من المبادئ الأساسية التي تسهم في بناء مجتمعات مستقرة ومتوازنة. فهي تُعزز من روح التعاون، وتدعم التفاهم بين الأفراد، وتُسهم في حل الأزمات بطرق سلمية قائمة على الحوار. وهي تعني إشراك أفراد المجتمع في صنع القرار والتداول في القضايا العامة، بحيث تُستمع الآراء المختلفة وتُناقش بشفافية للوصول إلى حلول توافقية...
تحرير: عصام حاكم
عقد مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث ضمن نشاطاته الفكرية حلقته النقاشية الموسومة (التشاورية الاجتماعية.. احتواء الازمات وادارة التعايش)، بمشاركة عدد من الشخصيات الأكاديمية والإعلامية في ملتقى النبأ الأسبوعي، هذا وقد أدار الحلقة النقاشية الباحث في المركز محمد علاء الصافي، وابتدأ حديثه قائلا:
تُعدّ التشاورية الاجتماعية أو الشورى من المبادئ الأساسية التي تسهم في بناء مجتمعات مستقرة ومتوازنة. فهي تُعزز من روح التعاون، وتدعم التفاهم بين الأفراد، وتُسهم في حل الأزمات بطرق سلمية قائمة على الحوار.
كما أن التشاورية الاجتماعية تعني إشراك أفراد المجتمع في صنع القرار والتداول في القضايا العامة، بحيث تُستمع الآراء المختلفة وتُناقش بشفافية للوصول إلى حلول توافقية. وتُعدّ الشورى من القيم المتأصلة في الثقافة الإسلامية والمجتمعات التقليدية، وقد أصبحت اليوم أساسًا في النظم الديمقراطية الحديثة.
عندما تواجه المجتمعات أزمات –سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية– تظهر أهمية الحوار والتشاور. فبدلًا من العنف أو التهميش، تتيح التشاورية تبادل وجهات النظر والاستفادة من الخبرات المختلفة، مما يساعد على إيجاد حلول متوازنة تقلل من التوترات وتعالج جذور المشكلة.
إدارة التعايش من خلال الشورى
في المجتمعات المتعددة ثقافيًا أوقومياً أو طائفيًا، تُعدّ الشورى أداة فعّالة لضمان التعايش السلمي. من خلال الحوار والتشاور، يتم احترام التنوع، وتُؤخذ مصالح الجميع بعين الاعتبار، مما يعزز الانتماء ويقلل من فرص الصراع، كما تساهم في بناء الثقة بين افراد المجتمع والسلطات في عموم الدولة.
إن التشاورية الاجتماعية ليست مجرد مبدأ أخلاقي، بل هي أداة عملية لإدارة الأزمات وتعزيز التعايش. وكلما زادت مساحات الحوار وقلّت مظاهر الإقصاء، زادت قدرة المجتمعات على تجاوز التحديات وتحقيق الاستقرار والتنمية.
اتخذ الإسلام من الشورى مبدءاً عاماً في الحياة، فقد طالب القرآن الكريم الحاكم بالمشورة، وطلب من الأمة التشاور في آيتين منفصلتين، (وأمرهم شورى بينهم)، (وشاورهم في الامر)، وفي آية ثالثة جعل الشورى أساساً للحياة الزوجية في موضوع فطام الطفل، وكأن القرآن الكريم بهذه الآيات الثلاث يريد أن يقول لنا بأنّ الشورى ليست قاعدة في الحكم وحسب بل تمتد حتى إلى جزئيات الحياة الزوجية لتصبح مبدأ للحياة وعلى هذه الركيزة انطلق رسولنا الكريم محمد (ص)، وأمير المؤمنين(ع) في رسم ابعاد الشورى في قولهم وفعلهم.
أي في الفكر الذي تجلى لنا في كلماتهم، وفي ممارسته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
عن النبي صلى الله عليه وآله قال: تصدقوا على أخيكم بعلم يرشده ورأي يسدده. وعنه(ص): الحزم أن تستشير ذا الرأي، وتطيع أمره، وقال: إذا أشار عليك العاقل الناصح فاقبل، وإياك والخلاف عليهم فان فيه الهلاك، وقال الصادق عليه السلام: المستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل، وقال عليه السلام: لا تشر على المستبد برأيه.
جاء في كلام أمير المؤمنين(ع) في أهمية الشورى:
نعم المظاهرة المشاورة. والاستشارة عين الهداية. أفضل الناس راياً من لا يستغني عن رأي مشير. ولا ظهير كالمشاورة. ولا مظاهرة أوثق من المشاورة.
ما ضلّ من استشار. لا يستغني العاقل عن المشاورة.
فالشورى هي من ابرز علامات الهداية والقوة والحكمة والعقل. فالإنسان الذي يعتمد المشورة في حياته هو المتميز بين الناس بالنجاح والأفضلية، فهو يتخذ من الشورى سبيلاً إلى الهداية، وهو بالتالي محصّن ضد الضلال والانحراف. هذه هي ابعاد الشورى كما يتضح من أقوال أمير المؤمنين(ع).
عن أمير المؤمنين(ع) قال: من لم يستشر يندم.
وعن الصادق عليه السلام: لا تكونن أول مشير وإياك والرأي الفطير وتجنب ارتجال الكلام، ولا تشر على مستبد برأيه، ولا على وغد، ولا على متلون، ولا على لجوج، وخِف الله في موافقة هوى المستشير فان التماس موافقته لؤم، وسوء الاستماع منه خيانة.
وعن أمير المؤمنين علي(ع) لا رأي لمن انفرد برأيه، وقال(ع): ما عطب من استشار ومن شاور ذوي الألباب دُلّ على الرشاد، ونال النصح ممن قبله، وقال(ع): رأي الشيخ أحب إلي من حيلة الشباب وقال(ع): اللجاجة تسلب الرأي.
وقال(ع)، من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها، وقال(ع)، من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطاء، وقال: اللجاجة تسل الرأي، وقال ايضا، الاستشارة عين الهداية.
لاحظوا الكم الهائل من الوصايا والأحاديث المروية عن الرسول واهل بيته صلوات الله عليهم اجمعين حول أهمية المشاورة والشورى لأهميتها الاجتماعية والسياسية، رغم انهم كانوا يمتلكون العصمة والتسديد الإلهي في كل مواقف حياتهم.
"الاستشارة: هي فن استخدام العقول، فبدلاً من أن تفكر بعقل واحد يمكنك ان تفكر بعدة عقول فلا تتردد في استشارة من تثق بهم."
اذن لماذا يحجم معظم الناس عن قبول الاستشارة في حل مشكلاتهم؟
هناك الكثير من الأسباب بالطبع لكن سنلخص البعض منها والتي جمعت من بعض الدراسات والابحاث:
- الخوف من الحكم أو الانتقاد: يظن البعض أن طلب المساعدة ضعف أو عجز.
- الثقة الزائدة بالنفس: يعتقد بعض الأشخاص أنهم قادرون على حل مشاكلهم بأنفسهم دون حاجة للغير.
- الخصوصية: هناك من لا يحبون مشاركة مشكلاتهم حتى مع المقربين.
- تجارب سابقة سلبية: إذا خاب ظن شخص في استشارة سابقة، فقد يتردد في التكرار.
- عدم وجود بيئة داعمة أو آمنة للتشاور.
من الآثار الإيجابية لنهج التشاورية الاجتماعية:
- تقوية النسيج الاجتماعي: تزيد الثقة والاحترام بين أفراد المجتمع.
- حل المشكلات بشكل جماعي: مما يقلل من الأخطاء الفردية ويُنتج قرارات أكثر توازنًا.
- منع التصعيد في الأزمات: لأن الأطراف المعنية تُشرك في الحلول.
- تعزيز الانتماء والمسؤولية الجماعية.
- تشجيع التنوع في وجهات النظر والإبداع في الحلول.
الأساليب السليمة لتطبيق منهج التشاورية الاجتماعية أو الشورى:
- تهيئة بيئة آمنة ومحايدة للنقاش.
- تعليم مهارات الاستماع الفعّال واحترام الرأي الآخر.
- الابتعاد عن الفرض والتسلط في الحوار.
- تشجيع المشاركة المجتمعية في اتخاذ القرار.
- تبني نماذج ناجحة للتشاور في المدارس، المؤسسات، والمجالس المحلية.
أصبح الاستقرار السياسي في الوقت الحاضر من أهم التطلعات التي تسعى إليها الدول والشعوب لما له من انعکاسات إيجابية على الدولة والمجتمع معًا، وعلى کافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا الاستقرار لا يتحقق إلا بتكاتف الدولة والمجتمع معًا. وترتبط ظاهرة عدم الاستقرار السياسي بظاهرة العنف السياسي، فعندما يحظى النظام السياسي ومؤسساته بالرضا والقبول المجتمعي لإحساسهم بأن النظام يستجيب لمتطلباتهم واحتياجاتهم المشروعة، فهذا يعني غياب العنف وتحقيق الاستقرار السياسي، وهذا لا يمكن أن يتم بدون أن يكون للمواطن ومؤسسات المجتمع دور في صياغة القوانين التي تحقق العدالة دون تمييز وتحافظ على السلم المجتمعي وهذا ما نفتقر له في العراق بشكل كبير.
تم تغييب دور المجتمع والمؤسسات المدنية والاجتماعية والدينية الفاعلة سواء في صياغة القوانين او كتابة الدساتير بمختلف الأنظمة التي حكمت العراق بعد تأسيس الدولة الحديثة عام 1921، والسلطة اختزلت بعوائل او قادة المؤسسة العسكرية أو افراد قلائل وهذا ما سبب انهيار تام للدولة ومؤسساتها في اكثر من مناسبة والتورط بصراعات وحروب داخلية بين مكونات الشعب وحروب خارجية مع الجيران سببت الخراب والدمار وكان المتضرر منها أولا وأخيرا الشعب العراقي.
فشخصية مثل شخصية صدام حسين نموذج القائد الضرورة والزعيم الأوحد وشعار فرعون "أنا ربكم الأعلى"، لا زالت متجذرة في معظم مؤسسات الدولة والمجتمع، سواء في البيت او المدرسة او ديوان العشيرة او على مستوى بعض المؤسسات الدينية والمدنية حتى أن شخصا واحدا يفهم في كل شيء ويقرر ما يشاء وعلى الجميع الاطاعة والقبول وعدم الاعتراض وحتى شعارات تلك المرحلة مثل (نفذ ولا تناقش)، لا زال الكثير منها متجذر ومعمول به في حياتنا اليوم رغم مرور عشرات السنين على سقوط تلك الفترة الدكتاتورية البغيضة.
كذلك في عراق ما بعد 2003 برز كثيراً في وسائل الاعلام والواقع الاجتماعي إسم وصفة المستشار نيابة عن مسؤول حكومي ما، فنشاهد أو نسمع مستشار رئيس الوزراء او مستشار رئيس الجمهورية ومستشار المحافظ الفلاني وهي مناصب سياسية وليست فكرية أو يؤخذ منها الجانب العلمي أو الخبرات وللأسف عندما نبحث عن شخص معظم هؤلاء "المستشارين"، نجدهم أقل فكرا وتجربة وثقافة من المسؤول نفسه وبالنتيجة ينعكس ذلك على أداء المسؤول الحكومي ويفشل في الغالب بأداء دوره وعمله المطلوب منه وكل ذلك بسبب نظام المحاصصة السياسية غير الناضج وتوزيع المناصب على كل من هب ودب لشراء ذممهم أو سكوتهم في مقابل النقد للحكومات والأداء الحكومي.
للولوج اكثر في حيثيات وتفاصيل الموضوع نفتح باب الحوار من خلال طرح السؤالين الآتيين:
السؤال الاول: لماذا يحجم معظم الناس عن قبول الاستشارة في حل مشكلاتهم؟
السؤال الثاني: ما هي الاثار الايجابية لنهج التشاورية الاجتماعية، وكيف يمكن استكشاف الاساليب السليمة للعمل بها؟
المداخلات
القبول بالاستشارة هي المحطة الاولى
- الدكتور خالد العرداوي، مدير مركز الفرات للدراسات والتنمية الاستراتيجية:
ان مقومات طرح هذا الموضوع وفي هذا التوقيت بالذات، له خصوصية استشراف الواقع العراقي، الذي يستدعي منا شرف محاكاة منهجية التشاورية الاجتماعية، ومتطلبات الاستفادة مما يقوله اولئك الحكماء عرفيا وعلميا، علما ان مقدمات القبول بالاستشارة هي المحطة الاولى، ومن ثم المحطة الثانية ان نكون غير متعجلين في اتخاذ القرارات.
الشاهد هنا ما اورده الامام علي(ع)..(اصاب متأني ولو هلك واخطأ متعجل ولو ملك)، فصدام حسين تلك الشخصية المتقلبة المزاج التي حكمت العراق 35 عاما، كانت تعاني من اعراض وامراض الانفصام الشخصي المفرط والمغالي والمنتفخ، بالتالي هو لا يرى في هذا الوجود من هو سواه.
ليس هذا فحسب بل كان لا يقبل بالاستشارة ومتسلح بثقافة الانتقاص من الاخرين، وهذا مما اجج في نفسه خواص عدم الاذعان للراي والراي الاخر، لذلك كان قراراته مميتة ومهلكة، على الجانب الآخر ان مفهوم الاستشارة يخفي من وراءه الخوف من الحق.
لذلك قال امامنا الامام الحسن(ع) لأبيه وهو يناقش موضوعة الاستشارة.. (احتمال الجريرة واصطناع العشيرة)، فحوى هذا القول هو مسايرة الاستشارة والاذعان لها مهما كان نتائج تلك الاستشارة.
لذلك نحن اليوم في ادارة الدول نرى كتلنا السياسية لا تقبل بالحق، خاصة اذا ما تعلق الامر في فهم اليات واستراتيجيات العمل السياسي، وهذه هي الطامة الكبرى التي يعاني الواقع الحكومي في العراق، لاسيما من منطلق استقبال المشورة والتعاطي معها بروح ايجابية، وهذا الامر بطبيعة الحال يحتاج منا الى مقدمات اساسها التنشئة والتربية والقداوة.
مخرجات التشاورية العلمية
- الأستاذ خليفة التميمي، اعلامي وكاتب:
يعتقد ان موضوعة الاستشارة هي من الموضوعات الحيوية والاستراتيجية، التي تمس سياقاتنا التنظيمية وتجاربنا الشخصية سواء كانت فاشلة او نجاحه على حد سواء، بالتالي أصبح كل فرد منا هو في حقيقة الامر مستشار في اختصاصه.
والاستشارية هنا تأتي بمعنيين، المعنى الاول يعني المستشار الموثوق، والمعنى الثاني يعني الواعظ والناصح، وكلا المعنيين يستندان الى حقيقة واحدة وهي الثقة بالذات، وهذا ليس بالأمر الهين والسهل، بل لابد ان تبنى بناء هيكليا قويما وناضجا.
فطالما كانت الثقة مفقودة بين الافراد والجماعات والتنظيمات، من الطبيعي بمكان الا تصل الموعظة الى وجهتها الحقيقية، فالأمام الحسن(ع) قال.. (المستشارُ مؤتَمَنٌ فإذا استُشيرَ فليُشِر بما هوَ صانعٌ لنفسِهِ).
وتحدثنا كتب السير والتاريخ الى ان الامام علي(ع) قال..
(أمرتهم أمري بمنعــرج اللـــــوى --- فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد).
في العهد الاموي يحدثنا ارباب السير والتاريخ على ان عبد الملك بن مروان، تلك الشخصية الملقبة بحمامة السلام او حافظ القران، ودعت القران على جناح السرعة ما ان استلمت الحكم، بل كان يعد التذكير بكتاب الله سبحانه وتعالى تعتبر جريمة تستحق القتل، نستدل من وراء تلك التصرفات ان مفهوم الشورى كان مغيب تماما او غير مفعل.
والامر قد لا يتوقف في حدود ذلك الحيز الزمني، بل هو يمتد الى عراق اليوم ففي حوار متلفز جمع اثنين من الشخصيات السياسية وهو مستشار رئيس الوزراء ونائب برلماني، النائب سأل المستشار عن تخصصه الاستشاري فلم يجيب.
من هنا نستنتج حجم الكارثة التي يمر بها النظام السياسي في العراق، الذي لا يستقطب اهل العلم والدراية الاكاديمية للاستئناس بآرائهم والاستماع اليهم، في معالجة العديد من الازمات التي يعاني منها المشهد العراقي من مثل الانخفاض العالي في المنسوب المائي، وفي الكهرباء، والغاز وهكذا دواليك، فاين هي مخرجات التشاورية العلمية والخدمية التي نحتاج اليها.
لا سيما وان جميع من يمسك زمام السلطة في العراق يقول كما قال فرعون..(انا ربكم الاعلى)، ولا يتنازل عن عرشه مهما كانت الظروف، بل هو يفرض رأيه على الناس بالإكراه، لذلك من الطبيعي جدا عندما ان تنتج المقدمات غير سليمة نتائج صفرية وكارثية.
بالتالي من اين تأتي تلك الثقة ونحن نعيش تلك الغوغائية والفوضى في الكثير من التجارب السياسية كالانتخابات والحكم والوزارات والخدمات، فخلال عقدين من الزمن وسجل الانتخابات في العراق، لا يقدم الا المزيد من الانتكاسات والخسائر، بالتالي اصبحنا بين امرين لا ثالث لهما، اما ان تأتي اقوام جديدة وتحتل العراق، واما ان يدب الانقسام والتشرذم والاحتراب الاهلي.
الشورى بناء لقدرات الانسان
- الباحث علاء الدين الكاظمي، أستاذ جامعي:
ان المانع الاول للعمل بالاستشارة هو الجهل، والا فالاستشارة بحد ذاتها هي ذات خصائص عقلية يهتدي اليها الانسان بشكل اعتيادي، لأنها في حقيقة الامر تنمي من قدرات هذا الانسان ومن معرفته، فالإنسان الذي لا يستشير هو في حقيقة الامر انسان جاهل ويجهل ابسط الامور.
المانع الثاني على ما اعتقد هو الغرور والتكبر وحب الانا، كل تلك المعطيات والمعاني هي عوامل شاذة ومانعة لطلب الاستشارة، ناهيك عن فكرة الالمام بكل شيء، بمعنى ان بعض الشخصيات المريضة تعتقد انها موسوعية وملمة بكل علوم هذا الدنيا ومعارفها.
بطبيعة الحال ان فوائد الاستشارة عظيمة وعظيمة جدا، خاصة على مستوى الاحترام، وعلى مستوى صقل العقول وتحفيزهم على التفكير، واستنطاق حالة الخطأ والصواب، ناهيك عن كون الاستشارة تهديك الى سبل الهداية والرشاد، وهذا هو محل الشاهد وبيت القصيد كما يقول القائل.
لذلك نستخلص من خلال ما تقدم ان الشورى لها مزايا ايجابية في بناء قدرات الانسان العقلية والتربوية والسلوكية، لأنها في حقيقة الامر تسعى لصقل الشخصية الانسانية وتشذيبها من كل المتعلقات.
الاستشارة في الصدق والنصح
- احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
ان مفهوم التشاورية الاجتماعية هو إيقاظ حالة الشورى والتشاور، على اعتبارها صمام امان وتحكم في ضبط السلوكيات والافعال والاقوال.
(اسألوني قبل أن تفقدوني) عبارة ينسبها الكثيرون للامام علي بن أبي طالب (عليه السلام). تعني هذه العبارة طلب العلم والمعرفة من الإمام علي قبل رحيله أو انقضاء عمره، يعتبر هذا الحديث تحذيرا من ضياع المعرفة والإرشاد بعد رحيل الإمام علي، ويحث على استغلال وجوده وحضور الإمام علي لطلب العلم والمعرفة منه، حيث أن الإمام علي يملك علما واسعا بجميع الأمور.
وهذا بطبيعة الحال يتقاطع كليا مع وظيفة المستشار السياسي في العراق، حيث اصبح عنوان المستشار وظيفة لمن لا وظيفة له، بمعنى ان المحسوبيات والمنسوبيات العائلية والحزبية هي التي تجعل فلان مستشار.
في القضايا الاجتماعية الاستشارة مهمة جدا على المستوى العشائري والقبلي، وذلك من اجل حل النزاعات والخلافات العشائرية بالطرق السلمية، علما ان بعض الاستشارات الاجتماعية والقضائية تكون مضلة ومضللة في بعض الاحيان، أي انها في غير مرضاة الله سبحانه وتعالى، وذلك من خلال ايجاد ثغرة قانونية او اجتماعية، بالتالي ان الاستشارة تحتاج الى الصدق والنصح.
نقل الخبرات الى الاخرين
- علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
يردد صدى القول المعروف والدارج الذي كان يردده والده رحمه الله (كل معلم ربحان إلا معلم الرجال خسران)، هذه الحقيقة هي من الحقائق الخالدة التي لا تغادر مخيلتي، فكيف نصوب هذا القول الذي لا يبيح النصيحة ولا يسمح بها بل يذمها، لذلك استفسر هل نقل الخبرات الى الاخرين يعتبر خسارة؟.
التشاورية الاجتماعية بلسم للجراحات
- حيدر الاجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
ان موضوعة الاستشارة هي من الموضوعات الاساسية، ولولا ذلك لما تعرض لها القران الكريم والاحاديث النبوية وائمة اهل البيت عليهم السلام، وهي ليست من باب الترف الفكري، بل هي ذات مضامين حياتية وانسانية واجتماعية، بالتالي ان التشاورية الاجتماعية هي بلسم لكل الجراحات، من اجل خلق مجتمع متراص ومتماسك.
الاستشارة التي طرحها الصحابي الجليل سلمان المحمدي رضوان الله تعالى عليه، وذلك عندم قدم استشارته في واقعة الخندق واخذ بها الرسول الكريم صل الله عليه وآله وسلم، وكان تلك الاستشارة استشارة ايجابية وفيها نتائج مثمرة على جميع الصعد، خاصة على مستوى قبول الاستشارة.
لذلك نحن اليوم مطالبين بتعزيز روح التشاورية الاجتماعية، وذلك من خلال العائلة والمؤسسات التربوية والتعليمية ووسائل التواصل الاجتماعي، ايضا ايجاد مؤسسات تشاورية تعنى بالحوار ومهارات الاستماع للأخر.
الاحجام عن الاستشارة
- الباحث حسين علي حسين عبيد، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
يصف متعلقات الاحجام عن الاستشارة مرتبط ارتباط مباشر بالفاعل النفسي والاجتماعي، لا سيما الخوف من الضعف، الامر الاخر الخصوصية الشخصية على اعتبارها خط احمر، الامر الثالث المجتمع العربي اسير فكرة (أهل مكة أدرى بشعابها).
بالإضافة الى ذلك الاستشارات الخاطئة تكون عائقا مهما امام تكرار هذه التجربة، من ثم تأتي حقيقة الانكار وعدم الاعتراف بوجود مشكلة، المعطى الاخر الخوف من النصيحة المؤلمة والمرة.
بالنتيجة ان النهج التشاوري الاجتماعي هو من اهم الوسائل لتعزيز الثقة بين افراد هذا المجتمع، فمتى ما توفرت بيئة امنة للأفراد سنوفر عندها مجتمع مبني على التشاورية الاجتماعية.
التشاورية الاجتماعية وتمثلاتها الموزونة
- الأستاذ حامد الجبوري؛ باحث في مركز الفرات للتنمية والبحوث الإستراتيجية:
يرصد من خلال تلك الوقفة اشكالية التربية على اسس سليمة، هذا المعطى يعد نقطة الانطلاق الاولى نحو تحقيق التشاورية الاجتماعية واساس تمثلاتها الموزونة في استيعاب الفرد وحرية الفرد، وما يدور حولها من استقلالية الراي والراي الاخر.
اما بخصوص الاثار الايجابية التي تخلفها الاستشارة، فهي قطعا لا تختلف عن فكرة الاستشارة الطبية وحاجة الانسان اليها.
معالجة نفسية وتسديد بوصلة الانحرافات
- الدكتور لطيف القصاب إعلامي وباحث سياسي:
مفهوم التشاورية الاجتماعية من الموضوعات الحساسة والمحورية، ولولا ذلك لما تعرض اليها الامام السجاد(ع) في منظومته الحقوقية التي تتألف من 51 حقا، وفيها حق المشير عليك، والتعاطي الايجابي في كل الاحوال مع من يشير عليك.
هذا القول ينسب للأمام زين العابدين وهو يحث على حسن الظن بالمسلمين وتجنب سوء الظن، ويشير إلى أهمية الشكر لله في كل الأحوال. إذا كان الشخص مصيبا، فعلى المرء أن يحمد الله ويشكره على نعمة الإصابة. وإذا كان الشخص مخطئا، فعليه أن يلتمس له العذر، وأن لا يتوقع منه ما ليس فيه.
نستخلص من خلال ذلك القول انها معالجة نفسية ورصد حقيقي لأصل المشورة، بغية تصويب وتسديد بوصلة الانحرافات ان حصلت.
مسببات الاحجام عن الاستشارة
- الاستاذ باسم الزيدي، مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
ان الاسس المتينة التي تقوم عليها صناعة التشاور بالنسبة للفرد والمجتمع، هي بداعي مقاومة الاستبداد، لان اضداد التشاور في اللغة العربية نجدها تدور في فلك الفردانية النزاع الصراع الاتفاق المسبق، بالنتيجة ان الشورى والتشاور جاء ليقضي على الاستبداد او تفكيك الاستبداد.
الى جانب ذلك ان مساحة عمل الشورى تتحرك ضمن دائرة الفرد وداخل المجتمع ايضا، وهي تحاول من خلال ذلك الى تحجيم الاستبداد او تفكيك الاستبداد، فالاستبداد هو المرض المستعصي الذي يولد امراض مختلفة ومتعددة، الهدف الحقيقي من التشاور هو ادارة التعايش بطرق سلمية والجنوح للسلام.
الامام الشيرازي (قدس سره الشريف) صاحب نظرية شورى الفقهاء المعروفة، تحدث ايضا عن مسألة التشاورية الاجتماعية واستهداف الفرد والاسرة والمجتمع على حد سواء، بغية بناء مجتمع سليم قادر على ادارة نفسه بنفسه، وان يكون ذلك الفرد صاحب ملكه واختيار.
التشاور من وجهة السيد الشيرازي تشبه حالات الاستبيان واستطلاعات الرأي، التي تجريها بعض الحكومات والمؤسسات من اجل رصد اراء الناس وتصوراتهم، لان الحاجة للمعرفة بالنسبة للروح تشبه حاجة الانسان للطعام بالنسبة للشخص الجائع.
بالنتيجة ان مسببات الاحجام عن الاستشارة كثيرة ومتشعبة ولكن اهمها الجهل، الذي لا يقيم وزنا لفائدة الاستشارة ونتائجها المستقبلية والانية، الاسلام حاول ان ينمي فينا معايير النزوع للاستشارة والميل اليها، التربية الاستشارية جاءت من الاعلى الى الأدنى وفق المبنى الاسلامي، وهذا ما افصح عنه النص القرآني القائل (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)، ففي ثنايا ذلك النص نلمح حالة من حالات التشاور.
الاحترام المتبادل بين طرفي المعادلة
- الدكتور خالد الأسدي، باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:
التشاورية الاجتماعية هي نهج في التواصل والتفاعل الاجتماعي يركز على الحوار والتشاور بين الأفراد والمجتمعات. وتشمل سبل تطبيقها:
1. الحوار: التشاورية الاجتماعية تركز على الحوار المفتوح والصادق بين الأفراد والمجتمعات.
2. التفاعل: التشاورية الاجتماعية تشجع على التفاعل بين الأفراد والمجتمعات لتبادل الأفكار والآراء.
3. الاحترام: التشاورية الاجتماعية تركز على الاحترام المتبادل بين الأفراد والمجتمعات.
من سبل تطبيق التشاورية الاجتماعية:
1. الاستماع الفعال: الاستماع الفعال للأفكار والآراء المختلفة.
2. الحوار المفتوح: الحوار المفتوح والصادق بين الأفراد والمجتمعات.
3. الاحترام المتبادل: الاحترام المتبادل بين الأفراد والمجتمعات.
4. التعاون: التعاون بين الأفراد والمجتمعات لتحقيق الأهداف المشتركة.
5. التعلم المستمر: التعلم المستمر من خلال الحوار والتفاعل الاجتماعي.
من فوائد التشاورية الاجتماعية
1. تحسين التواصل: تحسين التواصل بين الأفراد والمجتمعات.
2. تعزيز التفاهم: تعزيز التفاهم بين الأفراد والمجتمعات.
3. تحقيق الأهداف: تحقيق الأهداف المشتركة من خلال التعاون.
4. بناء الثقة: بناء الثقة بين الأفراد والمجتمعات.
التحديات:
1. الاختلافات الثقافية: الاختلافات الثقافية والاجتماعية يمكن أن تؤثر على تطبيق التشاورية الاجتماعية.
2. الصراعات: الصراعات يمكن أن تعيق تطبيق التشاورية الاجتماعية.
3. نقص الوعي: نقص الوعي بأهمية التشاورية الاجتماعية يمكن أن يؤثر على تطبيقها.
التشاورية الاجتماعية هي نهج مهم في التواصل والتفاعل الاجتماعي، ويمكن تطبيقها من خلال الحوار المفتوح والاحترام المتبادل والتعاون. يمكن أن تحقق التشاورية الاجتماعية العديد من الفوائد، مثل تحسين التواصل وتعزيز التفاهم وتحقيق الأهداف المشتركة.
تمثلاتها هرمية
- محمد علي جواد تقي، اعلامي وكاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
ان قضية الشورى او الاستشارة هي واحدة من القيم الانسانية المقدسة، التي طالما توقف عندها النهج الاسلامي، كما هي القيم الاخرى كالحرية والانسانية وما شاكل، ما يعنينا في هذا الخصوص ان تجذر هذه الثقافات بالذات المسلمة يتشكل من خلال التربية الاسرية.
واساسها تمثلاتها الهرمية انطلاقا من رب الاسرة، وذلك على اعتباره هو صاحب القرار الاول والاخير داخل العائلة، لذلك تقع عليه مسؤولية انضاج التشاورية الاجتماعية ابتداء من الزوجة الى الاولاد من الذكور والاناث ومنذ الصغر.
الامر ايضا ينسحب تلقائيا على رب العمل وعلى المؤسسات والدوائر الحكومية وغير الحكومية، وهذه مرده على ما اعتقد الشعور بالنقص، بمعنى ان طالب تلك المشورة لا يستسيغ فكرة ان يكون فلان اعلم منه، وهذا مما يشكل حاجزا نفسيا واجتماعيا امام تقبل المشورة او طلبها.
نقطة تجميع العقول
- الاستاذ صادق الطائي، كاتب وناشط:
المشاور والاستشارة من المواقع المهمة لادارة الوضع السياسي لاي مقاطعة سياسية، ربما الافراد أو أكثرهم يحجمون عن قبول الاستشارة لانهم يعتبرونها (نقطة نقص) لقدراتهم العقلية والفكرية، عكس الذين يفكرون انها نقطة تجميع عقول وتوجهات وارشادات أصحاب الاختصاص، كما انها جاءت عن دراسات وعلوم وتجارب وتأكيدات معتبرة وأكيده، ليس كما يتصور البعض، انها مجرد ادانه ومنقصة، عدم القبول بالإستشارة تمثل صورة من الجهل والتخلف وعدم القبول بعملية التطوير والتقدم، يمكن رصد مجموعة من الاثار والصور الايجابية لنهج التشاورية الاجتماعية واستكشاف طرق واساليب عمل جديدة، يمكن العمل بها.
كل انسان يحمل معه طاقات قيادية وادارية هائلة، تنتظر من يفجرها ويستفيد منها مثلا هناك اعمال تحتاج الى عناصر متعددة وليس لعنصر واحد وكذلك لطاقات متعددة، ربطها بشخص واحد هو قتلها وانهائها مثلا بناء مؤسسة عن الطاقة او الانواء الجوية او اي مشروع آخر.
يحتاج الى أكثر من شخص كذلك عناصر من أهل الخبرة والتجربة حتى يكتب النجاح للمشروع.
وسيلة لحل الأزمات
-الاستاذ حسن كاظم السباعي، باحث وكاتب:
عندما يعرف الإنسان حجمه وقدراته الحقيقية سيبتعد عن أي توهم لا يناسبه وبالتالي سينتهي به المطاف إلى أن يقرر قرارات مناسبة لواقعه، ومن هنا جاءت الحكمة العلوية على قائلها السلام: "الخير كلّه فيمن عرف قدر نفسه، وكفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدر نفسه".
ومن الأخطاء التي قد تقع؛ أن الإنسان يتصور أنه قد وصل إلى درجة من الفهم والإدراك تغنيه عن قبول الاستشارات، وهذا بحد ذاته يعتبر من مراحل السقوط والفشل في الحياة، فعلى فرض وصول الإنسان فعلا إلى مرتبة حقيقية من الوعي والحنكة والحكمة، ولا يحتاج بالفعل إلى من يشير عليه، إلا أن ذاك لا يتعارض مع الاستماع أقلا للمشورة. ولقد قالها أميرالمؤمنين(ع) في حواره مع ابن عباس: "لك أن تشير وأرى، فإن عصيتك فأطعني"؛ فالإمام سلام الله عليه في مقام التعليم وهو الغني عن كل مشورة ونصيحة لم يلغ هذا الأصل، وإنما دعا الآخرين إلى ذلك رغم عدم احتياجه، مما يدل على أنها ضرورية في جميع الأحوال للمستشير والمستشار لبناء الهيكل المجتمعي على أسس الحوار والمشاركة واحترام الرأي الاخر وسعة الصدر والحلم والإنصات وغيرها..
من هنا فإن الذي يتصور أنه قد وصل إلى مرحلة الاستغناء عن الاستشارة إنما هو بعيد عن الكمال والعقل ولو من وجه مجتمعي أقلا، وهذا الاعتقاد أدى بالناس أن يحجموا عن قبول الاستشارة في حل مشكلاتهم، مما يؤدي بالنهاية إلى الإضرار بأنفسهم قبل غيرهم.
أما الآثار الاجتماعية لنهج التشاور فإنه بالإضافة إلى الآثار المعروفة من اجتماع عقول الجمع إلى عقل الفرد وما يترتب على ذلك من حلول، فإنه يزرع روح التواضع عند من يتنازل عن رأيه حينما يرى أن رأي الآخرين أكثر صوابا، فلا يصر على الخطأ تكبرا وتعسفا، بل ويتقبل الرأي الجديد برحابة صدر وحب، وهذه تعتبر سجية أخلاقية قبل أن تكون وسيلة لحل الأزمات الاجتماعية والفردية. ومثال ذلك ما ورد في القرآن الكريم في قصة فرعون والسحرة؛ ان فرعون رغم أنه تظاهر بالمشورة عندما جمع السحرة والناس، لكنه لم يرضخ للرأي الصائب في نهاية المطاف حين إيمان السحرة، والذي جاء نتيجة تكبره وعدم امتلاك روح رياضية متواضعة.
كما أن من آثاره أيضا؛ جلب الراحة النفسية عند الفرد المستشير، فحتى إذا كانت نتيجة الشورى غير مرضية إلا أن ذلك يخفف حالة اللوم فيما لو كانت النتيجة خاطئة لدى الفرد الذي لا يستشير، وحسب تعبير المحقق الكرباسي: "وأضعف نتائج الشورى مع فرض الفشل عدم الندم وعدم التلاوم فيما بين الشريحة الواحدة حيث إن الجميع شاركوا في الرأي ولا تصيبهم التفرقة والتشتت لأن جميعهم قرروا المضي أو التوقف، وهذا بحد ذاته مهم في جميع مرافق الحياة".
اضف تعليق