إن استمرار هذه الطبقة الطفيلية في نهب موارد الدولة، دون رادع، يُهدد مستقبل العراق، ويُكرّس الفقر والبطالة، ويُقوّض ثقة المواطن في الدولة. لذلك، فإن الحاجة ماسة إلى ثورة إصلاحية شاملة، تبدأ بإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس الكفاءة والنزاهة، وتفعيل دور القضاء والرقابة، وتفكيك شبكات الفساد...

منذ سقوط النظام السابق عام 2003، شهد العراق تحولات سياسية واقتصادية عميقة، كان من أبرز نتائجها نشوء طبقة طفيلية سياسية-تجارية، تمكنت من التغلغل في مفاصل الدولة، واستغلال مواردها بطرق ممنهجة، تحت غطاء قانوني وشعارات ديمقراطية زائفة.

بدأت هذه الطبقة بالتشكل عبر نظام المحاصصة الطائفية والعرقية، الذي قسم مؤسسات الدولة بين الأحزاب السياسية، مما أتاح لها السيطرة على الوزارات والهيئات الحكومية. هذا التقسيم لم يكن فقط لتوزيع السلطة، بل أصبح وسيلة لتقاسم الموارد والوظائف والمناصب، مما أدى إلى تحويل الدولة إلى كيان هش، تتحكم فيه شبكات مصالح حزبية وشخصية.

اعتمدت هذه الطبقة على عدة آليات لنهب المال العام، منها:

-العقود الوهمية والمناقصات المشبوهة: حيث يتم ترسية المشاريع على شركات مرتبطة بالأحزاب، دون مراعاة للكفاءة أو الجودة، مما أدى إلى هدر مليارات الدولارات.

- التحكم في المنافذ الحدودية والجمارك: إذ تُفرض إتاوات على التجار، وتُسهّل عمليات التهريب، مما يحرم الدولة من إيرادات ضخمة.

- الاستيلاء على العقارات والأراضي: من خلال التلاعب في سجلات الطابو، وشراء الأراضي بأسعار زهيدة، ثم بيعها بأسعار مضاعفة.

- التحكم في سوق العملة: عبر مصارف مرتبطة بالأحزاب، تستفيد من فروقات أسعار الصرف، وتقوم بعمليات غسيل أموال.

كما تشكلت ما يُعرف بـ"الدولة العميقة"، وهي شبكة من المسؤولين والموظفين المرتبطين بالأحزاب، الذين يعملون على حماية مصالح الطبقة الطفيلية، وتعطيل أي محاولات للإصلاح أو المحاسبة. هذه الشبكة تمتلك نفوذًا واسعًا في القضاء، والرقابة، والأجهزة الأمنية، مما يجعل من الصعب تفكيكها أو محاسبتها.

و رغم تشكيل العديد من الهيئات الرقابية، وإطلاق حملات لمكافحة الفساد، إلا أن معظمها كان شكليًا، ولم يُسفر عن نتائج ملموسة. السبب الرئيسي في ذلك هو غياب الإرادة السياسية الحقيقية، وتغلغل الفساد في جميع مستويات الدولة، مما يجعل من الصعب محاسبة المتورطين دون المساس بمصالح الأحزاب المتنفذة.

إن استمرار هذه الطبقة الطفيلية في نهب موارد الدولة، دون رادع، يُهدد مستقبل العراق، ويُكرّس الفقر والبطالة، ويُقوّض ثقة المواطن في الدولة. لذلك، فإن الحاجة ماسة إلى ثورة إصلاحية شاملة، تبدأ بإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس الكفاءة والنزاهة، وتفعيل دور القضاء والرقابة، وتفكيك شبكات الفساد، وإعادة الأموال المنهوبة، لتحقيق العدالة والتنمية المستدامة.

اضف تعليق