في مشهد سياسي عراقي معقّد، جاء تصريح مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى العراق، ليعيد النقاش حول موقع العراق في معادلة التوازنات الإقليمية والدولية. فبين عبارات الإشادة بسياسات الحكومة العراقية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ورسائل التحذير من الجماعات الخارجة عن سلطة الدولة...

في مشهد سياسي عراقي معقّد، جاء تصريح مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى العراق، ليعيد النقاش حول موقع العراق في معادلة التوازنات الإقليمية والدولية. فبين عبارات الإشادة بسياسات الحكومة العراقية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ورسائل التحذير من الجماعات الخارجة عن سلطة الدولة، يمكن قراءة البيان بوصفه إعلان موقف واستراتيجية في آنٍ واحد.

سافايا، في بيانه الرسمي، أكّد أن العراق “بدأ يستعيد سيادته ويعمل على حصر السلاح بيد الدولة”، مشيراً إلى خطوات الإصلاح الاقتصادي والانفتاح على الأسواق العالمية. لكن خلف هذه اللغة الدبلوماسية، يُدرك المتابع أن التصريح يحمل تحذيراً ضمنياً من عودة الفوضى إذا ما فشلت بغداد في استكمال مشروع بناء الدولة الحديثة. فالإشادة لم تأتِ بلا مقابل، بل مشروطة باستمرار الخطوات نحو استقلال القرار العراقي وتقليص نفوذ القوى غير الرسمية.

البيان تميّز بوضوح غير معتاد في الإشارة إلى التدخلات الخارجية، بما فيها إيران ووكلاؤها، وهو ما يضع واشنطن مجدداً في موقع المتدخل الحذر: تؤكد دعمها للعراق، لكنها تذكّره في الوقت ذاته بأن استمرار الدعم مرهون بإبعاد البلاد عن صراعات المحاور. وهنا تتضح المعادلة الأمريكية الجديدة — عراق قوي ومستقل، لكن ضمن توازن لا يخلّ بالمصالح الأمريكية في المنطقة.

من منظور تحليلي، يمكن فهم خطاب سافايا كجزء من إعادة تموضع أمريكي في الشرق الأوسط بعد سنوات من الانكفاء. فالعراق، بثقله الجغرافي والاقتصادي والسياسي، ما زال ساحة اختبار حقيقية لأي مشروع إقليمي. وبالتالي، فإن التأكيد على وحدة القرار العسكري والسياسي في بغداد ليس مجرد شعار، بل شرط لاستقرار المنطقة بأكملها.

أما داخلياً، فيعيد هذا التصريح تسليط الضوء على التحدي الأكبر للعراق: كيف يمكن تحويل التقدّم النسبي في الأمن والاقتصاد إلى بنية سياسية متماسكة تحظى بثقة جميع الأطراف؟ فبين ضغوط الخارج وتوازنات الداخل، يحتاج العراق إلى معادلة دقيقة تحافظ على سيادته دون أن تنعزل عن محيطه أو حلفائه.

في النهاية، يحمل تصريح مبعوث ترامب نغمتين واضحتين — إشادة بجهود الاستقرار وتحذير من الانحراف عنها. العراق اليوم أمام لحظة اختبار جديدة؛ فإما أن يواصل مسار الدولة الواحدة والسيادة المستقلة، أو يعود إلى دوامة الاصطفافات والتجاذبات التي عطّلت نهضته لعقود.

إنها رسالة ليست للعراق وحده، بل للمنطقة بأسرها: السيادة لا تُمنح من الخارج، بل تُبنى بالثقة والإصلاح والإرادة الوطنية.

اضف تعليق