د. السيد محمد الثقفي/ترجمة: عباس كاظم

 

يكمن في الرجوع إلى العلماء الفقهاء في مذهب التشيع، لاستنباط الأحكام الإلهية والتعاليم الدينية، لا سيما في المسائل المستحدثة للحياة، سر بقاء الدين، والحفاظ على الثقافة الأصيلة، والإيمان بعلوم أهل البيت(ع). وهو ما يضمنه الفقهاء الذين يستطيعون أن يتعاملوا مع مفردات العصر الحديث وتطوراته بفهم عصري، وإعادة صياغة الأساليب والمصطلحات الدينية بصورة علمية تتناسب وحاجة الزمن الذي يعاصرونه؛ لذا استطاع عامل (الاجتهاد) والإحاطة بظروف الزمان والمكان، التي تتمتع بها الشخصية العلمائية الشيعية، أن يجعل من هذا المذهب، مذهباً حيوياً نشطاً يزخر بالعطاء، ويمزق حجب التحجر والجمود الفكري، ويمنحه اتقاداً وتألقاً مستمرين.

ومن هنا أصبح العلماء والفقهاء - الذين اشتهروا ، بالإضافة إلى ملكة التقوى والزهد، بالقدرة على استنباط المسائل المختلفة طبقاً لمتطلبات الزمان والمتغيرات والمستجدات التي تفرضها التطورات الحياتية - من رواد وقادة النهضة الاجتماعية والحركات الثقافية التي بعثت الحياة في الأمة، ومن هنا أيضاً كان الفقهاء على رأس الحركات السياسية والنهضات الشعبية التي شهدها العالم الإسلامي في القرن الماضي.

وما كان يميز هؤلاء القادة عن غيرهم من القادة أو المفكرين، ويبرزهم أكثر من غيرهم، هو أنهم أصحاب أفكار وأطروحات تسبق الزمن، وتنظم وتخطط للحياة، وسيتأكد ذلك بعد تحقق الانتصار، والوصول إلى النظام المطلوب.

نعم لقد استلهم هؤلاء القادة الإسلاميون، وحتى أولئك الذين كسبوا قصب السبق في ميادين النضال الاجتماعي، والدفاع عن حريم الإسلام، والجهاد ضد الأنظمة الفاسدة - استلهموا مبادئهم وأطروحاتهم من مدرسة أهل البيت، وبالأخص حامل لواء النهضة الإصلاحية الإمام الحسين (ع) ، وأثبتوا جدارة عالية في التصدي، وتحمل أعباء هذه المسؤولية الخطيرة، ولكن الأهم في هذه الحركات النهضوية التي قادوها، هو أنها تمتلك برنامجاً شاملاً وواسعاً لإدارة شؤون البلاد، واستمرار الحافز النهضوي، بعد تأسيس النظام المنشود.

تبرز هذه الخصوصية المهمة بشكل أفضل عند مقارنة الحركة الدستورية (مشروطة) في إيران، مع النهضات الإسلامية الأخرى؛ ففي الحركة الدستورية حمل الفقهاء وعلماء الإسلام لواء النضال ضد الظلم والاستبداد، ولكن عندما جاء دور تأسيس الدولة بعد انتصار الحركة الدستورية (المشروطة) ومست الحاجة إلى برنامج منظم، وإيجاد هيكلية للنظام، استطاعت تلك الفئة من المثقفين والعلمانيين الذين استلهموا برامجهم وقوانينهم من الثورة الفرنسية، مستفيدين من روح القوانين التي أثبتها (منتسكيو)، وكذلك بالاقتباس من القوانين الغربية العامة - استطاعوا أن يطرحوا برنامجاً كاملاً لتنظيم شؤون الدولة، وقدموا إلى المجلس أطروحتهم التي شملت تقسيم السلطات، وهيكلية التقسيم الإداري للدولة، وتنظيم العلاقات الداخلية. وكما بينوا حقوق الشعب والدولة بصورة واضحة لا لبس فيها. وبذلك استطاعوا أن يحققوا ما يريدون من النظام الدستوري وفقاً لرؤاهم

ورغم أن العلامة النائيني استطاع، وسط هذه المعمعة، أن يطرح رسالته الشاملة (تنبيه الأمة) ويشرح فيها الأسس العامة للحركة الدستورية (المشروطة)، طبقاً للتعاليم الإسلامية، مستفيداً في ذلك من الأصول الفقهية، إلا أن أطروحته هذه تميزت بالطرح العام الكلي الذي يفتقر إلى الدقة في رسم وتقنين العلاقة بين الشعب والدولة، وكذلك في رسم السياسة الداخلية والعلاقات الدولية والخارجية، علماً بأن هذه الأطروحة كانت الوحيدة التي جاء بها هذا العالم الذي يعتبر من الشخصيات الواعية للمرحلة آنذاك؛ إذ لم يأت أحد غيره، من الذين دافعوا عن حركة (مشروطة) بمثل هذا البرنامج، ولو بصفته الشاملة أو الكلية، وعلى حد تعبير أحد المحللين (لأن الأصول الإسلامية لم تكن مكتوبة في ذلك الزمان وكانت على شكل خامات عامة لم تعاد صياغتها؛ مما نجم عنه أن شخصاً مثل الشيخ فضل الله النوري لم يحر جواباً أمام حملات الإعلام الغربي والغزو الثقافي الأجنبي، ولم يزد -في هذا الشأن- على القول: إن الحكومة يجب أن تكون مشروعة، وللفقهاء والعلماء فقط الحق في إدارة شؤون الدولة والمرجعية العليا، لهداية الأمة في زمن الغيبة الكبرى للإمام المنتظر(عج).. ولا يخفى أن هذه المقولة تعبر عن الأصالة في الفكر ولها معان كثيرة، ولكن لافتقارها إلى برنامج تفصيلي واضح الأبعاد فهي لم تستطع إقناع الجيل الذي قام بالثورة والنهضة) (1).

وجوب البرمجة التفصيلية..

إن ما يميز قادة النهضة الإسلامية في العصر الجديد عن غيرهم من القادة المسلمين في النهضات القديمة، هو اهتمامهم بصورة أساسية بالتنظير وطرح البرامج التفصيلية للنظريات الإسلامية فيما يتعلق بالمستجدات واستحقاقات العصر الحديث.

وبإلقاء نظرة إجمالية على تأليفات وكتابات علماء الدين في النهضة الإسلامية الحديثة، من أمثال الشهيد مطهري والشهيد بهشتي وغيرهم، تبدو هذه الحقيقة واضحة للعيان، فقد استطاع هؤلاء المفكرون الإسلاميون وأمثالهم، عبر اتساقهم مع مطالب العصر، أن ينافسوا سائر المدارس الفكرية، ويطرحوا أفكارهم بصورة مبرمجة، فيما يتعلق بقضايا المجتمع الإسلامي، الحكومة الدينية، علاقات الدولة والأمة، الحقوق الأساسية للشعب، السياسة الداخلية، العلاقات الدولية، وغيرها من القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة.

والمرحوم الإمام الشيرازي الذي رحل إلى ربّه مؤخراً، هو من أبرز أولئك المفكرين الذين فهموا روح العصر، وأدركوا ضرورة ذلك، وألفوا في هذا المجال.

حياة الإمام الشيرازي (قدس سره)..

ولد الإمام الشيرازي عام 1927م في مدينة النجف الأشرف، وتربى في بيت العلم والفضيلة، في مدينة كربلاء المقدسة. أبوه آية الله العظمى السيد الميرزا مهدي الشيرازي وهو ابن آية الله العظمى المجدد السيد محمد تقي الشيرازي (قدس سره). تتلمذ الإمام الراحل على يد المراجع العظام من أمثال والده الميرزا مهدي الشيرازي، وآية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني، ووصل إلى درجة الاجتهاد العالية.

وكان آية الله العظمى السيد عبد الهادي الشيرازي أول المراجع الذين أجازوا اجتهاده. تربع (قدس سره) على كرسي الزعامة الدينية والمرجعية الشيعية في كربلاء، بعد رحيل والده الميرزا مهدي الشيرازي. هاجر من العراق بعد نضاله الدؤوب ضد النظام الاستبدادي هناك إلى الكويت، وبسبب التهديدات بالقتل التي تلقاها من أجهزة النظام هاجر من الكويت إلى مدينة قم المقدسة، بعد عشر سنوات من الإقامة في دولة الكويت، فتشرفت الحوزة العلمية في قم بوجوده الشريف، وصار منبع نور وهداية للحلقات العلمية والدينية، حتى وافاه الأجل في الثاني من شوال عام 1422هـ، فانتقل إلى جوار ربه راضياً بقضائه وقدره مرضياً.. فسلام عليه يوم ولد ويوم عاش مجاهداً صابراً محتسباً لا تأخذه في الله لومة لائم، ويوم صعدت روحه إلى السماء.

المرجعية هي الإدارة..

يقال أنه بعد رحيل المرحوم الشيخ الأنصاري عام 1281هـ كان هناك ثلاثة مرشحين، من أكابر فقهاء الشيعة، لخلافته وتسنم مقام المرجعية العليا، وهم آية الله فاضل شربياني، آية الله الممقاني، وآية الله الميرزا الشيرازي. وكان هؤلاء الثلاثة يتميزون بالفضيلة والعلم، وقد نالوا مرتبة الاجتهاد، إلا أن المرحوم الميرزا الشيرازي كان يتميز، بالإضافة إلى العلمية والتقوى، بخصوصية ذاتية وقدرة على إدارة المجتمع. وبعد أن تسنم منصب الزعامة الدينية ومرجعية الشيعة العليا، قال في معرض تقييمه للمرجعية الدينية جملته القصيرة والشهيرة: (المرجعية هي الإدارة). نعم.. هذه العبارة القصيرة تعكس واقع حال المرجعية بدقة متناهية (فالمرجعية... إدارة مطلقة)، والإدارة ليست علماً أو معرفة يمكن اكتسابها، والحصول عليها بالدراسة، بل هي فن يتأتى من الممارسة المستمرة والتجارب، وبالاطلاع على مختلف الأجواء، والتعامل مع فئات المجتمع المتنوعة، والتعرف على لغاتها ونفسياتها ورتبها الاجتماعية، بخصوصياتها الثقافية... وهذه الملكة لا يمكن لأي شخص كان أن يدعيها أو يتمشدق بها، حتى لو كان علاّمة زمانه في العلوم الأكاديمية، ولكنها تحتاج إلى الرجل العملي الذي يمتاز بهذا الفن الإداري.

هذه المواصفات تنطبق تماماً على آية الله العظمى السيد محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي، مثله في ذلك مثل جده المجدد الكبير الشيرازي الذي كان يتمتع بصفات الفضيلة، وفن الإدارة، وكفاءة متميزة في إدارة الأمور، ونشاط جمّ في مجالات متنوعة، وخبرة في العلاقات الدولية، فضلاً عن ميادين أخرى...

ويمكننا الآن أن نتطرق بصورة موجزة إلى مجمل نشاطات الإمام الراحل (قدس سره) في المجالات العلمية، والفكرية والاجتماعية والثقافية.

1- دائرة معارف الفقه الإسلامي:

لقد تصدى الكثير من علماء الشيعة، كل على انفراد، وكل في مجاله العلمي الخاص، لتأليف الموسوعات العلمية في التاريخ، أو الرجال، الحديث، الفقه، وغيرها، فألف العلامة السيد محسن الأمين دائرة معارف (أعيان الشيعة)، والعلامة الأميني موسوعة (الغدير)، وآية الله الخوئي (معجم رجال الحديث)، وصاحب الجواهر (جواهر الكلام)... وغيرهم... إلا أنه لا يوجد من بين علماء الشيعة من كتب في جميع مجالات الفقه بفروعه وأبوابه، وجميع البحوث الإسلامية الأخرى، سوى آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، وفي نظرة سريعة إلى مؤلفاته، يتبين مدى اطلاع وقدرة هذا العالم الكبير على التأليف، وطول باعه في جميع المجالات العلمية المختلفة. فلقد بلغت موسوعته الفقهية أو ما يطلق عليها دائرة المعارف الفقهية الإسلامية فقط 150 مجلداً، طبع منها 120 مجلداً، ولا يزال 30 مجلداً آخر محفوظاً.

علم الفقه.. ومقتضيات العصر:

ما يشغل بال المثقفين والمفكرين اليوم، هو هذا السؤال الملح: هل يمكن للفقه المتداول اليوم في الحوزات العلمية (الفقه التراثي) أن يجيب على جميع أسئلة العصر الحديث؟ وهل يستطيع علم الفقه أن يقدم جواباً دينياً مقنعاً على جميع الأسئلة التي برزت إلى السطح، بعد التطور العلمي والتكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم؟!

تطرح في سائر أنحاء العالم اليوم، بعد أن أصبحت الدنيا قرية واحدة، من جراء تطور الاتصالات، والعلاقات الدولية، مسائل لم تكن تخطر على بال أحد من المفكرين والعلماء؛ فهل يستطيع الفقه المتداول بآلياته الاجتهادية المعهودة أن يجيب على كل هذه الاستفسارات والأسئلة التي تثار هنا وهناك؟!

ولكن يبدو من النظرة الأولى في قائمة الكتب وتأليفات الإمام الشيرازي الفقهية أنه كان محيطاً بهذه التحولات والتطورات الزمانية، وقد أجاب عن أسئلتها الملحة في باب الفقه: الاجتماع، السياسة، الاقتصاد، الإعلام، الحريات، المرور، البيئة، وما شابهها من عناوين.

فإذا كان الفقهاء يدعون أنهم قادرون على إدارة المجتمعات المعاصرة، بكافة أبعادها، فعليهم أن يدركوا ضرورة تناول مثل هذه المواضيع بالبحث والتنقيب وتقديم الحلول الفقهية اللازمة لها فيما يتطابق وحاجات العصر الحديث ومتطلباته.

2- معرفة التاريخ الإسلامي المعاصر:

كان القليل من العلماء المسلمين ومراجع التقليد، يهتم بالتاريخ الإسلامي، وخاصة بالتاريخ المعاصر للعالم الإسلامي، بالإضافة إلى الأمور الإسلامية والدينية؛ لذلك كان الإمام الشيرازي (قدس سره) نادرة المراجع الكبار، ممن أولى هذه القضية ودراستها اهتماماً كبيراً. والحقيقة أن أي عالم فقيه يتطلع لقيادة الأمة الإسلامية، يجب أن يطالع التاريخ عموماً، والتاريخ الإسلامي بصورة خاصة، ليقف على مؤامرات المستعمرين، وكذلك على مصير تجارب الدول الإسلامية على مدى التاريخ، حتى يمكنه أن يقوّم وضع العالم الإسلامي، ويعرف أين يقف من المرجعية العليا ومهامها التي يتصدى لها؛ لذا فعلى من يدعي قيادة الأمة، ويلعب دور المصلح والقائد الاجتماعي والسياسي، ويطرح نظرياته في هذا المجال - عليه أن يكون مطلعاً على تاريخ العالم ويفهم الحوادث السياسية في العالم المعاصر..

فعندما كان جواهر لال نهرو والمهاتما غاندي يقودان النهضة الاستقلالية للشعب الهندي ضد الاستعمار الإنجليزي، كتب الأول من سجنه في مدينة (الله آباد)، الذي كان يسيطر عليه الإنجليز، تاريخ العالم على شكل رسائل متوالية يبعثها إلى بنته أنديرا غاندي التي أصبحت فيما بعد رئيسة لوزراء الهند، وكانت امرأة بمستوى أداء المسؤولية وقيادة الهند. هذه الرسائل أصبحت بمرور الزمن كتاباً يحمل عنوان (نظرة إلى تاريخ العالم) يقع في ثلاثة مجلدات، قام بنشره محمود تفضلي في إيران.

وهكذا فإن الإمام الشيرازي (قدس سره) يُعدّ أول مرجع دين شيعي معاصر، كتب وحقق وبحث في التاريخ الإسلامي المعاصر، وفي أوضاع المسلمين في شتى بقاع الأرض، فكانت سلسلة كتبه التي تحمل عناوين (تلخيص تاريخ الإمبراطورية العثمانية - أربعة مجلدات -)، و(نظرة في الحضارة الإسلامية)، (تدويل البلاد الإسلامية)، (هؤلاء اليهود)، خير شاهد على ذلك.

السياسي اللامع

يعتقد علماء السياسة أن السياسة فن وممارسة، قبل أن تكون علماً نظرياً، والسياسي هو ذلك الشخص الذي حنكته الحوادث السياسية والاجتماعية العاصفة، ومارس التجربة الاجتماعية في سوح النضال السياسي والفكري، وذاق مرارة الحياة وحلوها، واستطاع أن يتقلب في تضاريس الحياة صعوداً ونزولاً بمهارة بالغة وديبلوماسية خاصة؛ ويمكنه أن يصل إلى أهدافه التي خطط لها واحداً تلو الآخر.

فإذا أردنا أن نقيّم الإمام الشيرازي طبقاً لهذا التعريف، فسيكون -قطعا- أحد أبرز المتبحرين في علم السياسة الحديث، لأنه قد أفنى معظم حياته وعمره الشريف في ميادين النضال ضد أعتى وأشرس نظام عرفه التاريخ المعاصر، ألا وهو نظام الحكم في العراق. وكان بعد استشهاد أخيه آية الله السيد حسن الشيرازي (قدس سره) قد وظف قلمه وبيانه للجهاد ضد النظام الاستبدادي في العراق، وواكب حركة جميع المجاهدين في النهضة الإسلامية، دون أن يعتريه التعب والنصب.

فإذا عرّفناه بأنه (الباعث على النهضة)، فذلك راجع إلى كونه مفكراً إسلامياً عصرياً استطاع أن يطرح في كتبه المفاهيم الإسلامية التي طواها النسيان، عبر تحليل عصري وموضوعي، وأحيا بقلمه الجذاب جميع تلك الأفكار الإسلامية، باعثاً فيها الحافز على تعبئة الجماهير الإسلامية لتأسيس المجتمع الإسلامي، والعودة إلى الذات، وإلى الأصالة المفقودة أو التي تزعزعت إلى حد كبير.

وبمرور سريع على كتابه القيم في هذا المجال، والذي يحمل عنوان (السبيل إلى إنهاض المسلمين) تبرز هذه الحقيقة بصورة جلية. يتطرق سماحة الإمام الراحل في كتابه هذا إلى النظم والأحزاب والتنظيمات، ويدعو إلى إحياء الثقافة الإسلامية بين المسلمين، قبل أن يسبقهم ويغزوهم غيرهم من المستعمرين، ويتناول أسس بناء المجتمع الإسلامي، والسبل الكفيلة بذلك؛ وعلى رأسها روح الأخوة الإسلامية والمساواة والمحبة والإخلاص، ويتعرض إلى تنظيم المجتمع الإسلامي، ودور التنظيمات، وتأسيس الأحزاب الإسلامية، وظروف ومقارنات ومقدمات الأحزاب السليمة، كما يدعو إلى الشورى والتشاور مع تمايز الأفكار والآراء، وإلى التعاون والتضامن وتوظيف المخزون الضخم للمسلمين بصورة واسعة، وخلق الأرضية المناسبة لتأسيس المجتمع المثالي.

وفي الخاتمة يطرح نماذج وأمثلة من الحكومات التي كانت قائمة في صدر الإسلام.

هذا، وتتطلب دراسة ومعرفة أفكار ونظريات الإمام الشيرازي (قدس سره) مجالاً كبيراً، لكي يتسنى دراسة وقراءة كتاباته الاجتماعية والثقافية والسياسية، وتحليلها واستخلاص الأفكار وعرضها على المجتمع. ومن المناسب في هذه المقالة أن نشير إلى أهم أفكاره في هذا الصدد إشارة سريعة.

مفهوم الأمة الواحدة..

يؤكد آية الله العظمى السيد الشيرازي أنه إذا كانت الآيات القرآنية تأتي بصيغة الإخبار في موضوع معين، مثل (وهذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) فهي إنما تعني مطالبة المسلمين بتحقيق ذلك بصورة القطع واليقين، وبذلك يصبح تشكيل الأمة الإسلامية الواحدة المتألفة من جميع الأعراق والقوميات، من الواجبات الإسلامية الملقاة على عاتق الفرد المسلم.

فإذا طرح السؤال: وكيف يمكن ذلك، وما هي السبل إلى تحقيقه؟!

يضرب الإمام (قدس سره) مثالين على ذلك من واقع بعض الدول الآسيوية، كالهند والصين، فيقول: أليس المجتمع الهندي يحوي على قوميات متنوعة، ولغات مختلفة، وولايات كثيرةـ ومع ذلك حققت الدولة الواحدة؟!

فكيف استطاعت هذه القوميات المتباينة تأسيس مجتمع ديمقراطي واحد وحكومة قوية قادرة على إدارة هذه البلاد المترامية الأطراف؟! وهل المجتمع الهندي من الأمم الأوروبية، حتى يدعي البعض بأن الشعوب الشرقية كانت ولما تزل مهداً للاستبداد والديكتاتورية، وليس فيها شيء من الديمقراطية؟!

وكذلك المسلمون فإن بإمكانهم، من منطلق التفاهم والعمل على مفهوم المجتمع المدني فيما بينهم، أن يؤسسوا الأمة الإسلامية المتحدة القائمة على محور الإيمان، وليكون الاتحاد والوحدة رمزاً لانتصارهم وسؤددهم.

ويستدرك قائلاً: تذكروا تلك الأيام التي وقف فيها مراجع الدين الكبار في العراق وإيران سداً واحداً بوجه مؤامرات الإنجليز في قضية التنباك، ولم يسمحوا أن تصبح إيران كالهند مستعمرة من مستعمرات بريطانيا العظمى - آنذاك -. والمثال الآخر من التاريخ القريب، ألم يتحد مراجع الدين في النجف وكربلاء وقم للدفاع عن كيان الإسلام، والوقوف أمام ملك إيران (البهلوي الثاني) بالاعتصامات والاعتراض وتوزيع المنشورات؛ فكسروا شوكة الشاه (الملك) وقدرته (المطلقة)، وبذلك استطاعوا أن يؤسسوا حكومة قائمة على الأسس الدينية وتعاليم الإسلام الحنيف.

فإذا اتحدت الأمة الإسلامية، وأعني بها السنة والشيعة، فإنهم سيتمكنون، بالتفاهم والتسامح الديني، أن يؤسسوا الأمة الواحدة، وبالتالي فإن من الواجب على المسلمين أن يرتقوا بالمستوى الفكري والاجتماعي والسياسي للأمة، لكي تضاهي سائر أمم الدنيا في العالم(2).

الديمقراطية وآراء الشعب..

طبقاً لآراء الإمام الشيرازي (قدس سره) فإن أسس وقواعد الحكومة الإسلامية تقوم على الديمقراطية وآراء الشعب؛ فإذا قامت أية حكومة بتطبيق برامجها دون الرجوع إلى آراء الأمة، فإنها تعتبر متطاولة على الشعب، وفاقدة لمبرر وجودها، بل تكون قد حفرت قبرها بنفسها، وهيأت المقدمات اللازمة لانهيارها وسقوطها.

يقول سماحته (رحمه الله): (من المهم جداً، في الحياة السياسية، أخذ آراء الناس - سلباً وإيجاباً - بنظر الاعتبار؛ فمن جملة مهام الحركات الإسلامية، ومن ثم الدولة الإسلامية، احترام الرأي العام، وعدم التقاطع معه، هذا أولاً، وثانياً تجنب سلوك مسلك مجاف للناس؛ ذلك لأن آراء الشعب تستطيع أن تعالج الثغرات وتسد النواقص، كما يمكنها كسر شوكة الدولة وإضعافها. وإذا لاحظ الناس، في مسيرتهم الاجتماعية، أن الدولة لا تستطيع أن تتناغم مع تطلعاتهم نحو الإصلاح والتجديد، فإنهم سوف ينفصلون عنها، ويسعون لإسقاطها. وبما أن أية دولة لا تتمكن، في حال، من حفظ بقائها، يصبح من الضروري بمكان أن تلزم، في حركتها، جانب الشعب؛ وعليه فإذا أحست (الدولة) بعدم رضا الناس عنها، وجب عليها أن تترك كل ما من شأنه إثارة كراهيتهم، وتأليبهم عليها؛ مما يحتم تصدعها وانهيارها. هذا الموضوع من أهم مصاديق قاعدة الأهم والمهم؛ فمن الطبيعي أن يتقدم (الأهم) على (المهم)، في سائر الشؤون والمهام)(3).

ضرورة تأسيس الأحزاب في المجتمع الإسلامي..

يناقش الإمام الشيرازي ضرورة تأسيس وتشكيل الأحزاب في الدولة الإسلامية، في كتابه (الفقه: السياسة) عبر أكثر من 50 صفحة، فيرى ضرورة وجود التنظيمات السياسية لإدارة الأمور الاجتماعية، ويؤمن بأن المسلمين إذا أرادوا العزة والكرامة والقدرة، وجب عليهم أن ينظموا أنفسهم، وأن يؤسسوا الأحزاب (السليمة).

يصرح الإمام الشيرازي (قدس سره) بهذه الحقيقة في الوقت الذي يرى الكثير من العلماء أن الانتماء إلى الأحزاب أو تأسيسها لا ينسجم ووضع رجال الدين، وليس من شأن علماء الدين الدخول في الأحزاب أو تأسيسها. ولكن الإمام الشيرازي يرى أن الحزب والتنظيم هما من الأمور الطبيعية في الحياة البشرية؛ ذلك لأن البشر يختلفون من الناحية النفسية؛ لذا فكل مجموعة تجد في داخلها نوعاً من الانسجام النفسي والروحي ستكون حزباً بصورة طبيعية، فإذا وظف هذا الميل والانسجام لتكريس الأنانية، والاستفادة من الآخرين في إيجاد الأتباع والمريدين، فسيؤدي إلى نوع من عبادة الذات والفردية في المجتمع، وأما لو كانت المجموعة تشترك اشتراكاً وجدانياً من أجل الشعب والجماعة، فسوف يتحقق الحزب الاجتماعي؛ وعليه فإن الإمام يعلل أصل نشوء الأحزاب هكذا: (وأصل تكون الأحزاب، إنما هو من وجود الفوارق النفسية بين الناس؛ فكل جماعة وأمة وشعب وقبيلة، لا بد وأن يوجد بينهم أناس لهم صفات نفسية متمايزة وكفاءات خاصة، وتلك الصفات تدعو أولئك الأفراد إلى (الأنانية) تارة، وإلى (المشاركة الوجدانية) أخرى، وبذلك يجمع الإنسان حول نفسه جماعة يصبهم في اتجاهه، إما لإشباع رغبته في السيادة والأنانية، وإما لجعلهم خدمة الناس، عبر القيام بحوائجهم، لحسّه بالمشاركة مع الناس في أحزانهم وآلامهم وآمالهم. وهذا ما يصطلح عليه بالمشاركة الوجدانية... )(4).

من هنا وجب على الأحزاب الفعالة والتي تنشط في المجال الاجتماعي أن تتميز بهاتين الخصوصيتين:

1- دراسة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحيطة بالأمة.

2- الإنصاف والتدبير والتسامح والصبر والشورى والواقعية في الرؤية.

قال رسول الله (ص): (إن من مكارم أخلاق الدنيا والآخرة: اللين، والعفو، والسخاء) لذا فمن الضروري جداً للأمة أن تتشكل فيها الأحزاب السليمة النوايا، من أجل توعية المجتمع وتهيئة الأجواء العامة للنهضة الاجتماعية والارتقاء بالأداء السياسي. والأحزاب الصالحة هي أعضاء في جسد الدولة التي تستمد قوتها وأداءها بالمساهمة الفكرية والاجتماعية والتعاون الجاد من قبل هذه الأحزاب، ومن الطبيعي أن يكون في تعدد الاتجاهات والنظريات والأفكار ما يغني الأمة وتطلعاتها، ويكون عاملاً مهماً من عوامل وحدتها الاجتماعية، عن طريق التعاون والمشاركة والمنافسة الإيجابية؛ وهو ما يصطلح عليه (الوحدة في الكثرة).

التعددية السياسية..

من ضروريات المجتمع الديمقراطي والثقافة الإبداعية، وجود الأحزاب الصالحة، والتعددية السياسية؛ فإذا كان في المجتمع حزب واحد حاكم فسيمارس الفردية والديكتاتورية، ويجبر الناس، بدون رضاهم، على السير في برامجه الحزبية؛ مما سينتج عنه اتساع الهوة بين الشعب والحكومة، وستبرز ظاهرة النفاق بين أفراد الأمة، وعدم مراعاة مصالح الدولة.

يشير السيد الإمام (قدس سره) إلى عدة فوائد مهمة في وجود التعددية السياسية وكثرة الأحزاب، منها:

1- تهيئة أجواء الحرية للشعب، لأن كل حزب سينافس الأحزاب الأخرى وستؤدي هذه المنافسة إلى سعي جميع الأحزاب لتنظيم وضعها الداخلي، من أجل تقديم أفضل الخدمات للأمة، وستضع برامجها بشكل يسمح لها بدخول ساحة المنافسة بغية اغتنام الفرصة من المنافسين؛ وهذا ما سيمنح الشعب الحرية الواسعة بحيث لا يمكن لأحد في هذا الإطار القانوني أن يضغط على الأمة، ويحملها ما لا تريد باسم القانون.

2- سيحقق الناس في ظل التعددية السياسية وكثرة الأحزاب أهدافهم ومراميهم؛ فكل حزب يسعى لأن يظهر نفسه كخادم لأهداف الأمة، وحريص أكثر من غيره لتحقيق هذه الأهداف، مما سيساعد على نمو الكفاءات وانطلاقها، وخلق الأجواء لنمو وظهور الإبداعات الإنسانية، وهذا سيؤدي بدوره إلى التطور في مقاومة الظلم والتعدي وكافة صور الاستبداد الأخرى.

ومن المؤكد أن وجود الحزب الواحد المقتدر والمتسلط هو نوع من أنواع الديكتاتورية البغيضة، ومن جانب آخر فإن كثرة الأحزاب - كيفما اتفق - سيؤدي إلى الهرج، والتشوش، وضياع النظام العام في المجتمع. والحل يكمن فقط في النظام التعددي السياسي الحزبي الذي يفتح المجال للتنافس الإيجابي بين الأحزاب، ويهيئ الأوضاع لإجراء انتخابات حرة نزيهة يشترك فيها أبناء الشعب بصورة إيجابية. وفي حالة فوز أي حزب أو مرشح، فستتوقف هذه المنافسة الحرة الشريفة، دون أن يورث ذلك أي شكل من أشكال الحقد أو الضغينة في نفوس الأحزاب الأخرى. وعندها ستشارك الأحزاب الأخرى في إدارة أمور البلاد، وتنتظر الفرصة الأخرى في الانتخابات القادمة، بغية المشاركة في السلطة. وهكذا ستتولد أجواء المنافسة الصحية في المجتمع.

الأحزاب والبرامج الإصلاحية..

تصبح الأحزاب السياسية، بصورة طبيعية، جزءاً من مؤسسات الدولة لتحقيق التقدم والرفاه، وحل المشاكل التي تواجهها، مثل التضخم وسائر المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الأخرى التي تعصف عادة بالمجتمعات؛ ذلك لأن هذه الأحزاب لديها برامج إصلاحية، وكل حزب يوظف العقول المفكرة من الاخصائيين في مختلف أنواع العلوم والفنون، وخاصة تلك الأحزاب التي تتمتع بشعبية واسعة في أوساط الأمة؛ لذلك ستتمكن الأحزاب السياسية، عبر توفر أجواء النقد والحرية التي تتماشى مع أهداف الأمة الإسلامية، من أن تطرح الحلول الناجعة لمشاكل الأمة وإدارة البلاد(5).

التسامح في الإسلام..

يفرد آية الله العظمى الإمام الشيرازي (قدس سره) ما يقارب 20 صفحة من كتابه (الدولة الإسلامية) للتحدث عن التسامح ومداراة الناس في الإسلام، باعتباره أحد الممارسات السياسية الداخلية في الدولة الإسلامية على صعيد علاقتها بالمواطنين، وحتى مع الجاليات الأجنبية القاطنة في الدولة الإسلامية.

ومن أهم الأساليب التي يجب على الدولة الإسلامية اتباعها مع مواطنيها هو التعامل بالتسامح والمداراة واللطف والمحبة والسلام والقيام على خدمتها. هذا الأسلوب في التعامل لا يقتصر على المواطنين فقط، بل من حق الأجانب أيضاً أن يتمتعوا بهذا النوع من التعامل، لأن الرسول الأكرم (ص) كان يتعامل مع الجميع بهذا الأسلوب.

وفي الحقيقة أن من صلب واجبات الدولة الإسلامية، هداية وإرشاد وخدمة المواطنين طبقاً لأحكام القرآن والسنة المطهرة، وليس هناك واجب غير ذلك. ومن جملة آداب الإسلام: (العفو، التسامح ومدارة وهداية ودعوة الناس بأفضل أسلوب (ادفع باللتي هي أحسن) وقال رسول الله: أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض)(6).

ألم يكن شعار جميع الأديان السماوية، تذكير الغافلين، وتعليم الجاهلين، واحتضان الجميع لهدايتهم إلى الصراط المستقيم، وهل يمكن ذلك إلا عن طريق شمولهم بالمحبة، والتعامل معهم باللطف، وليس بالقسوة، والخشونة والبغضاء، كما يقول الشاعر سعدي الشيرازي:

إذا لم تلاطف العبد فسينأى بعيداً وباللطف يصبح الأحرار لك عبيداً

وما أسهل التعامل بخشونة وبأخلاق سيئة ليطرد الداعية الإسلامي عنه الأتباع، كما أن بهذه الطريقة من التعامل يمكن إلحاق الأذى بعالم بأسره، وبالمقابل فمن اليسير كسب الأصدقاء بالأخلاق الحسنة، والتعامل بالرفق واللين، وحفظ عهد الصداقة، ورعاية مثلها العليا.

ألم يصدر رسول الله (ص) عفوه العام عن المشركين، بعد فتح مكة، بل حتى عن أعدائه اللدودين من أمثال أبي سفيان، فما بال أولئك الذين يمارسون القسوة في السلوك والتعامل مع الناس، أفهل يرون أنفسهم أفضل من رسول الله (ص)، حتى يتعاملوا مع الناس على أنهم أعداء، وبدلاً من أن يكسبوهم إلى جانبهم بالمحبة والعفو والتسامح راحوا يبثون العداوات ويثيرون الأحقاد بين الناس؟!

فمن الظلم وعدم الإنصاف أن تعقد أمة كل آمالها على نظام معين، وتضع كل ثقتها في رموزه، بينما يسلك القائمون عليه سلوكاً بعيداً عن الأخلاق، وغريباً عن سلوك العقلاء.

الحرية في الإسلام..

كانت المناداة بالحرية شعار جميع رواد النهضات التحررية والمصلحين الاجتماعيين الذين رفعوه لحفظ كرامة بني البشر وتكريم الحرية التي منحها الله لهم.

ويمكن القول بأن جوهر وحقيقة الإنسان تتلخص بكلمة واحدة هي (الحرية)؛ فهي سر الاستخلاف الإلهي للإنسان، وفيها يكمن سر الإبداع والانطلاق. وهل يمكن أن نكتشف هذا السر بدون السماح لشعاع (الحرية) بالنفوذ؟! ذلك لأن الاستبداد والقسر والضغط يقضي على الفطرة البشرية، ويخلق حالة من ضياع الذات، ويقتلها في داخل الإنسان، ويستبدل الكرامة الإنسانية بالعبودية. وهذا من الذنوب التي لا يمكن أن تغتفر للإنسان الذي يستعبد نوعه الإنساني، باسم الدين والمذهب.

يتطرق الإمام الشيرازي (قدس سره) في كتابه (الحريات) إلى 157 نوعاً من الحريات التي ضمنها الإسلام للإنسان ويبحث في جميع أقسامها بالتفصيل، ويرى (حق الحرية) بيت القصيد في مشروع النهضة الإسلامية(7).

وخلاصة البحث أن قراءة أفكار الإمام الراحل (قدس سره)، وإعادة كتابتها، تتطلب مزيداً من الوقت والتفرغ حتى يتسنى التقاط تلكم الدرر، واستلال الكثير مما لم يقرأ فيما بين السطور، ولكن يمكن القول على نحو القطع واليقين بأن الإمام الشيرازي (قدس سره) كان يتميز عن باقي علماء الإسلام، بقراءته الدقيقة للمستقبل، ووضوح الرؤية، وحسن الإدارة، فضلاً عن فكر وقاد ونظرية وبرنامج منظم. وقد كتب في كل موضوع بحوثاً كبيرة، وله نظرته في جميع الحوادث الاجتماعية والسياسة التي تدور في عالم اليوم، وله أيضاً معالجات ومناقشات تنير الدرب لمخاطبيه.

كان (قدس سره) واسع الاطلاع على جميع النشريات والمطبوعات في العالم، يعرف مؤامرات الأعداء، وكان يطرح الإسلام بصفته العالمية ويقرأه كذلك؛ ولذلك كان مجال نشاطه التبليغي يشمل جميع أرجاء المعمورة، فله حوزة علمية في الهند، ومراكز إسلامية في أمريكا وأوروبا، ناهيك عن الدول الإسلامية؛ ففي كل مدينة ومقاطعة ترك أثراً لا يندرس.. والأهم من كل ذلك خصوصياته الأخلاقية، تواضعه الجم، طريقة تعامله مع الناس، والبساطة في حياته التي كان يواسي بها المستضعفين، وسلوكه الذي يعلّم الناس الكثير من دروس الأخلاق.

وبالجملة، فإن لطافة سلوكه وتواضعه، تعيد إلى ذهن من يتعرف عليه لأول مرة، سماحة النبي الأكرم (ص)، ولقد رأيت بأم عيني كيف كان يستقر حبه في قلوب المؤمنين؛ ففي تشييع جثمانه الطاهر، رأيت كيف بكته الدنيا، وسكبت الدموع على فراقه؛ مما يدل على ما يكنه له الناس من احترام وحب كبيرين.

والذي يمكنني أن أقوله عن الإمام الشيرازي (قدس سره) في كلمة واحدة، هي تلك الجملة التي ابتدأت بها هذا المقال: (الشيرازي.. مرجع بحجم التحديات المعاصرة).

أعزي العالم الإسلامي بفقدان هذا العالم الكبير... تغمده الله بواسع رحمته وجعل مثواه الجنة.

* مقال نشر في مجلة النبأ العدد 66-محرم 1423/نيسان 2002، في ملف خاص صدر بمناسبة مئة يوم على رحيل الامام السيد محمد الشيرازي

........................................
الهوامش:
(1) محمد حسين واثقي (المطهري... المصلح الواعي) ص230، إصدارات صدرا. طهران 1378هـ.ش/ 1996م.
(2) آية الله العظمى الشيرازي (قدس سره): الدولة الإسلامية ص10 - مؤسسة أنصار الحسين الثقافية - طهران - 1992.
(3) آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره): الدولة الإسلامية، ص224.
(4) آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي(قدس سره): السياسة، ج2، ص99.
(5) آية الله العظمى السيد الشيرازي (قدس سره): الفقه: السياسة ص365.
(6) آية الله العظمة السيد الحسيني الشيرازي (قدس سره): الدولة الإسلامية - ص272.
(7) آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره): الفقه - السياسة ص455 - 480.

اضف تعليق