يوم بعد اخر تمضي خطوات الاتفاقات الابراهيمية نحو تطبيقات تتسم بالعناد والاستعلاء وهي تستند الى المعايير ذاتها التي تكشفها الوثائق البريطانية عن ترتيبات العصابات الصهيونية مثل الهاغانا والارغون وغيرها في القرى المحصنة المعروفة باسم الكيبوتس وصولا الى حرب 1948 واعلان مجلس الامن الدولي الذي يهيمن عليه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية...
يوم بعد اخر تمضي خطوات الاتفاقات الابراهيمية نحو تطبيقات تتسم بالعناد والاستعلاء وهي تستند الى المعايير ذاتها التي تكشفها الوثائق البريطانية عن ترتيبات العصابات الصهيونية مثل الهاغانا والارغون وغيرها في القرى المحصنة المعروفة باسم الكيبوتس وصولا الى حرب 1948 واعلان مجلس الامن الدولي الذي يهيمن عليه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية تأسيس دولة اسرائيل ثم توالت النكبات والحروب التي جرى توظيفها في الحرب الباردة بأساليب بالغة القسوة.
المعضلة الكبرى ان كثيرا من العرب في نخبهم وسياساتهم يتحدثون اليوم عما يمكن ان يأتي بعد الاتفاقات الابراهيمية وصفقة القرن الامريكية بالمنهج والاسلوب نفسه الذي انتهى به المد الشيوعي اولا في خمسينات القرن الماضي ثم المد العروبي القومي اليوم يتكرر المشهد التاريخي تحت عنوان الاسلام السياسي ومع تصاعد وتيرة بروز عالم متعدد الاقطاب تسارع واشنطن وحلفاؤها الى دفع الاتفاقات الابراهيمية قدما سعيا لإنهاء ما فشل مشروع ادارة الشرق الاوسط بعد الخروج الامريكي من فيتنام في تحقيقه بسياسة الخطوة خطوة التي اشتهر بها كيسنجر وبالنموذج نفسه الذي لم يحقق الازدهار للدول العربية في مشروع الحرب مع اسرائيل تكاثرت وسائل محاصرة المشروع الاسلامي المقاوم مما خلق مسافة فاصلة بين ايران الثورة وايران الدولة.
في هذه المناخات المتوترة، يتكرر السؤال، خاصة بعد اعادة ترتيب اوراق مفاوضات الشرق الاوسط الجديد ماذا يمكن ان يكون في تلك المسافة الفاصلة بين الثورة والدولة؟! تمضي وقائع الامور على طاولة مفاوضات غزة بين المبعوثين الامريكيين والجهات السيادية المصرية التي تمثل النموذج الاوضح لسيادة الدولة لإعادة ربط حماية غزة بالدولة المصرية مقابل ادوار دبلوماسية متعددة تبدا بالمخابرات ولا تنتهي عند الاقتصاد وادارة المساعدات واعادة اعمار غزة في صفقة واحدة على كفتي الميزان الاستراتيجي، الأولى تتمثل في انطلاق قطار الشرق الاوسط الجديد بما فيه تعزيز الاتفاقات الابراهيمية ان لم يكن الانضمام المباشر فبالصمت غير المباشر على حضورها في المحافل الاقتصادية الاقليمية المتعددة في عصر الاستثمارات السيادية لدول الخليج العربي وهذا يشمل مشروع الشام الجديد.
وفق هذا المنظور وما يناقش في وسائل الاعلام الاسرائيلية والامريكية فان الكفة الثانية من ذات الميزان، تتجسد في تصفية او ادارة الاحتواء الاستراتيجي لمحور المقاومة الاسلامية فمن لا يتذكر الانطباع الذهني الاول في الاعلام عن ملفات حقوق الانسان وغيرها من القضايا المتعلقة بالنزاعات الداخلية التي قسمت بلدان الشرق الاوسط الى مكونات وبات الانطباع الذهني اليوم يدور حول ادارة الاحتواء حول جماعات مسلحة خارج سيطرة الدولة وغيرها من الانماط التي تروج في اطار الاحتواء الامريكي الاسرائيلي عبر الادوار المصرية البارزة او تلك الادوار المنتظرة من دول الخليج وحتى تركيا.
ضمن هذا السياق يقول "يوئيل غوزنسكي" في صحيفة معاريف ان السعودية تشترط للتطبيع كذلك الامريكيين اقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل مؤكدا ان اتفاق تطبيع سعودي اسرائيلي سيكون الرد المناسب على حماس وايران اللتين سعتا لوقف مسار التطبيع ومشددا على ان اتفاقا كهذا سيمنح اسرائيل ارباحا اقتصادية وشرعية افضل في العالمين العربي والاسلامي ويعزز مكانة الولايات المتحدة في المنطقة ويقوي السياسة والامن السعوديين كقوة معارضة لإيران. اسرائيل ستبدو كمن يفتح ابوابا للسلام وتجني ثمارا كثيرة من الادارة الامريكية وتستفيد من المساعدات العربية والدولية لإعمار غزة.
ويقترح "راز تسيمت" في يديعوت احرونوت انه من المستبعد وقف مسار إيران نحو السلاح النووي دون اتفاق مستقر وطويل الامد لذا فان المطلوب في الوقت نفسه كما يؤكد الكاتب هو ان يعتمد نجاح اسرائيل على قدرتها على استغلال نافذة الفرص الحالية لترجمة انجازاتها العسكرية الى واقع اقليمي جديد يساهم في كبح إيران... وتقليص قدرتها على استعادة قوتها مستقبلا.
في تحليل كلما تقدم، يبدو من الممكن القول :
اولا: تنشط اسرائيل لتوجيه ضربة قاسية الى محور المقاومة الاسلامية قد تبدأ بإعادة المواجهة مع حزب الله ليس فقط في جنوب لبنان بل في جميع الموارد التي توفر له الدعم الاقتصادي والتسليحي والاعلامي مما يوسع شبكة الاستهداف لتشمل العراق واليمن ونقاط الارتكاز في سوريا.
ثانيا: بينما لا يفكر كثير من المفاوضين العرب ان هذا الاصرار الاسرائيلي على حسم الحرب وليس المعركة مع محور المقاومة الاسلامية يعتبر استكمالا لاستثمار اتفاق غزة الذي قد يتحول الى قرار من مجلس الامن يلزم الدول العربية والاسلامية فان الطرف الاخر النموذج الايراني للاقتصاد المقاوم او نموذج العراق اولا في حكومة محمد شياع السوداني او مناورات الحوثيين او ما ورد في البيان الجديد لحزب الله لا يحظى بالاهتمام على طاولة مفاوضات غزة بل على العكس تنظر هذه الطاولة الى كل ما يمكن ادراجه تحت توصيف محور المقاومة بالانطباع ذاته الذي كان سائدا عن دول الممانعة ضد التطبيع في ثمانينات القرن الماضي والمطلوب احتواؤها لأن بوصلة اهتمام هذه الطاولة اسرائيليا وامريكيا تتوقف عند انهاء الصراع العربي الاسرائيلي تماما والانطلاق بقطار الشرق الاوسط الجديد ومن يمتلك تذكرة الركوب عبر الاتفاقات الابراهيمية او من سيجد ذاته سواء كان دولة ام جماعة مسلحة تحت وطأة العقوبات الامريكية والانطباع الدولي العام عن "الدول الفاشلة" او "اقتصاديات الظل" خارج سيادة الدولة الصورة التي تتجلى اليوم في العراق ولبنان واليمن في مختلف وسائل الاعلام وبيوت الخبرة الامريكية والأوروبية بل وحتى العربية !!
ثالثا: في العراق تحديدا، تمضي الوقائع نحو تكرار مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق الاستراتيجي وخروج القوات الامريكية مع تواصل ارتباط الاقتصاد العراقي بالدولار دون اهتمام جدي من الحكومات العراقية بالخروج من دائرة الحماية في حسابات عوائد النفط، ثم عودة كبريات الشركات النفطية الامريكية للاستثمار في العراق الى جانب شركات اقتصادية وهندسية اخرى قد تدخل السوق العراقي، يجعل أي حديث عن "فصل استراتيجي" بين واشنطن وبغداد امرا مستبعدا بل يتطلب في المرحلة المقبلة "ادارة احتواء" لكل الجماعات التي تتعامل امنيا وسياسيا ضد الولايات المتحدة وسياساتها في الشرق الاوسط الجديد وان لم تركب قطاره عبر تذكرة الاتفاقات الابراهيمية.
يبرز السؤال اخر، عن ذلك الصخب المتصاعد ضد الوجود العسكري الامريكي في العراق في حين ان على الحكومات العراقية المقبلة وجهازها العسكري، حماية الاستثمارات الامريكية في العراق امنيا وفق المعايير الدولية، وأبرزها استثمارات في قطاعي النفط والطاقة الكهربائية اذا كانت بعض الاطراف العراقية تعبر عن رفضها للعلاقات الاستراتيجية مع واشنطن بالتظاهر امام السفارة الامريكية او بإطلاق الصواريخ على مواقع تتواجد فيها قوات امريكية كيف ستتعامل مع قلاع اقتصادية كبرى تشارك في ادارة الاقتصاد الريعي النفطي العراقي؟!
لذلك ثمة مفترق طرق واضح وصريح، لم تضطر واشنطن للدخول عسكريا الى المستنقع العراقي كما حدث بعد 2003 بل، تعمل اليوم لجني الارباح الاقتصادية بعقلية ادارة ترامب ومبعوثيها الى العراق وهذا يتطلب قيادة عراقية محنكة قادرة على ادارة ملف احتواء اي أطراف تعمل خارج الضوابط الدستورية، وفي ذلك استحقاقات كبرى امام تلك الجماعات التي تنتظر ما تنتظر قبل القاء السلاح.. فكيف سيكون المستقبل المنظور؟! سؤال ربما تجيب عنه الايام المقبلة ما بعد الانتخابات.



اضف تعليق