اقتصاد - تنمية

خلق فرص العمل في المنطقة العربية

تسجل أعلى مستوى بطالة في العالم

يكشف التقرير عن واقع عدم قدرة سوق العمل في المنطقة، وبالأخص القطاع النظامي، على خلق فرص عمل عادلة وكافية، ويظهر الأعداد المرتفعة للعاملين في القطاع غير النظامي، التي تبلغ حوالي ثلثي إجمالي اليد العاملة العربية، جراء التغيرات الديمغرافية وعدم الاستقرار السياسي وتراجع الاستقرار المالي والنقدي...

بلغ عدد الأفراد العاطلين عن العمل في المنطقة العربية 14.3 مليون، مسجلة بذلك أعلى مستوى بطالة في العالم، لا سيما بين النساء والشباب، بحسب تقرير مشترك للإسكوا ومنظمة العمل الدولية.

هذا بحسب تقرير صدر اليوم بعنوان "نحو مسار منتج وشامل للجميع: إيجاد فرص عمل في المنطقة العربية" عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) والمكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدولية.

ويكشف التقرير عن واقع عدم قدرة سوق العمل في المنطقة، وبالأخص القطاع النظامي، على خلق فرص عمل عادلة وكافية، ويظهر الأعداد المرتفعة للعاملين في القطاع غير النظامي، التي تبلغ حوالي ثلثي إجمالي اليد العاملة العربية، جراء التغيرات الديمغرافية وعدم الاستقرار السياسي وتراجع الاستقرار المالي والنقدي.

وسلطت الأمينة التنفيذية للإسكوا، رولا دشتي، الضوء على عدم المساواة بين الجنسين في أسواق العمل العربية الذي يتجلى بشكل خاص في انخفاض حصة النساء كرائدات أعمال، وفي ندرة المناصب الإدارية العليا التي يشغلنها بشكل عام.

وقالت: "كل أزمة تمهد لفرصة. لذلك، يجب التغلب على التحديات الحالية والمضي قدما بشكل أفضل عبر الحرص على أن توفر أسواق العمل العربية في المستقبل الرخاء لأجيالها الشابة، وحماية شعوبها من الفقر والحد من أوجه عدم المساواة."

وشددت على ضرورة التصدي للتصورات الاجتماعية الثقافية والتمييزية السائدة من أجل تعزيز قدرة المرأة العاملة على التنقل في حياتها المهنية والاستفادة من مستواها التعليمي المتقدم.

وأوضحت ربا جرادات، المديرة الإقليمية للدول العربية في منظمة العمل الدولية أن جائحة كـوفيد-19 سلطت الضوء على ضرورة معالجة أوجه العجز الموجودة في سوق العمل في المنطقة قبل الجائحة، لاسيّما تلك التي تؤثر على العمال الأكثر ضعفا وتهميشا.

وقالت: "كان تأثير الأزمة مدمرا بشكل خاص على الشباب والأشخاص ذوي الإعاقة والنساء والعاملين في القطاع غير الرسمي والمهاجرين واللاجئين."

وأشارت إلى أهمية بمكان تطوير خارطة طريق عملية لتعزيز التعافي الذي يركز على الإنسان، ولبناء مستقبل أفضل يوفر الأمن الاقتصادي وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.

بحسب التقرير، فإن عدد الأفراد العاملين في قطاعات حددت بأنها الأكثر عرضة للمخاطر، كالصناعة والضيافة والعقارات والأعمال والأنشطة الإدارية، يبلغ 39.8 مليون شخص يواجهون خطر التسريح أو تخفيض الأجر و/أو ساعات العمل بسبب الجائحة.

بالإضافة إلى ذلك، شكلت الصراعات والاضطرابات السياسية في المنطقة عقبة أساسية تعيق أداء الشركات، خاصة أنها تؤثر على ثقة المستثمرين والمستهلكين على حد سواء، وتحد بالتالي من الاستثمار والاستهلاك.

ويقدم التقرير إرشادات لصانعي السياسات، للمساعدة في خلق فرص عمل مستدامة، لا سيما في القطاع النظامي، وتطوير هذا القطاع ليصبح المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي وخلق فرص عمل لائقة في المنطقة.

وقالت ربا جرادات: "من خلال المزيج الصحيح من السياسات، وأطر التنسيق الصحيحة، والمشاركة الفعالة لممثلي العمال وأصحاب العمل، يمكننا ضمان التعافي الناجح والانتقال الفعال نحو مستقبل عمل أكثر شمولا."

ملخص

يعاني سكان المنطقة العربية الذين هم في سن العمل من جمود من حيث المشاركة في القوى العاملة ومن ارتفاع في مستويات البطالة ومن محدودية في إيجاد فرص عمل مستدامة وشاملة. وحتى قبل تفشي جائحة كوفيد-19، كان عدد العاطلين عن عمل في المنطقة أكثر من 14 مليون. ومن المتوقع أن تزيد الجائحة من صعوبة إيجاد فرص عمل، فتزيد من الضغوط على واضعي السياسات ليجدوا استراتيجيات أكثر فعالية على الأمد القصير ويبذلوا جهود ًا أكبر في موضوع التحول الهيكلي على المديين المتوسط والطويل.

وإدراكًا لأهمية ضمان توفير فرص عمل أكثر إنصافًا واستدامة، اشتركت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) والمكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدولية في دراسة الأسباب الكامنة وراء الفشل المتوطن في الاقتصادات العربية في خلق فرص عمل كافية. تر ّكز هذه الدراسة المشتركة على الدور المحدود للقطاع الخاص الرسمي في خلق فرص العمل، وتسلط الضوء على أوجه القصور في سوق العمل في المنطقة العربية. لذا، يعتبر التضامن بين بلدان المنطقة أمرًا لا غنى عنه إذا ما أرادت التعافي من آثار الجائحة، وتعزيز النشاط الاقتصادي، وخلق فرص عمل لائقة كافية.

المقدمة

بدا الأداء التنموي في المنطقة العربية جيدا خلال العقود الأربعة السابقة لعام 2010، مع ارتفاع مطرد في متوسط العمر المتوقع ومتوسط سنوات التعليم، وبخاصة بين الشباب والنساء. ومع ذلك، ظلت مستويات العمالة متخّلفة. وفي العقود الثلاثة الماضية، زادت نسبة السكان في سن العمل في المنطقة العربية بنسبة 17 في المائة، في حين زادت نسبة العمالة إلى السكان بنسبة تقل عن 1 في المائة، مسجلة أدنى مستوى لاستحداث فرص العمل بين المناطق في الفترة نفسها. وفي الوقت نفسه، فإن معظم فرص العمل استحدثت في القطاع الخاص غير النظامي وفي القطاع العام. لذا، تتطلب الفجوة بين السكان الذين هم في سن العمل والوظائف المستحدثة إعادة النظر في نموذج التنمية الذي ساد في المنطقة منذ تسعينات القرن الماضي. وقد تضمنت التحاليل الإقليمية، لا سيما تقرير التنمية الإنسانية العربية الأول لعام 2002 وتقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009 أربع وقائع شاملة ً تشكل أساسا للسؤال الرئيس الذي يعالجه هذا التقرير، وهي لماذا لا يخلق القطاع الخاص النظامي في المنطقة العربية فرص عمل لائقة وشاملة بما فيه الكفاية. أما الوقائع فهي على الشكل التالي:

• رواية الاقتصاد السياسي السائدة التي تزعم أن الدول العربية صرفت بانتظام الإعانات والمساعدات الريعية على المنتخبين مقابل القليل من المساءلة في السياسة العامة أو حتى في غياب تام للمساءلة: كثير من الأحيان، بتشكيل اقتصادات ريعية وذات إنتاجية منخفضة مع عجز كبير في مشاركة الشباب والمساواة بين الجنسين، وقطاع غير نظامي واسع، ترتبط هذه الصفقة الاستبدادية، كما يشار إليها في كثير من الأحيان، بتشكيل اقتصادات ريعية وذات إنتاجية منخفضة مع عجز كبير في مشاركة الشباب والمساواة بين الجنسين، وقطاع غير نظامي واسع، ودور محدود للقطاع الخاص النظامي، لاسيما في مجال استحداث فرص العمل.

• تقدم كبير في مجال التنمية البشرية على مستوى المؤشرات الرئيسة للصحة والتعليم، مما جعل المنطقة تتمتع بقوى عاملة أكثر تعليما وشبابا: ومع ذلك، وعلى الرغم من معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي المرتفعة نسبيًا من عام 1990 إلى عام 2010، لم ُتتح فرص العمالة المنتجة اللائقة الكلية. فقد جرى استحداث فرص العمل أساسا في الإنتاج غير النظامي المنخفض القيمة المضافة كما في القطاع العام، مما زاد أيضًا من الاستقطاب السياسي. ونتيجة لذلك، ركدت إنتاجية العمل الكلية والأجور الحقيقية وانخفضت على مستوى قيمتها الحقيقية. وقد أدى ذلك إلى حرمان قطاعات واسعة من الشباب العربي، ولا سيما أولئك الذين لديهم مؤهلات تعليمية عليا. وكما هو متوقع، انجرت أقلية إلى التطرف والنزاعات.

• انخفاض معّدل شمول النساء: كما أبرزت منظمة العمل الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2012، فإن الفرق الرئيس بين ملامح العمل في المنطقة وغيرها هو نسبة المشاركة الشديدة الانخفاض للمرأة، الذي، كما يقول التقرير، هو عدم كفاية الوظائف التي تنتجها الاقتصادات العربية، والقيود البنيوّية وديناميات الجنسين التي تميز ضد المرأة. ويشير التقرير، الذي تعّمق في الأسباب الجذرية لهذا العجز، إلى حالات العجز في النمو الشامل والتحول البنيوي المرتبط بممارسات الحوكمة والعقود الاجتماعية وسياسات الاقتصاد الكلي التي أدت إلى نتائج ضعيفة في مجال الشمول.

• النقاش الإقليمي حول حجم القطاع العام في مجال العمالة الذي قد يغلب العمالة النظامية في القطاع الخاص: مع الاعتراف بعدم وجود طريقة سهلة لتحديد الحجم الأمثل للقطاع العام، فإن التحدي الذي يواجه البلدان العربية ليس قطاعا عاما منتفخا (على الرغم من أن الوضع قد يكون كذلك في بعض البلدان)، ولكن بالأحرى فشل سياسات القطاع العام التي تؤدي إلى تحول وتنويع على المستوى البنيوي الاقتصادي ً بشكل أكثر نجاحا. فيضغط هذا الفشل على حكومات كثيرة، ولا سيما في الاقتصادات الغنية بالنفط، من أجل إيجاد فرص عمل شاملة للجميع في القطاع العام مع فرص عمل محدودة في القطاع الخاص النظامي. وبالتالي يمكن اعتبار قطاع الوظيفة العامة الموسع أثرًا جانبيًا معقولا للعقد الاجتماعي، لاسيما كمكافأة للنخبة التي لديها علاقات سياسية جيدة.

1. العرض من اليد العاملة: قضايا عالقة واستجابة محدودة في السياسات

تشير التقديرات إلى أن المنطقة تحتاج إلى حوالي 33 مليون فرصة عمل لضمان معدل بطالة بنسبة 5 في المائة بحلول عام 2030، من دون احتساب تأثير جائحة كوفيد-19. وإذا كان الهدف هو أيضاً زيادة القوى العاملة النسوية لتتناسب مع مستويات المشاركة المماثلة لتلك التي هي في البلدان المتوسطة الدخل، فإن عدد الوظائف اللازمة قد يصل حتى إلى 65 مليون وظيفة.

بقيت معدلات المشاركة ثابتة بشكل عام منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث زاد معدل مشاركة الإناث فقط بنسبة 1 في المائة ليظل الأدنى في العالم، بنسبة 21 في المائة (مقارنة بـ 74 في المائة للرجال) في عام 2019. وكان هذا على الرغم من أن دخل المنطقة العربية قد زاد بأكثر من الضعف بين عامي 2000 و2019 بالقيمة الحقيقية، ومن أن نسبة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة ارتفعت من 57.7 في المائة إلى 62.3 في المائة من مجموع السكان.

ففي غياب تضافر الجهود للحد من البطالة في المنطقة، من المتوقع أن يرتفع عدد العاطلين عن العمل من 14.3 مليون شخص في عام 2019 إلى 17.2 مليون في عام 2030.

توصيات السياسة:

● إصلاح البرامج التعليمية ووضع سياسات فعالة ونشطة لسوق العمل، ولا سيما بالنسبة للشباب..

● استجابة لأزمة كوفيد-19، وضع سياسات لدعم الشركات والأفراد لتوفير الدخل للفئات الأكثر ضعفاً ودعم استمرارية الأعمال.

● على البلدان العربية التشجيع على إضفاء الطابع النظامي للمزيد من المؤسسات والمشاريع من خلال أطر الاقتصاد الكلي المؤيدة للعمل، ونُظُم ضريبية حسنة التصميم لصالح الفقراء وبرامج حماية اجتماعية شاملة.

2. استحداث فرص العمل في القطاع الخاص النظامي:

عدم مساواة في عوامل الإنتاج مرتفعة، إنتاجية كليّة لعوامل الانتاج منخفضة، وكساد في الطلب على اليد العاملة.

تنخفض حصص الأجور، في المنطقة العربية كلّما كبر حجم الشركة، ويكون للشركة حصة رأسمالية مستقرة نوعاً ما. يمكن تبرير النتائج الواردة في الشكل اعلاه على النحو التالي: تتركز عادة التكنولوجيات الأفضل والحصص الأكبر من السوق بين الشركات الأكبر حجماً، ممّا يجعلها أكثر ربحية وإنتاجية من المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم. وتأكيداً على هذه الحجة، كشفت ملاحظة عن مستوى الابتكار (بوصفه يعطي فكرة غير مباشرة عن التكنولوجيا) في الدول العربية أن الشركات الكبيرة تميل في المتوسط إلى الابتكار أكثر من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم. غير أنه من المثير للدهشة أن يكون التأثير على حصة الأجور أعلى دائماً في حين أن الانخفاض في حصة رأس المال في البلدان العربية يكاد لا يُذكر.

تقيس الانتاجية الكليّة لعوامل الانتاج عادة مستوى الكفاءة في الإنتاج. وتكشف النظرية الاقتصادية أن قيمة أعلى للإنتاجية الكليّة لعوامل الانتاج ترتبط بارتفاع كلّ من رأس المال وإنتاجية اليد العاملة. وتعتبر الانتاجية الكليّة لعوامل الانتاج أيضاً محركاً رئيساً لنمو الشركات وبقائها، وهو أمر حاسم الأهمية بالنسبة للعمالة ونمو الناتج في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، كما سيرد لاحقاً في هذا الفصل. ويبين الرسم البياني أدناه الانتاجية الكليّة لعوامل الانتاج على مستوى الشركات بين بلدان مختارة في جميع أنحاء المنطقة العربية. فبالنسبة للإنتاجية الكليّة لعوامل الانتاج المقدرة، لدى الشركات في معظم الدول العربية معدل إنتاجية كليّة لعوامل الإنتاج مقارنة مع دول لديها نفس متوسط الدخل، بينما يصل لدى أكثر بقليل من 50 في المائة من الشركات في تونس (2013) والأردن (2019) إلى إنتاجية أعلى من الدول الأقران ذات الدخل المتوسط.

في البلدان الأخرى كافة، تسجل الإنتاجية الكلية لعوامل الانتاج في أكثر من 50 في المائة من الشركات معدّلاً أقل مما هو عليه الحال في متوسط الشركات في البلدان ذات الفئات المماثلة من الدخل. وفي عام 2016، كان لدى 65 في المائة تقريباً من الشركات المصرية نسبة أقل من معدلات الشريحة الدنيا من البلدان المتوسطة الدخل. وشهد المغرب أكبر زيادة في عدد الشركات التي تزيد الإنتاجية الكليّة لعوامل الإنتاج عن البلدان التي لديها شرائح دخل مشابهة للمغرب، ومع ذلك يبقى أداء أكثر من 50 في المائة من الشركات لديها الإنتاجية الكليّة لعوامل الإنتاج اقل من الشركات في الدول ذات الدخل المماثل. ويرجع الأداء المتميز للمغرب إلى جهود التحول البنيوي الأخيرة للنهوض بقطاع الصناعات التحويلية الذي تدعمه الاستثمارات الاجنبية المباشرة الأوروبية الكبيرة الموجهة نحو التصنيع. بينما تراجع لبنان بنسبة 7 في المائة تقريباً بسبب التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يواجهها.

وفي الوقت الحاضر، لا تتمتع بعض البلدان بنمو قويّ للعمالة. يعرض الشكل 13 نمو العمالة لفترة زمنية واحدة في معظم البلدان وفترتين زمنيتين لكلّ من مصر والأردن ولبنان والمغرب واليمن. ويكشف الشكل 13 أن البلدان التي تشهد صراعات، باستثناء العراق، وتلك التي تمرّ بمرحلة انتقالية، مثل مصر وتونس، شهدت في المتوسط نمواً أقل من البلدان الأخرى. وما يثير الدهشة هو التراجع الأخير الذي يواجه كلاً من الأردن ولبنان. فقد شهد هذان البلدان انخفاضاً في نمو العمالة في القطاع الخاص، وقد تراجع الأردن بنسبة أكثر من 10 في المائة (أي ما يعادل تقريباً 5 في المائة سنوياً) إلى أقلّ من 7 في المائة (أي ما يعادل تقريباً 3.5 في المائة سنوياً) ولبنان من 7 في المائة (أي ما يعادل تقريباً 3.5 في المائة سنوياً) إلى -2 في المائة (أي ما يعادل تقريباً -1 في المائة سنوياً) بين عامي 2013 و2019. ويعاني هذان البَلَدان من انكماش اقتصادي وهما محاطان ببلدان متأثرة بالصراعات. أما لبنان فيشهد اسوأ ازمة اقتصادية منذ انتهاء حربه الاهلية في 1991

في الواقع، وعلى خلاف ما يحصل في أنحاء العالم كافة، تعتبر مرونة العمالة منخفضة في معظم الدول العربية؛ إشارة إلى أنّ العراق يعاني من مرونة سلبية على مستوى العمل في القطاعات كافة؛ يبقى نمو مبيعات المغرب وحده يولّد المزيد من فرص العمل مع مرونة في القطاعات كافة تقريباً تتجاوز متوسط مرونة البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى في القطاعات نفسها. زادت مرونة المغرب في القطاعات كافة تقريباً، باستثناء قطاع النقل، بين عامي 2013 و2019. واستناداً إلى النتائج المذكورة أعلاه، يمكن استنتاج أن زيادة الناتج القطاعي من شأنه أن يقلل بشكل كبير من البطالة في المغرب. ويبين الجدول 3 أيضاً أن مرونة العمالة في مصر ولبنان قد تراجعت بمرور الوقت، حيث شهدت بعض القطاعات رابطة سلبية بين الناتج الإضافي والعمالة. ففي جميع البلدان العربية عموماً (باستثناء المغرب)، تبلغ مرونة العمالة في معظم القطاعات أقل من 1 (وأقل من 0.5 في قطاعات عديدة)، مما يشير إلى أن زيادة الناتج بنسبة 1 في المائة تؤدي إلى زيادة فرص العمل بأقل من 0.5 في المائة. ومن المثير للاهتمام أيضاً أن نرى أن مرونة العمالة في قطاع الفنادق والمطاعم في لبنان تبلغ 1.1، مما يشير إلى أن زيادة المبيعات بنسبة 1 في المائة ترتبط بانخفاض العمالة بنسبة 1 في المائة.

الاستقرار السياسي، والحصول على التمويل، ومعدلات الضرائب، والكهرباء، والفساد. ومن المهم الإشارة إلى أن معظم هذه الاستطلاعات قد حصلت خلال سنوات الانتفاضات العربية، أي 2011-2016، والتي اتسمت بالاضطرابات السياسية المكثفة والصراعات العنيفة في المنطقة. وتعمل معظم الشركات التي شملتها الدراسة الاستقصائية في بلدان تأثرت إما مباشرة بالاضطرابات السياسية أو بصورة غير مباشرة من خلال الصراعات الإقليمية والآثار غير المباشرة. والواقع أن الصراعات لم تقتصر على الحدود الوطنية، بل أدّت إلى انتشار واسع من عدم الاستقرار السياسي وعدم اليقين. لذلك قد يؤدي عدم الاستقرار السياسي إلى إضعاف أداء الشركات إلى حد كبير عن طريق تعزيز عدم اليقين، وزيادة بعض المخاطر، والتذرع بالسلوك المعادي للمخاطر. ومن ثم فإن انخفاض ثقة المستثمرين والمستهلكين يحدّ من الاستثمار والاستهلاك. لذا، يمكن تفهّم أن عدم الاستقرار السياسي كان العقبة الرئيسة التي أبلغت عنها الشركات التي شملتها الدراسة الاستقصائية خلال هذه الفترة الزمنية.

توصيات السياسة:

● إدخال مجموعات من الحوافز تستهدف على وجه الخصوص المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم من أجل تأمين السيولة للشركات الضعيفة.

● تحديث السياسات التي تدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للحفاظ على نموها.

● تقديم حوافز إضافية للابتكار في القطاع الخاص، مع التركيز على التكنولوجيا المعزِّزة لليد العاملة في الإنتاج. سوف يؤدّي هذا الأمر إلى تكميل رأس المال المستخدم والنهوض بالإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج.

● الحدّ من الجمود في قوانين العمل وأنظمته، والتمتّع بقوة عاملة أكثر مهارة وضمان بيئة أعمال أقوى وأكثر تنافسية لزيادة مرونة العمالة.

● التركيز على تعليم أفضل جودة، وتعميق المهارات وإعادة تعميقها لا سيما بين شريحة المهارات المتوسطة.

● وضع سياسات خاصة بقطاعات محددة تعالج أثر التكنولوجيا على استحداث فرص العمل، بحيث لا ينبغي تعميم أي سياسات بين جميع القطاعات.

● ضمان أن يؤدي قطاع البناء دوراً رئيساً في إيجاد فرص العمل، وأن يمثل مدخلاً مثمراً للمصالحة خلال مرحلة إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع، ولا سيما في بلدان مثل سوريا، العراق واليمن.

3. تأمين فرص عمل للمرأة: القطاعات الواعدة موجودة

ويكشف الشكل أعلاه أنّ المرأة في جميع أنحاء العالم لا تزال تصطدم بعوائق في سوق العمل في القطاع الخاص النظامي؛ وحتى هذه اللحظة، تبدو الفجوة بين الجنسين في الوظائف بدوام كامل أكثر اتّساعاً في المنطقة العربية، حيث يفوق متوسط حصة الذكور 4.5 مرات تقريباً حصة النساء. ويشكّل متوسط حصة المرأة من مجموع الوظائف بدوام كامل في القطاع الخاص النظامي للقطاعات المشمولة بالبحث 18 في المائة في المنطقة العربية، أي حوالي نصف المتوسط العالمي.

يبيّن الشكل اعلاه متوسط حصة المرأة من مجموع العمالة بدوام كامل حسب حجم الشركة، والذي يُحدّد قياساً بالعدد الإجمالي للموظفين. ويسجّل متوسط حصة الإناث في الشركات الكبيرة والمتوسطة مستوى أعلى من مستوياته في الشركات الصغيرة. كما أظهرت عدة دراسات وجود علاقة إيجابية بين حجم الشركة والأجور. وقد يؤدي ارتفاع الأجور والمزايا التي تمنحها الشركات الكبيرة إلى زيادة كلفة الفرص البديلة لعدم الانضمام إلى سوق العمل، وتحفيز المرأة على المشاركة. بالإضافة إلى المزايا العالية التي تمنحها الشركات الكبيرة، يمكن أن تتّبع هذه الأخيرة ممارسات أقل تمييزاً بين الجنسين وأقل خطراً من حيث التعرض للتحرش الجنسي، إذ من الأرجح أن تلتزم بإطار قانوني وتنظيمي واضح، يشمل قواعد السلوك الشخصي. وقد يساعد ارتفاع نِسَب العاملات في هذه الشركات بدوره على إرساء بيئة عمل ملائمة وآمنة للمرأة.

ويبيّن الشكل 27 أنّ المنطقة العربية متخلفة كثيراً عن العالم على مستوى تمثيل المرأة في المناصب الإدارية والقيادية في القطاعات المختارة. كما أفاد أقل من 5 في المائة من مؤسسات المنطقة المشمولة بالبحث بوجود نساء في أعلى مناصبها الإدارية مقارنةً بأكثر من 15 في المائة في العالم. وفي المنطقة العربية، تتسع الفجوة بين الجنسين في المناصب الإدارية العليا بنحو أربعة أضعاف مقارنة بالفجوة بين الجنسين في حصص العمالة بدوام كامل، ما قد يدلّ على وجود سقوف زجاجية في جميع أنحاء المنطقة.

في المنطقة العربية، تضع قوانين الأحوال الشخصية والممارسات العرفية، من حيث الحقوق التمييزية في الملكية، المرأة أمام عقبات مالية متزايدة، ما يحدّ من قدرتها على الحصول على القروض المضمونة والاستفادة من التسهيلات الائتمانية. ويبيّن الشكل 35 أنّ نحو 49 في المائة من الشركات التي يملكها رجال ترى أنّ الحصول على التمويل إمّا لا يشكّل عائقاً أو يشكّل عائقاً بسيطاً مقارنةً بـ 47 في المائة من الشركات المملوكة للنساء. ومن بين الشركات المشمولة بالدراسات الاستقصاء، يرى 53 في المائة أنّ الحصول على التمويل يشكّل عقبة بسيطة على الأقل، فيما يرى نحو 23 في المائة في ذلك عقبة بارزة أو صعبة للغاية.

توصيات السياسة:

● تحسين آفاق سوق العمل للمرأة.

● تحدي المفاهيم التمييزية بين الجنسين في أسواق العمل والاستفادة من رفع مستوى التعليم لدى المرأة في جميع القطاعات.

● يمكن أن يدعم الوسطاء الماليون رائدات الأعمال من خلال تيسير إقراضهنّ لتشجيع ريادة الأعمال الموجهة نحو تحقيق النمو لدى النساء.

● اعتماد ترتيبات العمل عن بعد باعتبارها حلاً قابلاً للتطبيق لتحسين قدرات المرأة بعد انتهاء أزمة كوفيد-19.

4. تطوير القطاع الخاص واستحداث فرص عمل لائق: الطريق إلى الأمام

● ينبغي تنفيذ الاستجابة من أربع ركائز على مستوى السياسات من أجل التصدي للتحديات الناشئة عن كوفيد-19؛

● يلزم اتخاذ إجراءات الدعم للفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك العمال والمؤسسات العاملة في قطاع الاقتصاد غير النظامي؛

● لا غنى عن وضع سياسات وطنية للعمالة، وإعادة النظر في سياسات الاقتصاد الكلي، وتعزيز تنمية القطاع الخاص؛

● ينبغي أن تتصدّى السياسات العمالية والاجتماعية التي تدعم القطاع الخاص للتحدي المزدوج المتمثل في استحداث فرص عمل وخفض العجز في فرص العمل اللائق؛

● ينبغي إصلاح التعليم والتدريب، ووضع سياسات فعّالة لسوق العمل، لا سيما للشباب؛

● ينبغي تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.

يدعو هذا التقرير إلى أن يكون القطاعان العام والخاص متكاملين لا متنافسين فيما بينهما. ويبرهن أنّ السياسات الفاعلة الرامية إلى مساعدة المؤسسات التجارية الصغيرة ودعم الأجور لفترة معيّنة لإغراء القطاع الخاص من شأنها أن تكون أكثر إفادةً لتوظيف الشباب من مجرد نقل الموارد المالية وغيرها من الموارد من القطاع العام إلى القطاع الخاص. لذلك، وكما جاء في هذا التقرير، فإنّ الدرس اللازم استخلاصه في مجال السياسة العامة على المدى القصير هو وضع سياسات شاملة للعمالة وسوق العمل تقلّص درجة الجمود والتجزؤ الحالية في أسواق العمل العربية، بما في ذلك تخفيف حجم التفاوت بين الجنسين والعمالة غير النظامية. وسيمهّد ذلك الطريق باستمرار أمام تقييم السياسات الطويلة الأمد في المستقبل. لكنّ الشغل الشاغل لصانعي السياسات في الوقت الحاضر هو التغلّب على التحديات المباشرة التي تتسبّب بها الجائحة. تحقيقاً لهذه الغاية، تقترح منظمة العمل الدولية إطاراً للسياسة العامة من أربع ركائز استجابةً لأزمة كوفيد-19 (انظر القسم باء). ويناقش القسم جيم الإصلاحات الطويلة الأمد التي ترمي إلى إحداث عملية تحول بنيوي تعزز قدرة القطاع الخاص على استحداث فرص عمل نظامية ولائقة.

....................................
للاطلاع على كامل التقرير والجداول المرفقة:
https://publications.unescwa.org/projects/jcar/sdgs/pdf/ar/21-00023_Job%20Creation%20in%20the%20Arab%20Region_Inside_AR.pdf

اضف تعليق