علينا أن نترجم هذه المبادئ إلى برامج عمل وطنية تعزز المواطنة الصالحة والتنمية المستدامة، لنثبت للعالم أن مدرسة الحسين هي منارة للحرية والعزة والتقدم، وأن النهوض بالعراق يبدأ من تأصيل الوعي بهذه الهوية الغنية، وتطبيق دروس كربلاء في كل تفاصيل حياتنا المعاصرة، لنبني عراقًا قويًا مزدهرًا، يحمل رسالة الإمام الحسين إلى كل بقاع الأرض...
يعيش العراقي في صراع طويل بين ماضيه المجيد وحاضره المتغير، بين الهوية التي يحاول البعض طمسها باسم العولمة أو الطائفية أو المصالح الضيقة، وبين انتمائه العميق لأرضه وتاريخه وشعائره الدينية والوطنية التي تغرس فيه معاني الثبات والتجذر. ولعل السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: متى يندمج العراقي مع هويته وتاريخه وعاداته، فيحقق التوازن بين وطنيته العميقة وبين انفتاحه الواعي على محيطه العربي والعالمي؟
الهوية العراقية ليست مجرد مصطلح أكاديمي أو شعار سياسي، بل هي إحساس عميق بالانتماء إلى حضارات سومر وبابل وآشور، إلى كربلاء والنجف وبغداد، إلى الفرات ودجلة والجبال. إنها تلك اللحظة التي تدمع فيها عيناك وأنت تسمع نداءات "يا حسين" في أيام محرم، وتشعر بأنك امتداد لتاريخ من الصبر والكرامة والثورة على الظلم. الشعائر الحسينية ليست فقط طقسًا دينيًا، بل هي مدرسة تربوية وإنسانية تُعلم العراقي كيف يكون حرًا حتى في أقسى الظروف، وتغرس فيه بذور المروءة والتضحية من أجل الآخر.
إن طمس الهوية لا يأتي فقط من الخارج، بل أحيانًا من الداخل أيضًا، حين يتم تغييب اللغة، أو تشويه التاريخ، أو تحويل الشعائر إلى طقوس فارغة من المعنى. لكن رغم كل ذلك، ما زال العراقي الأصيل يربط بين محبته لعائلته واحترامه لعاداته وبين إدراكه لحاجته إلى الانفتاح على العالم. فليس من التعارض أن يكون ابن الرافدين عاشقًا للطمية ويقرأ نعي كربلاء، ويعمل في شركة عالمية، ويتقن لغة أجنبية، ويسافر للدراسة، ويعود ليخدم وطنه.
الاندماج مع الهوية لا يعني الانغلاق، بل هو ما يمنح الإنسان العراقي الثقة في التعامل مع الآخر دون أن يذوب فيه. وحين يعي العراقي أن تاريخه مصدر قوة لا ضعف، سيصبح أكثر قدرة على بناء علاقات متوازنة مع محيطه العربي، ومع العالم أجمع، من موقعه الحضاري والثقافي، لا من موقع التبعية أو التقليد.
المطلوب اليوم هو مشروع وطني ثقافي يعيد الاعتبار للهوية العراقية الجامعة، من خلال مناهج التعليم، والإعلام، والفنون، والشعائر الدينية التي تعزز قيم الوحدة والعدالة والتسامح. يجب أن نُربّي الأجيال الجديدة على أن حبّ الحسين عليه السلام لا يتناقض مع حب الوطن، وأن زيارة الأربعين ليست ضد المدنية، وأن القيم الدينية يمكن أن تكون وقودًا للتنمية لا عائقًا أمامها.
وفي النهاية، حين يصل العراقي إلى هذه المرحلة من التصالح مع ذاته وتاريخه، سيكون قادرًا على العبور إلى المستقبل برأس مرفوع، دون أن ينسى ماضيه، ودون أن يخاف من العالم. في تلك اللحظة فقط، يمكن القول إن العراقي اندمج حقًا مع هويته، وأصبح رقمًا صعبًا في معادلة العالم.
إن قيم عاشوراء، التي جسدها الإمام الحسين عليه السلام في تضحيته العظمى، ليست مجرد ذكرى تاريخية، بل هي منهج حياة متكامل يدعو إلى الثبات على المبادئ، ورفض الظلم والفساد، والسعي نحو العدالة الاجتماعية والإنسانية، إن هذه القيم هي نقطة ارتكاز حقيقية يمكن للعراقي أن يبني عليها هويته المتينة وينطلق منها نحو مستقبل مزدهر، علينا أن نترجم هذه المبادئ إلى برامج عمل وطنية تعزز المواطنة الصالحة والتنمية المستدامة، لنثبت للعالم أن مدرسة الحسين هي منارة للحرية والعزة والتقدم، وأن النهوض بالعراق يبدأ من تأصيل الوعي بهذه الهوية الغنية، وتطبيق دروس كربلاء في كل تفاصيل حياتنا المعاصرة، لنبني عراقًا قويًا مزدهرًا، يحمل رسالة الإمام الحسين إلى كل بقاع الأرض، بأن بالحسين نثبت وبالهوية ننهض.
اضف تعليق