قد ينطبق بعض كلامنا أو أغلبه على حالة التنافسية المفقودة في لعبة انتخابات مجالس المحافظات، التي افتقدت لكثير من قواعد اللعب المالي النظيف وباتت عبارة عن لعبة بين فرق تتوافق فيما بينها على تحقيق الفوز أو الخسارة، بدلاً من التنافس الفعلي، وهذا واحد من أبرز أسباب هجرة الجمهور لمتابعة هذه اللعبة...
في منافسات كأس العالم لكرة القدم تظهر فكرة التنافس الاحترافي في أبهى صورها، فهناك قواعد محددة للعب (قوانين)، وهناك لاعبون ينفذون مهامهم بدقة، وخلفهم جمهورهم (الشعب)، وهناك حكام (نظام قضائي)، وهناك وسائل إعلام (السلطة الرابعة)، تنقل الحقائق وتعلق عليها وتحللها وتفسرها، يا لها من فكرة رائعة تشبه فكرة النظام السياسي، وكم هو رائع لو كان التنافس على عرش السلطة شبيهاً بالتنافس على حيازة كأس العالم.
الفاول واحد من أبرز المصطلحات تمثلات قواعد اللعبة، وهو كلمة شعبية متداولة بين عدد كبير من الناس، تعني باختصار "خرقٌ لقاعدة معينة"، وهي مشتقة من الأخطاء التي يرتكبها لاعب كرة القدم ضد لاعب فريق الخصم، ومثلما يتفنن اللاعبون بأساليب التحايل على القانون من أجل عرقلة الخصم، تجد القانون يتغير تبعاً لطبيعة التحايل من قبل اللاعبين، فيما تكون التغييرات معروفة لدى الجماهير الرياضية بفضل شدة متابعتها لتفاصيل لعبة كرة القدم، وقدرة الإعلام الرياضي على توعية الجمهور بالقواعد الأساسية والمواضع التي تعتبر مخالفة تستحق علامة الفاول.
الجميل في الفاول أنه يحتوي على عدد كبير من الأطراف، (لاعبون، فريقان، جماهير، ووسائل إعلام، وعدد من الحكام، وتقنيات الفيديو مؤخراً)، أي أن ارتكاب الخطأ ضد الفريق الخصم سيواجه برد فعل من اللاعب المُرتكب ضده الخطأ (الفاول)، وسيكون الحكم صاحب القرار يحدد مدى شدة الفاول وحجم العقوبة المستحقة ضد اللاعب المذنب، مستنداً في ذلك لقواعد قانونية صارمة لا تميز بين لاعبي فريق وآخر.
الجمهور ستكون له كلمة وصراخ ضد الجميع في حال شعر بأن قوانين كرة القدم تنتهك، فهو يريدها مسطرة واحدة تطبق على الجميع بدون استثناءات، وبلا انحياز لطرف على حساب آخر، ولكون الجمهور يعرف التفاصيل الصغيرة لقانون كرة القدم، تجده يحلل ويفسر، ويعطي تقييماً للاعبيين ومدى التزامهم بقانون اللعبة، وفي بعض الاحيان يميز الجمهور بين اللاعب الأخلاقي وغير الأخلاقي فيما يتعلق بلعب الكرة.
وعلى مستوى الحكام يجد هؤلاء القضاة الراكضون خلف الكرة أن الصرامة واجبة في تطبيق القانون حتى لا يتعرضوا لغضب الجماهير، وهم على علم بأن أي خطأ يرتكبه الحكم في تطبيق القانون لا يقل خطورة عن لمس اليد في منطقة الجزاء التي تستحق ضربة جزاء، أو التدخل العنيف الذي يستحق الطرد المباشر بالكارت الأحمر، فهناك حكام خلف الحكام.
وهناك أيضاً وسائل إعلام خلف الحكام وحكام الحكام، تنقب وتفسر وتحلل وتستضيف حكامها الذين يفككون كل قرار مثير للجدل، وبالمجمل يجد الجميع بأنهم مراقبون وغير قادرين على فعل شيء دون التعرض لمستويات عالية من النقد التي قد يصل بعضها إلى الطرد المؤقت أو الدائم.
لا يحصل اللاعب على ضربة جزاء ضد الفريق الخصم لكونه من طائفة معينة، كما لا يفوز فريق معين لا يلعب باحترافية بفضل علاقته الجيدة بالحكم (مع بعض الحالات البسيطة جداً والتي خسر فيها الحكام حياتهم المهنية)، اللعبة هنا تعتمد على الأداء وما تقدمه لتسجيل عدد من الأهداف وعبور عدد من التحديات لتصل في النهاية إلى حيازة الكأس أو لقب البطولة.
وبفضل نظام الرقابة المركب استطاعت كرة القدم على أهميتها للجمهور، وفائدتها السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، فقد امتد تاريخها كلعبة احترافية بشكلها الحالي على مدى أكثر من قرن، بينما سقطت أنظمة للعب السياسي، وواحد من أبرز هذه الأنظمة هو نظام التنافس الحزبي غير الاحترافي.
كل دولة تفشل في تطبيق ابرز قواعد التنافسية على نظامها الحزبي السياسي تجدها تفشل في خلق الديمومة لهذا النظام، فيسيطر حزب واحد، وكأنه فريق كرة قدم يلعب ضد نفسه كل مباراة، في هذه الحالة لا يبقى أي معنى للمباراة من الأصل، ويفقد الجمهور حالة الشغف بالمتابعة والمشاركة في الأنشطة غير الخاضعة لقواعد التنافسية.
وعندما يغيب الجمهور فإنه لا يغيب بشكل نهائي، بل دقق في أنشطته تجده يبحث عن نظام تنافسي يضمن استبدال نظام الفريق الواحد، بفريق يقبل بفكرة الفاول، ويسمح بتسجيل الأهداف ضده، ويتقبل حتى خسارة المباراة، ليس لأنه خائف من الفريق الخصم، إنما لأنه يريد استمرار اللعبة وديمومتها.
فالقبول بقرار الحكم يعني استقرار أجواء اللعبة، وهدوء الجماهير، وتحقيق الربح للجميع، بينما استخدام العنف ورفض قرارات الحكم، تنعي فعلياً نهاية اللعبة وخسارة الجميع حتى وإن زعم أحدهم أنه أحرز الكأس عشرات المرات، فما فائدة إحراز الكأس بلا جماهير، وما فائدته إذا كنت تنافس ذاتك بدون أن يكون هناك فريق احترافي يكشف عن خفايا مهاراتك.
قد ينطبق بعض كلامنا أو أغلبه على حالة التنافسية المفقودة في لعبة انتخابات مجالس المحافظات، التي افتقدت لكثير من قواعد اللعب المالي النظيف وباتت عبارة عن لعبة بين فرق تتوافق فيما بينها على تحقيق الفوز أو الخسارة، بدلاً من التنافس الفعلي، وهذا واحد من أبرز أسباب هجرة الجمهور لمتابعة هذه اللعبة وامتناعه عن المشاركة فيها.
أو هذا هو الفاول الذي قتل اللعبة من الأساس.
اضف تعليق