلسفة السياسية، وان الذي لم يفهمه جيداً، لايصلح للعمل السياسي في العراق، وهذا كل ما نستطيع قوله في هذه السطور، ونضيف ان التوافق بين ساسته يجب ان يكون، ليس على تقاسم السلطة، بل على قراءة هذه المعادلة الفلسفية والمعقدة والتمعن بها، و هو السبيل الوحيد أمامهم ليقودوا هذه البقعة الصعبة من العالم التي اسمها العراق!...

اشترت احدى السيدات كتاباً للفيلسوف البريطاني الشهير (برتراند رسل)، وبعد ان قرأته لم تستطع فهمه، فأخذت الكتاب وذهبت الى الفيلسوف وقالت له: لم افهم من كتابك شيئاً! فرد عليها برتراند رسل بالقول: ماذا افعل لقد اعطيتك كتاباً لأن هذه حرفتي، ولكني لا استطيع ان اعطيك عقلاً،لأن هذا فوق قدرتي!

كتاب برتراند رسل، من دون ادنى شك يصعب فهمه من قبل عامة الناس، لأنه ينطوي على معانٍ وامور عميقة نضحها او عالجها عقل فيلسوف، ولا بد من ان تكون المعالجة بمستوى الموضوعة المطروحة، لذلك لم تستطع هذه السيدة فهمه، لأنها لاتمتلك الثقافة التي تؤهلها لذلك.

العراق لمن يقرأ السياسة جيداً هو اشبه بالفكرة الفلسفية العميقة، والعميقة جداً، وهو بوصفه هذا ظل، لاسيما عبر القرن الماضي يمثل محور جدل الدول الكبرى حول كيفية التعامل معه، كونه يقع في منطقة حساسة للغاية، تعد في الحسابات الستراتيجية عصب الاقتصاد العالمي ومركز توازن اللعبة الدولية بين الكبار، فجنوبه دول الخليج التي تعد منطقة نفوذ مطلق لأميركا والغرب، كونها خزان الطاقة الرئيس في العالم، وشرقه ايران التي لها مشاكل مع هؤلاء، وشماله تركيا التي لها مشاكلها في جنوبها المحادد له، والممتد بعمقه الاجتماعي داخله، وغربه العرب، الذين يرونه منطقة التوازن بينهم وبين ايران وتركيا، وان اختلال هذه المنطقة، يعني اهتزاز الارض تحت اقدامهم، وتحديداً في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ المنطقة التي لايعرف أحد كيف ستكون الصورة بعد ان تهدأ الاحداث التي تعصف بالكثير من دولها العربية.

هذا كله يمثل على مستوى القراءة السياسية قطعة فلسفية معقدة للغاية، وان الذي عليه ان يقرأها هو السياسي العراقي، اذ لا مفر من معرفة المضامين والتدقيق في كل جملة من هذه القطعة الفلسفية، وأي قراءة خاطئة تعني عملياً ارتباكاً في المشهد العراقي على مختلف المستويات، لأن ادوات التأثير في الدول باتت اليوم خارجية بامتياز، مهما كانت الجبهة الداخلية متماسكة وما يحدث لبعض الدول العربية خير مثال على ذلك.

ان القراءة السليمة لموقع العراق وثرواته ودوره، ستأتي بنتائج كبيرة تجعل من العراق دولة مؤثرة في المحيط الاقليمي، وحتى الدولي، حين يتماسك سياسياً ويتفاعل مع العالم من خلال مصادر قوته، من دون ان يخل بشروط اللعبة المرسومة من قبل الكبار، وعندما تكون القراءة غير سليمة فستكون هذه القوة او مصادرها المتمثلة بثروات الطاقة والموقع وبالا عليه، وسيكون هدفاً للتدمير مرة اخرى، وسيغدو ضعيفاً تتناهشه الدول، وان لم تتمكن أي منها، واقصد دول الاقليم كافة، من وضع يدها عليه، لأنه غير قابل للهضم من قبل أي منها، بسبب طبيعة تركيبته السكانية، وانفة شعبه، اضافة لوضعه الحساس دولياً ورفض الكبار في العالم لذلك.

ان الذي مرّ بالعراق ينبغي ان يكون درساً عميقاً في الفلسفة السياسية، وان الذي لم يفهمه جيداً، لايصلح للعمل السياسي في العراق، وهذا كل ما نستطيع قوله في هذه السطور، ونضيف ان التوافق بين ساسته يجب ان يكون، ليس على تقاسم السلطة، بل على قراءة هذه المعادلة الفلسفية والمعقدة والتمعن بها، و هو السبيل الوحيد أمامهم ليقودوا هذه البقعة الصعبة من العالم التي اسمها العراق!.

..................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق