q
عرف الفيزيائيون كيفية رفع الماء عن الأسطح منذ أكثر من 260 عامًا، ومؤخرًا، اكتشفوا كيفية رفع الجليد أيضًا، فقد استطاع باحثون في جامعة فرجينيا تِك الأمريكية أن يجعلوا أقراصًا من الثلج ترتفع في الهواء فوق سطحٍ من الألومنيوم الساخن، وذلك بالوصول إلى أقصى الحدود الممكنة لظاهرةٍ فيزيائية معروفة، تُسمَّى "تأثير ليدنفروست...
بقلم جوانا تومبسون

عرف الفيزيائيون كيفية رفع الماء عن الأسطح منذ أكثر من 260 عامًا، ومؤخرًا، اكتشفوا كيفية رفع الجليد أيضًا، فقد استطاع باحثون في جامعة فرجينيا تِك الأمريكية أن يجعلوا أقراصًا من الثلج ترتفع في الهواء فوق سطحٍ من الألومنيوم الساخن، وذلك بالوصول إلى أقصى الحدود الممكنة لظاهرةٍ فيزيائية معروفة، تُسمَّى "تأثير ليدنفروست"، ويقول هؤلاء الباحثون إنَّ المهندسين قد يكون بإمكانهم تسخير هذا التأثير خارج المختبر، لابتكار معادن أقوى، بل حتى لمكافحة حرائق الغابات، وقد نُشِرَت نتائج هذا البحث في دورية "فيزيكال ريفيو فلويدز" Physical Review Fluids.

تُسمى هذه الظاهرة تيمُّنًا بيوهان جوتلوب ليدنفروست، الطبيب الألماني الذي وصفها عام 1756، فقد لاحظ ليدنفروست أنَّه عندما وضع قطرةً من الماء على سطحٍ ساخنٍ جدًّا، لم يتبخر السائل فورًا كما توقَّع، بل راح ينساب على السطح كما تتحرَّك الخنفساء الدوَّارة، حتى تبخَّر في نهاية المطاف، وعند دراسة الأمر، اكتشف ليدنفروست أنَّ هناك وسادةً ضئيلةً من البخار، سُمْكُها ملليمتر واحد تقريبًا، قد تشكَّلت أسفل الماء، عمل هذا الجيب الهوائي بمنزلة عازل، رافعًا كل قُطَيرَةٍ في الهواء، ومحافظًا على سيولتها مدةً أطول.

وأراد باحثو جامعة فرجينيا معرفة ما إن كان بإمكانهم تحقيق التأثير نفسه باستخدام الثلج أم لا، وعن ذلك يقول جوناثان بوريّكو، مهندس الميكانيكا في الجامعة، وكبير الباحثين في تلك الدراسة: "بدأ الأمر كتجربةٍ نابعة من الفضول فحسب".

ما أثار اندهاش المجموعة أنَّ الجليد لم يرتفع في الهواء عند درجة الحرارة التي يلزم وصول الصفيحة الساخنة إليها كي يرتفع الماء، والتي تبلغ 150 درجة مئوية (نحو 300 درجة فهرنهايت)، ولا عندما رفع العلماء درجة حرارة الصفيحة المعدنية إلى 300 درجة مئوية، وهو الحد الأقصى لغالبية تجارب ليدنفروست، لكنَّ الباحثين استمروا في زيادة درجة الحرارة، حسبما أوضح فيليب باتشيكو فاسكيز، الفيزيائي بجامعة بويبلو المستقلة المؤهلة في المكسيك، والذي لم يشارك في الدراسة.

في نهاية المطاف، رفع الباحثون الحرارة بشدة إلى درجةٍ لافحة، تصل إلى 550 درجة مئوية (1022 درجة فهرنهايت)، عندئذٍ فقط بدأ الجليد في التحليق فوق الصفيحة، ويقول بوريِّكو: "لم نتمكن من رفع درجة الحرارة أكثر من ذلك، لأنَّها كانت ستبدأ في إذابة الألومنيوم أو تشويهه".

وهذا الفارق بين درجة الحرارة اللازمة لرفع الماء وتلك المطلوبة لرفع الجليد، والذي بلغ 400 درجة مئوية، كان مثيرًا لحيرة الباحثين، لا سيِّما لأنَّه يبلغ أربعة أمثال الفرق بين درجة تجمُّد الماء (0 درجة مئوية) ودرجة غليانه (100 درجة مئوية)، وعندما درس الفريق تلك المسألة بتمعُّن، اكتشفوا وجود طبقة ماء ناتجة عن ذوبان الجليد، تفصل قرص الجليد عن الصفيحة فائقة السخونة، وأسفل الماء كان هناك جيب بخار كتلك الجيوب التي تنتج عادةً عن تأثير ليدنفروست، وهو ما أدى إلى وجود حالات الماء الثلاث بعضها فوق بعض، كطبقات حلوى البارفيه الفرنسية الشهيرة، وقد طرح الباحثون تفسيرًا نظريًّا لذلك التأثير، مفاده أنَّ طبقة الماء كانت بمنزلة حائِلٍ أمام السخونة، إذ بدَّدت نحو 70 في المئة منها، أما أسفلها فتصل درجة الحرارة إلى نقطة الغليان، وأعلاها يوجد الجليد البارد، وعليه، في تلك الحالة، يتطلب الأمر كمية طاقة أكبر بكثير لتحفيز عملية الغليان المطلوبة لإنتاج البخار على نطاقٍ واسع، وفق ما أوضح مُجتَبَى إدالاتبور، طالب الدراسات العليا بجامعة فرجينيا، والمؤلف الرئيسي للدراسة.

ويقول الباحث باتشيكو فاسكيز: "بلا شك، من الممكن أن تكون لهذا البحث تطبيقات هندسية"، فالماء يُستَخدَم عادةً في مجال المعادن لتسقية الحديد والصلب الساخنَين، وهو ما يجعلهما أقوى عن طريق حصر ذراتهما بسرعة في شبكةٍ متينة، ومن النَّاحية النظرية، فإنَّ التسقية بالجليد ستُبَرِّد المعادن بسرعةٍ أكبر، مما سيجعل هذه الشبكة الذرية أكثر متانة، وإن كان هذا التأثير سيتطلب تحكمًا دقيقًا في درجة الحرارة، لمنع تهشُّم المعادن نتيجة الضغط الداخلي.

ويشير كلٌّ من بوريِّكو وإدالاتبور إلى أنَّ هذا التأثير قد يكون مفيدًا أيضًا في مكافحة الحرائق؛ فحرائق الغابات -مثل حريق مارشال الذي دمَّر مؤخرًا مدينة بولدر بولاية كولورادو الأمريكية- عادةً ما تبلغ درجة حرارتها في أثناء اندلاعها نحو 550 درجة مئوية أو أكثر، مما يؤدي إلى تبخُّر الماء عند ملامستها، لكن لو سكب رجال الإطفاء جليدًا عليها من الطائرات المروحية بدلًا من الماء، فإنَّ الطاقة اللازمة لتحويل هذا الجليد إلى بخار يمكن أن تمتص قدرًا أكبر بكثير من حرارة النيران، وفاعلية هذا التأثير قد تحُد منها الخواص غير المتوقعة للسطح الخارجي للنيران، ودرجة حرارتها التي لا يمكن التنبؤ بها، إضافةً إلى الصعوبة المادية في الحفاظ على تجمُّد الجليد مدةً كافيةً حتى إسقاطه، لكن إن استطعنا التغلُّب على تلك العقبات، فقد يمكن استخدام هذا النهج بنجاح في مكافحة الحرائق، وختم إيدالاتبور تعليقه بوصف اكتشافهم قائلًا: "إنَّه مدهشٌ إلى درجةٍ يقشعِر لها الجلد، كما تفعل بنا برودة الجليد".

اضف تعليق