بينما يقترب الملف من "الإغلاق الفني" بنقل جميع العراقيين من المخيمات، يبقى "الإغلاق الحقيقي" رهناً بقدرات الجهات المسؤولة على ضمان اندماجهم المستدام، فان عام 2025 يمثل منعطفاً تاريخياً لإنهاء معاناة إنسانية، وتحول التحديات إلى فرصة لبناء مجتمع أكثر شمولاً واستقراراً...
الملخص التنفيذي
تمثل هذه الورقة مساهمة بحثية لدعم "ملتقى النبأ للحوار" في مناقشة السياسات وتطوير رؤى مستقبلية لضمان عودة مستدامة للعراقيين من مخيمي الهول وروج في شمال شرق سوريا.
شهد عام 2025، جهود دولية وزخماً متجدداً، متجلياً في سلسلة من الاجتماعات الأممية كان آخرها في بغداد (27 تشرين الثاني/نوفمبر 2025)، والتي هدفت إلى إنهاء هذا الملف الإنساني والأمني المعقد، حيث تضع "خطة الأمم المتحدة الواحدة" إطاراً شاملاً يربط بين العمل الإنساني والتنمية المستدامة والعدالة الانتقالية، مع التركيز على إعادة الاندماج وليس الإعادة المادية فحسب.
تستعرض هذه الورقة المعطيات الميدانية، والتحديات الرئيسية، وفجوات التمويل، وشروط النجاح، مع تقديم توصيات عملية لصانعي القرار لتحقيق عودة مستدامة.
المقدمة: سياق الأزمة وأهميتها
يُعد ملف النازحين العراقيين في مخيمي الهول وروج من أكثر الملفات تعقيداً على المستويين الإنساني والأمني. هؤلاء الأفراد، والذين يقدر عددهم بنحو 30,000 شخص (بحسب تقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة - OCHA منتصف 2025)، هم نتاج الصراع مع تنظيم داعش، ويواجهون ظروفاً معيشية قاسية. ويمثل التسارع في الجهود انعكاساً لإرادة دولية ومحلية لطي هذه الصفحة، مع الاعتراف بالحاجة إلى معالجة جذرية لأسباب الأزمة وليس نتائجها فقط.(1)
جذور الأزمة والمسار الزمني للعودة:
منذ هزيمة تنظيم داعش، أصبحت المخيمات ملاذاً لأعداد كبيرة من العراقيين، بينهم مدنيون وأطفال ونساء ارتبطوا بالتنظيم بدرجات متفاوتة، وابتداءً من عام 2021، شرعت الحكومة العراقية، بدعم أممي، في عمليات إعادة تدريجية، تم خلالها استقبال العائدين في مراكز تأهيل مراكز متخصصة، لإجراء التقييم الأمني والنفسي والاجتماعي.(2)
التطورات الحديثة:
وفقاً لتقارير البعثة الأممية المتكاملة لدعم العراق(UNAMI)، تجاوز عدد العائدين الإجمالي منذ بدء البرامج 25,000 عراقي، مع تسارع ملحوظ في وتيرة عمليات الإعادة خلال النصف الثاني من عام 2025، وتشير التقديرات إلى أن ما بين 5,000 إلى 7,000 عراقي لا يزالون داخل المخيمات، تتخلّفهم أسباب متشابكة.(3)
خطة الأمم المتحدة الواحدة: (One UN Plan) الإطار الاستراتيجي:
أطلقت الأمم المتحدة والحكومة العراقية في كانون الثاني/يناير 2025 المرحلة الثانية من الخطة، المسماة "بدايات جديدة"، والتي ترتكز على ثلاثة محاور استراتيجية:
- ضمان العودة الآمنة والكريمة من خلال عمليات النقل الميسرة والاستقبال في مراكز متخصصة.
- توفير التأهيل الشامل عبر برامج نفسية-اجتماعية، ودعم قانوني، وخدمات صحة نفسية.
- تحقيق الاندماج المستدام من خلال ربط العائدين ببرامج سبل العيش والخدمات الأساسية (تعليم، صحة) وتعزيز التماسك الاجتماعي في مجتمعات العودة.(4)
التحديات الرئيسية:
1-1: التحديات الأمنية:
- ضرورة التدقيق الأمني الفردي الدقيق لتصنيف الأفراد بناءً على درجة ارتباطهم السابق، وتجنب العقاب الجماعي.
- بطء الإجراءات يطيل أمد انفصال العائلات ويؤخر اندماج من لا تشوبهم شوائب.(5)
1-2: التحديات القانونية والإدارية:
- أزمة الوثائق المدنية: يعاني العديد من العائدين، خاصة الأطفال المولودين في المخيمات، من انعدام بطاقة الجنسية أو عدم وجود شهادات ميلاد أو هويات.
- تعقيد الملفات القضائية: صعوبة الفصل في قضايا الأفراد المشتبه بهم في ظل نقص الأدلة أو القدرة القضائية.(6)
1-3: التحديات الاجتماعية والنفسية:
- الوصمة المجتمعية: رفض بعض المجتمعات المحلية استقبال العائدين خوفاً من المخاطر الأمنية أو بسبب الرواسب الاجتماعية.
- الصدمات النفسية العميقة: يحتاج معظم العائدين، ولا سيما الأطفال والنساء، إلى برامج دعم نفسي متخصصة وطويلة الأمد.(7)
1-4: التحديات الاقتصادية والتمويلية:
- فجوة التمويل: وفقاً لتقرير الأمم المتحدة للتمويل الإنساني 2025، لا يزال البرنامج يعاني من عجز تمويلي يقدر بـ 40%، خاصة في قطاعات سبل العيش والبنى التحتية المجتمعية.
- غياب فرص العمل المستدامة: يؤدي نقص الفرص الاقتصادية إلى تهديد إنجازات برامج التأهيل وإعادة إنتاج دوائر الفقر والهشاشة.(8)
الفرص المتاحة والتطورات الإيجابية
- الإرادة السياسية العالية: التزام الحكومة العراقية والمجتمع الدولي بإغلاق الملف، كما ظهر في اجتماع بغداد بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2025.
- التحول من الاستجابة الإنسانية إلى التنمية المستدامة: تركيز خطة "بدايات جديدة" على بناء القدرات المحلية وربط العائدين بخطط التنمية الإقليمية.
- الدروس المستفادة: تراكم الخبرات في المراكز النتخصصة رغم التباين، ويوفر ذلك أيضا قاعدة بيانات قيمة لتحسين البرامج.(9)
الاستنتاجات:
من خلال ما تقدم هناك عدة مخاطر تتعلق باستدامة العودة التي ينبغي التعامل معها ضمن خطط استباقية، أبرزها:
- استمرار بقاء العائلات داخل المخيمات يزيد احتمالات الانكشاف الأمني، ويعمّق آثار الصدمات النفسية، ويخلق بيئة قد تستغلها جماعات متطرفة.
- رفض بعض المجتمعات المحلية للعائدين قد يؤدي إلى عزل اجتماعي يحوّل العائدين إلى فئات مهمشة، ويعيد إنتاج الهشاشة والاضطراب.
- النقص في التمويل يهدد بتوقف برامج التأهيل، ويقوّض أي تقدم يحرز في الصحة النفسية وسبل العيش والبنى التحتية الاجتماعية.
- مخاوف من البيروقراطية والفساد الإداري والمالي.
- التأخر في تسوية الملفات القضائية قد يخلق مظالم ويضعف الثقة بين الدولة والمجتمعات، ويزيد تعقيد مسار العدالة الانتقالية.
- ضعف وجود خبراء وكفاءات علمية ومنظمات حقيقية قادرة على معالجة التحديات والمخاطر.
التوصيات الاستراتيجية
- تعزيز الحوكمة والتنسيق من خلال إنشاء خلية أزمة وطنية برئاسة رفيعة المستوى كفوءة ونزيهة تضم جميع الوزارات المعنية (الداخلية، العمل، الصحة، التربية) والجهات الدولية لتبسيط الإجراءات.
- معالجة الإطار القانوني من إصدار تعليمات إدارية موحدة لتسريع إصدار الوثائق المدنية للأطفال والبالغين.
- مراجعة قانونية لعقوبات "الارتباط بالتنظيم" لضمان عدالة فردية ومنع المعاناة الجماعية.
- برامج الاندماج الاقتصادي والاجتماعي من خلال تطوير "حزم اندماج محلية" تشمل تمويلاً لمشاريع صغيرة وتدريباً مهنياً يلبي احتياجات السوق في مناطق العودة.
- إطلاق حملات وطنية للتوعية بقيادة زعماء دينيين ومجتمعيين لتخفيف الوصمة ودعم ثقافة التسامح.
- ضمان الاستدامة النفسية والاجتماعية من خلال دمج خدمات الصحة النفسية في النظام الصحي المحلي، وضمان استمرارية الدعم للعائدين بعد مغادرتهم مراكز التأهيل.
- سد فجوة التمويل من خلال العمل مع المانحين على تقديم تعهدات مالية متعددة السنوات، وعرض "خطط استدامة" واضحة وقابلة للقياس لضمان استمرارية التمويل.(10)
الخاتمة:
بينما يقترب الملف من "الإغلاق الفني" بنقل جميع العراقيين من المخيمات، يبقى "الإغلاق الحقيقي" رهناً بقدرات الجهات المسؤولةعلى ضمان اندماجهم المستدام، فان عام 2025 يمثل منعطفاً تاريخياً لإنهاء معاناة إنسانية، وتحول التحديات إلى فرصة لبناء مجتمع أكثر شمولاً واستقراراً.
وان النجاح مرهون بتحويل التوصيات إلى إجراءات ملموسة، وبناء شراكات فعالة، ووضع الكرامة الإنسانية في صلب جميع السياسات.



اضف تعليق