في قلب هذا المشهد المهيب، يبرز الشباب، كأمواج متدفقة من الحماس والعطاء، يسابقون الزمن ليكونوا جزءًا من هذه الملحمة الروحية، في خدمة زائري الاربعين لكن يبقى السؤال: هل نريد لهذه المشاركة أن تبقى مجرد حضور رمزي، أم نريدها أن تتحول إلى دور مؤثر يغيّر مستقبل الخدمة الحسينية؟...

في هذه الأيام المهيبة، حيث تتزين الطرق المؤدية إلى كربلاء بجموع الزائرين، وتمتد المواكب على مد البصر، وتعلو أصوات “لبيك يا حسين” ممزوجة برائحة الشاي الساخن وخبز التنور، نجد أن الزمن في الأربعين ليس كأي زمن. هنا، تتسارع القلوب قبل الخطى، وتتقارب الأرواح قبل الأجساد، ويتحول العناء إلى لذة، والتعب إلى وسام شرف على جبين كل من يخدم زائرًا أو يمهد طريقًا.

وفي قلب هذا المشهد المهيب، يبرز الشباب، كأمواج متدفقة من الحماس والعطاء، يسابقون الزمن ليكونوا جزءًا من هذه الملحمة الروحية، بين من يوزع الماء، ومن يبتسم في وجه غريب، ومن يبتكر طريقة جديدة لتسهيل مسير الحشود. لكن يبقى السؤال: هل نريد لهذه المشاركة أن تبقى مجرد حضور رمزي، أم نريدها أن تتحول إلى دور مؤثر يغيّر مستقبل الخدمة الحسينية؟

الحضور الرمزي أم الدور الفاعل؟

ليس خافيًا أن مشاركة الشباب في مسيرة الأربعين تتراوح بين الحضور الرمزي، المتمثل في الانضمام إلى موكب أو حمل شارة الخدمة، وبين الحضور الفاعل الذي يتعدى الشكل إلى الجوهر، فيبذل الجهد والوقت والمهارة لخدمة الزائرين. والتحدي الأكبر أمام شباب اليوم هو إدراك أن الخدمة الحسينية ليست مجرد طقس موسمي، بل هي مدرسة متكاملة تربي قيم التضحية، والانضباط، والإيثار، وتحمل المسؤولية.

الإمام الحسين.. قدوة شبابية خالدة

في واقعة الطف، لم يكن كل الأنصار شيوخًا أو قادة عسكريين، بل كان بينهم شباب في مقتبل العمر، لكنهم حملوا همّ الرسالة بوعيٍ يفوق أعمارهم، وضحّوا بأرواحهم في سبيل المبدأ. هذه النماذج التاريخية تقدم لشباب الأربعين اليوم رسالة واضحة: البطولة لا ترتبط بالعمر، بل بالإخلاص للمبدأ، وأن خدمة قضية الحسين عليه السلام يمكن أن تكون امتدادًا لذلك الموقف العظيم، ولو من خلال سقاية ماء أو مساعدة زائر.

الخدمة الحسينية.. منصة لبناء الشخصية

الموكب الحسيني ليس مجرد خيمة أو موائد طعام، بل هو ورشة عمل إنسانية تُصقل فيها النفوس. الشاب الذي يقف ساعات طويلة في الشمس أو البرد ليخدم الزائرين، يتعلم الصبر، ويتدرب على العمل الجماعي، ويختبر قوته الداخلية على مواجهة التعب، والأهم، يغرس في قلبه قيمة الإخلاص، التي هي جوهر كل عمل في سبيل الله وأهل البيت عليهم السلام.

من التطوع إلى صناعة المستقبل

السؤال الأهم: ماذا بعد الأربعين؟

هنا يكمن التحدي، إذ يجب أن تتحول الدروس المستفادة من الخدمة الحسينية إلى منهج حياة. الانضباط في مواقيت الموكب يمكن أن يصبح عادة في الحياة العملية، وروح التعاون يمكن أن تبني مجتمعًا أكثر ترابطًا خارج موسم الأربعين، والإبداع في تنظيم الخدمة يمكن أن يتحول إلى مشاريع تطوعية أو مهنية مؤثرة.

تحديات الجيل الجديد

لا يخفى أن الشباب يعيشون في زمن سريع الإيقاع، مليء بالمغريات والانشغالات، لكن زيارة الأربعين تمنحهم فرصة للعودة إلى الجذور، والتواصل مع الهوية الروحية، والتعرف على قوة القيم التي يمكن أن تغير حياتهم. فهي ليست مجرد مسيرة إلى كربلاء، بل هي مسيرة إلى الذات.

المواكب كمدارس إبداعية

من أجمل ما نراه اليوم هو أن شباب المواكب لم يعودوا يكتفون بالأساليب التقليدية في الخدمة، بل صاروا يوظفون التكنولوجيا والإبداع في عملهم: من تنظيم جداول المتطوعين عبر التطبيقات، إلى البث المباشر لأنشطة المواكب، إلى تصميم لوحات إرشادية مبتكرة للزائرين. وهذا دليل أن الخدمة الحسينية حيّة ومتطورة، وأن الشباب هم رئتها التي تتنفس بها.

إن شباب الأربعين أمام خيارين واضحين: إما أن يكتفوا بالمشاركة الرمزية التي تنتهي بانتهاء المسيرة، أو أن ينطلقوا نحو دور مؤثر يترك بصمة دائمة في خدمة الإمام الحسين عليه السلام والمجتمع. والأمل معقود على أن يختاروا الطريق الثاني، ليكونوا الجيل الذي يربط الماضي بالحاضر، ويحمل راية العطاء بلا حدود.

فالحسين عليه السلام انتصر بالقيم قبل أن ينتصر بالسيف، ومن يسير على نهجه في زمننا، ولو عبر أبسط أشكال الخدمة، فهو شريك في حفظ تلك القيم ونشرها. والشباب، بما يملكون من طاقة وإبداع، هم الأقدر على جعل هذه الخدمة شعلة لا تنطفئ، ورمزًا خالدًا للوفاء والإخلاص.

اضف تعليق