إنّ الكوتا النسائية ليست المشكلة، بل المشكلة تكمن في تحويلها من أداة إصلاح إلى أداة نفوذ، وعندما تُستغل الكوتا بطريقة تنتقص من إرادة الناخبين، تصبح مصدرًا لإضعاف الثقة بالعملية الديمقراطية، وتُحتكر مواقع النساء لصالح قوى لا تمثل المجتمع، لكن إصلاح مسار الكوتا يعيدها إلى دورها الطبيعي كوسيلة لتمكين المرأة الكفوءة...

تُعدّ الكوتا النسائية إحدى أهم الآليات التي تبنتها الدول لتعزيز مشاركة المرأة في العمل السياسي، وفتح المجال أمامها للوصول إلى مواقع صنع القرار بعد عقود طويلة من التهميش والإقصاء، وقد حققت هذه الآلية في العراق كما في دول أخرى، أثرًا ملموسًا في زيادة عدد النساء داخل البرلمانات والمجالس المنتخبة.

لكن مع مرور دورات انتخابية متعددة، بدأ يظهر إشكال جوهري يتمثل في تحوّل الكوتا النسائية من أداة لتمكين المرأة إلى أداة سياسية تُستخدم أحيانًا على نحو ينتقص من الإرادة الشعبية، ويضعف جودة التمثيل الذي يُفترض أنه يعكس خيارات الناخبين لا حسابات الأحزاب.

الفكرة الجوهرية من الكوتا النسائية تقوم على ثلاثة أركان، الاول تصحيح اختلال تاريخي في تمثيل المرأة، والثاني في توسيع المشاركة السياسية وتعزيز مبدأ المساواة، والركن الاخير في إدخال كفاءات نسائية فاعلة في بنية القرار السياسي، لكن هذه الفلسفة تتعرض للتشويه حين تتحول الكوتا إلى مجرد مقعد مضمون تُستغَلّ عبر شبكات حزبية أو مالية تفرض أسماء لا تعبّر عن القاعدة الشعبية، ما يؤدي إلى فصل الكوتا عن جوهر هدفها الإصلاحي.

تُبخس الكوتا النسائية الإرادة الشعبية من خلال فرض أسماء لا تملك قاعدة انتخابية حقيقية وفي كثير من الحالات، يُعاد إنتاج الشخصيات المقربة من القوى السياسية بوضعها ضمن الكوتا، فتصل إلى البرلمان دون أن تمتلك مشروعًا اصلاحيًا أو رصيدًا اجتماعيًا، وهنا يُسلب المجتمع من حقه في اختيار ممثليه، ويُقطع الطريق على المرشحات المستقلات اللواتي يملكن حضورًا شعبيًا حقيقيًا.

كذلك تبخس عبر الالتفاف على نتائج الصناديق، لأنه أحيانًا تُستخدم الكوتا كوسيلة لإعادة توزيع المقاعد بما يخدم توازنات سياسية محددة، خصوصًا في الأنظمة الانتخابية المعقدة، فتُستبعد مرشحات حصلن على آلاف الأصوات، بينما تُمنح المقاعد لمرشحات حصلن على أصوات قليلة، فقط لأنهن منتميات ومدعومات من جهة نافذة.

وبذلك يكون تكريس هيمنة الأحزاب على مقاعد الكوتا بدل أن تكون الكوتا بوابة لتمكين النساء المستقلات أو الشخصيات النسوية المهنية الفعالة، أصبحت في بعض الدورات أداة بيد الأحزاب الكبرى لضمان مقاعد إضافية عبر الدفع بمرشحات لا يمتلكن استقلالية أو حرية اتخاذ القرار أو رؤية حقيقية.

ان إضعاف ثقة الجمهور بمفهوم التمثيل النسائي بدأ يلاحظه الناخب بوجود فجوة بين المرشحات اللواتي وصلن عبر الكوتا وبين القيادات النسائية التي تمتلك كفاءة حقيقية، تتشكل قناعة بأن الكوتا ليست وسيلة للتمكين، بل مجرد مظلة شكلية نافذة، وهذا ينعكس سلبًا على ثقة المجتمع بجدوى مشاركة المرأة نفسها في العملية الانتخابية.

وهنا نبين ان من يخسر عندما تُبخس الإرادة الشعبية هي المرأة ذاتها، لأنها تصبح رهينة تمثيل صوري، وتُستبعد القيادات النسائية الحقيقية التي تمتلك القدرة على صناعة فرق سياسي وتشريعي اصلاحي، كذلك يخسر المجتمع إذ يُحرم من طاقات نسائية فاعلة قادرة على دفع المشروع الديمقراطي نحو النضج، وبالتأكيد تبخس العملية الانتخابية ككل لأنها تظهر وكأنها مفصّلة لخدمة نتائج محددة مسبقًا، مما يضعف شرعية المؤسسات المنتخبة.

هناك عدة أسباب تدفع الاحزاب لتؤيد وتدعم وتستقتل على هذا البخس، من بين هذه الاسباب وأبرزها ضعف الرقابة على آليات توزيع المقاعد، والهيمنة الحزبية على الكوتا وتحويلها إلى مخزون احتياطي للمقاعد، ومحدودية الدعم المؤسسي للنساء المستقلات أو الكفوءات، ووجود فجوة اجتماعية–ثقافية في النظر إلى النساء المرشحات، وكذلك غياب قواعد شفافة تحدد كيفية احتساب الكوتا بما يعكس فعليًا إرادة الناخبين.

ولإنقاذ الكوتا النسائية من الاستخدام السلبي، لا بد من ضمان وصول النساء اللواتي يمتلكن قاعدة انتخابية حقيقية، وليس من يُفرضن فرضًا من قبل مراكز النفوذ، وعزل مقاعد الكوتا عن التدخلات المالية والحزبية، وجعلها وسيلة لتعزيز التمثيل لا إعادة إنتاج السلطة، وتحديد معايير واضحة لاختيار الفائزات عبر الكوتا تعكس أكبر عدد من الأصوات النسائية الفعلية، ودعم المرشحات المستقلات إعلاميًا وتنظيميًا لكسر احتكار الأحزاب، ونشر ثقافة انتخابية تدرك أن تمثيل المرأة ليس أمرًا شكليًا، بل ضرورة لتحقيق توازن سياسي واجتماعي حقيقي.

ختامًا- إنّ الكوتا النسائية ليست المشكلة، بل المشكلة تكمن في تحويلها من أداة إصلاح إلى أداة نفوذ، وعندما تُستغل الكوتا بطريقة تنتقص من إرادة الناخبين، تصبح مصدرًا لإضعاف الثقة بالعملية الديمقراطية، وتُحتكر مواقع النساء لصالح قوى لا تمثل المجتمع، لكن إصلاح مسار الكوتا يعيدها إلى دورها الطبيعي كوسيلة لتمكين المرأة الكفوءة، وترسيخ العدالة السياسية، وعكس الإرادة الشعبية كما هي، لا كما يُراد لها أن تكون، فالكوتا التي تُبخس إرادة الناخبين تفقد معناها، أما الكوتا التي تمكّن المرأة الحقيقية فهي رافعة وطنية لا يُستهان بها.

د. جمانة جاسم الاسدي، عضو ملتقى النبأ للحوار، تدريسية بجامعة كربلاء

اضف تعليق