تشكل حماية الفئات الهشة مسؤولية مجتمعية جماعية تقع على عاتق الدولة والمجتمع، وتتطلب مقاربة شاملة تشمل القانون، السياسات العامة، والثقافة المجتمعية، فعدم حماية النساء، الأطفال، وذوي الاحتياجات الخاصة لا ينتهك فقط المعايير القانونية الدولية، بل يؤدي إلى إعادة إنتاج الظلم والتفاوت الاجتماعي ويقوّض جهود التنمية...
تشكل الفئات الهشة، وفي مقدمتها النساء، الأطفال، وذوو الاحتياجات الخاصة، الفئات الأكثر تعرضاً للتمييز والاستضعاف في المجتمعات، سواء في أوقات السلم أو النزاعات، وقد أدّى هذا الواقع إلى تدخل القانون الدولي والوطني لضمان حماية خاصة لهذه الفئات، في ظل إيمان متزايد بأن المساواة لا تتحقق فقط بمنح الحقوق العامة، بل تتطلب إجراءات تمييز إيجابي تُعيد التوازن وتحمي من الهشاشة الهيكلية، تهدف هذه المقالة إلى تحليل الأطر القانونية التي توفر الحماية لهذه الفئات، وبيان التحديات التي تعيق تفعيلها، مع تقديم توصيات لتعزيز الحماية على المستويين التشريعي والتنفيذي.
الهشاشة الاجتماعية تُشير إلى ضعف القدرة على الدفاع عن الذات أو الوصول المتكافئ للفرص والموارد. وهي حالة ناتجة عن عوامل اقتصادية، ثقافية، صحية، أو سياسية، ويعترف القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان بهذه الفئات كمجموعات ذات احتياجات خاصة للحماية، ويمنحها مكانة قانونية مميزة تستوجب تدخلاً خاصاً من قبل الدول.
وفي سياق حماية النساء نجد أنّ الإطار الدولي تجسد في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، التي تُعد المرجعية الدولية الأولى في حماية حقوق النساء، وإعلان ومنهاج بيجين 1995، الذي ركّز على تمكين النساء في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، أما الإطار الوطني فتختلف التشريعات الوطنية في حمايتها للنساء، وتبقى المشكلة الأساسية في ضعف التنفيذ ووجود ثغرات في قوانين الأحوال الشخصية وقانون العمل والحماية من العنف الأسري.
كما أنّ هنالك تحديات تقف بالضد من تحقيق هذه الحماية منها ما يتعلق بالتمييز القائم على النوع الاجتماعي، وضعف التمثيل السياسي والاقتصادي، وانتشار العنف القائم على النوع، لا سيما في البيئات الفقيرة أو المتأثرة بالنزاع.
ولا تختلف حماية الأطفال كثيرًا فهي الاخرى طرحت في الإطار الدولي في اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، التي كرّست مبادئ المصلحة الفضلى للطفل، عدم التمييز، البقاء والنماء، واحترام آراء الطفل، كذلك اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بحظر عمالة الأطفال والاستغلال.
ولهذه الاتفاقيات صدى في التطبيق العملي يمكن القول أنها المجالات المحمية فعلًا، منها الحق في التعليم، الحماية من الإهمال والاستغلال، الرعاية الصحية، والهوية القانونية، ولكن هذا التطبيق يكتنفه بعض التحديات منها عمالة الأطفال، الزواج المبكر، الانتهاكات في حالات النزاع والنزوح، ونقص برامج الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتضررين من العنف أو التشرد.
وفيما يتعلق بحماية ذوي الاحتياجات الخاصة فنجده جليًا في الإطار الدولي عند اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2006 (CRPD)، التي تؤكد على الدمج الكامل في المجتمع والحق في الكرامة والمساواة وعدم الإقصاء، ولكن غالباً ما تفتقر القوانين المحلية في الاطار الوطني إلى تفصيل الحقوق أو لا توفر بيئة شاملة تتيح الوصول المتساوي للخدمات.
وعليه يتراءى للباحث والمطلع أن هنالك تحديات عديدة منها ما يكون في البنية التحتية غير الملائمة، الوصم الاجتماعي والتمييز، وفي نقص برامج التدريب المهني والتوظيف لهذه الفئة.
وهنا لابد من التطرق لدور الدولة والمجتمع في توفير الحماية اللازمة لكل فئة من هذه الفئات بمقابل التحديات التي ذكرت وغيرها، مثلًا على الصعيد التشريعي يجب ان يكون هنالك سن لقوانين متخصصة بالحماية من العنف والإقصاء، وتضمين مبادئ الاتفاقيات الدولية في التشريعات الوطنية، وعلى الصعيد التنفيذي مثل إنشاء مؤسسات وطنية تعنى بحقوق هذه الفئات، وتعزيز الشراكة مع منظمات المجتمع المدني، والثقل الأهم على الصعيد الثقافي حيث مهمة نشر الوعي المجتمعي لتغيير الصورة النمطية والتمييز الثقافي، وتشجيع الإعلام الإيجابي والتربية على حقوق الإنسان.
ختامًا- تشكل حماية الفئات الهشة مسؤولية مجتمعية جماعية تقع على عاتق الدولة والمجتمع، وتتطلب مقاربة شاملة تشمل القانون، السياسات العامة، والثقافة المجتمعية، فعدم حماية النساء، الأطفال، وذوي الاحتياجات الخاصة لا ينتهك فقط المعايير القانونية الدولية، بل يؤدي إلى إعادة إنتاج الظلم والتفاوت الاجتماعي ويقوّض جهود التنمية، إن تحقيق العدالة الاجتماعية لا يتم إلا من خلال توفير حماية حقيقية وعملية لهذه الفئات، تضمن كرامتهم وتفتح أمامهم آفاق المشاركة الفعالة في بناء المجتمع.
اضف تعليق