q
إسلاميات - اهل البيت

رائد العدالة

الرائد العادل الذي تنفس الفقراء في عهده وشعروا بطمأنينة وراحة حيث قال فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا اعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من ارضها شبرا، فقد أثبت إن سيد القوم خادمهم والقائد الناجح ذاك الذي يشعر بمن هم تحت إمرته فقد كان يسكن في أبسط المنازل ويأكل أبسط الطعام ويعيش بأبسط ما يمكن كي لا يفلت آه من ضلوع الفقراء والمحتاجين بل يرتاح بالهم لأن وليهم وقائدهم يعيش في نفس المستوى ولكن، أين القادة من هذه السلوك؟

أيتها الكلمات خذي أماكنكِ بأجمل ما يمكن، إستعدي أيتها الورقة للعظَمة والسمو، فكلامي ليس عن رجل عادي يأكل ويشرب ويضيع اسمه في سجل التاريخ، بل عن شخص كان ولازال عظيماً ليس له مثيلاً في التاريخ، مهما يمر الزمان يبقى اسمه عالياً رغم الأعداء ومن يريد إمحاء اسمه، ها هي الكعبة لازالت تصرخ بصمت من تحت العباءة السوداء لتقول هنا وُلد ميزان الحق، النبأ العظيم، مظهر العجائب المرتضى علي بن أبي طالب عليه السلام، فرغم المحاولات الكثيرة التي باءت بالفشل من حيث إعادة البناء في الركن المستجار، وحضور أفضل وأروع المهندسين وإستعمال أفضل الأصباغ للقضاء على ذلك الإنشقاق الذي حصل في ذلك الجدار، حتى الكعبة خضعت له، كل شيء سيركع أمام الحق بإرادة الله وسيقول الكافر يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً...

من شهد بفضائله الصغير والكبير العبد والمملوك، المحب والمبغض، الأنبياء والمرسلون، ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، أهل السماوات والأرضين البعيد والقريب.

فقد ورد في (الفضائل الخمسة من الصحاح الستة)، أن رجلا أتى به إلى عمر بن الخطاب وكان صدر منه أنه قال لجماعة من الناس - وقد سألوه كيف أصبحت - قال: أصبحت أحب الفتنة، وأكره الحق، وأصدق اليهود والنصارى، وأؤمن بما لم أره، وأقر بما لم يخلق، فأرسل عمر إلى على عليه السّلام فلما جاءه أخبره بمقالة الرجل فقال: صدق يحب الفتنة قال اللَّه تعالى:*(إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)* ويكره الحق يعنى الموت، قال اللَّه تعالى: *(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) * ويصدق اليهود والنصارى، قال اللَّه تعالى: *(وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) * ويؤمن بما لم يره، يؤمن باللَّه عز وجل ويقر بما لم يخلق، يعنى الساعة فقال عمر: أعوذ باللَّه من معضلة لا عليّ بها).*1

‎عن سعيد بن المسيب قال: سمعت عمر يقول: (اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب حيا)*2

‎عن هارون الحضرمي قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) *3

وعن بعض الفضلاء وقد سئل عن فضائله (عليه السلام) فقال: (ما أقول في شخص أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفى أولياؤه فضائله خوفاً وحذراً، وظهر فيما بين هذين ما طبقت الشرق والغرب ).*4

و‎قال الدكتور طه حسين: ( كان الفرق بين علي (عليه السلام) ومعاوية عظيماً في السيرة والسياسة، فقد كان علي مؤمناً بالخلافة ويرى أن من الحق عليه أن يقيم العدل بأوسع معانيه بين الناس، أما معاوية فإنه لا يجد في ذلك بأساً ولا جناحاً، فكان الطامعون يجدون عنده ما يريدون، وكان الزاهدون يجدون عند علي ما يحبون)*5

فقد غصب حقه وأخفى فضائله كي يبتعد عنه الناس ولا يتمسك أحد به، فقد كرهه بعضهم لكثرة فضائله وحداثة سنه كماروى أبو بكر الأنباري في ( أماليه ) أنَّ علياً (عليه السلام) جلس إلى عمر في المسجد، وعنده ناس، فلمَّا قام عرض واحد بذكره، ونسبه إلى التيه والعجب، فقال عمر: حقَّ لمثله أن يتيه! والله لولا سيفه لمَّا قام عمود الإسلام، وهو بعد أقضى الأمة وذو سابقتها وذو شرفها، فقال له ذلك القائل: فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه ؟ قال: كرهناه على حداثة السن وحبه بنى عبد المطلب))*6

إنه كان من ازهد الزاهدين ومن احكم الولاة والرواد عندما وصل الى الحكم الظاهري الذي قد غصب، أخذوه إلى بيت من بيوت الكوفة ولكن لم يقبل أن يدخل فيه قال جدران هذا البيت أعلى من بيوت الفقراء لم أسكن هذا البيت و اختار لنفسه بيتاً كبيوت الآخرين من عامة الناس وكان يقول عليه السلام: "إِنَّ الدُّنْيَا نَعِيمُهَا يَتَنَقَّلُ وَ أَحْوَالُهَا تَتَبَدَّلُ وَ لَذَّاتُهَا تَفْنَى وَ تَبِعَاتُهَا تَبْقَى، فَأَعْرِضْ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ تُعْرِضَ عَنْكَ، وَ أَبْدِلْ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَبْدِلَ بِكَ*7

يقول ابن ابي الحديد: انه ما شبع من طعام قط، وقد اتي له بفالوذج وهو حلواء تصنع من الدقيق والماء والعسل، فلما رآه قال(ع): "انه طيب الريح، حسن اللون، طيب الطعم، ولكن اكره ان اعوَّد نفسي ما لم تعتد".

وقد روى الامام ابو جعفر(ع) قال: «اكلَ عليٌّ من تمر دقل ثم شرب عليه الماء، وضرب يده على بطنه وقال: من ادخله بطنه النار فابعده الله»

هكذا كان يفعل ذلك الرائد العادل الذي تنفس الفقراء في عهده وشعروا بطمأنينة وراحة حيث قال فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا اعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من ارضها شبرا.

فقد أثبت إن سيد القوم خادمهم والقائد الناجح ذاك الذي يشعر بمن هم تحت إمرته فقد كان يسكن في أبسط المنازل و يأكل أبسط الطعام ويعيش بأبسط ما يمكن كي لا يفلت آه من ضلوع الفقراء والمحتاجين بل يرتاح بالهم لأن وليهم وقائدهم يعيش في نفس المستوى ولكن، أين القادة من هذه السلوك؟

فقد وصلت الأمة إلى هذه المآسي لأن بعضهم يظن لون دمه أجمل من غيره لذلك يريد أن يثبت العز والشرف لنفسه ولأقربائه كي يشعر المجتمع بأنه نزل من السماء وهناك فرق شاسع بين العائلة الملكية،النواب وغيرها من أناس عاديين ولكن أمير المؤمنين عليه السلام كان يعرف ربه ويعرف نفسه ولا يحتاج إلى تلك التعقيدات كي يثبت نفسه بالعكس تماما من خلال بساطته وأفعاله بين ان العظمة لا تحتاج إلى قصور وأموال بل تحتاج إلى صدر كبير يملأه الحب والإنسانية قربة إلى الله تعالى ليعلم العالم هذا الدرس العظيم من ذلك القائد العظيم

سلام عليه يوم ولد في كعبة مكان ذكر الله وحين استشهد في محراب ذكر الله وحين يبعث ويفرق بين الحق والباطل وبين من كان يذكر الله ومن يذكر نفسه.

------------------
المصادر
‎1-(فضائل الخمسة من الصحاح الستة، السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي، ج2، ص290).
‎2-المناقب، الموفق الخوارزمي، ص97، ح98.
‎3-فرائد السمطين:1/79
‎4-8مقدمة المناقب للخوارزمي : ص
‎5-علي وبنوه ص59
‎6-شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج12، ص82
7-‎عيون الحكم و المواعظ: 144

اضف تعليق