يشهد العراق في السنوات الأخيرة تحولاً ملحوظاً في ذوق الأطفال والمراهقين، حيث انتقل كثير منهم من متابعة الفن الطفولي الهادف، الذي يقوم على التربية والقيم والمبادئ، إلى الانجذاب نحو موجات فنية غربية أو عربية ذات طابع غربي، لا تنسجم في كثير من الأحيان مع بيئة المجتمع العراقي وثقافته وعاداته...
يشهد العراق في السنوات الأخيرة تحولاً ملحوظاً في ذوق الأطفال والمراهقين، حيث انتقل كثير منهم من متابعة الفن الطفولي الهادف، الذي يقوم على التربية والقيم والمبادئ، إلى الانجذاب نحو موجات فنية غربية أو عربية ذات طابع غربي، لا تنسجم في كثير من الأحيان مع بيئة المجتمع العراقي وثقافته وعاداته. وقد ظهر هذا التحوّل بوضوح في بعض الفعاليات الفنية التي ضمت حضوراً لافتاً لأطفال ومراهقين، مثل حفلة الفنان الشامي، حيث أثار الجدل ظهور أطفال يبكون ويتفاعلون بشكل عاطفي مبالغ مع أجواء لا تشبه ما اعتاد عليه المجتمع سابقاً. هذا المشهد، رغم بساطته الظاهرية، يطرح سؤالاً عميقاً: من المسؤول عن هذا التحول؟ وإلى أين قد يقودنا؟
في البداية، لا يمكن إلقاء اللوم على الأطفال، فهم يتلقون ما يُعرض عليهم بلا تصفية، ويجذبهم كل ما هو جديد ومثير. المسؤولية هنا تتوزع بين الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، ووسائل الإعلام. حين يغيب الفن الطفولي الهادف من الساحة، أو يضعف إنتاجه، فإن الفراغ يُملأ تلقائياً بمنتجات ثقافية أخرى، أغلبها مستورَد ويعتمد على الإثارة السريعة بدل بناء القيم. كما أن دخول الهواتف الذكية ومواقع التواصل في حياة الأطفال بعمر مبكر جعلهم أكثر عرضة لثقافات غير مُنقّحة، تتجاوز الحدود الجغرافية والقيم الاجتماعية.
من جهة أخرى، فإن الأسرة العراقية تواجه تحديات كبيرة؛ فالظروف الاقتصادية والسياسية والمعيشية تجعل متابعة الأطفال وتربية ذوقهم الفني مهمة أصعب مما كانت عليه سابقاً. كثير من العوائل أصبحت تسمح لأطفالها باستهلاك المحتوى الفني بلا رقابة، فقط لأنها منشغلة أو مرهقة. ومع ذلك، يبقى للأسرة الدور الأكبر والأهم في توجيه الطفل، فالقيم تُزرع في البيت قبل المدرسة، وما يتربى عليه الطفل في سنواته الأولى هو ما يشكّل ذوقه وهويته فيما بعد.
أما على مستوى المجتمع، فهناك تقصير واضح في إنتاج وتوفير محتوى فني عراقي آمن وجاذب للأطفال. افتقدت الأجيال الحديثة أعمالاً مشابهة لبرامج تربّت عليها أجيال الثمانينيات والتسعينيات وبداية الألفية، التي كانت تجمع بين الترفيه والقيم التربوية. غياب هذه البدائل يدفع الأطفال تلقائياً نحو المحتوى الأجنبي، الذي وإن كان جذاباً، لكنه لا يراعي خصوصية المجتمع العراقي.
السؤال الأهم: هل هذه الحالة طبيعية؟
جزئياً نعم، فالعولمة الثقافية ظاهرة عالمية. لكن ما ليس طبيعياً هو غياب التوازن. التأثر بالعالم الخارجي أمر لا يمكن منعه، لكن دور المجتمع هو أن يوفر بديلاً محلياً قوياً، وفناً قادراً على حماية الهوية وترسيخ القيم دون أن يُشعر الطفل بأنه يعيش في عزلة عن العالم.
هنا على الأسرة أن تعيد دورها الرقابي والتوجيهي دون قسوة، من خلال اختيار محتوى مناسب، ومشاركة الأطفال اهتماماتهم، والتحدث معهم عن الفرق بين الإعجاب الطبيعي بالفن وبين التعلّق المبالغ الذي قد يؤثر في شخصيتهم. وعلى المدارس ووسائل الإعلام ووزارتي الثقافة والتربية أن تعمل على إنتاج برامج وفنون طفولية عراقية حديثة ومنافسة، تجمع بين الجودة والمتعة والقيم.
ختاما إن حماية ذوق الأطفال ليست مهمة فردية، بل مشروع وطني. فالأجيال التي تتشكل اليوم هي من سيحدد شكل العراق غداً، وثقافتها ليست قضية ترف، بل مسألة هوية ومستقبل.



اضف تعليق