q

يعاني قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس وتفرض اسرائيل عليه حصارا مستمرا منذ عشر سنوات، أزمة إنسانية كبيرة تفاقمت حدتها في الفترة الاخيرة بسبب تجدد الخلافات بين حماس وفتح اضافة الى التطورات السياسية الاخرى وهو ما اثر سلبا على الحياة العامة في هذا القطاع، حيث حذر مبعوث اممي كبير من ان قطاع غزة بات على شفير "انهيار كامل". وقال المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الاوسط نيكولاي ملادينوف ان مفتاح انقاذ غزة من الكارثة هو اعادة حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية الى هناك، بعد عشر سنوات من طرد السلطة الفلسطينية على يد حركة حماس.

وقال المبعوث الاممي انه دون ذلك "غزة في خطر الانفجار مرة أخرى، وهذه المرة بطريقة اكثر فتكا وعنفا بكثير مما كانت عليه في الماضي". ويخضع القطاع البالغ عدد سكانه نحو مليوني نسمة لحصار اسرائيلي منذ حزيران/يونيو 2006 اثر خطف جندي اسرائيلي وتم تشديده في حزيران/يونيو 2007 بعد سيطرة حماس على القطاع. وشهد القطاع ثلاث حروب بين اسرائيل والفصائل المسلحة الفلسطينية. ويعاني من تفاقم المشاكل الاجتماعية والمعيشية وارتفاع نسبة البطالة.

وقامت واشنطن بتجميد 65 مليون دولار اميركي مخصصة لوكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) في وقت سابق. وقال ملادينوف "غالبا ما أقول بشكل علني، في جلسات مجلس الامن الدولي، وبصيغ اخرى اننا في خضم ازمة انسانية كبرى". واضاف "دعوني أكون واضحا للغاية اليوم، لقد تجاوزنا هذه المرحلة بكثير (...) نحن على شفير فشل كامل لكل الأنظمة في غزة، مع انهيار كامل للاقتصاد والخدمات الاجتماعية وهناك بما يترتب على ذلك من آثار سياسية وانسانية وأمنية".

وقالت الأمم المتحدة إن قطاع غزة لا يصلح للعيش فعليا لسكانه بسبب نقص خدمات الرعاية الصحية والتعليم والكهرباء ومياه الشرب، وفي تقرير عن الأوضاع الإنسانية في القطاع خلصت الأمم المتحدة إلى أن الوضع في غزة يتدهور "أكثر وأسرع" من توقعاتها قبل بضع سنوات. وفي أعقاب سيطرة حماس على القطاع مباشرة تحركت إسرائيل لعزل الحركة المتشددة بتقييد انتقال السلع والناس من القطاع وإليه وقيدت الوصول إليه بحرا وعملت مع مصر على تنفيذ حصار عليه. وفي الوقت نفسه ظلت حماس على خلاف شبه مستمر مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية الأمر الذي دفع السلطة لتقييد التحويلات المالية إلى غزة وفي الأسابيع الأخيرة طلبت من إسرائيل خفض إمدادات الكهرباء.

والمحصلة أن سكان غزة الذين يتوقع أن يزيد عددهم بنسبة عشرة في المئة أخرى في السنوات الثلاث المقبلة يتعرضون لضغوط من كل الاتجاهات رغم تزايد شح موارده. وقطاع غزة عبارة عن شريط من الأرض على الساحل الشرقي للبحر المتوسط طوله حوالي 40 كيلومترا وعرضه نحو عشرة كيلومترات ويعيش أغلب الناس فيه في عمارات سكنية ذات معدلات كثافة سكانية عالية وفي مناطق لحق بالكثير من أضرار في جولات الصراع السابقة بين حركة حماس وإسرائيل.

نقص الوقود

وفي هذا الشأن توقفت محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة عن العمل بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيلها بحسب شركة توزيع الكهرباء في غزة. وقال محمد ثابت مسؤول العلاقات العامة والاعلام في الشركة "نعمل اليوم بقدرة 120 ميغاواط فقط وهي ما تصلنا من الخطوط الاسرائيلية بعد ان ابلغتنا سلطة الطاقة (تابعة لحكومة الوفاق الفلسطيني برئاسة رامي الحمد الله) بتوقف محطة توليد الكهرباء بسبب عدم توفر الوقود". واشار الى ان "قطاع غزة يحتاج ل500 ميغاواط تقريبا، اي ان عجز الطاقة قرابة380 ميغاوات".

وطالبت الشركة في بيان "بسرعة التحرك عبر توفير وقود لمحطة التوليد بشكل دائم واعادة اصلاح الخطوط المصرية". وتوفر الشركة حاليا اربع ساعات وصل من التيار الكهربائي مقابل 20 ساعة قطع في كل اربع وعشرين ساعة يوميا، وفق موظفين في الشركة. وفي العامين الماضيين كانت المحطة توقفت كليا عدة مرات بسبب ازمة الوقود. وازمة الكهرباء في القطاع الفقير ليست جديدة، لكنها تعود لعدة اسباب منها النقص في قدرة التوليد حيث يوجد في القطاع محطة وحيدة قامت اسرائيل بقصفها عدة مرات سابقا. بحسب فرانس برس.

ورغم استيراد خطوط الكهرباء من اسرائيل ومصر الا انها لا تعوض النقص الموجود، وفق الشركة. واستأنفت الحكومة الفلسطينية في وقت سابق تسديد فاتورة الكهرباء التي تدفعها لاسرائيل لتزويد قطاع غزة بالكهرباء، بعد اشهر من قطعها في اجراء اتخذ حينها للضغط على حركة حماس. ويعود تفاقم ازمة انقطاع الكهرباء بشكل خاص الى خلاف بين السلطة الفلسطينية وحماس. ويواجه القطاع البالغ عدد سكانه نحو مليوني نسمة حصارا منذ حزيران/يونيو 2006 اثر خطف جندي اسرائيلي، وقتئذ، لكن تم تشديده بعد عام واحد اثر سيطرة حماس بالقوة على القطاع.

مستشفيات غزة

على صعيد متصل قالت الأمم المتحدة إن الوقود اللازم لتشغيل مولدات الطوارئ بمستشفيات وشبكات الصرف الصحي بقطاع غزة سينفد خلال أيام وناشدت المانحين توفير دعم عاجل. ويرجع النقص إلى نزاع بين حركة (حماس) التي تحكم القطاع، والسلطة الوطنية الفلسطينية التي مقرها في الضفة الغربية. ووقع الطرفان اتفاقا للمصالحة في أكتوبر تشرين الأول لكنهما لم ينجحا بعد في استكمال العملية السياسية لتقاسم السلطة.

وقال أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة إنه حتى الآن توقفت مولدات الكهرباء في ثلاثة من مستشفيات غزة الثلاثة عشر فضلا عن توقف مولدات 14 من 54 مركزا طبيا بالقطاع. وقال مسؤولو المؤسسات المتضررة إنهم يحولون الحالات الخطيرة إلى منشآت صحية أخرى وإنها قللت من طاقتها التشغيلية. ونظرا لأن شبكة الكهرباء بقطاع غزة لا توفر الكهرباء لسكان القطاع البالغ عددهم مليونا نسمة إلا لمدة تتراوح بين أربع ساعات وست ساعات يوميا فقط تمثل المولدات الاحتياطية شريان حياة لمنشآت الرعاية الصحية والصرف الصحي فيما تعد أزمة معقدة تعود جذورها إلى الخصومة بين حماس والسلطة الوطنية.

وفي مستشفى الدرة للأطفال بمدينة غزة، التي تخدم في العادة ما يصل إلى 180 مريضا في اليوم، كان كثير من أسرتها التسعين خاويا. وقال الأطباء إن الوقود نفد قبل أسبوع وإنها توفر أدنى قدر ممكن من الخدمات. وقال ماجد حمادة مدير المستشفى إن الأطباء يوفرون الرعاية الصحية الأساسية، وفي الحالات الطارئة ينقلون المرضى إلى مستشفيات أخرى بعد استقرار حالاتهم. وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية إن وقود الطوارئ في المنشآت الحيوية بقطاع غزة ”سينفد خلال الأيام العشرة المقبلة“.

وقال إن خدمات الطوارئ والتشخيص ووحدات الرعاية المركزة وغرف العمليات في خطر علاوة على 55 محطة للصرف الصحي و48 محطة تحلية ومنشآت تجميع الفضلات الصلبة. وقالت حركة حماس إن السلطة الفلسطينية تعلق دفع ثمن الوقود الذي يقدم عبر إسرائيل. وتقول السلطة إن حماس لم تنقل الأموال المحصلة من بيع أدوية للمرضى في غزة وهي أموال تستخدمها السلطة لشراء الوقود.

وقال مكتب الأمم المتحدة إن 6.5 مليون دولار مطلوبة لتوفير 7.7 مليون لتر من الوقود الطارئ في 2018 وهو ”أدنى حد لتفادي انهيار الخدمات“. ونقل بيان المكتب عن روبرتو فالينت القائم بأعمال منسق الشؤون الإنسانية بالأراضي الفلسطينية قوله ”بدون التمويل، ستضطر جهات خدمية أخرى إلى وقف عملياتها خلال الأسابيع المقبلة وسيتدهور الموقف بشكل دراماتيكي مع احتمال امتداد تأثيره إلى كافة السكان“. وأضاف قائلا ”لا يمكن أن نسمح بحدوث ذلك“. بحسب رويترز.

وقالت إحدى الأمهات التي تنتظر منذ أسبوع لإجراء كشف بالأشعة السينية على ابنتها ذات الثلاثة أعوام ”إحنا بنلوم كل الأطراف، ليش يتعرضوا هدول الأطفال لخطر الموت مشان فتح وحماس مش عارفين يتصالحوا؟“ ويهدد أيضا قرار الولايات المتحدة تقليص إسهامها المقدم لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) بتفاقم المصاعب في القطاع.

إغلاق شواطئ غزة

الى جانب ذلك أعلن اتحاد بلديات قطاع غزة نيته إغلاق شواطئ القطاع بالكامل لضخ فيها مياه الصرف الصحي بسبب عدم قدرة البلديات على توفير الوقود لمحطة المعالجة وسط تفاقم الاوضاع الانسانية والبيئية، متحدثا عن "حالة طوارئ" في الخدمات الاساسية. وقال رئيس بلدية غزة نزار حجازي الذي تلا بيان باسم اتحاد بلديات قطاع غزة "سيتم إغلاق (شواطىء) بحر قطاع غزة بالكامل وسيتم ضخ مياه الصرف الصحي نحو البحر لعدم قدرة البلديات على توفير الوقود (لمحطة المعالجة) واستمرار سياسة العقاب الجماعي المفروضة على السكان".

واضاف إننا "نعلن حالة الطوارئ في مدن وبلدات قطاع غزة" في قطاع الخدمات الاساسية. وتابع ان ذلك ياتي "في ظل استمرار تفاقم الأزمات التي تعصف بمدن وبلديات القطاع وتخلي كافة الأطراف عن السكان وتفاقم الكارثة الإنسانية والبيئية للقطاع المحاصر للعام 13 على التوالي وانهيار الحالة الاقتصادية وازدياد ساعات قطع التيار لـ20 ساعة يوميًا وتوقف معظم المنح والمساعدات الخارجية وتمويل المشاريع خاصة التي تمس الخدمات الأساسية لا سيما الوقود وتشغيل عمال النظافة". بحسب فرانس برس.

وأكد ان هذا الامر "يؤثر بشكل بالغ على قطاع الخدمات الأساسية ويهدد بانعدام مقومات الحياة، موضحًا أن البلديات أصبحت غير قادرة على تقديم الحد الأدنى للسكان في ظل تصاعد الأزمات". واوضح حجازي أنه "أمام كارثية الوضع الحالي وبدء انعدام مقومات الحياة، نعلن حالة الطوارئ بما يشمل تقليص كافة الخدمات الأساسية المقدمة للسكان بنسبة 50% لتجنب انهيارها بشكل كامل". وكان مبعوث الامم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الاوسط نيكولاي ملادينوف اعرب امام مجلس الامن الدولي عن قلقه من "تفاقم" الاوضاع في قطاع غزة.

اضف تعليق