q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

أطفالنا سر نهضتنا

العنف ضد الأطفال أصبح ظاهرة متجذرة في المجتمع العراقي، حتى اخذت بالتزايد تدريجيا، والسبب الحقيقي الذي يقف وراء هذا الاستغلال للأطفال هو ضعف القوانين التشريعية التي توفر الحماية الكافية لهم، وتكوين بيئة حاضنة آمنة في جميع المتغيرات، وبعد تعثره في الدورات السابقة...

المزارع الذي يريد ان يجني ما زرعه في موسم الحصاد، يبذل قبل ذلك ما بوسعه من رعاية وعناية فائقة للبذرة حتى تنمو يوم بعد آخر، وبالتالي يحصل على ما كان ينتظره، هذه العناية المركزة تنطبق على التنشئة الاجتماعية الصحيحة للأولاد الذين يُعدونْ النواة الأولية للمجتمعات البشرية، وسر من اسرار النهضة الوطنية الشاملة، لكنهم يتعرضون اليوم الى كم هائل من المعاملة الغليظة والعنف المستمر.

العنف ضد الأطفال أصبح ظاهرة متجذرة في المجتمع العراقي، حتى اخذت بالتزايد تدريجيا، والسبب الحقيقي الذي يقف وراء هذا الاستغلال للأطفال هو ضعف القوانين التشريعية التي توفر الحماية الكافية لهم، وتكوين بيئة حاضنة آمنة في جميع المتغيرات.

وبعد تعثره في الدورات السابقة، وضع البرلمان الحالي خطواته الأولى لسن مشروع قانون حماية الطفل، للحد من ظواهر العنف المختلفة التي تُمارس ضد الأطفال بمراحلهم العمرية المختلفة، ولإن جميع مشروعات القوانين التي تقدم للقراءة والتصويت عليها، غير مكتملة الجوانب، فأن القانون بصيغته الحالية وجهت اليه العديد من الانتقادات.

الانتقادات المطروحة جاءت لتعارض بعض بنود القانون مع العادات والتقاليد الاجتماعية المتبعة في مناطق البلد المختلفة، وفي كثير من الأحيان استخدمت العادات كبديل غير قابل للتعديل ومتبع من قبل الاهالي، يقابلها عدم احترام او التزام بالقوانين الوضعية للجهات التشريعية.

حتى لا نبخس دور المشرع الذي وضع المواد القانونية لمشروع قانون حماية الاطفال، فالكثير من البنود التي يشتمل عليها المشروع تقف الى جانب الطفل وتنصفه الى حد ما، بالشكل الذي يضمن عدم تعرضه الى التعنيف، وقد تكفلت الحكومة بهذا الدور عبر تحملها المسؤولية الكاملة لمنع الاعتداء على الأطفال، إضافة الى منع التقصير في رعايتهم بصورة عامة ووفق ما هو مطلوب.

لكن وعلى الطرف الآخر منه، هنالك انتهاك صريح للتقاليد السائدة، وستصطدم معها بقوة في حال تطبيق هذه البنود، فلا يتناسب ذلك مع الجوانب الاجتماعية، خصوصاً ما يتعلق بمادتين وضعتا آليات تتيح للطفل تقديم شكوى ضد ذويه في حال تعرضه للتعنيف أو انتهاك الحقوق، وهذا الامر لا يمكن ان تستسيغه المجتمعات السائرة على تقليد، ان الابوين هما الرموز الأولى في البيت وكرامتهما خط احمر لا يمكن الاقتراب منها او تقديم الشكوى عليهم مهما حصل ولأي الاسباب.

في مجتمع مثل المجتمع العراقي القائم على مزيج من الأنظمة، أي المتعلقة بالمنظومة القيمية المنبثقة من الأعراف الاجتماعية، الى جانب القوانين المدنية الخاصة بالسلطة الحكومية، يصعب تطبيق هذا النوع من القوانين، وفي النتيجة تكون هذه الأمور، (الأعراف الاجتماعية)، عوائق امام تشريع الكثير من المواد القانونية، نأخذ على سبيل المثال قانون العنف الاسري الذي بقي حبيسا في ادراج مجلس النواب الى يومنا هذا.

عدم إقرار القوانين بحكم تعارضها مع المنظومات القيمية والسلوك الاجتماعي، يشرعن او يفسح المجال لانتشار ظاهرة التعنيف بشكل عام، اذ تشير تقارير سابقة الى أن نحو 90% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عام وأربعة عشر عاماً يتعرضون بشكل أو بآخر للعنف بأساليب مختلفة.

وفي عام 2019، سُجلت 1606 دعاوى عنف ضد الأطفال بحسب بيانات مجلس القضاء الأعلى، أما عام 2021، فشهد 1141 دعوى عنف أسري ضد الأطفال، بينما سجلت خلال النصف الأول من العام الحالي 500 دعوى.

وفي وقت سابق، حذرت تقارير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من تبعات العنف المتمادي ضد الأطفال ووصفته بأنه بلغ مستويات خطيرة في العراق، وذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن 80% من أطفال العراق يتعرضون للعنف.

جميع هذه الاحصائيات تشير الى ان وضع الطفولة في العراق ذاهب بتجاه خطير، وارتفاع مستمر في حدوث حالات مماثلة، اذ لا توجد بيئة خالية من التعنيف المباشر او غير المباشر، ففي المنزل يتعرض الطفل الى أنواع من مظاهر العنف، ولا يختلف الحال بالنسبة للبيئة المدرسية، حيث اغلب العاملين فيها لا يجيدون أسلوب التعامل الأمثل مع التلاميذ والطلبة، ويلجئون الى العنف في أحيان كثيرة.

آخر الحديث ان الاسرة العراقية تفتقر في الوقت الحالي الى ثقافة التعامل مع الأطفال بمختلف مراحلهم العمرية، ما نتج عن ذلك تعرضهم الى العنف اللفظي والجسدي، كونهم الفئة الأضعف اجتماعيا وبنيويا، لذا يتوجب اليوم ان تكون إعادة نظر الى الأساليب التقليدية الخاصة بالتعامل مع الأطفال من قبل الاهالي، ومراجعتها مراجعة دقيقة تضمن عدم زجهم في دوامة القهر والتعسف الذي طال اغلبهم، وهنا نكون وصلنا ليوم قطف الاثمار والحصول على جيل متعافي من الامراض النفسية والعقد الاجتماعية.

اضف تعليق