الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

الإساءة ملة واحدة: فاتقوا الله!

المس بحرم الإمام الهادي (ع) مؤامرة على حرمات الأمة ووحدة المسلمين

 ادريس هاني

لم يكد جسد الإسلام يستعيد عافيته من جراء الجرح الغائر الذي أحدثته الإساءة لصورة الرسول الأعظم (ص)، وما أحدثه مسلسل التجديف المغرض ضد حرمات ومقدسات وكرامة المسلمين، حتى فقنا على خبر الجريمة النكراء والجبانة التي استهدفت حرم الإمام الهادي (ع) في سامراء.

 حدث لم يكن من ثمراته المتوقعة حرف الموضوع عن الإساءة للرسول الأعظم وإشغال جزء كبير ومهم من الأمة عن حملة الإحتجاج على الإساءة المذكورة، فحسب، بل إنها تنوي من خلال هذا التوقيت الملفت للنظر، إشعال فتنة طائفية، بالتأكيد هي أفيد ما تكون لمن صمم على استهداف الأمة في حاضرها ومستقبلها. ومرة أخرى يتبين أن محترفي الإرهاب من الذي ما فتئوا يزيدوا في الطين بلة، ويراكموا من عوامل الفتنة ما يبرر تأبيد المحتل في العراق. وهم يوما بعد يوم يعمقون الجرح ويثيرون الوجع، غير مبالين بوحدة المسلمين ولا بواجب لم الشعث. حيث من كان حريصا على تفتيت الأمة إلى أكثر من فسطاط فهو على تفتيت العراق أحرص. إن ما حدث بلا شك ليس من براءة اختراع المحتل (الذي يوما بعد يوم يدرك أن المعضلة الطائفية ورقة رابحة تفيده في تمرير مخططاته)، بل هي نزعة قديمة وحلم لطالما راود فاسدي الضمير من هذه الأمة، لما بلغ بهم الجنون يوما أن فكروا في تدمير ضريح الرسول الأعظم (ص) بعد أن أرضوا رغبتهم في تدمير مشاهد الصحابة بالبقيع.

 لقد تحلى شيعة العراق حتى اليوم برباطة جأش لا مثيل لها رغم كل ما جرى من قبل حفنة دموية، هي أقليات صغيرة مهملة تختبئ داخل أقلية أخرى مغلوب على أمرها (وإن كانت لغة الأقلي والأكثري أمرا لا يليق بأمة مسلمة يجمعها رب واحد ونبي واحد وكتاب واحد وتاريخ واحد، وإن كان أيضا هذا هو الواقع الذي فرضه الجهل والمكابرة والشروط المزرية لوجود الأمة). ولعل ثقافة الانقياد لقرار المرجعية والانضباط بفتاواها، هي صمام الأمان الوحيد الذي أنقذ العراق من فتنة طائفية هوجاء لا تبقي ولا تذر.

مرة أخرى تمتد يد فاسدي الضمير، وقوى الطائفية والإرهاب للتطاول على مقدسات الأمة، استفزازا لطائفة كبيرة من المسلمين هم أغلبية أهل العراق بلا منازع. وهو قدر العراق وليس أمرا متخيلا مطروحا للمزايدة والمكابرة. في هذا الإطار، يتحمل علماء الطائفة السنية مسؤولية كبرى حتى وإن كانوا ضد هذه الاستفزازات اللامسؤولة. مسؤولية (ليس تجاه إخوانهم الشيعة الذين يشاركونهم كل الكوارث التي حلت بفناء المسلمين وديارهم فحسب، بل) تجاه الأمة ومصيرها المهدد بفتنة طائفية عمياء، تسعى إليها شرذمة لا زالت تجلب الويل على هذه الأمة، وتدخلها في مآزق، المرة تلو الأخرى بلا أدنى روية أو قليل تأمل.

 على علماء المدرسة السنية أن يوقفوا زحف فتن تتفاحش اليوم في ظلاميتها كقطع الليل، ليلها كنهارها. فهم مسؤولون أمام الله وأمام التاريخ، بأن لا يجعلوا الفتوى صنعة مستصاغة لأغيلمة لم تنهل من موارد العلم ما تهذب به نفوسها المتعطشة لقتل النفس المحترمة ولا اكتسبت من تجارب الأمم ما تنمي به ملكاتها المتراخية في استبصار الأمور على النحو الأحكم. فلا زلنا نرى العلماء السنة عاجزين عجزا فاحشا، عن قول رأيهم في حق هذا الإرهاب السافر وهذا الجهل العريض الذي صادر حقهم في القول الصريح وفي الفتيا المحكمة. لم تعد المشكلة في أن تشكك هذه الشرذمة الدموية في عقائد أتباع مدرسة أهل البيت (ع) في التوحيد، حيث مجال ذلك مفتوح لمناظرات بناءة، تجعل تهمة الشرك في حق هذه المدرسة دونه خرط القتاد، بل إن المسألة اليوم تتجلى في إرادة ترتيب ثمرات تنفيذية على أحكام جاهلة، تجعل دماء أبناء هذه المدرسة مستباحة من جهة واحدة، بينما لا يزال الموقف الشيعي كما تعبر عنه مؤسساته ومرجعياته وأعلامه قاضي بإسلام كل من ينتمي لهذه الأمة شيعة وسنة. التصدي للفكر الطائفي الإستئصالي واجب تمليه ضرورة التقريب والوحدة بين المسلمين. لأن الشرذمة التي تقتل الشيعة اليوم، مستعدة غدا للفتك (كما هو تاريخها) بأهل السنة أيضا. فتاريخ إجهازها على الشوافع والمالكية ليس ببعيد.

 علينا أن نتذكر بأن فعلا شنيعا كهذا أمر حدث مثله في تاريخنا من قبل شرذمة أو أشخاص لا يمثلون ضمير الأمة ولا أغلبيتها.

فلقد سبق أن قصفوا الكعبة بالمنجنيق، واستباحوا المدينة، ودمروا البقيع، وهموا بتدمير قبر الرسول الأعظم (ص) واستباحوا كربلاء وعاثوا فيها فسادا. . وهذا معناه أن النزعة نفسها تحين نفسها وتحاول إعادة تاريخها الأسود. علينا أن نتذكر أيضا، بأن أهل السنة دائما وفي الأعم الأغلب كانوا ولا زالوا ضد هذه الأفعال التخريبية التي تنبئ عن فساد الضمير. وبأن مواقف المسلمين ضد حدث تدمير البقيع والهم بتدمير ضريح الرسول الأعظم (ص) جاءت من عموم العالم الإسلامي وليس من الشيعة فحسب. من هنا تعين على علماء ومفكري السنة التصدي بلا هوادة لهذا الفكر التخريبي، وأن يتجاوزا الإدانة الباردة المجردة،بتدابير فعالة عبر أنشطة العمل التقريبي والتدبير المشترك لأزمة الأمة من منطلق الوعي الموحد تجاه مصير الأمة لا من زوايا طائفية ضيقة. وإذا كان الأمر كذلك، فإن المسؤولية عظمى على مراجع الشيعة وعلمائهم وفواعلهم، بأن يتحلوا بأقصى الصبر فيما يحدث بين الفينة والأخرى من تدمير لمقدساتهم وسفك لدمائهم. ذلك باعتبار أن المطلوب من هذه الأعمال التخريبية استفزاز الشيعة ودفعهم باتجاه التطرف والغلو، ومنح الشرذمة فاسدة الضمير مبررا لوجود فكرها الإستئصالي الجهنمي. وهذا يعني السعي إلى تمتين العلاقة مع الكيان السني وبلورة مشاريع مشتركة لحماية الأمة من الفتنة. كمقدمة الواجب لاستمرار العمل من أجل مزيد من التقريب بين الفرقاء. لا يجب على السنة أن يدفعوا ضريبة هذا الجهل والرعونة والفعل اللامشروع الذي تقوم به شرذمة صناعة الموت العبثي، ولا أن يكونوا ضحية ردود الفعل الشيعية المتوقعة. فهاهنا تختبر شيعية الشيعي لأهل بيت النبوة بمزيد من الصبر والتسامح والانضباط بأحكام الشريعة القاضية بأن لا تزر وازرة وزر أخرى. فمقدسات السنة هي مقدسات الشيعة، هم أولى بالدفاع عنها، لأنها عنوان وحدة الأمة وكرامتها واستقرارها. على الشيعة أن لا يردوا بالمثل في هذا المقام، نظرا لما من شأنه أن يترتب على ذلك من أضرار تصيب الأمة في الصميم. على أن لا تكون حركتهم خارج الحكمة الروية والفقه المنضبط. فلا عصبية إلا ما يوجب دفع الضرر بالمقدار الذي توجبه الضرورة. بل على الشيعة أن يرفعوا عنوان التسامح والاحتجاج على كل ضروب الاستئصال والكراهية، ولا يستجيبوا لداعي العصبية والغلب في مفهومهما الرجعيين، مهما كان الاستفزاز الطائفي، الذي يؤكد يوما بعد يوم أنه يعيش ساعته الأخيرة، ويلفظ أنفاسه إلى الجحيم بلا رجعة. غير أن هذا لا يمنع شيعة العراق من أن يكونوا يقظين، وأن يتصدوا للإرهاب الذي يستهدف وجودهم، بفقه وأخلاق، دون تعدي ولا التساهل في رفع أي شعار يشتم منه رائحة طائفية أو عصبية نكراء. إن جزءا من استراتيجيا دحرهم للإرهاب الطائفي، هو أن يتحلوا بمزيد من التآزر وتعزيز الجبهة الداخلية من جهة والعمل على الوحدة والتعايش مع السنة من جهة ثانية.

إن التذرع بالاحتلال لتصفية الحسابات الطائفية واستدراج الأمة للفتن، لن يبرر لهذه الشرذمة التي باتت تفكر بالوكالة عن الأمة وخارج المشروعية التي تتقوم بقرار أهل الشأن والخبرة من العلماء. فلا يخفى أن الذي جاء بالمحتل وجلب العار على الأمة وشجع على الإساءة لصورة الرسول الأعظم (ص) هم هؤلاء أنفسهم الذين سمحوا لأنفسهم اليوم بأن يعتدوا على مشهد مقدس لأحد أبرز أحفاذ النبي (ص) ألا وهو الإمام الهادي (ع). وقد بدا أن تعطشهم للدماء البريئة بلغ حد العطاش. فمن تفجيراتهم لحرم الإمام الحسين، وجسر الأئمة والتفجير شبه اليومي لفضاءات العموم ؛ للحارات والأسواق والمساجد، هاهم اليوم يتطاولون بجبن وخسة لتدمير مشهد، بالتأكيد لن يستطيعوا تدمير مكانته في قلوب محبيه في هذا العالم العريض. على هذه الشرذمة أن تدرك بأن لها الحق في أن تتبنى أفكارها وتدافع عنها بعلم وأخلاق. وسيكون المسلمون قابلين بها مدرسة قائمة ما لم تحرض على قتل النفس المحترمة. بل نتمنى أن ينبثق من داخل هذا الركام، سلفية علمية ناضجة، تدين العنف والطائفية، وتقبل بالعيش المشترك،وتتحول إلى مدرسة أو مذهب كلامي، يساهم في النقاش الحر والحيوي للفكر الإسلامي المعاصر. وسيكتشف هؤلاء بأن المسلمين والشيعة في مقدمتهم، معنيون بالدفاع عن حقها في التعبير عن رأيها ووجودها. ما دام أننا نسلم بأن هؤلاء مسلمون. وجزء من هذه الأمة.

إن ليل الطائفية حتما سينجلي، وإن لملحمة سفك الدماء المحترمة نهاية لا محالة. على أن المسيئين لحرم الإمام الهادي (ص) حفيد الرسول الأعظم (ص) هم من سنخ المسيء لصورة لرسول (ص). فالإساءة ملة واحدة!

الاولى

جريمة تدمير ضريحي الإمامين

الاساءة ملة واحدة

رؤية مقترحة للتعاطي مع نزعة التجاوز

إطلالة على سامراء التاريخية

لمحات من سيرة الامامين العسكريين (ع)

قطاف الكلام

التنوير العراقي بين جدلية الدولة

الإصلاح المنقوص

مفهومية التنوير في فكر الامام الشيرازي

التسامح الديني في الإسلام

لغة الارقام

غرانيق في سماء الاستشراق

حوار مع الاستاذ زكي الميلاد

حرب قصف العقول وكسب القلوب

إشكالية الديمقراطية

المجتمع المدني الكوكبي

واحة الحياة

الأ بعاد الروحية للشعائر الإسلامية

واقعة كربلاء.. سفر الخلود

عاشوراء في الذاكرة

سيادة الحق والعدل الاجتماعي

علوم وتقنية

الوعي والثقافة القانونية

اثر السنة والشخصية

محمد علي شمس الدّين وألـفـة المكان الشّعري

شعر اقباسك طاهرة

مذكرات من جنوب العراق

إذا قام الإسلام في العراق للإمام الشيرازي

اصدارات

متابعات

الاخيرة  

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا