خلال الحرب العالمية الثانية كانت علاقة الحزب الجمهوري المتقلبة بالسياسة الحربية للرئيس فرانكلين د روزفلت تعكس مزيجا من المعارضة المبدئية والانتهازية السياسية وعدم وجود توافق داخلي. لقد كان من الطبيعي ان تكون سياسة الاستسلام غير المشروط التي تم الإعلان عنها في يناير 1943 مثيرة للجدل...
بقلم: مارك جاليتشيو

فيلادلفيا- لقد كانت هناك نقاشات حادة في الولايات المتحدة الامريكية في صيف سنة 1945 تتعلق بسياسة الحلفاء الخاصة بطلب الاستسلام غير المشروط في الحرب العالمية الثانية وبطريقة أو بأخرى ما زال هذا الجدل قائما منذ ذلك الحين حيث كان هناك جدل يتعلق بتغير الطريقة التي يتعامل بها الامريكان مع الحرب الباردة وتدخلات ما بعد الحرب الباردة في الشرق الأوسط وفي واقع الأمر فإن المواقف المتغيرة للحزب الجمهوري فيما يتعلق بالاستسلام غير المشروط خلال الحرب العالمية الثانية تكشف لنا الانقسامات الداخلية ضمن الحزب وهويته الجماعية.

خلال الحرب العالمية الثانية كانت علاقة الحزب الجمهوري المتقلبة بالسياسة الحربية للرئيس فرانكلين د روزفلت تعكس مزيجا من المعارضة المبدئية والانتهازية السياسية وعدم وجود توافق داخلي. لقد كان من الطبيعي ان تكون سياسة الاستسلام غير المشروط التي تم الإعلان عنها في يناير 1943 مثيرة للجدل لسبب بسيط وهو ان روزفلت هو الذي قام بعمل تلك السياسة. لقد كان الهدف من البرنامج المثالي للصفقة الجديدة هو رعاية الديمقراطية ذات القاعدة العريضة اقتصاديا في المجتمعات التي سعت سابقا للغزو والقهر.

بالنسبة للمحافظين في الولايات المتحدة الامريكية كان هذا المشروع مثالا على الايدولوجية الليبرالية غير المنضبطة حيث لم يجدوا أي مبرر لنشر الليبرالية في اليابان الامبريالية وعليه طالبوا بتغييرات في السياسة بعد وفاة روزفلت في ابريل من سنة 1945 واستسلام المانيا في الشهر الذي يليه. لقد حذّر معظم الجمهوريين – وذلك من أنصار النظرة العالمية لأمريكا في الساحل الشرقي والى الانعزاليين في فترة ما قبل الحرب على حد سواء- من ان الجهود المبذولة لإصلاح المجتمع الياباني لن يكتب لها النجاح.

بحلول نهاية مايو، اصبحوا يعتقدون ان تعديل عام لأهداف الحرب الامريكية سوف يساهم في تسريع الاستسلام الياباني ولقد كان أهم "توضيح" (وهو المصطلح الذي كان يفضله المحافظون) هو طمأنة اليابانيين ان إمبراطورهم يمكن ان يحتفظ بالعرش.

لقد كان الوقت ينفذ بسرعة فلقد كان الروس جاهزين للانضمام لحرب المحيط الهادئ وكانت هناك خطط لانزال امريكي في اليابان لشهر نوفمبر. لقد كان المحافظون يأملون ان تنازل بالنسبة لموضوع الامبراطور سوف يمنع الاحتلال السوفياتي لشمال شرق اسيا ويجنب الأمريكان غزوا مكلفا.

لقد زاد الجدل مع وجود جمهوريين من كلا المعسكرين يضغطون على الرئيس هاري ترومان لتعديل سياسة الاستسلام غير المشروط ولكن ترومان لم يتأثر بالضغوطات ورفض ان يعرض على الامبراطور أي ضمان وفي 26 يوليو وجه الحلفاء تحذيرا لليابانيين انهم يواجهون تدميرا وشيكا وشاملا لو استمروا بالحرب ولكن اليابانيين لم يغيروا موقفهم.

وجاءت النهاية سريعة ففي السادس من أغسطس تم تفجير القنبلة النووية الأولى فوق هيروشيما وفي الثامن من أغسطس أعلن السوفيات الحرب على اليابان وفي اليوم التالي قتلت القنبلة النووية الثانية بشكل فوري 39 الف شخص من سكان ناغازاكي وفي 14 أغسطس استسلمت اليابان حيث تم اخضاع الامبراطور هيروهيتو وشعبه لسلطة القائد الأعلى للقوى المتحالفة وهو الجنرال الأمريكي دوغلاس مكارثر.

وبعد ذلك بخمسة أيام نشرت صحيفة شيكاغو تربيون وهي لسان حال المعادين للتدخلات ضمن الحزب الجمهوري مقالات لاحد مراسليها وهو والتر تروهان يدعي فيه انه في يناير من سنة 1945 ارسل مكارثر الى روزفلت تقرير سري للغاية يظهر ان اليابانيين كانوا راغبين بالاستسلام ولقد اختفى التقرير بشكل غامض عندما وصل للعاصمة واشنطن ولكن تروهان أكد للقراء ان التقرير كان حقيقيا ولقد احتدم النقاش حول هذا الموضوع بعد ان أدعى الرئيس الجمهوري السابق هيربرت هوفر وهو من الأنصار المتشددين للتعديل ان متعاطفين مع الشيوعية في وزارة الخارجية الامريكية منعوا ترومان من اخبار اليابانيين بإن بإمكانهم الاحتفاظ بإمبراطورهم.

في مايو من سنة 1951 وبعد فترة هدوء مؤقت استمرت لخمس سنوات تعززت تلك التخمينات خلال تحقيق مجلس الشيوخ في طرد ترومان لمكارثر. لقد استخدم بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين ما اصبح يطلق عليه لاحقا "الحقائق البديلة" حيث ادعوا ان هيروهيتو حاول الاستسلام للحلفاء مبكرا أي في فبراير 1945 –أي بعد شهر من الاختفاء المزعوم لتقرير مكارثر- ولقد أصر هؤلاء على انه قد تم احباط جهود هيروهيتو من قبل متعاطفين مع الشيوعية في واشنطن حيث استخدموا الاستسلام غير المشروط من اجل إطالة امد الحرب والسماح للسوفيات باجتياح منشوريا ومساعدة الصين الشيوعية.

لقد كانت نظرية المؤامرة تلك جزءا من هجوم جمهوري أوسع على الديمقراطيين على "خسارتهم" المفترضة للصين. ان معظم انصار تلك النظرية كانوا من بقايا الانعزاليين الذين زعموا ان روزفلت استفز الهجوم الياباني على بيرل هاربر في ديسمبر 1941 وطبقا لهذه الرواية فإن سياسة الاستسلام غير المشروط كانت تتويجا لمؤامرة روزفلت الشريرة المتعلقة ببيرل هاربر.

لكن خلال خمسينيات القرن الماضي، هيمن على الحزب الجمهوري أشخاص أصحاب نزعة عالمية وليس لديهم اهتمام يذكر في إعادة البحث في نهاية الحرب او طرح تساؤلات تتعلق باستخدام الأسلحة النووية والتي أصبحت أساس السياسة الدفاعية للولايات المتحدة الامريكية. لقد نجح المعادون لسياسة التدخلات والذين شعروا بالتهميش، في الإبقاء على فكرة المؤامرة حية ضمن معاقل اليمين المتطرف حيث نشروا مقالات مطولة مليئة بالشكوى والنواح بعناوين مثل "بينما انت نائم، كان العدو خلفه" و"هيروشيما: هجوم على عدو مهزوم " وهو مقال نشر في مجلة ذا ناشنول ريفيو وكتبه هاري ايلمر بارنز والذي يكره روزفلت بشده علما انه اصبح في نهاية المطاف من الأشخاص الذين ينكرون حدوث المحرقة النازية "الهولوكوست".

بحلول منتصف ستينيات القرن الماضي، تعرضت سياسة الاستسلام غير المشروط لانتقادات جديدة وهذه المرة من قبل مؤرخين يساريين كانوا يعملون على تقييم الدور الأمريكي في الحرب الباردة على ضوء التصعيد في فيتنام ولقد جادل البعض ان ترومان تمسك بالاستسلام غير المشروط لانه أراد ان يستخدم القنابل النووية لترهيب الاتحاد السوفياتي وبحلول منتصف تسعينيات القرن الماضي، أصبحت وجهة النظر تلك منتشرة بشكل كبير في الأوساط الأكاديمية لدرجة ان تصبح جزءا من معرض معهد سميثسونيان لإحياء الذكرى الخمسين لنهاية الحرب. أثار التحريفيون صيحات الاحتجاج من المدافعين عن الجيل الأعظم، ومن المفارقات انه كانت هناك احتجاجات من العديد من الجمهوريين.

لكن نظرية المؤامرة بقيت لدى اقصى اليمين في أماكن مثل معهد المراجعة التاريخية وهو مقر الذين ينكرون وقوع الهولوكوست وجمعية جون بيرش وفي سنة 1995 أضاف المنتمون الى جمعية بيرش بعدا اخر وذلك عندما جادلوا بإن المتآمرين اقنعوا ترومان بمعارضة التنازلات واستخدام الأسلحة النووية لأنهم كانوا يأملون انه بعد ان يدرك الامريكان القوة التدميرية للأسلحة النووية فإنهم سوف يتخلوا عن سيادتهم للأمم المتحدة وذلك من اجل منع حصول كارثة نووية.

لكن بحلول ذلك الوقت تغير الكثير منذ الأيام التي كان فيها الجمهوريون يشككون في قدرة أمريكا على تغيير مجتمع ما بعد تغيير النظام ففي سنة 2003 استشهد الرئيس جورج بوش الابن ومناصروه بالاحتلال الناجح لليابان كدليل على ان الولايات المتحدة الامريكية ستكون قادرة على جعل العراق بلدا ديمقراطيا وبعد أسبوعين من الغزو أعلن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد ان الولايات المتحدة الأمريكية تسعى للاستسلام غير المشروط لصدام حسين.

قد يكون من المغري الاستنتاج ان معارضة الحزب الجمهوري لسياسة الاستسلام غير المشروط من حقبة الحرب العالمية الثانية والتي تم نسيانها لفترة طويلة ليست ذات أهمية كبيرة اليوم ولكن الحزب الجمهوري لسنة 2020 لم يعد حزب دوايت ايزنهاور أو حتى بوش فالحزب قد أصبح مجددا خلية نشطة لأنصار نظرية المؤامرة والذين يلقون التشجيع من رئيس استسلم له ناخبي الحزب بشكل غير مشروط.

* مارك جاليتشيو، أستاذ التاريخ بجامعة فيلانوفا ومؤلف كتاب "غير مشروط: الاستسلام الياباني في الحرب العالمية الثانية"
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق