الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

مذكرات من جنوب العراق تحكي عذابات قصر النهاية

نضير الخزرجي

اجد متعة غير قليلة في قراءة مذكرات الرجال الذين طبعوا بصماتهم على صفحات العراق وتاريخه ومدنه، وبخاصة من أولئك الذين عاشوا العهد الملكي وامتد بهم العمر والأيام إلى عصرنا، يعرضون ما رأوه وما شاهدوه وما خبروه أو مارسوه إلى جيل العهد الجمهوري.

فـ(غالب مقصود) الذي قذفته حوادث الأيام إلى نيويورك ينقلك عبر (سوالف بغدادية) إلى أحياء بغداد وأزقتها، (فسوالفه) حزمة قصص بغدادية يتشكل بمجموعها جانب من مذكرات الرجل الثمانيني عن بغداد القرن العشرين. والفقيه الراحل السيد محمد الشيرازي، الذي خرج من العراق خائفا يترقب يطارده حكم بالاعدام اصدره بحقه نظام حزب البعث، واستقر به المقام في الكويت ثم مدينة قم المقدسة، حتى انتقل إلى بارئه في العام 2001، وعينه على العراق وقلبه في كربلاء، هذا الفقيه يحدثك في (عشت في كربلاء) عن واقع حال المدينة كما رأها بأم عينه، ويحدثك في (حياتنا قبل نصف قرن) عن الحياة العراقية وطبيعتها كما خبرها، ويصور لك في (بقايا حضارة الإسلام كما رأيت) عن ما تبقى من تلك الحضارة في العراق كما لمسها، ثم يجمع جانبا من السيرة الذاتية في (تلك الأيام) ليقرأ لك من وحي تجربته وخبرته، صفحات من تاريخ العراق السياسي في العهدين الملكي والجمهوري. ويتنقل بك الأديب الدكتور يوسف عز الدين الذي تقلبت به الايام حتى استقر به المقام في مقاطعة ويلز البريطانية، في (الشعر السياسي الحديث في العراق) بين اروقة السياسيين في العهد الملكي، يقدمهم إليك من وحي تجربته الشخصية متحدثا عن بغداد وساستها واحداثها من خلال ما ورد في صدر الأبيات الشعرية وعجزها، لشعراء ذلك العهد. والمهندس المعماري الدكتور محمد مكية الذي تهادت به الأيام إلى لندن، يسير بنا في (خواطر السنين) في ازقة بغداد ومحلاتها ويحدثك عن عقلية الساسة العراقيين في العهدين الملكي والجمهوري.

وينطلق الاقتصادي العراقي عبد الكريم محمد رؤوف القطان الذي حطت سفينته في المملكة المتحدة، من الأزقة نفسها التي عاش فيها محمد مكية، لكنه يتركها صغيرا ليعيش شبابه في مدينة الديوانية، ولذا نضّد حبات حياته في عقد أسماه (مذكرات من جنوب العراق.. من الطفولة إلى المنفى).

القطان رغم العقود التسعة التي يحملها فوق أعواد ظهره، لكن ذاكرته عن بغداد والديوانية هي ذاكرة شاب يافع، يأخذ بيدك، يدور معك على أحياء بغداد والديوانية وأزقتهما، تعيش اللحظة التي عاشها والذكرى التي وضع لبناتها أو عاصرها، فيحدثك وهو المدير العام للبنك التجاري العراقي عن قانون العمل الذي صدر في العام 1924 والذي حصر العمل في وظائف الدولة بحملة الجنسية العثمانية، وحجبها عن الشيعة الذين يشكلون غالبية سكان العراق، حيث عهدت وزارة عبد الرحمن النقيب (إلى العراقيين الأصليين وحدهم بالوظائف العامة)! (ص15).

يحدثك في مذكراته عن حمامات السوق وصابون الرقي الذي دخل في السياسة في عهد عبد الكريم قاسم بعد ان توترت العلاقات بين سورية والعراق، حيث منع الزعيم قاسم (استيراد هذا الصابون نكاية بسورية، التي انضمت إلى مصر مكونتين الجمهورية العربية المتحدة، لذا أصبح استعمال صابون ابو الهيل من قبل القوميين والناصريين مطلبا قوميا، بينما كان الشيوعيون يعتبرون استعماله خيانة للمبدأ!)، (ص22).

يحدثك القطان عن المدارس الحكومية التي حظرها العثمانيون على شيعة العراق وهم غالبية السكان، فاستعاضوا عن المدارس بالمؤسسة الحسينية التي كان من نتائجها (تأسيس مدارس لأبناء الطائفة الشيعية، حيث لم يكن مسموحا إبان الحكم العثماني لأبناء الشيعة الدخول إلى المدارس الحكومية التي كانت وقفا على أبناء الطائفة السنية)، (ص57)، وفي العام 1908 تم تأسيس اول مدرسة جعفرية. (ص79). ومن مهازل السياسة الطائفية ان الشيعة بعدما منعت من دخول المدارس الحكومية ألجأها الدهر إلى الاستفادة من مدارس الأقليات الدينية (أما والدي فقد واصل الدراسة في مدرسة الأليانس وهي مدرسة الطائفة الموسوية في بغداد، وكانت مدرسة ذات مستوى علمي عال، تلقى العلم بها كثير من أبناء الطائفة الشيعية الذين لم يكن مسموحا لهم دخول مدارس السلطات العثمانية)، (ص84).

 ويفند القطان قول الحكومات المتعاقبة على العراق بان غلبة السنة على الوظائف وهم أقلية، يعود إلى أن (أفراد الطائفة الشيعية كانوا يرفضون الالتحاق بالمناصب والوظائف الحكومية نتيجة لفتوى اصدرها مرجع شيعي (!!) وكأنهم لم يسمعوا بالحشد الجماهيري الذي نظمه حزب النهضة الشيعي بين 12 و14 ايلول/سبتمبر 1927 الذي تم به الاعلان عن المطالب بوجوب تخصيص نصف الحقائب الوزارية للشيعة والنصف الثاني للسنة والمسيحيين واليهود، وكذلك المساواة في التعيينات الادارية)، (ص60).

كانت هناك نزعة طائفية في مجال التعليم كما يذهب القطان ويحكيه الواقع المر، وانتقلت هذه النزعة من العهد العثماني إلى العهد الملكي الجديد الذي استبشر به الناس خيرا (لقد كان التوزيع الجغرافي للمدارس مجحفا بالنسبة إلى سكان الألوية الأخرى، فعلى سبيل المثال ان عدد المدارس الابتدائية في لواء الموصل كان آنذاك 63 مدرسة، بينما عددها في لواء الديوانية أربع مدارس فقط.. فهناك مدرسة واحدة لكل 4883 نسمة من نفوس لواء الموصل يقابل ذلك مدرسة واحدة لكل 42259 نسمة في لواء الديوانية)، (ص122).

يحدثك عن مهازل الانتخابات النيابية في العهد الملكي، والتزوير الحاصل فيها (ولعل من اكبر المهازل انتخاب المجلس التأسيسي، حيث تم ترشيح السياسي جعفر جلبي ابو التمن عن قطاع الكاظمية الذي حصل على 19 صوتا، بينما حصل في المنطقة نفسها المرشح المسيحي عبد الجبار الخياط على 22 صوتا، أما المرشح اليهودي فقد حصل على 26 صوتا، هذا مع العلم بأن منطقة الكاظمية كانت منطقة شيعية مغلقة وذات ولاء شديد لعلماء الشيعة الذين رشحوا جعفر جلبي ابو التمن)، (ص61)!

يحدثك عن محطة (الترامواي) أي (كاريات الكاظم) التي تقودها الخيل والحمير، الوسيلة النقلية السريعة انذاك بين بغداد والكاظمية، التي تحولت من شركة حكومية إلى أهلية مساهمة، وكان لجدي لأبي الحاج علي بن عبد الحميد البغدادي الخزرجي المتوفى العام 1910م، الذي اشتهر على لسان البغداديين والكربلائيين بعلي شاه البغدادي، أسهم فيها، (ص72).

هذه الكاريات التي استبدلت بالقطار الذي دخل العراق والذي سماه الأجداد (شمندفر)، وحرّم البعض ركوبه، لمجرد انهم لم يعهدوه من قبل، وذهب قول بعضهم مذهب الأمثال (أتتركون حمير الله وتركبون الشمندفر؟!) وكأن استخدام التكنولوجيا الحديثة سبّة عظيمة، دونها ركوب المحرمات!

ويحدثك عن القراءة الخلدونية (زيزي زيري زيران زيز) التي أتي بها ساطع الحصري أب القوميين العراقيين والعرب، وهو الحلبي ذو الثقافة التركية الذي (رباه الترك وعاش بينهم دهرا من عمره، حتى انه مات وهو لم يحسن النطق بالعربية كما يحسنها العرب، و تظهر العجمة على لسانه من الجمل الخمسة الأولى من حديثه إذا تكلم)، (ص95). ولم يعرف القطان حتى الآن هل الزيز هو (البستوكة أم حب الماء)!

يحدثك عن فن المسرح المفتوح في لواء الديوانية حيث يشهد الاهالي في ذكرى استشهاد الامام موسى بن جعفر في 25 رجب من كل عام، مسرحا مفتوحا يقف على خشبته الامام الكاظم والخليفة هارون العباسي، وتنتهي الحوارات بقرار الخليفة بقتل الامام بالسم.

فن المسرح الذي تعود اليه كل فنون التمثيل، والذي يعتبره المؤرخون اصل الفنون وان واقعة استشهاد الامام الحسين في كربلاء المقدسة، هي ملهمة هذا الفن، ما عاد أهالي الديوانية بعد سنوات يشهدون الحوار والواقعة، لأن الحكومة وبقرار طائفي منعت المراسيم والمسرح المفتوح (ولم يجسر أهالي الديوانية على تحدي قرار الحكومة لانهم بلا شك يعرفون سبب المنع الذي بقي خافيا عليّ طوال سنوات طويلة، إلى أن تفتحت مداركي وعلمت بأن هناك ما يسمى بالطائفية)! (ص122).

ويحدثك بحسرة وألم عن الاعلامي والسياسي العراقي حسن العلوي، وهو في معرض الحديث عن انقلاب البعثيين على حكومة عبد الكريم قاسم، عندما كان القطان في نيويورك في رحلة عمل خاصة بشركة التامين التجاري العراقية (بعد أيام قلائل من عودتي من أميركا، نشرت جريدة صفراء اعتقد كان اسمها الثورة عمودا بقلم حسن العلوي يندد بي، وينعتني بأنواع النعوت الرخيصة التي لا تصدر الا عن أمثاله، قال عني بأني أعجمي وطبعا يقصد عجمي لاني شيعي المذهب مثله، إن كان له مذهب غير مذهب ميشيل عفلق، ذلك المسيحي الذي وعى جيدا الوصايا العشر ووضع منهاج حزبه وتعاليمه بعكسها تماما، وهذا ما كان يطبقه أعضاء حزب البعث كبيرهم وصغيرهم. كان حسن علوي، الذي هو منهم، يطمع بأن يكون مستشارا لصدام كما كان هيكل لعبد الناصر)، (ص258)، وكانت هذه المقالة وامور اخرى سببا لدخول القطان إلى قصر النهاية السيء الذكر الذي عذب فيه البعثيون من خالفهم في الرأي حتى الموت، وجواز الهجرة القسرية عن العراق لاكثر من اربعة عقود.

ويقدم القطان في صفحات كثيرة شهادته ومشاهداته لعمليات التعذيب التي كان يمارسها رجال الحرس القومي في سجن قصر النهاية، ويحدثنا عن وزير خارجية العراق عبد الكريم الشيخلي الذي كان اشد ضراوة على المعتقلين، وكان يُشاهد وملابسه ويده ملطخة بدماء المعتقلين من أثر التعذيب الذي يمارسه هو بنفسه، ويبدي القطان أسفا لأن الشيخلي (عين بعدئذ وزيرا للخارجية في حكومة البعث، وكان يأتي إلى إنكلترا ويجتمع مع رئيس الوزراء في 10 داوننج ستريت، ويصافحه بيده التي كانت تقطر دما)، (ص270).

ويقدم القطان شهادته عن دكتور حزب البعث العراقي الذي كان يشرف على طبابة السجناء ممن بلغ به من التعذيب مبلغا كبيرا، وقد جاء في احد المرات على عجل لمعاينة حالة احد السجناء الذي اخذ يتقيأ دما من شدة التعذيب، وتحاشى القطان ذكره صراحة، ووسمه بحرف التاء (إن الدكتور "ت" هو الآن قطب من أقطاب المعارضة العراقية في الخارج، أما عبد الكريم الشيخلي فقد أرسل له صدام من قتله في الشارع، أما المسكين الذي عذبوه، فانه لما عاد إلى وعيه، انتهز فرصة غياب احد افراد الحرس القومي، وصعد إلى سطح البناية ورمى بنفسه، ومات حال ارتطامه بالارض)، (ص271).

وكان قصر النهاية، الفصل الأخير من حياة القطان في العراق، وكان خروجه منه معجزة بمقاييس نظام حزب البعث العراقي، وله أن يصف خروجه من المعتقل بالمعجزة لان السجن انما اطلق عليه قصر النهاية، لان الداخل فيه لا خروج له منه الا بخروج روحه إلى بارئها على يد عتاة الارض.

والكتاب صادر عن دار الساقي في بيروت في طبعته الاولى العام 2005، في 285 صفحة من القطع الوزيري، وصممت غلافه، السيدة نشوى القطان كريمة صاحب المذكرات.

الاولى

جريمة تدمير ضريحي الإمامين

الاساءة ملة واحدة

رؤية مقترحة للتعاطي مع نزعة التجاوز

إطلالة على سامراء التاريخية

لمحات من سيرة الامامين العسكريين (ع)

قطاف الكلام

التنوير العراقي بين جدلية الدولة

الإصلاح المنقوص

مفهومية التنوير في فكر الامام الشيرازي

التسامح الديني في الإسلام

لغة الارقام

غرانيق في سماء الاستشراق

حوار مع الاستاذ زكي الميلاد

حرب قصف العقول وكسب القلوب

إشكالية الديمقراطية

المجتمع المدني الكوكبي

واحة الحياة

الأ بعاد الروحية للشعائر الإسلامية

واقعة كربلاء.. سفر الخلود

عاشوراء في الذاكرة

سيادة الحق والعدل الاجتماعي

علوم وتقنية

الوعي والثقافة القانونية

اثر السنة والشخصية

محمد علي شمس الدّين وألـفـة المكان الشّعري

شعر اقباسك طاهرة

مذكرات من جنوب العراق

إذا قام الإسلام في العراق للإمام الشيرازي

اصدارات

متابعات

الاخيرة  

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا