q
إذا حافظت على صبرك واستقامتك في طريق الوصول الى اهدافك، فلن ينقصك سوى الثبات على المبدأ الذي من اجله تحملت كل مشاق الطريق وصعابه، وبذلك تكون قد امتلكت كل مفاتيح النجاح، وحققت ما عجزت الأكثرية عن تحقيقه، فلا فائدة من الصبر بلا قيمة المبدأ، او مبدأ بلا استقامة...

يتمنى كل انسان النجاح في تحقيق ما يسعى اليه من اهداف، وهي مشروطة في قدرته على امتلاك المفاتيح الصحيحة التي ترسم له خارطة هذه الأهداف، ومن ثم النجاح في تحقيقها، وهي مفاتيح تعمل على تطوير شخصية الانسان والتدرج في كمالها، حتى يكون "على أهبة الاستعداد للتضحية وتحمل العنت والمشقات، ولو طال ذلك كثيراً، كما يتطلب منه ألا يتوقف عن أداء مهمته، وألا يدع لليأس طريقاً إلى نفسه أبداً، وأن يحافظ على نشاطه ومساعيه بنفس الحرارة التي بدأ فيها".

ليس عسيراً على أي انسان ان يصل الى هذه المرحلة، مرحلة التكامل والتناغم بين الروح (الحاجات المعنوية) والجسد (الحاجات المادية)، والنجاح في تحقيق أهدافه مهما كانت صعبة ومستحيلة في نظر الاخرين، فالأمر يتوقف على قدرة الانسان نفسه في امتلاك ثلاث مفاتيح تساعده في الوصول الى مبتغاه، كما حددها المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي:

1. الصبر

هل تتصور ان طريق تحقيق الأهداف سهل وخالي من العقبات والمشاكل والصعاب، بالتأكيد يتفق الجميع ان طريق النجاح ليس بالطريق السهل واليسير، خصوصاً عندما تكون الأهداف عظيمة فإن الصعوبة والمقاومة السالبة للنجاح تكون كبيرة، ولذلك كان الصبر هو مفتاح النصر امام خوض غمار الصعاب وتحدي المعوقات ومواجهة المشاكل للوصول الى المبتغى المطلوب في التغلب على جميع الموانع، وكما قال امير المؤمنين على بن ابي طالب (عليه السلام): "من ركب مركب الصبر اهتدى إلى مضمار النصر".

2. الاستقامة

لقد تعرض نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه واله) للكثير من المشاق والصعاب حتى قال "ما أؤذي نبي مثل ما أوذيت"، لكنه ضرب أروع الأمثلة في الصبر على اذى ذوي القربى من عشيرته وبعض اقرباءه، ولم يكن صبره ليأتي بثماره لولا الاستقامة التي تمثل المفتاح الثاني من مفاتيح النجاح، والاستقامة هي: أداء المأمور به والانتهاء عن المنهي عنه، والسير على النهج المستقيم والطريق الحق من دون زيغ او انحراف عن جادة الصواب، لذلك: "فالاستقامة ضرورية في كل عمل يعمله الإنسان فبالإضافة إلى الصبر والثبات نحتاج أيضاً إلى الاستقامة لكي نحظى برضا الله تعالى ورحمته، أولاً وننجح في الأعمال المطلوبة منا ثانياً".

3. الثبات على المبدأ

إذا حافظت على صبرك واستقامتك في طريق الوصول الى اهدافك، فلن ينقصك سوى الثبات على المبدأ الذي من اجله تحملت كل مشاق الطريق وصعابه، وبذلك تكون قد امتلكت كل مفاتيح النجاح، وحققت ما عجزت الأكثرية عن تحقيقه، فلا فائدة من الصبر بلا قيمة المبدأ، او مبدأ بلا استقامة، ولن يغني الصبر او يتحقق الثبات على المبدأ من دون الصبر، وبالتالي فهي عملية تكاملية منتجة يقول عنها الشيرازي: "إن نتائج الصبر والثبات على المبدأ تحقق أغلب الطموحات والأماني".

في مثال عظيم يوضح فيه السيد الشيرازي (رحمه الله)، القدرة العظيمة للصبر، والاستقامة التي قل نظيرها، والثبات على المبادئ في اشد الظروف قساوة، التي تجلت في رسول الله (صلى الله عليه واله) خلال مسيرته الخالدة، وما لاقاه من جفاء وعداء من عشيرته التي انطلق منها في دعوته لطريق الحق والايمان.

يقول السيد الشيرازي: "والشخص المتفحص للتاريخ وخصوصاً لتاريخ قريش قبيلة الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله)، وسير الحياة فيها، سوف يلاحظ صعوبة الدخول في قريش، وتغيير أفكارهم، فقريش قبيلة كبيرة لها نظامها الخاص وأسلوبها في الحياة"، فكان الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) كمن يسبح عكس تيار الأعراف والتقاليد الجاهلية التي سارت عليها قريش، اقوى القبائل العربية في زمن الجاهلية.

وبالتالي: "كان الرد على النبي عنيفاً، ولقد ألحقوا به أذى عظيماً ابتداءً بتكذيبه ومحاصرته إعلامياً، إلى أن تيقنوا من عدم الجدوى من وراء ذلك، فأمروا أولادهم ونساءهم بالتعرض للنبي وقذفه بالحجارة ووضع الأشواك في طريقه ومصادرة أمواله والاستهزاء به، وقالوا: إنه ساحر ومجنون، وقالوا: إنه شاعر أو كاهن مسه بعض آلهتنا بسوء، وغيرها من الأساليب التي ابتدعوها لكي يشوهوا صورة النبي العظيم (صلى الله عليه واله) في نظر الناس".

ولكن جهاد النبي (صلى الله عليه واله) وصبره وثباته على مبدئه أفشل جميع مخططاتهم وكيدهم، متخطياً بذلك هذه الصعوبات، واستطاع نتيجة ذلك تغيير الكثير من قومه، حتى دخلوا في الإسلام عندما رأوا صدقه وصلابته على مبدئه، وحرصه على مصلحتهم، وتفانيه في احترامهم.

والخلاصة كما عبر عنها المرجع الراحل: "أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) عندما قابله قومه بالتكذيب والاستهزاء والاعتداء عليه بالضرب والمقاطعة، وغيرها من صنوف الأذى لم ينهزم أو يستسلم أمامهم، بل صبر وصابر ورابط على مبدئه، بدون ضعف أو هوان، والنتيجة كانت ان انتشر الإسلام في بقاع واسعة من المعمورة، وأصبحت رسالته خالدة إلى يوم يبعثون".

بل وتحول الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) الى مثال وقدوة يحتذى به، ومثال من امثلة التأسي والاتباع كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، لأنه استطاع تحقيق النجاح بعد ان امتلك مفاتيحه بالصبر والاستقامة والثبات على المبدأ.

ويمكن الاقتداء برسول الله (صلى الله عليه واله) والعمل على ترقية النفس وكمالها وامتلاك مفاتيح للتكامل والوصول للأهداف من خلال:

1. تدريب النفس وتهذيبها على الصبر وتحمل الصعاب والمشاكل حتى يتحول الصبر الى ملكة ذاتية لدى الانسان تعينه على الثبات.

2. السعي للتحلي بمكارم الاخلاق والفضائل وتجنب الرذائل والأخلاق السيئة التي تعطي الانسان دفعة معنوية نحو الامام، وتعزز الطاقات الإيجابية.

3. اخذ العبر والقيم والاستفادة من الدروس التي قدمها لنا العظماء من الأنبياء والاوصياء والصالحين، لتوظيفها في حياتنا اليومية وتحويلها الى واقع عملي نصبر فيه على الصعاب ونستقيم في طريق الحق والثبات على المبادئ، ليكون النجاح وتحقيق الأهداف هو حليفنا.

4. كلما كانت الأهداف التي يسعى الانسان الى تحقيقها عظيمة النفع والفائدة، أصبح وصوله الى مرحلة التكامل والانسجام بين الروح والجسد أسرع وأقرب، لان الأهداف العظيمة تحتاج الى نفوس وهمم أعظم منها.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2024
http://shrsc.com

اضف تعليق