q

المجالس الحسينية والحفاظ على جذوة النهضة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

في منزلك الشخصي اعقد مجلساً لسيد الشهداء سلام الله عليه، وابدأ من الصفر. وإذا كان أحدكم فقيراً ولا يملك شيئاً، فليعمل على النحو الذي يتناسب مع وضعه الاقتصادي، كأن يشعل شمعة أو ينير سراجاً باسم الإمام الحسين سلام الله عليه لمدة دقائق كل أسبوع، وسط الأفراد الذين يكونون معه في بيته...

(مجلس أبي عبد الله الحسين عليه السلام، هو رأس الخيط الذي أوصل ويوصل

إلى الكثير من التوفيقات) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

يتساءل كثير من الناس، لاسيما الشباب، كيف ينجح الإنسان في حياته؟، وما هي الخطوات التي يجب عليه اتخاذها لكي يصبح إنسانا فاعلا ومتفاعلا في هذه الحياة، أسئلة كثيرة من هذا النوع يتم طرحها، ويأتي الجواب دائما، عليك بالنموذج المتميز الذي يمنحك سمة النجاح والتميّز، من خلال الأفكار الجيدة التي يقدمها لك على شكل سلوكيات أو كلمات أو مبادئ.

الإنسان بلا نموذج لا يمكنه السير في طريق النجاح، فالنموذج هو الدليل الذي يسير بك نحو الصواب، ومن دون الدليل يبقى الإنسان كالذي يسير في متاهة وظلام، لا يرى ولا يلمس ولا يسمع، تائه في بحيرة من الشكوك والأوهام والتردد، أما إذا تمسك بالنموذج والدليل، فإنه حتما سوف يحصل على نصائح وإرشادات كبيرة تضع أقدامه على السبيل الصحيح، ومن ثم يغذّ خطاه نحو الهدف الأهم ألا وهم النجاح.

السؤال من هو نموذجك أيها الإنسان، وأنتم أيها الشباب من النموذج الذي تسيرون على خطاه في دنيا غامضة وحياة مضطربة؟، الشباب الحسينيون وضعوا الإمام الحسين (عليه السلام) نموذجا لهم، وآمنوا بفكره، وبثقافة عاشوراء، وصمموا على أن ينشروا مبادئ النهضة الحسينية في كل بقاع الأرض، وقد أوجدوا السبل الصحيحة إلى ذلك وحرصوا على إقامتها، إنها المجالس الحسينية التي تقدم الفكر الحسيني الناصع للجميع.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في كتابه القيم الموسوم بـ (نفحات الهداية):

(ما كان يؤكده أخي المرحوم (سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي طاب ثراه) تكراراً ومراراً: أن يجهد كل واحد منكم في إقامة مجالس العزاء والمشاركة فيها على مدى السنة، فهذا الجهد المبارك، لن يذهب سدىً حتى قدر رأس إبرة منه؛ وسيكون ذخراً لكم، ويثبت في سجلّ حسناتكم، إن شاء الله تعالى).

إن انخراط الشباب في الخدمة الحسينية، وفي إدامة المواكب والمجالس، وإثرائها بكل ما هو نافع للشباب ولغيرهم، يجب أن يكون هدف الجميع، لاسيما في مثل هذه الأيام التي تندرج تحت مناسبة عظيمة وخالدة، ألا وهي مناسبة عاشوراء التي لابد أن تكون مناسبة داعمة للشباب الحسيني، ودافعة لهم باتجاه التمسك بالنهضة الحسينية ومبادئها.

تضحية عظيمة على طريق الحرية

لذلك لابد من تخصيص الوقت اليومي المطلوب لدعم المجالس والمواكب، وتحريك نشاطاتها ليس الخدمية وحدها، بل حتى الفكرية والثقافية التي تضيء الطريق أمام الناس، وتجعلهم في رؤية واضحة وفهم دقيق لما أراده الإمام الحسين (عليه السلام) وما سعى إليه بعد أن قدم هذه التضحية العظيمة على طريق الحرية والإباء.

إن الذي يخصص ساعة أكثر أو أقل يوميا من وقته للإمام الحسين، لن يخسر مطلقا، فهو الرابح في الدنيا والآخرة، لأنه سوف يكون من الناجحين عبر مسعاه الحسيني في دعم المواكب والمجالس الحسينية، والمواظبة على إقامتها ودعمها وتشجيع الشباب على ذلك أيضا، فتصبح حياته محصنة من الأخطاء والانحرافات بأنواعها، أما في الآخرة فإن ثوابه سوف يكون بانتظاره باعتباره خادم للحسين (عليه السلام) وزواره، وملتزم بمبادئ النهضة الحسينية، ومتمسك بها طوال حياته.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(أرجو أن توصوا الآخرين وتتواصوا فيما بينكم، وهو أن كلاً منكم - سواء كان ربّ أسرة وعنده عائلة، أم ما زال فتىً يافعاً- عليه أن يخصص ساعتين أو ساعة واحدة، أو حتى نصف ساعة، لأجل الإمام أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه).

قد يواجه بعض الناس ظروفا مادية صعبة، وقد يتذرع بعضهم بأنه غير قادر على تحمل أعباء المناصرة عبر إقامة المجالس، لكن هذه الذرائع لن تكون في محلها، وليست مقبولة، لأن ذكر المبادئ الحسينية لا يتطلب الكثير من الجهد، ولا الكثير من المال، لذلك لابد من المبادرة إلى إقامة المجالس ودعم المواكب حتى لو اضطر الشاب الحسيني إلى الاستدانة.

هل إضاءة سراج صغير في البيت تعبيرا عن الحزن صعبة على الشاب الحسيني، إنها شمعة أو سراج يمكنك أن تضيئه في بيتك أو عند عتبة البيت، فالمهم هو التعبير عن حزنك، ومناصرتك للإمام الحسين، بأقل التكاليف والجهود وحسب قدرتك على ذلك، أما الذين يحضرون مناسبة الحزن هذه، فهم أفراد عائلتك، وإذا استطعت لا بأس أن يشارك جيرانك أو المقربون منك، لأن المهم هو المناصرة والإصرار على نشر مبادئ النهضة الحسينية.

إيقاد سراج الثقافة والوعي

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (في منزلك الشخصي اعقد مجلساً لسيد الشهداء سلام الله عليه، وابدأ من الصفر. وإذا كان أحدكم فقيراً ولا يملك شيئاً، فليعمل على النحو الذي يتناسب مع وضعه الاقتصادي، كأن يشعل شمعة أو ينير سراجاً باسم الإمام الحسين سلام الله عليه لمدة دقائق كل أسبوع، وسط الأفراد الذين يكونون معه في بيته).

لابد أن لا يغيب ذكر الإمام الحسين عنكم طويلا، ولا عن بيوتكم، ولا عن جلساتكم، وعليكم أن تحرصوا على إيراد هذا الذكر المبارك لفاجعة الإمام الحسين في كل يوم، مع الحرص على نشر الفكر الحسيني وثقافة عاشوراء، عبر الخطب والأحاديث والتوعية المتواصلة، وسوف نلاحظ ذلك التأثير الكبير لهذه المجالس في الآخرين، لأن الشباب الحسيني يتأثر سريعا، ويؤثر بالسرعة نفسها في الآخرين، كونهم يتأسون بالنموذج الحسيني الخالد، لذا يجب أن يكون هناك مجلس حسيني دائم ومستمر من خلال الحرص الكبير على إدامته.

هذا ما يؤكد عليه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حين يقول:

(اسعوا لئلا يمضي عليكم أسبوع، دون أن يكون في بيوتكم ذكرٌ لمصيبة الإمام الحسين سلام الله عليه؛ ففي هذا بركة الدنيا والآخرة).

لا يشترط إقامة المجلس في الهيئة أو في الموكب، بل لابد أن يكون المجلس الحسيني حاضرا بشكل دائم في البيوت، كتذكير بالمناسبة، وإظهار الحزن، واستقبال الخطب التي تفصّل واقعة الطف، وتُظهر المبادئ العظيمة للنهضة الحسينية، ولثقافة عاشوراء فيما دأب عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من أحاديث وخطب وأفكار تنتصر للحق وتناهض الظلم والتجبّر والتكبّر والطغيان دونما هوادة.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(حتى إذا كنت عضواً أو مسؤولاً لهيئة حسينية، وينعقد كل ليلة وكل يوم، مجلس ذكر لمصيبة أبي عبد الله سلام الله عليه في هيئتك، فلا تدَع منزلك يخلو من سراج باسم الإمام الحسين. اسع لتحقيق هذا الأمر، وأن يكون لك مثل هذا التوفيق الدنيوي والأخروي).

وإذا كنت من الباحثين عن التوفيق في حياتك، فعليك بذكر الإمام الحسين (عليه السلام) بشكل دائم، وعليك أيضا التذكير بنهضته ومبادئه ومآثره التي قدمها للدين وللمسلمين، لكي يستعيدوا إسلامهم الذي انحرف على يد الطاغية يزيد، فالشاب الذي يبحث عن التوفيق عليه أن يفهم بأن رأس الخيط الذي يوصله إلى ذلك هو إقامة المجالس الحسينية ودعمها بشكل مستمر ومستدام.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد على:

(إن مجلس ذكر أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه، هو رأس الخيط الذي أوصل ويوصل إلى الكثير من التوفيقات).

وها أننا نعيش هذه الأيام عاشوراء، ونستعيد الفاجعة، ونستلهم الفكر والوضاء والمبادئ العظيمة، وذلك من خلال التركيز على ثقافة عاشوراء، والتمسك بالفكر الحسيني، والعمل به نظريا وتطبيقيا، فمن ينتسب للحسين (عليه السلام)، عليه أن يثبت جدارته واستحقاقه لهذا الانتساب العظيم من خلال دعم مبادئ النهضة الحسينية وتطبيقها عمليا.

اضف تعليق