سلَّطت الصحف البريطانية الضوء على الزيارة التي يُجريها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى لندن، منتقدةً حفاوة الاستقبال الذي لقي
سلَّطت الصحف البريطانية الضوء على الزيارة التي يُجريها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى لندن، منتقدةً حفاوة الاستقبال الذي لقيه من الحكومة البريطانية والأسرة الملكية.
بن سلمان التقى رئيسة الوزراء تيريزا ماي، (الأربعاء)، والتي أكدت أهمية العلاقات بين البلدين، وأن أمن السعودية جزء من أمن بريطانيا، كما احتفت الملكة إليزابيث الثانية بولي العهد السعودي وأقامت له مأدبة غداء.
ويشعر البلدان بوجود فرصة لتوسيع علاقتهما الحالية، فبريطانيا تبحث عن شركاء تجاريين تزامنا مع خروجها من الاتحاد الأوروبي، والسعودية بحاجة إلى إقناع المستثمرين المتشككين بإصلاحاتها الداخلية.
والتقى الوفد السعودي بعد ذلك، رئيسة الوزراء ووزراء كباراً، في مقر الحكومة؛ لتدشين "مجلس الشراكة الاستراتيجية" البريطاني-السعودي، وهي مبادرة لتشجيع الإصلاحات الاقتصادية في السعودية وتعزيز التعاون بشأن قضايا، مثل التعليم والثقافة وكذلك الدفاع والأمن. بحسب موقع "الخليج اونلاين".
الركوع لابن سلمان
لكن طغى على هذه الزيارة -رغم أهميتها للسعودية وبريطانيا- سجلُّ حقوق الإنسان، سيئُ السمعة، بالسعودية، والحرب التي تقودها الرياض في اليمن، حيث وصفت صحيفة "الغارديان" حفاوة الاستقبال بـ"الركوع" لرجل ارتكب انتهاكات لحقوق الإنسان وخَرَقَ القانون الإنساني الدولي في اليمن، ومهندس حربٍ أسفرت عن مقتل الآلاف من المدنيين ودفعت اليمن، "أفقر دول الشرق الأوسط"، إلى حافة المجاعة.
كما نقلت "الغارديان" تصريحات لزعيم حزب العمال البريطاني، جيرمي كوربن، اتهم فيها جيش بلاده بالتواطؤ مع الرياض في "حربٍ جرت بشكل غير قانوني، زاعماً أن موظفين بريطانيين كانوا يوجهون الحملة العسكرية السعودية على اليمن من الرياض".
بدوره، أدان زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، فينس كيبل، طريقة استقبال الحكومة ما سمّاه "رئيس نظام ديكتاتوري وديني"، داعياً إلى مطالبة السعوديين بإنهاء القصف المنهجي للأهداف المدنية في اليمن، بحسب ما ذكرته "الغارديان".
غير مرحَّب به
صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، بدورها، سلطت الضوء على الاحتجاجات خارج مقر الحكومة، وذلك بالتزامن مع استقبال الأمير محمد بن سلمان هناك، حيث ذكرت أن المئات هتفوا ضد حرب الرياض في اليمن، وردَّد المتظاهرون: "أوقِفوا القصف الآن وأوقِفوا القتل (في اليمن)"، مبيِّنةً أنه (بن سلمان) "غير مرحَّب به" رغم الحفاوة الرسمية.
كما طالب المتظاهرون -وفق الصحيفة- حكومة بلادهم بوقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية، وبالضغط عليها لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في المملكة.
وكان من بين المتحدثين، خلال المظاهرة، وزيرة العمل في "حكومة الظل" المعارضة، كيت أوسامور، التي طالبت بـ"المساواة بين الرجال والنساء في السعودية"، وبإيقاف الحرب التي تسببت في "تجويع الشعب اليمني".
تواطؤ
صحيفة "ذا صن" كانت الأشد انتقاداً للزيارة؛ حيث ذكرت أن سر الحفاوة البالغة التي لقيها الأمير محمد بن سلمان، هو تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الرياض ولندن والتي أسهمت في إنقاذ حياة مواطنين بريطانيين، فضلاً عن إبرام صفقات تجارية واستثمارية بقيمة 65 مليار جنيه إسترليني (100 مليار دولار) بين البلدين، بحسب الصحيفة.
وشبَّهت "ذا صن" هذه الصفقات بأنها جزء من التواطؤ الحكومي البريطاني مع مهندس الحرب باليمن (في إشارة إلى بن سلمان)، الذي استخدم الأسلحة البريطانية والأمريكية، التي أودت بحياة 10000 مدني على الأقل.
وأشارت إلى أنه "تم تزييف الترحيب به، من خلال قيام شركة علاقات عامة، باستئجار سيارات أجرة وشاحنات تجوب شوارع العاصمة، ملصقة عليها صورته كدلالة على ترحيب عفوي بولي العهد السعودي".
ولفتت الصحيفة إلى أن "الإصلاحات في السعودية سراب إلى حد كبير"، مستشهدة بأن "المنتقدين السلميين للحكومة ما زالوا في السجن، ولا يزال يتعين على النساء الحصول على إذن من الرجال، إذا كنَّ يريدن السفر، أو الحصول على تعليم، على وظيفة".
الاستثمار اهم من الانسان
الرفض الذي ابدته الصحف البريطانية لزيارة بن سلمان ودعوتها لمقاطعته باعتباره مهندس الحرب في اليمن، لم يمنع الحكومة من الاحتفاء به، والسبب هو حاجة لندن للاستفادة اقتصاديا لتعويض خسارة الخروج من الاتحاد الاوربي، اذ نشر موقع "بلومبيرغ" تقريرا لمراسله ستيوارت بيغز، يتحدث فيه عن وحجم التبادل التجاري والاستثمار المتبادل بين البلدين في السنوات القادمة.
ويقول الموقع إن المملكة المتحدة والسعودية اتفقتا على ما قيمته 65 مليار جنيه استرليني من التبادل التجاري والاستثمار المتبادل في السنوات القادمة. ويشير التقرير، إلى أن مكتب رئيسة الوزراء تيريزا ماي، وصف الاتفاق بأنه "تصويت للثقة" في الاقتصاد قبل أن تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي.
ويلفت بيغز إلى أن هذا الهدف وضع خلال الاجتماع بين ماي وولي العهد محمد بن سلمان في لندن يوم الأربعاء، بحسب بيان في البريد الإلكتروني من رئيسة الوزراء، مشيرا إلى أن الأمير قابل الملكة إليزابيث الثانية، في بداية زيارة مدتها ثلاثة أيام، تهدف إلى تلميع مؤهلاته الخارجية بصفته زعيما منتظرا، فيما سيكمل رحلته إلى أمريكا لمقابلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن.
ثناء لإصلاحات شكلية
ويذكر الموقع أن الأمير، الذي أعلن خططا لإصلاحات اقتصادية سريعة، وأشرف على حملة منذ تعيينه وليا للعهد في حزيران/ يونيو لمكافحة الفساد، حظي بثناء رئيسة الوزراء البريطانية لبرنامجه الإصلاحي المعروف برؤية 2030، وبالذات السماح للنساء بقيادة السيارات وحضور المباريات الرياضية.
وينقل التقرير عن متحدث باسم ماي، قوله في البيان إن البرنامج "خطة طموحة للإصلاحات الداخلية، التي تهدف إلى خلق اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي، وهي الظروف التي نتفق على أنها ضرورية لاستقرار المملكة ونجاحها على المدى البعيد".
ويكشف الكاتب عن أنه سيتم توقيع مذكرات تفاهم لأربع عشرة صفقة تجارية خلال الزيارة، مستدركا بأن المسؤولين البريطانيين لا يتوقعون إصدار قرار يتعلق باستضافة العرض المبدئي لأسهم "أرامكو"، حيث تتنافس بورصة لندن مع نيويورك على إدراج الأسهم الأولى، إلا أنه من غير المرجح إعلان ذلك قريبا، بحسب شخص مُطّلع على خطط الزيارة.
السلاح سيد الاستثمار
وينوه الموقع إلى أن بريطانيا تعد ثاني أكبر مزود بالمعدات الدفاعية للسعودية، حيث لا تزال شركة "بي إيه إي سيستمز" في لندن تنتظر طلبية جديدة لطائرات "يوروفايتر تايفون" المقاتلة، بعد صفقة اليمامة المثيرة للجدل، التي اشترت السعودية بموجبها 72 طائرة حربية عام 2006، مشيرا إلى أن صفقة مثيلة ستدعم الصناعة البريطانية، في وقت تخفف فيه بريطانيا من نفقاتها على الدفاع.
ويستدرك التقرير بأن زيارة ولي العهد جذبت احتجاجات ضد مبيعات الأسلحة البريطانية للسعودية، بالإضافة إلى الحرب المستمرة في اليمن، حيث تقود السعودية تحالفا حاول على مدى الثلاث سنوات الماضية السيطرة على اليمن من مقاتلين تربطهم علاقات بإيران، وخلق هذا الصراع ما أسماه مسؤولو الأمم المتحدة أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
ويورد بيغز نقلا عن المتحدثة العمالية في الشؤون الخارجية إيملي ثورنبيري، قولها في مقابلة على تلفزيون "بلومبيرغ" إنه يجب ألا تعمي حملة التلميع التي تحيط بالأمير محمد بريطانيا، وأنه يجب عليه أن يجيب على الأسئلة المتعلقة بتورط السعودية في الحرب الأهلية في اليمن، وتمويل المقاتلين في سوريا، وحقوق الإنسان في السعودية.
ويفيد الموقع بأن ماي أعربت عن قلقها بالنسبة للوضع الإنساني في اليمن، و"اتفق الزعيمان على أهمية فتح الطريق دون عوائق أمام المساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية، بما في ذلك الموانئ، وأن الحل السياسي هو في النهاية الطريق الوحيد لإنهاء الصراع والمعاناة الإنسانية"، بحسب البيان.
ويختم "بلومبيرغ" تقريره بالإشارة إلى قول مكتب ماي بأنهما اتفقا على العمل معا "لمواجهة أنشطة إيران الإقليمية، التي من شأنها زعزعة الاستقرار".
اضف تعليق