العراق اليوم عند مفترق مصيري، الانتخابات في موعدها، مع إجراءات أمنية صارمة ودعم استخباراتي، قد تحافظ على شرعية الدولة وتحدّ من الفراغ الذي يستغله “داعش” الارهابي. تأجيل الانتخابات أو انهيار التنسيق الأمني يزيد من احتمالات عودة التنظيمات المسلحة، ويضع العراق في قلب أزمة إقليمية أكبر، بين إيران وإسرائيل، ويمثل تهديداً مباشراً للاستقرار الخليجي والمتوسطي...

تصريح نوري المالكي، نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الأسبق، بأن “الانتخابات ستجرى في موعدها، وإن تأجلت ستسقط العملية السياسية”، ليس مجرد موقف داخلي حول استحقاق انتخابي، بل إشعار بتحوّل العراق إلى محور حرج في معادلات الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن خوفها من عودة “داعش” الارهابي، مع خطط لسحب القوات من قواعد مثل عين الأسد، قراءة هذين الحدثين معاً تكشف عن مخاطر مزدوجة: انهيار سياسي داخلي قد يفاقم تهديدات إرهابية، وانسحاب عسكري أجنبي يقلل من قدرة العراق على مواجهة التحديات الأمنية.

العراق يعاني من أزمة سياسية بنيوية منذ ٢٠٠٣، إذ تتشابك الانقسامات المذهبية مع النزاعات داخل المكونات نفسها. السنة ممزقون بين قيادات محلية متنافسة، والشيعة منقسمون بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، بينما يشهد إقليم كردستان خلافات مستمرة بين الديمقراطي والاتحاد الوطني.

في هذا السياق، يأتي تحذير المالكي على أنه تنبيه للشرعية السياسية: أي تأجيل للانتخابات قد يفتح الباب أمام فراغ دستوري، يهيئ الأرضية لصراعات محلية أو تصعيد عنف مسلح، ما يعيد للعراقيين سنوات عدم الاستقرار والفوضى السياسية.

العراق ليس جزيرة سياسية منعزلة. فهو نقطة التقاء مصالح إقليمية ودولية متشابكة:

 الحرب الإيرانية– الإسرائيلية بالوكالة تتصاعد في سوريا ولبنان، مستفيدة من الفراغات الأمنية.

 اليمن يمثل ساحة اختبار لصراع النفوذ الإقليمي، حيث تستخدم إيران والحوثيون الضغط العسكري والاقتصادي.

سوريا ولبنان ما زالا يعانيان انهياراً مؤسساتياً يخلق مناطق صراع غير مستقرة.

أي اهتزاز داخلي في العراق قد يتحوّل إلى تأثير “الدومينو” يفاقم عدم الاستقرار الإقليمي ويهدد مصالح جميع الأطراف، بما في ذلك القوى الغربية.

تزامن تصريح المالكي مع تصريحات الخارجية الأميركية حول عودة “داعش” الارهابي وسحب القوات من عين الأسد يضيف بعداً جديداً:

خطر عودة “داعش”: مع تراجع الوجود الأميركي، قد تستغل خلايا التنظيم الرقابة الحدودية والانقسام السياسي لتجديد نشاطها، خصوصاً في المناطق الغربية والحدودية مع سوريا.

تراجع القدرة الرادعة: قاعدة عين الأسد كانت منصة استراتيجية للاستخبارات والمراقبة الجوية، وسحب القوات يزيد من قلق التهديد.

ضغط على الانتخابات: أي نشاط إرهابي متزايد قد يُستخدم ذريعة لتأجيل الانتخابات، بما يتماشى مع المخاوف التي عبّر عنها المالكي حول سقوط العملية السياسية.

وبعبارة أخرى، تحذير واشنطن لا يقتصر على أمن أميركي بحت، بل ينذر بخطر مزدوج: تراجع الوجود الدولي مع ضعف التنسيق الداخلي يخلق بيئة صالحة لعودة التنظيمات الإرهابية واستغلال الانقسامات السياسية.

العراق اليوم عند مفترق مصيري:

الانتخابات في موعدها، مع إجراءات أمنية صارمة ودعم استخباراتي، قد تحافظ على شرعية الدولة وتحدّ من الفراغ الذي يستغله “داعش” الارهابي.

تأجيل الانتخابات أو انهيار التنسيق الأمني يزيد من احتمالات عودة التنظيمات المسلحة، ويضع العراق في قلب أزمة إقليمية أكبر، بين إيران وإسرائيل، ويمثل تهديداً مباشراً للاستقرار الخليجي والمتوسطي.

تصريح المالكي وتحذيرات واشنطن يشكلان معاً منبهاً مزدوجاً: الحاجة إلى انتخابات شفافة في بغداد، ودعم أمني دولي واستراتيجي مستمر، لضمان أن يبقى العراق ضمن دائرة الدولة الفاعلة والقادرة على حماية شعبها، بدل الانزلاق إلى فراغ سياسي وأمني يفتح الباب لفوضى لا حدود لها.

اضف تعليق