نجد أنَّ أكثر ما يقلق البشريَّة هي الحروب التي تشكّل بحدِّ ذاتها تهديدا كبيرا للإنسان في المدن وليس في ساحات المعارك الذي يفقد ليس حقوقه المشروعة بل قد يفقد حياته، وهذا ما لمسه العالم بوضوح في الحروب الأخيرة وخاصة الحرب على غزة التي كان أكثر من 70% من ضحاياها من النساء والأطفال...

العالم يحتفل بالذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقر في 1 كانون الأول 1948 كنتيجة طبيعيَّة لما عانته البشريَّة في الحرب العالمية الثانية من انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، ويكفي أن نقول إنَّ من نتائجها أكثر من 60 مليوناً من القتلى في أوروبا وما ترتب على ذلك من تدمير لمدن كثيرة.

لهذا شعر العالم بالحاجة الماسَّة لهذا الإعلان الذي اعترفت به كل دول العالم لكنها تخترقه كلما سنحت لها الفرصة تحت مبررات واهية تحاول من خلالها التنصل عما تقترفه من جرائم بحق الإنسان.

على الرغم من أن هذا الإعلان وبموجب وثائق الأمم المتحدة قد ترجم لكل لغات العالم، وهو الوثيقة الأكثر ترجمة مما يعني اهتمام العالم به لكونه ركيزة مهمّة من ركائز بناء المجتمعات بشكل سليم وصحيح.

والإعلان العالمي لحقوق الإنسان يتكون من 30 مادة تخص حقوق الإنسان بصورة عامة من حرية التعبير والرأي إلى حرية التنقل وتوفير مقومات الحياة الحرة والكريمة سواء في الجانب الصحي والتعليمي وغيرها، وبالمجمل يمكننا القول إنّ الغاية من هذا الإعلان تكمن في معرفة الإنسان بحقوقه من جهة والحكومات بواجباتها نحوه من جهة أخرى.

ولا نبالغ القول إنّ هذا الإعلان الأكثر قراءة في تاريخ العالم سواء من قبل السياسيين أو من قبل الناس في مختلف دول العالم خاصة وأنّه جزء من المناهج الدراسيّة في العديد من دول العالم، مضافاً لذلك أنّه الأكثر استخداما في الخطابات السياسيَّة العالميَّة.

ومن ثمَّ يمكننا القول إن مواد الإعلان يجب أن تكون خارطة طريق للحكومات في مختلف دول العالم للتعامل مع المواطنين من دون تمييز في الجنس أو الدين أو القومية أو اللون.

ومن جانب آخر يحفظ للإنسان كرامته وحريته في كل الظروف.

ومع كل ذلك نجد كما أشرنا خروقات كثيرة لحقوق الإنسان في مختلف دول العالم بما فيها الدول ذات الديمقراطيات العريقة التي لم تكتفِ بخرقها له بل تبرر ذلك بطريقة غير مقبولة من جهة، ومن جهة أخرى نجدها تدعم الكثير منها دولاً معينة مشهوداً لها بالخروقات المستمرة لحقوق الإنسان في ظرف السلم والحرب معا.

ونجد أنَّ أكثر ما يقلق البشريَّة هي الحروب التي تشكّل بحدِّ ذاتها تهديدا كبيرا للإنسان في المدن وليس في ساحات المعارك الذي يفقد ليس حقوقه المشروعة بل قد يفقد حياته، وهذا ما لمسه العالم بوضوح في الحروب الأخيرة وخاصة الحرب على غزة التي كان أكثر من 70% من ضحاياها من النساء والأطفال مع تدمير آلاف الوحدات السكنيَّة والمرافق المهمة كالمستشفيات والمدارس ومحطات المياه على مرأى ومسمع من العالم.

وهذا ما يجعلنا نتساءل أين هؤلاء من حقوق الإنسان؟

اما اللاعنف فهو رسالة يجب أن تصل للجميع لتشكل ستراتيجيَّة للتعامل مع كل شيء، من أجل طرح المشكلات والصعوبات والحلول في الوقت نفسه، ولأهمية هذا خصصت الأمم المتحدة يوم الثاني من تشرين ألأول من كل عام يومًا عالميًّا للاعنف والذي يتزامن مع ميلاد المهاتما غاندي، زعيم حركة استقلال الهند ورائد فلسفة واستراتيجية اللاعنف القائمة على رفض العنف الجسدي من أجل تغيير اجتماعي أو سياسي، وهو الأسلوب الحضاري السائد في أغلب دول العالم، التي قطعت شوطا كبيرا سواء حكومات أو شعوب من أجل تحقيق ذلك، لذا نجد أن البروفيسور جين شارب، وهو باحث كبير بشأن المقاومة اللاعنيفة، يقول"إن العمل اللاعنيف هو أسلوب يستطيع به الناس الذين يرفضون السلبية والخضوع، والذين يرون أن الكفاح ضروري، أن يخوضوا صراعهم بدون عنف. والعمل اللاعنيف ليس محاولة لتجنب أو تجاهل الصراع. بل هو استجابة لمشكلة كيفية العمل بفعالية في مجال السياسة، لاسيما كيفية استخدام القدرات بفعالية".

وبالتالي نجد إن التعبير عن رفض سياسة ما لا يتطلب استخدام العنف سواء الجسدي أو اللفظي، بقدر ما يتطلب تعبيرًا صادقًا عن ذلك، سواء في الاعتصام أو الإضراب أو التلميح المباشر، خاصة أننا نجد أن بعض عمليات التظاهر في بعض دول العالم، لا سيما في المعامل تتمثل بوضع شارة حمراء على اليد، تدلل على الاحتجاج مما يجعل الرسائل تصل بسرعة وبطريقة حضارية، وبالمقابل نجد أن الحكومات الديمقراطية تتعامل مع هذا النوع من الاحتجاجات بطريقة حضارية هي الأخرى والوصول لحلولٍ سريعةٍ ومقبولة من كل الأطراف.

من هنا نجد أن اللاعنف هو سلاح الأقوياء، كما وصفه غاندي، وهو وصفٌ دقيقٌ جدا، إذا ما أدركنا نتائجه من خلال الركائز، التي يستند إليها وأهمها الاحتجاج الذي يؤدي للإقناع بعدالة المطالب، الحفاظ على السلم المجتمعي وعدم الأضرار بالممتلكات العامة والخاصة، رسم صورة حضارية من شأنها أن تكون ثقافة عالمية من شأنها أن ترتقي بالسلم المجتمعي ولا تعرضه للخطر كما يحصل في الكثير من الاحتجاجات التي شهدها العالم في تاريخه.

لذا نجد أن ترسيخ ثقافة السلام واللاعنف مسؤولية الجميع، من حكوماتٍ ومنظماتٍ مجتمع مدني ووسائل إعلام وغيرها، خاصة أنَّ مجتمعنا بحاجة ماسة لتطبيق ستراتيجيات اللاعنف وصناعة السلام، الذي ينشده الجميع ويبحثون عنه.

........................................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق