خطاب الكراهية يتزايد في جميع أنحاء العالم مع تصاعد التحريض على العنف بشكل غير مبرر، ما يفضي إلى تقويض التماسك الاجتماعي أولاً، ويفضي إلى ضيق دائرة التسامح ويتسبب في أذى للأفراد على المستوى النفسي والعاطفي والجسدي، ومن الواضح أيضاً ان هذا الخطاب الشاذ لا يؤثر على الأفراد والجماعات...

تحرص المجتمعات كافة على تكريس حالة السلم الاجتماعي، بما يوفر البيئة الآمنة لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وان السلوكيات غير السليمة التي تصدر عن بعض الأفراد والتي من شأنها ان تأجج مشاعر الكراهية ضد بعض الأفراد أو الفئات أو الأقليات ولا شك تعد عملاً يخالف القيم الأخلاقية ويسهم في الابتعاد عن السلم الاجتماعي ومن شأنها ان تساعد على شيوع حالة من الاضطراب والفوضى.

ان سلوكيات الفرد والجماعة تتنوع فتارة تأخذ جانب السماحة وقبول الآخر، وتارة تأخذ جانب التطرف والكراهية، كما إن أسلوب التعبير عن الأفكار أو ما يعرف بحرية الرأي الصواب ان يأخذ جانب الهدوء والقصد بالتصرفات ومحاولة إقناع الغير بصواب الأفكار بعرض الرأي بأسلوب إقناع حضاري، ولكن وللأسف يفضل البعض الأساليب غير الحضارية القائمة على الجدل وإثارة العواطف بما من شأنه ان يحقق التباعد والتنافر بين الناس ويغلب لغة التشنج ويبعدنا عن التفاهم بين إفراد المجتمع الواحد.

ومثال لما تقدم إقدام أحد المتطرفين قبل أيام على تدنيس حرمة كتاب الله (القرآن الكريم) في دولة السويد بتواطؤ واضح من الأجهزة الأمنية والسلطات العامة هناك ما يؤشر مخالفتها للالتزامات الدولية القانونية أولاً والأخلاقية ثانياً، إذ انتهت الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري للعام 1965 في المادة (2) إلى "تشجب الدول الأطراف التمييز العنصري وتتعهد بأن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون أي تأخير، سياسة للقضاء علي التمييز العنصري بكافة أشكاله وتعزيز التفاهم بين جميع الأجناس، وتحقيقا لذلك:

أ- تتعهد كل دولة طرف بعدم إتيان أي عمل أو ممارسة من أعمال أو ممارسات التمييز العنصري ضد الأشخاص أو جماعات الأشخاص أو المؤسسات، وبضمان تصرف جميع السلطات العامة والمؤسسات العامة، القومية والمحلية، طبقا لهذا الالتزام.

ب- تتعهد كل دولة طرف بعدم تشجيع أو حماية أو تأييد أي تمييز عنصري يصدر عن أي شخص أو أية منظمة." وعطفاً على ما تقدم تنص المادة (20) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966 على أن "يحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف "كما أكد إعلان الأمم المتحدة للعام 1981 الخاص برفض خطاب الكراهية وانتهاءً بإستراتيجية الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهية 2020 ذلك السلوك المشين، بل إن الأمم المتحدة انتهت في شهر تموز 2021 في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وجهود الأمين العام إلى تشخيص الخطاب المتصاعد والمتضمن نمطاً من الكراهية والمخاوف التي تساور المنظمة العالمية وسائر الدول من ذلك الوضع الخطير، لذا تمت الدعوة إلى تكثيف الاجتماعات لاتخاذ قرار بشأن "تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات والتسامح في مواجهة خطاب الكراهية"، إذ ينتهي القرار إلى الاعتراف بضرورة مكافحة التمييز وكراهية الأجانب وخطاب الكراهية ويدعو جميع الدول والجهات ذات العلاقة بما في ذلك المنظمات غير الحكومية إلى تكريس جهودها للتصدي بحزم لهذه الظاهرة، بما يتماشى مع القانون الدولي، ومبادئ حقوق الإنسان، كما تم الإقرار بأن يوم (18 حزيران) من كل عان يوما دوليا لمكافحة خطاب الكراهية، يتم الاحتفال به سنوياً واعتباراً من العام 2022، ويمثل هذا اليوم مناسبة دولية تدعو فيه منظمة الأمم المتحدة الجميع إلى المبادرة لعقد اللقاءات وتعزيز المبادرات التي من شأنها ان تحد من الآثار السلبية لخطاب الكراهية.

فالخطاب محل البحث من شأنه التحريض على إلحاق الضرر بفرد أو مجموعة من الأفراد بلا مسوغ قانوني أو شرعي مقبول، وقد دأبت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في الكثير من أحكامها إلى التعرض لخطاب الكراهية ومنها الحكم الصادر في (24/juin/2013) كما تشير الوقائع التاريخية إلى ان إحدى الإذاعات العاملة في دولة رواندا في عقد التسعينيات كانت سبباً مباشراً في ارتكاب مجازر وجرائم ضد الإنسانية لما تبنه من خطاب كراهية ضد فئة من الشعب وبالفعل القي القبض على الصحفيين العاملين فيها وقدموا إلى محكمة رواندا وصدرت أحكام بحقهم، بتأييد ومباركة جميع الدول ومنها مملكة السويد التي تحولت إلى منبر للمتطرفين والمأزومين.

ويفيد الأمين العام للأمم المتحدة في إحدى مداخلاته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة "إن التصدي لخطاب الكراهية لا يعني تقييد أو حظر حرية التعبير، بل يعني منع تصعيد خطاب الكراهية من أن يتحول إلى شيء أكثر خطورة، لا سيما التحريض على التمييز والعداوة والعنف، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي" وما تقدم من خطاب يمثل عين الواقع والعقلانية فحرية الرأي والتعبير التي تتبجح الحكومة في بلد ديمقراطي مثل السويد بها، لا تعني أبداً إهانة معتقدات الغير أو الإساءة لهم والدعوة إلى العنف ضدهم.

ولوحظ في الآونة الأخيرة أن خطاب الكراهية يتزايد في جميع أنحاء العالم مع تصاعد التحريض على العنف بشكل غير مبرر، ما يفضي إلى تقويض التماسك الاجتماعي أولاً، ويفضي إلى ضيق دائرة التسامح ويتسبب في أذى للأفراد على المستوى النفسي والعاطفي والجسدي، ومن الواضح أيضاً ان هذا الخطاب الشاذ لا يؤثر على الأفراد والجماعات المستهدفة فحسب، فقد يعطي ذريعة للمتطرفين لاستهداف الآمنين أو القيام بأعمال مماثلة لاتمت إلى العقلانية بصلة.

بل ان النهج المتقدم يلقي بظلاله على جميع مكونات المجتمع المحلي والدولي، وإن التأثير السلبي والمدمر للكراهية ليس شيئاً جديداً بل رافق المجتمعات منذ فجر الحضارة الأول إذ استخدم ضد الأقوام من العرقيات المختلفة وضد الأفكار التحررية الهادفة إلى التخلص من نير العبودية لغير الله تعالى، بيد انه اليوم يتزايد بشكل ملحوظ جداً لاسيما مع انتشار التقنيات الحديثة للاتصال والتواصل، إلى درجة أن خطاب الكراهية أصبح أحد أهم وأخطر الأساليب الهدامة شيوعاً لنشر المفاهيم التمييزية القائمة على تقديس الأيدولوجيات الخاطئة وان ترك أولئك المنادين بهذا الخطاب من شأنه ان يهدد الأمن والسلم الدوليين بل من شأنه ان يعطي الضوء الـخضر لمزيد من الانتهاكات بذرائع مختلفة، ومن الآثار الأخرى المباشرة لذلك تخلف وسائل التنمية المستدامة من تحقيق الغايات التي أوجدت من أجلها فتكون الحقوق والحريات الإنسانية الخاسر الأكبر في خضم الإحداث، ويتسبب بفقدان الثقة بين الشعوب فيقلص من فرص التقارب الحضاري.

فخطاب الكراهية تمثل بكل ما أشتمل على إساءة أو إهانة أو تحقير أو انتقاص من شخص أو مجموعة بسبب انتماءهم الراقي أو الديني أو آراءهم السياسية أو ما يعود إلى سبب من أسباب التمييز كالجنس أو العراق أو اللغة أو اللون، أو ما شاكل وهو ما نهى عنه القرآن الكريم في مناسبات عدة ومنها قوله تعالى "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ".

وعلى النقيض من تبنى ثقافة الكراهية يوجد اصطلاح التسامح أو تقبل الرأي الآخر، بمعنى استعداد الفرد لتقبل الشخص الآخر والرأي المخالف، وأسلوب الحياة المغاير، ولعل من نافلة القول ان التقييم والمراجعة والنقد البناء يختلف عن الكراهية فالنقد قائم على الحجة والبرهان وعلى إتباع أساليب علمية موضوعية تقيم العمل على أسس علمية قوامها الرغبة الصادقة في الإصلاح، أو التغيير الإيجابي فمن الثابت ان هنالك جماعات وأفراد يسيروا بشكل يخالف الفطرة الإنسانية السليمة أو الرأي الديني أو الاقتصادي أو الاجتماعي السائد في المجتمع الذي يعيشون فيه فهذا لا يبرر الدعوة للإساءة أو اجتثاثهم بالقوة، فما تقدم يعد تعسفاً باستخدام الحق، وانحرافاً عن مقاصد السماء والقواعد القانونية الطبيعية القائمة إلى الدعوة بطريق الحكمة والموعظة الحسنة، لذا يقتضي من العقلاء بيان الحقائق ومحاربة الانحراف وتبيان سبيل الرشاد.

وعوداً على الفعل المشين للرجل العراقي الذي اعتدى على حرمة القرآن في دولة السويد نلاحظ ان القانون العراقي والدولي يجرم أي عدوان على المقدسات يعد كل فعل من شأنه الإساءة لها انتهاكاً صارخاً للحقوق الطبيعية والفطرية لبني البشر كافة، فلكل ديانة نصوصها المقدسة، وأماكن العبادة الخاصة بها وفق اعتقاد معتنقيها، وجميع تلك الكتب والأماكن لها خصوصية بكونها تعد جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي العالمي المملوك للإنسانية جمعاء وليس فقط لمعتنقي ذلك الدين أو العقيدة، وأن كل فعل وبأي شكل من الإشكال يمنع أو يسخر أو يسيء أو يهين أو يتجاوز أو يدنس تلك الكتب أو الأماكن، يشكل فعلا مخالفا للقانون وتعديا واضحا على حرية العقيدة والفكر والدين، وفي هذا الخصوص نشير إلى ان قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل يقضي في المادة (372) بأن "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمائة دينار:

1- من اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية أو حقر من شعائرها.

2- من تعمد التشويش على إقامة شعائر طائفية دينية أو على حفل أو اجتماع ديني أو تعمد منع أو تعطيل إقامة شيء من ذلك.

3- من خرب أو اتلف أو شوه أو دنس بناء معدا لإقامة شعائر طائفية دينية أو رمزا أو شيئا آخر له حرمة دينية.

4- من طبع ونشر كتابا مقتبسا عند طائفة دينية إذا حرف نصه عمدا تحريفا يغير من معناه أو إذا استخف بحكم من إحكامه أو شيء من تعاليمه.

5- من أهان علنا رمزا أو شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية.

6- من قلد علنا ناسكاً أو حفلا دينيا بقصد السخرية منه "وتشير المادة ال(10) من قانون العقوبات إلى "كل عراقي ارتكب وهو في الخارج فعلا يجعله فاعلاً أو شريكا في جريمة تعد جناية أو جنحة بمقتضى هذا القانون يعاقب طبقاً لأحكامه" بالإضافة إلى ما تقدم نجد ان الدستور العراقي وهو القانون الأسمى والأعلى في العراق يحظر في المادة السابعة منه "يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له" لذا يقع واجباً على الدولة العراقية اليوم وبكل مكوناتها عبء العمل الجاد على استرجاع هذا الجاني ومحاكمته علنا وإنزال حكم القانون به لما تسبب به من أذى نفسي وعقائدي للمسلمين والشعب العراقي خاصة.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2023
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق