ما يعاب على المشرع العراقي في مثل تلك الظروف هي انه لم يعطي مساحة كبيرة للحرية، بل على النقيض من ذلك هو أعطى للحاكم تلك الأداة الخطيرة والتحكمية، الا وهي القانون التي تسلب منا اصل الحق وجوهر الحرية، وان تفرغ الحريات العامة من مضمونها الحقيقي. لذلك هناك خشية من...
ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات موضوعا تحت عنوان (الأسبقية والعلوية للسلطة أم للحرية) بحضور عدد من الأساتذة ومدراء المراكز البحثية والأكاديميين المختصين، وقد جاء في الورقة التي تلاها الدكتور علاء إبراهيم الحسيني الباحث في مركز ادم، ابتدأ حديثه قائلا:
يبدو ان مسوغات طرح هذا العنوان، له خصوصية التكييف الموضوعي لحدود الأسبقية للسلطة أم للحرية، وهذه الجدلية القديمة الحديثة التي تمتد إلى جذور نشأة الدول منذ (الإغريق والرومان) ولغاية الآن، هذا الأمر لم يحسم بشكل نهائي هل العلوية للحرية أم للسلطة.
السبب الآخر الذي دعانا لنتناول هذا الموضوع هو قرب الاستحقاق الانتخابي في العراق، خصوصا ونحن مقبلين خلال الأشهر القادمة على استحقاق انتخابي مهم لانتخاب أعضاء مجلس النواب العراقي، وبمقتضى ذلك كان لابد ان نذكر المهتمين بالشأن القانوني والحقوقي والشارع العراقي على حدا سواء.
على أن أهم العقبات التي تعترض الفهم الحقيقي لهاتين المفردتين..(الحرية والسلطة)، كلا المفهومين معرفان في علم القانون وعلم الاجتماع، وحتى على مستوى علم الاقتصاد وكذلك الثقافة، الكل يدرس هذين المفهومين من الزاوية التي تتلائم مع تخصصه، لذلك نحن كمهتمين في ملف حقوق الإنسان، ندرس هذا الموضوع من جانب حقوقي، ومدى اتصالها بحقوق الإنسان العراقي من جانب حقوقي.
وذلك على اعتبارها من الموضوعات المركزية التي لم تحظ باهتمام كبير من لدن المشرع العراقي لدستور عام 2005، ولم تأخذ حيزا كبيرا من النقاشات الملحة التي تؤطر العمل الديمقراطي في البلد، خلال الدورات الانتخابية الخامسة الماضية.
هذا ما يحتم علينا ان نضع إسهامة بسيطة في تسليط الضوء على هاتين المفردتين.. بالتأكيد ان الأصول الفلسفية لهذين الأمرين تعود كما أسفلنا سابقا إلى زمن الإغريق، لا سيما وان أول من تحدث عنها هما.. أرسطو وأفلاطون وغيرهم من الفقهاء، تحدثوا عن هذين المفهومين في نطاق لغتهم وأسموه بـ (القانون الطبيعي)، ومالوا في كتاباتهم إلى ان الحرية مستوحاة من القانون الطبيعي.
ومن بعد ذلك غرقت أوروبا في وحل الصراع الديني والسياسي وتدخلات الكنيسة وغيرها، بالتالي كانت هناك عصور من الظلام إلى ان جاء عصر التنوير، ليأخذ حيزا كبيرا ومساحة لا يستهان بها في كتابات الكتاب والفلاسفة والمناطقة، وفي مختلف العلوم كعلم الاجتماع والفلسفة وما شاكل، من هؤلاء الكتاب جون لوك وهوبز ورسوا وغيرهم من الفقهاء والفلاسفة.
بالتحديد نحن نتحدث هنا عن مفهومين احدهما يتصل اتصالا مباشرا بالمجتمع وهو السلطة، والآخر يتصل اتصالا مباشرا بالفرد وهو الحرية، الحرية لها جذورها الاجتماعية لكنها في الأصل هي حرية فردية، بمعنى أنها تنطلق من الفرد وتصل إلى الفرد وتهم الفرد بالدرجة الأساس، إما السلطة فهي تتصل أكثر مما تتصل بالمجتمع وبرغبة الناس للوصول إلى المجتمع المنظم.
بالنتيجة ان تفسيرات نشأة الدولة وسلطة الدولة على اختلافها، هي تسعى نحو فكرة تقييد الحريات لصالح الدولة أو لصالح السلطة وبأداة معروفة اسمها القانون، الذي يعتبر أداة للحاكم يستطيع من خلالها ان يحد أو يقلص من مساحة الحريات، وذلك من اجل دعم سلطته الدنيوية أو السياسية أو الحاكمة، بغية دعم قبضته على مقاليد الحكم والدولة.
هذا الأمر مرت من خلاله الكثير من الديانات السماوية وغير السماوية، والتي اتفقت من حيث المضمون على ان الأصل هو الحرية وتقديس الحرية، على اعتبارها أصل إنساني واصل طبيعي.
وبطبيعة الحال ان الشريعة الاسلامية هي واحدة من الشرائع المهمة على الكوكب، وهي أيضا مرت بهذا الجدل العقيم المنصب نحو مفهوم الحرية والسلطة وتلك الجدلية القائمة، فوجدنا القرآن الكريم والسنة النبوية حرصت على الدوام على اقتفاء حقيقة تكريم الإنسان بأشكال متعددة، خاصة مع ما يتعلق منها في البقاء والاستمرار والاستخلاف والحرية.
ما يعنينا في هذا المقال هو العلاقة ما بين الحرية والسلطة، وكيف تعامل معها المشرع الدستوري العراقي، خصوصا عندما نضع في الميزان عدد المواد التي تناولت الحقوق والحريات في المادة (14) لغاية المادة (46)، مقابل المواد القانونية التي ناقشت مسالة السلطة وتكوين السلطة في المادة (47) لحد المادة (145).
ناهيك عن المواد الأخرى التي تتحدث عن مجلس النواب العراقي من المادة (49) لغاية المادة (66)، أيضا المواد التي تتناول السلطة التنفيذية التي تبدأ من المادة (66) لغاية المادة (86)، ليأتي بعد ذلك دور المواد التي تتناول السلطة القضائية التي تبدأ من المادة (86) لغاية المادة (99)، وهكذا دواليك المواد القانونية الأخرى التي تخص الهيئات العامة والمستقلة وسلطات المركز وسلطات الإقليم والمحافظات وتكوينها وتشكيلاتها.
فنجد ان المشرع الدستوري وضع ثقل الدستور في المواد التي تتعلق بالسلطة، وذلك على اعتباره ان السلطة هي ضرورة مهمة في نظام حياة المجتمع، ومن دونها يستحيل على الإنسان العيش بأمن وسلام وان يتمتع بالحريات.
لكن ما يعاب على المشرع العراقي في مثل تلك الظروف هي انه لم يعطي مساحة كبيرة للحرية، بل على النقيض من ذلك هو أعطى للحاكم تلك الأداة الخطيرة والتحكمية، الا وهي القانون التي تسلب منا اصل الحق وجوهر الحرية، وان تفرغ الحريات العامة من مضمونها الحقيقي.
لذلك هناك خشية من الإحالة إلى القوانين، وكان بالإمكان مثلا إعطاء مساحة اكبر للحريات، لا سيما مع وجود زيادة ملحوظ في عدد القوانين، واقرب مثال على ذلك الدستور اليوغسلافي الذي يتشكل من أكثر من (400) مادة.
بالتالي نحن إزاء فلسفة دستورية غير واضحة في تناول هذا الحق أو هذه الحرية، على اقل تقدير ما يخص منها بالحريات السياسية، والتفاعل الايجابي مع بقية القوى الاجتماعية الفاعلة على مستوى المجتمع، لذلك ان مفهوم الحرية وفلسفة الحرية بالنسبة للمجتمع والفرد، ففيها إشكال كبيرة ويقاسي منها الأمرين.
ففي كل دورة انتخابية على سبيل المثال تكون هناك تعديلات قانونية في قانون الانتخابات، هذا مما يشعر الفرد العراقي بان حريته الثقافية والسياسية والاجتماعية مهددة، بمعنى آخر ان الفرد العراقي اليوم واقع أمام عظمة السلطة وتعاظم دورها الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادية وما شاكل.
بالتالي نحن أمام مفهومين متقاطعين مفهوم فردي وهو مفهوم الحرية، ومفهوم آخر هو مفهوم اجتماعي وهو السلطة، لذلك لا يمكن للمفهوم الاجتماعي ان يتغلب على المفهوم الفردي، والسبب لان الحرية تنبع من الفرد ومن العقل، بينما السلطة تنبع من الاجتماع والمجتمع ويتحكم فيها مشاعر الحاكم، الحاكم هنا قد يعني الحزب او السلطة او الحكومة.
لذلك هناك مساحة لم تردم ما بين الحرية من جهة والسلطة من جهة أخرى، هذه المساحة ما بين الذات والاجتماع، تحتاج للكثير من العمل وتحتاج للكثير من البحث، وتحتاج أيضا للكثير من الدراسات التي تطرح ليس على المستوى القانوني بل على مستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفردي، حتى نصل إلى مضامين مشتركة ما بين الحرية والسلطة.
ولأجل الإحاطة بكل تفاصيل هذا الموضوع كان لا بد ان نستطلع آراءكم ونسترشد بها حول هذا الموضوع، عبر هذين السؤالين:
السؤال الأول: ما هو السبيل إلى إعادة قراءة هذه العلاقة ما بين السلطة والحرية في ضوء دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والتطبيقات المتعاقبة للسنوات العشرين الماضية؟
السؤال الثاني: هل من سبيل إلى بناء علاقة من التكامل ما بين القانون والحرية؟
المداخلات
الأولوية هي للحرية والسلطة هي من تنظم تلك الحرية
- الدكتور خالد العرداوي؛ مدير مركز الفرات للدراسات والتنمية الإستراتيجية:
ان موضوعة السلطة والحرية هي من الموضوعات الشائكة والمعقدة، وهي ذات بعد فلسفي عميق جدا، وأثارت مثل تلك الموضوعات في محيطنا العربي الكثير من الإشكاليات والمأخذ، في أوروبا في القرن الثامن العشر والتاسع عشر وحتى العشرين والى الآن، أثارت هذا التساؤل السلطة أم الحرية؟.
بالنتيجة تم التحول من نظرية السلطة المتغلبة إلى السلطة التي تقوم على العقد الاجتماعي، بالتالي نحن اليوم نحتاج إلى فك طلاسم تلك الأحجية وان نفسر مفهوم السلطة ومفهوم الحرية، حتى نفهم هل السلطة هل محل إجماع أم لا؟، وفي نفس الوقت نحن نحتاج أيضا إلى ان نفهم ما هي الحرية؟.
بمعنى أدق إننا نحتاج إلى حركة إصلاحية تضع الشيء في موضعه، خاصة وان السياقات الموضوعية تضع الحرية في مكان متقدم على السلطة، والسبب لان الوجود الإنساني هو اسبق من السلطة، بالتالي ان أصالة الحرية هي من أصالة الوجود الإنساني على هذه الأرض، ثم ما بعد ذلك ظهرة الحاجة للسلطة مع حاجة الوجود الاجتماعي.
قطعا لو تركت السلطة لطلاب السلطة أيا كانت تلك السلطة، ابتداء من السلطة الأبوية وصولا لسلطة الحاكم، لن تختار أي سلطة من هذه السلطات احترام حرية الآخرين، لذلك السلطة المطلقة من طبيعتها هي مفسدة، والحرية المطلقة هي أيضا مفسدة السلطة.
السلطة وجدت في حياة الإنسان كي لا تسلب الحرية، وان تحفظ للإنسان كرامته، ولا يوجد حق لأي شخص مهما كان بحكم السلطة ان يسلب من الإنسان حريته، بالنتيجة الأولوية هي للحرية والسلطة هي من تنظم تلك الحرية.
علاقة في غاية التعقيد
- الدكتور خالد عبد النبي الأسدي؛ باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:
ان العلاقة ما بين الحرية والسلطة في القانون العراقي معقدة جدا، كون الدستور العراقي حدد السلطات الثلاثة من خلال السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وحدد كذلك الصلاحيات كل سلطة من تلك السلطات.
أما الحرية في الدستور العراقي فهو يكفل الحريات الأساسية للمواطنين مثل حرية التعبير والتجمع والعقيدة وغيرها، أما العلاقات بين السلطة والحرية فهناك مجموع من القيود وضعها الدستور العراقي بين السلطة والحرية.
فالدستور العراقي يضع قيود على السلطة لضمان الحريات الأساسية للمواطنين، أيضا السلطة القضائية تلعب دورا أساسيا في حماية الحريات للمواطنين من خلال تطبيق القانون.
الأمر الآخر التوازن بين السلطة والحرية فالدستور العراقي يسعى إلى تحقيق توازننا بين السلطة والحرية، أما بخصوص التحديات فهناك مجموعة من التحديات بين السلطة والحرية، خاصة في الظروف الأمنية الصعبة.
خلاصة القول ان العلاقة ما بين السلطة والحرية في القانون معقدة غاية التعقيد، وهي تحتاج إلى توازن ملحوظ ما بين السلطة والحرية، بداعي الحفاظ على الحريات الأساسية للمواطنين، وضمان تطبيق القانون بشكل عادل ومنصف.
الحلول الناجعة للخروج من الإشكالية
- علاء الكاظمي؛ أكاديمي:
ان التشريعات السماوية هي التي تمتلك الحلول المنصفة والناجعة للخروج من إشكالية السلطة والحرية، بمعنى ان خارطة البناء الديني والدنيوي للأديان السماوية على قاعدة العدل والإنصاف والمساواة، ولا تدعم حقيقة كبح الحريات واستغلال الإنسان، ناهيك عن ذلك ان الحريات المطلقة تقود إلى الفوضى والعشوائية.
بالتالي ان وضع الحريات على الجادة هي أمر في غاية الحساسية والتعقيد، الا من خلال وجود الإمام المعصوم أو نائب المعصوم.
الحرية تتحقق في إطار النظام
- الشيخ مرتضى معاش:
الأصل الأول هو الحرية، والحرية نابعة من وجود الإنسان وجوهره. وقد كرم الله بني آدم، وكان هذا التكريم والتفضيل بسبب أن الله سبحانه وتعالى أنعم على الإنسان بالعقل. والعقل لا يمكن أن يكون له وجود إذا لم تكن للإنسان حرية، فلذلك فإن الحرية هي متأصلة في وجود الإنسان ومترسخة في جوهره.
لكن الحرية تؤدي إلى تصادم الحريات، ولذلك كان القانون هو الطريقة العقلانية للإنسان لتنظيم هذا التصادم. فالتعايش بين الحريات مطلوب، وهذا القانون يحتاج إلى تطبيق، والتطبيق يأتي من خلال تفويض الناس الحكام لتطبيق القانون.
ومن ثم تطور البشر في عملية صناعة النظام السياسي وترتيبه، فوضعوا مؤسسات معينة تراقب العلاقة بين هذه الثلاثية (الحرية، القانون، السلطة)، فأصبحت رباعية.
الحرية مفهوم لا يُدرك إلا في إطار نظام محدد. وهذا هو المفهوم الحقيقي للحرية. فخارج هذا الإطار المنظم، تفقد الحرية معناها لتصبح شيئاً آخر. والنظام الكوني بما يحويه من قوانين ثابتة، يشكل الإطار الحقيقي الذي تتحرك ضمنه حرية الإنسان.
والقانون التشريعي المنبثق عن النظام التكويني هو الذي يفلسف هذه الحرية، ويحدد رؤيتها، ويصوغ مفهومها ومعناها. وبالتالي، فإن أي شيء خارج هذا النظام التكويني والتشريعي سوف يحمل معنى مختلفًا عن معنى الحرية بمفهومها الأصيل.
سابقًا، كان الفلاسفة -من عصر ما قبل الحداثة حتى عصر الحداثة- يبنون نظرياتهم على ثلاثة أركان أساسية: الدين والعقل والأخلاق. وكان هناك تأكيد على أن الله سبحانه وتعالى هو المشرع الأعلى، ثم يأتي بعد ذلك العقل والأخلاق. وهذا المنهج ظل سائدًا لدى معظم الفلاسفة، بما فيهم فلاسفة الحداثة.
لكن مع ظهور ما بعد الحداثة تم إلغاء هذه الثلاثية فلم يعد هناك مكان للعقل ولا للدين ولا للأخلاق. فصنعوا نظامًا مختلفًا تمامًا. وما تقدّمه نظريات ما بعد الحداثة هو محو كامل لمفهوم الحرية الأصيل، حيث خرجت عن النظام الفطري وعن القيم الأخلاقية المتأصلة في الفطرة وعن النظام الكوني القائم.
وأبسط مثال على ذلك القانون الأخير في بريطانيا الذي حدد المعنى البيولوجي للإنسان بالذكر والأنثى، وأن المتحول جنسياً لا يدخل في المعنى البيولوجي. لأن أصل القانون نابع من القانون الطبيعي الفطري، وأن هناك فقط ذكراً وأنثى. فألغوا هذا المعنى الذي تفرضه الأفكار الشاذة لنظريات ما بعد الحداثة.
الإشكالية في الحرية هي عندما تُقرأ خارج إطار النظام الكوني، فهناك من يرى الحرية مطلقة منفلتة، وهناك من يرى أنه يجب كبت الحرية بالسلطة المطلقة الاستبدادية. وتحقيق الحرية عمليا هو بالاعتدال في ممارستها، وتحديد المفهوم منها في الأطر السليمة فـ (لا جبر ولا تفويض، وإنما هو أمر بين أمرين).
والمشكلة الأخرى في نفي الحرية، هي في فهم الناس لحاجاتهم، حيث أن الإنسان أهم غاياته هي غرائزية وليست عقلانية، وهذه الغرائزية تحصر حاجاتها في الأمن والغذاء، وحينئذ فالحرية غير مهمة عنده. لأنه كما يقولون أن الجينات التي اكتسبها تعلمت على أنه فقط يذهب فحسب وراء هذه الغرائز الأمن والغذاء، وان الإنسان الذي يطالب بالحرية تكون حياته مهددة من قبل السلطة.
وهذه الوراثة المجتمعية تؤدي إلى نشوء إنسان خائف مستعبَد خانع، يقبل بالاستعباد ولا يدرك النعمة العظيمة التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها عليه، وهي نعمة الحرية والعقل. إنها قضية تحتاج إلى تطور ونضج وفهم، حتى يدرك الإنسان هذه العلاقة الجوهرية.
في المجتمع العراقي، المشاكل القائمة ناتجة عن الاستبداد المتجذر في أصل تكوين الدولة العراقية. هذا الاستبداد المتوارث، حيث كلما جاءت سلطة جديدة عملت على تعزيز أمن الدولة وأمن مؤسساتها العميقة، دون أن تهتم بتطبيق مفهوم الحرية الذي يمثل الجوهر والأساس لوجود الإنسان.
"ولذلك تتكرر نفس الأخطاء والكوارث باستمرار. والسبب أن السلطة المطلقة والأمنية التي لا تعمل وفق مبادئ العقل والحرية هي سلطة عمياء حمقاء، لا تهتم بجوهر الإنسان ووجوده. وعندما تلغي هذه السلطة الإنسان وتنكر وجوده، فإنه يثور في النهاية. فتتحول السلطة إلى نظام فاسد مجرم قاتل، يمارس قمعاً للحريات. والنتيجة الحتمية هي انهيار المجتمع وزوال الأمن الذي كان قائماً.
لا يتحقق الأمن إلا من خلال التثقيف بمفهوم الحرية، والوعي بأهميتها، وبلوغ تلك الرباعية (الحرية، القانون، السلطة، المؤسسات) بتنظيم متقن. فقط حينها يمكن للمجتمع العراقي أن يتقدم وينضج. وإلا فإن المستقبل سيشهد تراجعاً تاريخياً، وسيستمر دوران التاريخ في إعادة نفس الأخطاء والمشكلات. عندها لن نتمكن من التطور والتقدم، بل سنظل نعيش في حلقة مفرغة من العودة إلى الوراء السحيق.
الفهم الخاطئ للحريات وفخ الفوضى
- محمد علي جواد تقي؛ إعلامي وكاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
ان الفهم الخاطئ للحريات أوقع الإنسان العراقي في فخ الفوضى، الأمر الآخر يتعلق بالتشريعات الدستورية ومدى قدرتها على الانسجام مع الواقع، خاصة في رسم المحددات والضوابط المسموح بها من عدمها.
إشكالية الصراع القائم
- علي حسين عبيد؛ كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
ان إشكالية الصراع القائم ما بين الحرية والسلطة محتدم ومستمر ما دامت هذه الدنيا قائمة، لذا نرى أتباع الحرية والباحثين عنها قدموا ملايين القرابين والضحايا والشهداء، على مذبح الحرية بالضد من السياسات الظالمة والمجحفة التي تمارسها، ليس على مستوى العراق فقط بل في جميع إرجاع العالم وفي كل العصور.
في العراق على وجه التحديد هناك مشكلة مستعصية مع الحرية من قبل السلطة، وعلى اختلاف تلك السلطات الاجتماعية والحكومية والمؤسساتية، على مستوى العائلة العراقية هناك سلطة أبوية تفرض نفسها بشكل قسري، ناهيك عن التمييز بين الجنسين في العائلة الواحدة.
بالنتيجة يتشكل لدينا إنسان هش وضعيف وفاقد للشخصية وللحرية، لذلك نحن نحتاج اليوم الى توعية شاملة، كي يكون لدينا توازن بين كفتي ميزان السلطة والحرية.
تضخم الدولة على حساب الحرية
- حامد الجبوري؛ باحث في مركز الفرات للتنمية والبحوث الإستراتيجية:
الحرية من وجهة نظرنا لا تقتصر على نمط واحد، بل هناك مجموعات حريات تتعلق بالحريات الفكرية والسياسية والاقتصادية، ما يهمنا شخصيا الحرية الاقتصادية التي أصبحت ساحة مباحة لتضخم السلطة، وكسر كل القواعد والتشريعات القانونية التي تدعم فكرة اقتصاد السوق، ناهيك عن نوع التخصيصات المالية التي تذهب لوزارة الدفاع والداخلية وما يقابلها من تخصيصات مالية تخص قطاع الصحة والتربية والتعليم.
نستخلص من خلال ذلك إننا متجهين نحو تضخم الدولة وتضخم السلطة على حساب الحرية، لذلك نحن ندعو المهتمين وأصحاب القرار السياسي إلى قراءة هذا التحول بشكل جدي، من اجل سد تلك الثغرات.
التوازن بين احترام الحريات ومراعاة القوانين
- باسم الزيدي؛ مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:
يسجل تحفظه على ثلاثية الحرية والقانون والسلطة، وخيارات تقدم الواحدة على الآخرين ومدى تعلق هذا الأمر حسب النظام وحسب الحاج الملحة والوعي الشعبي، لكن بطبيعة الحال ان القانون هو الضامن الأكيد للحرية، وذلك على اعتبار ان قانون بلا حرية يتحول إلى استبداد، وكذلك الحرية بلا قانون تتحول إلى فوضى.
بمعنى ان الحرية في حال انتظامها ممكن ان تكون محددة لطبيعة ونوع السلطة، وهذا الأمر يشترط وجود شعب حر قادر على تحجيم السلطة، المسالة الأخرى إذا تم تنظيم هذا الأمر من خلال تحديد نوع السلطة والحرية، ممكن ان نقول ان السلطة الشرعية تنبت ما بين هذين الأمرين، وفق عملية موازنة ما بين احترام الحريات ومراعاة القوانين وتطبيقها بصورة عادلة.
التكامل بينهما يتم من خلال العقد الاجتماعي الذي أوصى به فلاسفة القرون الوسطى، حيث يقوم هذا العقد على فكرة ان تتنازل الشعوب أو الإفراد عن جزء من حرياتهم مقابل ضمان بقية الحريات.
علاقة تكاملية
حسين علي حسين عبيد؛ باحث في مركز الفرات للتنمية والبحوث الإستراتيجية:
ان القانون العراقي خاصة في دستور سنة 2005 أكد ان الحرية هي أساس العلاقة ما بين الدولة والمواطن، وان السلطة لها الحق في تقييد الحريات بشرط حماية الأمن العامة والنظام العام والآداب العامة وحقوق الآخرين، من هنا نستخلص ان الحرية هي الأصل، وان الحرية تتقدم عليها باسم المصلحة العامة، بالتالي ان علاقة السلطة بالحرية هي علاقة تكاملية.
أما بخصوص العلاقة ما بين القانون والحرية واهم السبل المؤدية لها..
السبيل الأول: هو وضع دستور قوي يضمن الحقوق والحريات يحدد سلطات الدولة.
السبيل الثاني: هي وجود قوانين غير قمعية تهدف لحماية حرية التعبير والصحافة.
السبيل الثالث: وجود قضاء مستقل يفصل ما بين السلطة والحرية.
السبيل الرابع: تثقيف المجتمع على أهم الحقوق وكيفية ممارسة تلك الحقوق.
تصنيف السلطات والحريات
- احمد جويد؛ مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
يعتقد ان مسالة تفكيك علوية السلطة على الحرية فيها الكثير من التعقيد، والسبب هو سوء فهم للسلطة وسوء فهم للحرية في إنها واحد، وهذا مما يفضي إلى حاجة تصنيف السلطات وتصنيف الحريات على حد سواء.
خاصة إذا كانت تلك السلطة هي سلطة دولة يمكن اللجوء إلى القوانين، والأمر أيضا ينطبق على سلطة الدين عندها يمكن الركون إلى التشريعات السماوية، وحتى السلطة الأبوية هي الأخرى يمكن معالجتها من خلال الأعراف، وهكذا دواليك باقي السلطات الأخرى كسلطة الزوج أو سلطة شيخ العشيرة.
الإنسان هو القيمة العليا
- عدنان الصالحي؛ مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
ان الحرية هي مبدأ أساس في الحياة، والسلطة هي أداة لإدارة تلك الحياة، وبمقتضى ذلك الأمر أعطى رب العزة والجلالة للإنسان الحرية المطلقة، الا انه في ذات الوقت لا يخرج من دائرة العبودية لله سبحانه وتعالى، نستشف من خلال ما تقدم ان الحرية هي مرتكز أساسي ولا عبودية الا لله جلة قدرته.
السلطة وسيلة لإدارة هذه الحياة، بالتالي الإنسان في هذا المورد بالتحديد لم يتنازل للسلطة بل خولها في إدارة أمور الدولة وتنسيق الحياة، في العراق مع الأسف الشديد لا نعيش الحياة الديمقراطية ولا الحرية، نحن نعيش مرحلة انتقالية شابها الكثير من الفوضى، لا القوانين الآن هي قوانين ديمقراطية، بل هي قوانين دكتاتورية ظالمة ومجحفة من متبنيات العهد البائد.
لذلك نحن عندما نتحدث عن دولة ديمقراطية يجب ان يتوفر فيها دستور نقي وغير مشوه، ختاما الإنسان هو القيمة العليا ومن دونه هو خدمة له.
الحرية أيقونة
- صادق الطائي؛ باحث وكاتب:
تعتبر الحرية أيقونة يرددها الأحرار والشعوب المنكوبة التي ذاقت طعم الحرية، أو التي عرفت من خلال المناهج والدراسات والبحوث الحياتية والذوق العام على عكس الشعوب التي عرفت الحرية والانطلاق الشكلي من الأنظمة الاستعمارية قوات الاحتلال، مثل الخليج والعراق وسوريا وبعض الأنظمة العربية الأخرى.
هناك تجربة ربما عجيبة أو ربما واسعة وهي ان الشعوب الجاهلة أعطيها التمن والشكر وبعض البقوليات واسلب منها الحرية والقيم الديمقراطية مثل الدستور والانتخابات وحرية الأحزاب، تشعر أنها تملك ما هو أفضل واثمن من الحرية التي ينادي بها الناس.
أعتقد دستور عام (٢٠٠٥) جاء باعتباره مؤامرة القصد منها تحطيم العراق، جاء ليركز على النقاط الرئيسية الثلاث:
١- تحويل الأكراد كقوة فاعلة في الساحة العراقية.
٢- تحطيم الجيش العراقي.
٣- الضمان الكلي والحرية الكاملة للأحزاب العلمانية المرتبطة بالغرب.
يوم بعد يوم تنكشف أسرار جديدة وقعت عليها المعارضة العراقية وقبلت بها مقابل الوجود الأمريكي في العراق، أما موضوع الحرية والديمقراطية والدستور وحقوق المعارضة العراقية، هو مجرد شكليات أو كلمات فارغة صور كاذبة لا تغني ولا تشبع.
مخدوع من يعتبرها قيمة أساسية من قيّم الحرية في العراق أو يناقش فيها، اعتبرها خدعة وتسويف للوقت كمن يركض في الصحراء وهو يبحث عن الماء.
اضف تعليق