أطفالنا مسؤولية في أعناقنا، وهذه المسؤولية لابد أن نرعى أطفالنا ونهتم بهم، وخصوصا في قضية عاشوراء، نعلمهم معاني عاشوراء، من الشجاعة، البطولة والكرم، العطاء والتضحية والحرية والكرامة، فهذه فرصة لنا للتربية الصالحة، للتربية السليمة، وتساهم في بناء هوية الانسان، وعدم اغترابه في الثقافة الفوضوية وتعزيز روح المواطنة وبناء المسؤولية...
محرم وصفر شهران عظيمان خالدان على طول التاريخ، وفيهما لابد أن ننتهل من بحر الإمام الحسين (عليه السلام)، فنستلهم القيم الخالدة ونستسقي المثل الباسقة التي نحتاجها لبناء أنفسنا، وتربية أجيالنا.
وعندما نقول التربية الحسينية لأنها في الواقع في صميم التربية، بل هي التربية المطلوبة التي نحتاجها.
والمقصود من التربية إعداد الشخصية وبناء التوازن وترسيخ الاعتدال، وبناء المسؤولية في الإنسان، وتنمية مفهوم العطاء ونبذ الأنانية عند الطفل، وتربية الشخصية هو القيام ببناء الوعي العميق للإنسان حتى يستطيع أن يفهم الحياة، وإذا استطاع أن يفهم الحياة عند ذلك يعيش سعيدا لأنه سيفهم القوانين التي تحرك الحياة، ويفهم كيف يأكل وينام ويفكر، وكيف يتصرف ويتعامل مع الآخرين. ويعرف سبل العيش الصالح بمعرفة أخلاقيات الحياة الجميلة، والقيم التي يجب ان يتمسك بها، وكل ذلك متضمن في النهضة الحسينية.
لذلك نستطيع أن نقول كما قلنا سابقا عن التربية الرقمية ان هذه فرصة مميزة لنا بأن نأخذ أبناءنا بعيدا عن التكنولوجيا الرقمية والرفاهية الاستهلاكية، وندخلهم في مدرسة الامام الحسين (عليه السلام)، فهذان الشهران هما مدرسة تربوية لبناء الشخصية المتوازنة الصالحة، ولكن كيف يمكن أن تكون المجالس الحسينية وسيلة من وسائل التربية الأخلاقية والعقائدية؟
التربية بالتغذية الثقافية
أهم محور في مسألة التربية هي التربية الثقافية، فالثقافة هي عملية بناء التطور الفكري عند الإنسان، من خلال بناء أفكاره الإنسان، وهذه الأفكار هي التي تشكل بنيته العقائدية، لذلك هناك حاجة مستمرة إلى تغذية ثقافية، فكما يحتاج إلى تغذية جسمية، وتغذية نفسية، كذلك يحتاج إلى تربية ثقافية، ترسخ فيه القيم التي يستند عليها في سلوكياته.
لقد كان الهدف الأساسي في نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) أن يغير عقلية الناس وتفكيرهم، ففي ذلك الوقت انغمس الناس في الدنيا والمادة، والخضوع للطاغوت والطغيان، وبالتالي خسروا حرياتهم.
فالتغذية الثقافية بمفاهيم هذه النهضة المقدسة تؤدي الى التعرف الى اهم القيم الأساسية التي يبتني عليها السلوك الصالح، خصوصا وأن تاريخ الامام الحسين (عليه السلام) يغتني بالصور اللامعة العظيمة والقصص الشامخة بالحرية والكرامة والعزة، فتكون هذه الصور ملهمة للإنسان، وترتقي به إلى مدارك السمو والجمال.
فعندما يأتي هذا الطفل أو المراهق أو الشاب أو حتى الإنسان الكبير، ويجلس في المجلس الحسيني ويستمع إلى تلك القصص العظيمة، والصور الباهرة الجميلة يتغذى ثقافيا، تنسل هذه القيم والصور الى قلبه وتدخل في اعماقه وتتحول إلى أفكار تكون مفتاحا للعمل الصالح في الحياة.
التربية على الحرية والكرامة ورفض الذل
فالمجلس الحسيني يعلم الإنسان معنى الحرية والكرامة، عندما يستمع الى كلام الإمام الحسين (عليه السلام) وهو يقول شامخا:
(ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين الذلة والسلة، هيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبيه من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).
فلا يقبل الإنسان أن يعيش في حياته ذليلا، لابد أن تكون الكرامة هي جوهر حياته، فالإنسان الذليل في الحياة ميت، ليس فيه روح ولا قيمة له.
هيهات منا الذلة، لأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان بكرامته، فيتعلم الإنسان ان يقف امام الطاغوت عندما يتعلق الامر بكرامته.
وفي الآية القرآنية: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) الزخرف/54، تعني (استخف قومه) أن الناس تعلموا على الذلة والعبودية والخنوع للطاغوت، فصارت هذه ثقافة دائمة لهم، وقد أصبحت ثقافة الذل والخنوع راسخة في ظل الحكومات المستبدة، ولكن الطفل والمراهق والشاب يكسر طوق الذل عندما يحضر إلى المجلس الحسيني ويرى صور الكرامة والحرية فيتعلم هذه المعاني ويستقي منها ثقافته.
هذه التغذية الثقافية هي التي تربي الإنسان على الكرامة، فالإنسان الذي يتربى على الكرامة لا تعجبه حياة الذل، فيتطور، لأن الإنسان يتقدم بكرامته، أما طبيعة الذل فهي تعني الخوف، والخنوع، ثم يؤدي ذلك إلى النفاق، والنفاق يعني استحكام الرذائل، فالإنسان الذي عنده كرامة لا يكذب، والذي يشعر بالحرية لا يكذب ولا يخون، ويكون صادقا في حياته.
هذه الصور العظيمة الموجودة في النهضة الحسينية، تحيي كل المبادئ الجيدة وترتقي بالإنسان، الى مستوى عال.
الإشعار بالكرامة
المجلس الحسيني هو محور أساسي في الشعائر الحسينية، وهذه الشعائر هي إشعار بالكرامة، وليست شعور فقط، فالإشعار مثل المنبّه، لا يقول لك عليك أن تشعر فقط، وإنما ينبهك كالصعقة ويذكرك بكرامتك. فتتأمل وتسمع هذه القصة أو تلك الرؤية التاريخية، وتفكر في نفسك وتتساءل، لماذا أعيش مهمَّشا؟ لماذا أعيش ذليلا؟، فيحدث التفاعل الداخلي وتتحول هذه المشاعر إلى سلوك وفكر قوي وعميق في داخل الإنسان، ومن ثم يلاحظ أن الكرامة تنمو في داخله، ويصبح عنده شعور قوي وكبير. ولكن هذا الشعور يحتاج الى اشعار مستدام ينبهه الى أهمية كرامته في كونها تعبر عن وجوده.
الشعائر الحسينية جوهر المجتمع الشيعي
إن قضية الإمام الحسين (عليه السلام) لا تكون في يوم واحد، أو في زمن واحد، بل هي قضية أصبحت كيانا اجتماعيا راسخا في جوهر المجتمع، فلا يمكن أن تفصل المجتمع الشيعي عن الامام الحسين (عليه السلام)، فإذا فصلته عنه، فقد انتهى الأمر وليس هناك مجتمع شيعي، فالشعائر الحسينية هو الداينمو الذي يحرك المجتمع الشيعي وتلهمه القيم والسلوكيات التي يبتني عليها، لذلك هذا التنوع الموجود في القضية الحسينية واختلاف مدارك الناس وقابلياتهم الثقافية يؤدي الى تنوع الاذواق والمناهل التي يأخذون منها.
لذلك كلما ارتقينا نحو القيم الحسينية أكثر استطعنا أن نتقدم أكثر في حياتنا، لأنه هو فعلا مصباح هداية ينير الدرب لنا وسفينة نجاة تنقلنا الى مستويات أرحب، ومفتاح للارتقاء والكمال والسمو، وكلما ننهل منها تنمو قابلياتنا وافكارنا وتتوسع بصائرنا، مثل الشجرة كلما تسقيها الماء تنمو أكثر، فتسقينا ونستقي منها بأن نحاول أن نتعمق بمعرفة جوهرها.
جوهر القضية الحسينية هي المعرفة
فمهما حاولنا أن نقول بأننا تعرفنا على الإمام الحسين (عليه السلام) لا يمكن أن نصل إلى ما نريد، لأننا لا زلنا لم نتعرف، لأنها معرفة متراكمة ولا تتوقف عند حد بل نستمر ونستمر حتى نرتقي ونسمو أكثر، فعن الامام الصادق (عليه السلام): (من أتى قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)، ويعني ذلك أن المعرفة تؤدي إلى نمو وتطور وعي القادم الى قبره (عليه السلام)، وكلما يزداد معرفة يزداد ألقا وتقدما.
والمجالس الحسينية هي طريق لمعرفة الامام الحسين (عليه السلام) من خلال الاستفادة من العواطف والمشاعر والأفكار، فهي (عَبرة وعِبرة)، فهي عَبرة من اجل الوصول الى عِبرة، فلا يمكن أن يكون هناك فهما للإمام الحسين (عليه السلام) ومصابه العظيم، إن لم تكن هناك عَبرة، لأن العَبرة وهي الدمعة الباكية التي تنتجها العاطفة الحسينية هي مقدمة للعِبرة من سيرة الامام (عليه السلام) والقيم العظيمة التي انبثقت من ملحمة عاشوراء، وفي الآية القرآنية تعبير عن هذا المعنى العميق: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32. هذه العاطفة هي مقدمة لتحريك المشاعر وإشعار القلب، الذي يحول هذا الشعور العاطفي الذي تفاعل معه الى فكرة وقناعة راسخة فيه.
مثال على ذلك اليتيم الذي يتعاطف معه، فيحدث عنده حالة عاطفية وتفاعل داخلي، يؤدي الى تكوّن مشاعر تنطبع في قلبه، وتتحول إلى أفكار، فتدفعه الى سلوك وفعل العطاء لليتيم، فهذه العاطفة تحولت الى شعور أشعرت قلبه فأصبحت فكرة ترسخت في ذهنه، فالقلب هو مخزن المشاعر، ومطبخ الأفكار.
وكذلك العاطفة والبكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)، تتحول الى مشاعر يتفاعل معها، فتشعر قلبه ويبدأ يفكر في القيم التي نادى بها الامام الحسين (عليه السلام) مثل الحرية والكرامة والوفاء والعطاء والتضحية.
وهذه عملية منظمة متدرجة حيث لا يمكن للإنسان أن يفهم الأفكار بوضوح وعمق ما لم تدرك المشاعر ذلك، والمشاعر لن تتحرك اذا لم يكن هناك إشعار عاطفي مسبق.
لذلك فإن الشعائر الحسينية مشروع تربوي عظيم لبناء المشاعر الصادق والأفكار الخيرة وبالتالي بناء القلب السليم.
عاشوراء اختزان المشاعر وبناء الأفكار
ومصدر الشعائر من الشعور ومفردها شعيرة، كل يؤدي الى اعلام الانسان من علامات، والاشعار الإعلام، والمقصود في الآية مايؤدي الى إشعار القلب واعلامه بما يؤدي الى بناء التقوى في نفسه.
فالإنسان بعاطفته تتحرك المشاعر فيه فيختزنها في قلبه الذي لابد يكون رقيقا منفتحا على خارجه، فيختزن المشاعر في قلبه، وعندما يختزنها في قلبه تتحول إلى فكرة وسلوك. فالقلب يختزن أي شيء تعطيه، إذا أعطيته الحسنات يخزّن الحسنات، وإذا أعطيته السيئات يخزّن السيئات، لذلك فإن عاشوراء ومحرم وصفر هو طريق لاختزان وتخزين المشاعر الطيبة ومن بناء الأفكار الصالحة والفضائل الكريمة، وهذا هو معنى (تقوى القلوب)، وهو نتيجة التفاعل الثلاثي بين العاطفة والمشاعر والأفكار، فالتقوى هي قدرة الفكر وقوة التعقل وهيمنة العقل بما يؤدي الى تربية الشخصية القوية والسليمة، والتحكم في الشهوات وعدم جموحها، بل تؤدي التقوى الى الاستقامة وعدم الانحراف بما تمتلكه من بنية عقائدية واخلاقية راسخة.
الأهداف التربوية في المجالس الحسينية
في البحوث التي تناولت قضايا التربية الرقمية، طرحنا كيف تحجز التكنولوجيا الإنسان عن التواجد في العوالم الحقيقية، وتمنعه عن الوجود الحقيقي على أرض الواقع، فأهم هدف تحققه القضية الحسينية هو الحضور الاجتماعي الفاعل، ووجود الإنسان في هذه التجمعات الكبيرة، سواء كانت مجالس أو عزاء أو مواكب حسينية.
هذا الحضور الاجتماعي مهم للإنسان، يعطيه طاقة حيوية واحساس مشترك مع الآخرين، من التواصل مع الآخرين، هذا التواصل لايقوم على حاجات مادية بل يقوم على غايات معنوية مشتركة، فيغذي فيه الوجود الإيجابي وطاقات التفاؤل والامل. هذا الحضور والتواصل في اهداف وجودية كبرى يساهم في تربية سليمة للإنسان.
لنفرض أننا اليوم لم تكن لدينا هذه الشعائر ولا يوجد إحياء ذكرى عاشوراء ومحرم وصفر، كيف سيكون وضعنا في حينها؟
تكون السنة عادية، وكل إنسان يعيش في بيته لوحده، ليس عنده علاقة مع الآخرين، وما نشاهده اليوم من تشييد المواكب في الشارع في عادة ذاتية دون تأثير قسري خارجي، حيث يندفع الناس لنصب المواكب والاستعداد لإحياء الشعائر، وهذا هو معنى الحضور الاجتماعي، حيث يحس المشاركون في هذه الفعاليات بلذة الحياة.
إنسان اليوم المعاصر يعيش حالة فردية، والحالة الفردية سيئة وهي إنتاج للمذهب المادي، وخصوصا الرأسمالية، حيث يؤدي بالإنسان ان يعيش لوحده ولا توجد له علاقة أو تفاعل مع الآخرين، تسيطر عليه الأنانية، فيفكر في نفسه فقط، لا يوجد عنده عطاء ولا روح، مجرد لديه هيكل أو جسم فقط، فليس لديه حضور اجتماعي.
فالحضور الاجتماعي الذي تتجسد فيه جمال القيم، يحرك الدوافع الإنسانية عند الإنسان، فهذا الحضور القيمي يمثل التواصل الحقيقي مع العالم، بالخصوص أن هذا التواصل يستمد قيمه من الله سبحانه وتعالى، فالذي يحضر ويخدم في هذه المجالس لايبحث عن منافع شخصية لنفسه، بل يريد وجه الله سبحانه تعالى، وبالنتيجة يغذي هذا الحضور الإنسان بالطمأنينة والسكينة، فكلما كان للإنسان حضور اجتماعي فيه عطاء كبير، كلما تألقت في داخله السعادة، كما تبين ذلك دراسات في علم النفس.
حيث ترى هذه الدراسات أنه لا المال يحقق السعادة للإنسان، ولا السلطة، ولا الملذات ولا الأشياء المادية، ولكن كلما يعطي الإنسان من نفسه للآخرين يزداد سعادة، وهذه الدراسات تم إثباتها من خلال عدد من الاختبارات العلمية أجريت على مجموعات من الناس.
منها على سبيل المثال إذا قمت بدعوة صديق لك إلى تناول وجبة في أحد المطاعم، وكل واحد منكم دفع مبلغ وجبة الطعام العائدة له، فإن الأمر يمر بشكل عادي، ولكن إذا قمت أنت بدفع مبلغ وجبته، فإنك سوف تشعر بسعادة عظيمة.
فالعطاء من القيم العظيمة التي ترتبط بالتفاعل الاجتماعي، خصوصا اذا كان لوجه الله تعالى، فسوف يصل الانسان الى قمة السعادة التي يمكن أن يصل لها الإنسان.
البعض يتصور انه بالبكاء واللطم أننا نعيش حزنا عميقا وهو امر صحيح، ولكن في الواقع أن هذا الحزن هو في نفس الوقت بناء للسكينة والطمأنينة وهو امر يحقق الشعور بالاستقرار والصحة النفسية، وبالتالي الشعور بالسعادة، وهذا من آثار الحضور الاجتماعي الفاعل.
استكشاف عوالم جديدة
وتساهم المجالس الشعائر الحسينية والمشاعر المنبثقة منها، في الانفتاح على عوالم جديدة، فالطفل الصغير عندما يذهب إلى المجلس الحسيني ويسمع محاضرة وكلام الخطيب، أو يشارك في خدمة المواكب الحسينية، فإنه يعيش في عالم آخر، هذا العالم شيء غريب بالنسبة له، وهو عالم جديد يعطيه خبرة ورؤية أخرى في الحياة، ويشكل له انفتاحا على عوالم جديدة.
خصوصا الشباب والمراهقين، حيث يؤدي الى استكشاف مفردات وصور أخرى في الحياة، بمعنى إنك طوال السنة التي تعيشها تقوم بعمل أشياء عادية، ولكن في محرم وصفر تتغير الصور، فيحدث ما يسمى بالاستكشاف، والإنسان بطبيعته يحب الاستكشاف، خصوصا الناشئة والاطفال. فيدخل في عالم جديد، ففي بعض الأحيان عندما تقوم بسرد أحداث قصة للطفل، فيها عوالم عجيبة وغريبة، سوف تلاحظ أن الطفل ينبهر بهذه القصص، ويذهب في عالم آخر، فكيف إذا كان العالم حقيقي وهو عالم الإمام الحسين (عليه السلام)، فيه صور جميلة، يتفاعل معها الطفل تفاعلا كبيرا، ونلاحظ ان الأطفال في شهريّ محرم وصفر يكون تفاعلهم أكثر من الكبار لهذا السبب وهو استكشاف عوالم جديدة، والتربوي الناجح هو الذي يستثمر هذا الاستكشاف لبناء شخصية صالحة وقوية.
وفي بعض الأحيان في الواقع الفعلي، الصغار هم الذين يقودون الكبار، لأنهم يتفاعلون أكثر من الكبار مع هذا العالم الجديد الذي يستكشفونه، لأنه عالم واقعي يتفاعل مع فطرتهم الداخلية.
دور المجالس في الموقف الاخلاقي
كذلك فإن من اهداف التربية الحسينية هي التربية السلوكية، وبناء الموقف الأخلاقي، التي يمكن ان تتبين في مواقف اختبار، مثل الصدق والكذب، فالإنسان الذي يتربى على تربية صحيحة، فإنه دائما يكون صادقا، لأنك تعلم معنى الاستقامة، فيكون عنده موقف أخلاقي، وليس مجرد عمل انفعالي، موقف أخلاقي تربى عليه في حاضنات الخير مثل المجالس الحسينية، ولذلك هذه المجالس تحقق أهدفا تربوية عظيمة يتعلم فيها أطفالنا وشبابنا تلك المواقف الخالصة.
المنبر الحسيني وقوة الكلمة
المنبر الحسيني له ميزة خاصة، فلا أتصور أن هناك مكانا آخر يمتلك ذلك التراث العظيم، كالمنبر الحسيني، فلم أشاهد مثيلا للمنبر الحسيني، في طريقته وأسلوبه، يجمع بين كثير من الميزات، بالإضافة الى جماله التراثي وقوة الصوت والإنشاد الحسيني.
وأيضا في عملية التسلسل التاريخي وسرد تفاصيل وأحداث القصص التاريخية، لذا نلاحظ أن المنبر بنية متكاملة من البداية إلى النهاية، وهذا التراث المنبري مطلوب أن نحافظ عليه.
فالمنبر الحسيني لها طابع خاص كان له تأثير كبير في بناء العواطف والمشاعر والأفكار، فهو منبر انساني يحرك المشاعر ويدفعها للتساؤل والتفكير ونقد الذات، ومحاولة تغييرها.
قد ينتقد البعض المنبر الحسيني، مطالبا بنوع من الحداثة وانقلابه إلى شيء آخر يتناسب مع التطور المعاصر وتغييره من أسلوبه التراثي الى منصة كلمات، وفي جوابنا لهذه المطالبة فإن المنبر الحسيني له طريقته الخاصة، وأجواؤه التقليدية، يجب الحفاظ عليه بما له من تأثير كبير على نفوس الناس، ولكن لابد من الخطيب الحسيني ان يكون بمستوى نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، عند صعوده على المنبر، فلا يكتفي بأداء روتيني وينتهي الأمر، بل لابد أن يقدم خطيب المنبر رسالة يكون لها أثر كبير على الحاضرين والمستمعين تتناسب مع عظمة المنبر الحسيني. فيخرج المستمع الذي حضر المجلس الحسيني وعنده افكار جديدة، تغرس المواقف الطيبة في ذهنه، لكي يحدث تغييرا في حياته، ومنعطفا في سلوكه، تؤدي الى حل المشكلات الواقع فيها، والاستغفار من الذنوب والمعاصي التي ارتكبها، ويتخذ قرارا هاما ليغير من نفسه، وهذا هو المطلوب من المنبر الحسيني.
فلابد للمستمع أن يستمع بشكل جيد، وللقارئ أو خطيب المنبر الحسيني أن يكون بمستوى هذا المنبر الحسني، وأن يؤدي الرسالة التي عليه.
ولكن المنبر الحسيني في حد ذاته، بأسلوبه وطريقته ومنهجه من الشعائر المقدسة التي لابد لنا أن نحافظ عليها، ونشجع الناس على حضورها والتواصل معها، ونشجع الشباب للدخول في عوالمه.
فالهدف من المنبر الحسيني هو ان نحافظ على الرسالة الحسينية، وهذه الرسالة يجب لا أن لا تصبح مجرد شكل ومظهر، بل تجمع بين الجوهر والمظهر، فكلاهما مطلوب، لأن الهدف هو تغيير الناس، أن نجعل الناس يفكرون بأنفسهم وينتقدون ذواتهم، من خلال محاولة معرفة وفهم الإمام الحسين (عليه السلام)، فيتغير نحو الأحسن، فيحاسب نفسه ويستغفر عن ذنوبه.
دور الشعائر الحسينية في تربية الناشئين
الشعائر الحسينية هو نقطة فاصلة مهمة، في عملية تربية الأطفال والمراهقين والشباب، فمن المهم أن يكون لهم حضور فاعل في إحياء الشعائر الحسينية، لذا يجب أن نتحرك لجذب الشباب والمراهقين وأطفال المدارس، وعلينا القيام بالتالي:
أولا: تشجيع الأطفال والشباب على الحضور في المجالس الحسينية
لابد أن يتواجد الأطفال في المجالس الحسينية، وكذلك لابد أن ينجذب المراهقون والشباب لهذه المجالس. فبعض الشباب في ظاهرة غير مناسبة عندما يرتقي الخطيب المنبر الحسيني يقفون خارج المجلس، والحل يأتي أولا من الخطيب الحسيني الذي يجب أن يكون أكثر جاذبية، للشباب وتقديم الافكار والأساليب والطرق التي تتناسب مع اعمار الناشئين والشباب، ومن جهة أخرى على الشاب أن يهتم بثقافته، وتنمية معرفته وتطوير أفكاره، حتى يكون أكثر قربا من الإمام الحسين (عليه السلام)، فكيف يمكن للشباب أن يكونوا قريبين من الإمام الحسين (عليه السلام)، وهم بعيدين عن حضور مجالس العزاء الحسينية، وهذه رسالة للشباب، بأن لا يبتعدوا عن المنبر الحسيني، فمنه يتعلمون ثقافة أهل البيت (عليهم السلام).
ثانيا: تشجيع الأطفال والشباب على المشاركة في الاعمال التطوعية
كذلك يجب تشجيعهم على ممارسة الأعمال التطوعية، وأيضا لا بأس أن يكون عند الطفل صندوق خاص، يتعلم أن يضع فيه جزء من أمواله الخاصة في هذا الصندوق ومن ثم يخدم الزوار في زيارة الأربعين أو عاشوراء، وهنا سوف يتعلم مفهوم العطاء ونبذ الأنانية.
فالإنسان إذا تعلم مفهوم العطاء فلا خوف عليه، فسوف يصبح إنسانا ناجحا في حياته، لأن ما يدمر الإنسان هي المادية الأنانية، ولكن عندما يفكر الإنسان في أهمية العطاء سوف تنمو عنده هذه الخاصية ويكون كبيرا وعظيما ويتطور نحو الأحسن، خصوصا في قضية خدمة الامام الحسين (عليه السلام)، فهذا بحد ذاته مهم، لأن خدمة الناس وقضاء حوائج الناس لها مكانة كبيرة لأنها مستحبة وفيها آثار عظيمة، فكيف إذا أصبح الشباب من خدام الإمام الحسين عليه السلام، وخدمة زواره، فهذه كلها من الأمور التي تساعد على تربية الأطفال.
ثالثا: تشجيع الأطفال والناشئين والشباب على قراءة الكتاب
كذلك نحن لابد أن نقرأ القصص المصورة لقضية الإمام الحسين عليه السلام، فنحن نعيش حالة ابتعاد عن الكتاب، فالطفل لابد أن يتعلم منذ الصغر قراءة الكتاب، ومنذ البداية يجب أن يتعلم قراءة القصص المصورة، هذا يعني أننا لابد أن نكتب ونقدم للأطفال قصصا مصورة حول عاشوراء، والإمام الحسين عليه السلام.
رابعا: صناعة الألعاب الفكرية والمهارات الفردية
وهنا نتساءل لماذا نحن نأخذ الألعاب الفكرية من دول ثانية، ونحن لدينا ثقافتنا الخاصة، الثقافة الحسينية، لابد نخلق حولها حوافز فكرية تعلم الطفل كيف يفكر، مثلا على سبيل المثال ابتكار لعبة حول المسيرة الجغرافية والتاريخية للإمام الحسين عليه السلام، أين ذهب وأين وصل، مثل هذه الألعاب تحتاج إلى ابتكار وإبداع، هذه الأمور مفيدة للأطفال.
هناك الكثير من القصص المؤثرة، وهي موجودة لدينا، فيمكن أن نصنع على سبيل المثال أفلاما عن الإمام الحسين عليه السلام وخصوصا عن قضية عاشوراء، كذلك يمكن تشجيع الأطفال في وتطوير المهارات الفنية مثل الرسم والمسرح، وتعلم فنون القصيدة الحسينية وإنشادها، وتعلم مهارات الخطابة منذ الصغر، فهناك مهارتان مهمتان غالبا لا نعلم عليهما أبناءنا، وهما مهارة الخطابة، ومهارة الكتابة. وكلاهما مهم، لأنه عندما يكبر الطفل يصبح مقتدرا بشكل كبير ومؤثرا في نشر القضية الحسينية بقلمه وبكلمته.
خامسا: إيجاد مجالس خاصة للأطفال
كما انه توجد مجالس مخصصة للكبار، يمكن أن يكون هناك مجالس مخصصة للصغار ايضا، وهم الذين يديرون المجلس، والخطيب والرادود يكون من الأطفال، الخدمة يقدمها الأطفال، فيتعلمون مفاهيم جميلة، منها مفهوم الخدمة، التعاون المشترك، ويتعلمون معنى الإدارة والمسؤولية والاستقلال.
فلماذا هناك تهميش للأطفال؟، بينما هم أصحاب الرسالة، وخصوصا ان الشعائر الحسينية تساعد بشكل كبير على تربية صالحة للأطفال.
إن أطفالنا مسؤولية في أعناقنا، وهذه المسؤولية لابد أن نرعى أطفالنا ونهتم بهم، وخصوصا في قضية عاشوراء، نعلمهم معاني عاشوراء، من الشجاعة، البطولة والكرم، العطاء والتضحية والحرية والكرامة، فهذه فرصة لنا للتربية الصالحة، للتربية السليمة، فتكون شخصية الطفل قوية، فلابد من الاهتمام، على الأب أن لا يهتم بنفسه فقط، ولا يترك أولاده ويذهب إلى المجالس والمواكب لوحده، وكذلك الام، بل لابد أن يصطحبا أولادهم معهم، وكذلك ان يخصصا وقتا معينا لأولادهما حتى يتعلموا معاني النهضة الحسينية بكافة أشكالها.
ان التربية الحسينية لها نتائج كبيرة مؤثرة في بناء الشخصية السليمة حيث تساهم في بناء هوية الانسان، وعدم اغترابه في الثقافة الفوضوية التي يعيشها العالم اليوم، والاغتراب يعني عدم قدرة الانسان على الارتباط بالحياة، بل يشعر بالعبث والعدم واليأس وعدم الجدوائية، لانه ليس له هدف، لكن القضية الحسينية تمد له جذورا في الحياة، فيحس بالارتباط والانتماء والوجود الحقيقي.
وكذل فإن للشعائر الحسينية تأثير في تعزيز روح المواطنة الصالحة، وبناء المسؤولية الاجتماعية، وتعزيز المشاركة المجتمعية، ونشر ثقافة التكافل الاجتماعي، وهذه عناصر تحققها الشعائر عمليا ولاتكتفي بالتنظير، فالشعائر وطن حسيني يقدم للمجتمع انسانا صالحا ينفع نفسه من خلال نفعه للآخرين.
اضف تعليق