q
أولئك الذين يمضون في الحياة بنظرةٍ إيجابية لا يشعُرون بسعادةٍ أكبر فحسب، وإنما يتمتَّعون برفاه جسدي أفضلَ على كل المستويات تقريبًا. فإنهم يعانون أعراضًا جسديةً أقلَّ، على غِرار السُّعال والإعياء والتهاب الحلق، ويتعافَون من الجراحات أسرعَ وبآلامٍ أقلَّ. ولديهم معدلات أقلُّ من الإصابات بالأمراض البسيطة والخطيرة...

للطريقة التي نرى بها الضغط النفسي أكبرَ الأثر على صحتنا الجسدية. فالذين يرون الضغط النفسي ضارًّا ومُوهنًا تظهر لديهم مستوياتٌ أعلى من الكورتيزول، هرمون الضغط النفسي، استجابةً للمواقف الصعبة. وهذه الاستجابة الفسيولوجية من الممكن أن تؤدِّي مع الوقت إلى تبعاتٍ سيئة على الصحة، منها ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية.

لكن ليس الشعور بالضغط النفسي وحده ما يؤثِّر على الصحة — فمجرَّد الاعتقاد أن الضغط النفسي سيُؤثر على الصحة يؤثر عليها هو الآخر! في إحدى الدراسات طلب الباحثون من نحو ٢٥ ألف شخص تقييمَ مستوى الضغط النفسي لديهم في المجمل خلال العام المنصرم ولأي درجة يعتقدون أنه أثَّر على صحتهم — سواء كان قليلًا، أو بقدرٍ مُتوسِّط، أو بدرجة كبيرة.

الأشخاص الذين أفادوا بأنهم عانوا الكثيرَ من الضغط النفسي والذين كانوا يعتقدُون كذلك أن للضغط النفسي تأثيرًا كبيرًا على صحتهم كان احتمال وفاتهم خلال الأعوام الثمانية التالية أكبرَ بنسبة ٤٣ في المائة. على النقيض، الأشخاص الذين تعرَّضوا للكثير من الضغط النفسي لكن من دون الشعور بأن له تأثيرًا بالغًا على الصحة لم يكونوا أكثرَ عرضة للموت من الذين تعرَّضوا لمستوياتٍ دُنيا أو متوسطة من الضغط النفسي.

تدُل هذه النتيجة على أن التعرُّض لمستوياتٍ مرتفعة من الضغط النفسي ليس بالضرورة ما يَرفع احتمال حدوث الوفاة وإنما ارتفاع مستوى الضغط النفسي مع الاعتقاد بأن الضغط النفسي يؤدي إلى نتائجَ سلبية على الصحة. بل إنَّ الأشخاص الذين يعتقدون أن الضغط النفسي يؤثِّر على الصحة «تأثيرًا كبيرًا أو حادًّا» عرضةٌ للموت بالنوبة القلبية أكثرَ مرتين من أولئك الذين لا يعتقدون ذلك.

على الصعيد الآخر، أولئك الذين يمضون في الحياة بنظرةٍ إيجابية لا يشعُرون بسعادةٍ أكبر فحسب، وإنما يتمتَّعون برفاه جسدي أفضلَ على كل المستويات تقريبًا. فإنهم يعانون أعراضًا جسديةً أقلَّ، على غِرار السُّعال والإعياء والتهاب الحلق، ويتعافَون من الجراحات أسرعَ وبآلامٍ أقلَّ. ولديهم معدلات أقلُّ من الإصابات بالأمراض البسيطة والخطيرة، مثل الربو والإنفلونزا والقُرَح وضغط الدم المرتفع والسكري، بل وحتى السكتات ومرض القلب التاجي. وقد تجدر الإشارة هنا إلى أن إحدى الدراسات أثبتَت أنه بين المريضات اللواتي يتلقين علاجًا كيماويًّا لسرطان المبايض، يظهر تراجعٌ أكبرُ في واسمات السرطان لدى أولئك اللواتي يتمتَّعن بدرجة عالية من التفاؤل.

يتمتَّع الأشخاص الذين يمضون في الحياة بنظرة إيجابية بصحةٍ أفضلَ لأنهم من ناحيةٍ يشعرون بضغط نفسي أقل. فحين يواجهون ظروفًا حياتية صعبة، يتصدَّون لها مستخدمين آلياتٍ للتأقلم — بمعالجة المشكلات مباشرةً، والبحث عن الدعم الاجتماعي، والعثور على الجانب الإيجابي، وما إلى ذلك. التعامل مع الضغط النفسي بأسلوبٍ استباقي يُقلِّل من آثاره واستنزافه للجسم. وبناءً على ذلك، فإن الناس الذين ينتهجون تلك الأساليب ويرون النصف الملآن من الكوب يتمتعون بأجهزةِ مناعة أقوى؛ ومن ثَم فإنهم أكثر قدرة على مقاومة أشكال العدوى الخفيفة.

في إحدى الدراسات، قاس الباحثون مستوى السعادة لدى ١٩٣ شخصًا من البالغين الأصحاء، ثم وضعوا في أنوفهم قطرات من سائلٍ يحتوي على فيروس الزكام، بموافَقة من المشاركين. (تذكَّر أن الزكام ليس خطيرًا على الأشخاص الأصحاء.) بعد ذلك، ظلَّ المشاركون على مدار الأسابيع الأربعة التالية يُعطون تقاريرَ عن أعراضهم المتصلة بالبرد، مثل السعال والعطس ورشح الأنف وما إلى ذلك. رغم أن المشاركين كلَّهم كانوا قد تعرَّضوا لفيروس الزكام مباشرةً، فإن الزكام لم يصِبهم جميعًا. فقد كشف الأشخاص ذوو النظرةِ الأكثر إيجابية بوجه عام عن إصابتهم بأعراضِ زكام أقل، وكانوا أقلَّ عرضة للإصابة بالزكام من الأساس. وظلت هذه النتائج صحيحة حتى حين وضع الباحثون في الحسبان المتغيراتِ الأخرى التي من الممكن أن تؤثِّر على الحساسية للمرض، مثل السن والجنس وكتلة الجسم والحالة الصحية العامة.

تأثير إعادة تأطير الضغط النفسي

حين كنتُ في أوائل العشرينيات من العمر، ثُقِب إطار سيارتي أنا وبارت صديقي أثناء القيادة على طريقٍ سريع قرب وسط مدينة أتلانتا. وفي الحال انتابني الذُّعر — إذ كان هذا قبل أن يصير مع كل شخص هاتفٌ محمول بزمن طويل. خشيت أن نظلَّ عالقين لساعات. خشيت أنني سأُضطر إما للسير وحدي لآتيَ بالنجدة أو البقاء بمفردي مع السيارة. خشيت أن يومنا بأكمله قد أفسده عُطْل السيارة.

بينما كان بارت يقف بالسيارة على جانب الطريق، رُحت أبوح بمخاوفي المتعدِّدة. فنظر إليَّ متعجِّبًا وقال: «سوف أغيِّر الإطار فحسب — لن يستغرق الأمر سوى بضع دقائق.»

ما رأيته مشكلةً كبرى رآه بارت إزعاجًا بسيطًا. فقد غيَّر الإطار، وصرنا على الطريق خلال ١٥ دقيقة تقريبًا. (عندئذٍ قرَّرت أن أتزوج هذا الرجل؛ وأصبح زوجي الآن).

وإليكم مثالًا شخصيًّا آخرَ على ما لطريقةِ التفكير من أهمية. كانت الصحافة العامة قد أفردت عددًا لا حصرَ له من المقالات للحديث عن الضغط المتزايد الذي يشعر به الأطفال حين يَخضعون لاختبارات مصيرية، وشكا العديدُ من المعلمين والآباء هذه الاختباراتِ. حتى إن الأهالي في بعض المناطق أخرجوا أبناءهم من المدارس أيام الاختبارات. لذلك حين كان ابني روبرت متجهًا إلى المدرسة في أول يوم لذلك الاختبار، سألته عما يشعر به. فابتسم وقال: «إنني أحب الاختبارات — إن هذا أفضلُ أيامِ العام!» (من الواضح أنه يُشبه أباه.)

حين سألت روبرت لماذا هو يوم طيِّب، أجاب قائلًا: «يكون الهدوء شديدًا. ويظلُّ الكل يكتبون فحسب، ولا أحد يتحدَّث. ثم نحصل على حلوى.»

قد يرى العديد من الناس الاختبارات المصيرية مثيرةً للضغط النفسي والقلق، بل وكثيرًا ما يرونها كذلك. أما روبرت، وهو شخص انطوائي؛ فالاختبار يمنحه استراحةً يرجوها بشدة من الفوضى العارمة للمدرسة. حيث الجميع صامتون ويقرءون ويملئون الفراغات في أوراق الأسئلة. كما أنه توجد حلوى في النهاية، على حدِّ قوله. فماذا عساه لا يروق له؟

تؤكد هذه الحكايات ما يُخبرنا به الكثير من الأبحاث العلمية: يتفاعل الناس المختلِفون مع نفس الأشياء بطرقٍ مختلِفة.

يرى الكثير من الناس الضغطَ النفسي شيئًا سلبيًّا لا بد من تحاشيه؛ لأنه يؤدي إلى عواقب رديئة — درجات متدنية في الاختبارات لدى الأطفال، وإنهاك وظيفي لدى الموظفين، و«خسارة بطولات» لدى الرياضيِّين. وللأسف فإن رؤية الضغط النفسي على نحوٍ سلبي تزيد من الجزع وتُخِلُّ بالأداء، فتحقِّق ما كان يخشاه المرء، بسبب طريقة التفكير هذه على وجه التحديد.

لكنَّ هناك أناسًا يرون الضغطَ النفسي جزءًا عاديًّا من الحياة اليومية ويواجهونه بطريقة تفكير إيجابية باعتباره شيئًا مثيرًا محفِّزًا ويُعطي الجسمَ طاقةً إضافيةً للاستجابة بفاعلية لمختلِف التحديات. وكما قد تتوقَّعون، غالبًا ما ينتهي الحال بالناس الذين يتخذون هذا النوع من المواقف الذهنية بنتائجَ أفضل. هؤلاء هم الناس الذين يُبدعون تحت الضغط وحين يكون القرار مصيريًّا.

* مقتبس بتصرف من كتاب التحول الإيجابي: تحكم في طريقة تفكيرك وانعم بالسعادة والصحة والعمر المديد، للمؤلفة: كاثرين إيه ساندرسون، أستاذة علم النفس في أمهرست كوليدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية

اضف تعليق