لذلك يمثل المجلس أحد أبرز الضمانات التي من شأنها ان تحد من انحراف، أو تعسف مجلس النواب بالسلطة التشريعية لاسيما ان علمنا ان المجلس تشجر بين جنبات مكوناته السياسية الخلافات الحزبية وتعطل قراراته الإستراتيجية التحالفات المصلحية البعيدة كل البعد عن المصلحة الوطنية، وهذا ما بدا واضحا خلال العشرين...

  على الرغم من صراحة النصوص القانونية الواردة في الدستور العراقي للعام 2005 والتي تشير إلى حتمية تشكيل السلطة التشريعية الاتحادية من مجلسين حيث ورد في المادة (48) ما نصه "تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد"، إلا ان الإشكالية الأعظم ان الدستور أهمل جزءً من السلطة التشريعية ممثلاً بمجلس الاتحاد وأسهب في تبيان الأحكام القانونية لمجلس النواب.

 والواقع يشير إلى أحادية السلطة متمثلة بمجلس النواب لغاية اليوم بمخالفة صريحة وصارخة للنصوص الدستورية إذ أشارت المادة (137) إلى أنه "يؤجل العمل بأحكام المواد الخاصة بمجلس الاتحاد أينما وردت في هذا الدستور إلى حين صدور قرار من مجلس النواب بأغلبية الثلثين بعد دورته الانتخابية الأولى التي يعقدها بعد نفاذ هذا الدستور"، وظاهر هذا النص أن المجلس مخول سلطة إصدار القرار التشريعي في أي وقت يراه مناسباً كما يدعي البعض، بيد ان الركون إلى تسلسل المادة ضمن فصول الدستور نجد أنها وقعت ضمن الفصل الثاني المعنون بالأحكام الانتقالية من الباب السادس المعنون بالأحكام الختامية والانتقالية، ولما كانت تلك الأحكام تعنى بتنظيم الفترة المؤقتة للانتقال السياسي من نظام حكم إلى آخر ومن تنظيم دستوري أو قانوني إلى آخر جديد، والغاية منها تنظيم العمل وضمان استمرارية الوظائف العامة للدولة في المجالات التشريعية والتنفيذية والقضائية والمحافظة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

 وبهذا يمكننا القول ان المرحلة الانتقالية تصرمت بعد نهاية الدورة البرلمانية الأولى بدليل توقف العمل بمجلس الرئاسة على سبيل المثال واستبداله برئيس الجمهورية ودخول كل النصوص المنظمة لهذا المنصب حيز التنفيذ بعد ذلك مباشرة، ما يؤشر خلل مؤسسي لم يتم تداركه بشكل متعمد، ليس هذا فحسب إذ يشار إلى تباين في وجهة النظر الرسمية والشعبية بشأن هذا المجلس ذو الأهمية الإستراتيجية في بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية أولاً، والتمثيل الشعبي الحقيقي ثانياً، بعبارة أخرى هذا المجلس من شأنه ان يحقق التمكين المحلي من الشأن العام على المستوى الاتحادي.

 أضف لذلك يمثل المجلس أحد أبرز الضمانات التي من شأنها ان تحد من انحراف، أو تعسف مجلس النواب بالسلطة التشريعية لاسيما ان علمنا ان المجلس تشجر بين جنبات مكوناته السياسية الخلافات الحزبية وتعطل قراراته الإستراتيجية التحالفات المصلحية البعيدة كل البعد عن المصلحة الوطنية، وهذا ما بدا واضحا خلال العشرين سنة المنصرمة من عمر الدستور العراقي النافذ، وان تشكيل المجلس على المستوى الاتحادي ليس بدعة أو تجربة تفرد بها العراق بل هنالك العشرات من الدول التي تعتمد نظام ثنائية السلطة التشريعية.

 وبهذا الصدد نشير إلى ان الدستور العراقي ينص في المادة (65) على أن "يتم إنشاء مجلس تشريعي يدعى بـ"مجلس الاتحاد" يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته، وكل ما يتعلق به بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب"، ومن النص المتقدم نجد ان انجاز هذا القانون ورد على سبيل الجزم والإلزام وليس الاختيار وان التأخير في ذلك يثير السؤال عن المسؤولية المترتبة على من ستقع؟ وكيف ومتى يمكن تحريكها؟ ونشير بهذا الصدد إلى أن المنهاج الوزاري للحكومة الحالية أشار صراحة إلى أهمية قانون مجلس الإتحاد إذ أدرج ضمن الفقرات المتعلقة بالتشريعات والإصلاحات السياسية في الفقرة الثالثة والعشرين المعنونة بالتشريعات والإصلاحات التشريعية، والواقع ان الحكومة تماهت في تنفيذ هذا الوعد الذي قطعته للشعب ووافق عليه مجلس النواب العراقي.

وبالحقيقة ان التأسيس القانوني السليم للمجلس من شأنه ان يسهم في إكمال الهيئات الدستورية النظامية التي تتكون السلطات العامة منها، كما ان المجلس سيسهم في عدالة التمثيل بين المحافظات والأقاليم في العراق ويبعد شبح التمثيل غير المتكافئ الذي عانت ولا تزال تعاني منه المحافظات العراقية، ولما كان مجلس الاتحاد يضم ممثلين عن كل الوطن، فهو سيمثل باحة للحوار الوطني ويشكل أداة رقابة إضافية على الأداء الحكومي الاتحادي والإقليمي والمحلي بيد ان تشكيل المجلس تحول دونه صعوبات أيسرها الآتي:

أ‌- ان الدستور العراقي للعام 2005 لم يحدد.

- عدد أعضاء المجلس ولا طريقة انتخابهم ولم يتضمن نسبة معينة للتمثيل أسوة بمجلس النواب.

- عدد سنوات دورة المجلس ولا طريقة إدارته إذ يفترض ان عدد سنوات الدورة ينبغي ان تكون أطول نسبياً عن نظيره مجلس النواب كأن تكون لـ(5-6) سنوات.

- الدعوة لانتخاب أعضائه أو لعقد اجتماعاته لاسيما الجلسة الأولى.

- الدستور أهمل تبان التفاصيل المتعلقة باختصاصات المجلس على المستوى التشريعي والرقابي ولم يحدد أطر التنظيم الداخلي للمجلس.

ب‌- ان الدستور العراقي لم يحدد أسس العلاقة بين مجلس الاتحاد وكل من مجلس النواب أو السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية.

ت‌- ان الدستور أسند لمجلس النواب المهام الأخطر والأهم في مجال التشريع لاسيما القوانين المفصلية كقانون المحكمة الاتحادية العليا والنفط والغاز والموافقة على إعلان الحرب أو حالة الطوارئ والحق ان يسند إلى مجلس الاتحاد بعض هذه المهام الخطيرة والمهمة كونها تتصل بالشأن العام وتحتاج إلى قرار تسهم فيه كل المحافظات والأقاليم العراقية.

ث‌- أسند الدستور العراقي لمجلس النواب بعض المهام المفصلية التي تتعلق بالهيئات العامة دون الالتفات إلى أهمية إسنادها إلى مجلس الاتحاد أو إشراكه فيها على الأقل ومنها انتخاب رئيس الجمهورية ومساءلته، اختيار رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية وأسند مجلس النواب لنفسه بالقوانين الصادرة عنه العديد من المهام ومنها اختيار رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا، اختيار ومساءلة رؤساء الهيئات المستقلة كهيئة النزاهة بالشراكة مع الحكومة.

وكل ما تقدم بحاجة إلى وقفة وسؤال هل يمكن ان تثار مسؤولية مجلس النواب والحكومة أو ورئاسة الجمهورية عن هذا الإهمال المتعمد لنصوص الدستور والتعطيل الفاضح لها وهل يمكن ان تحرك هذه المسؤولية ومن قبل من؟ وأمام أي جهة ممكن ان يتم ذلك؟، وما تقدم من نقاط كان ولا يزال سبباً لفتح الحوار على المستوى الوطني بل يتساءل البعض عن الطبيعة القانونية للمجلس فهل هو تشريعي فقط؟ أم هو مجلس ذو طابع متميز؟ يبدو ان المشرع الدستوري فوت الفرصة المؤاتية لجعله مجلساً متميزاً في تشكيله واختصاصاته والسبب أنه أسند إلى مجلس النواب كما نوهنا إلى ذلك بمهمة إصدار قانون يبين تفاصيل تشكيل وعمل المجلس.

وحين نتساءل عن المسؤولية القانونية والأخلاقية التي تنبع من التماهي عن تأسيس مجلس الاتحاد وسائر الهيئات الدستورية الأخرى نجد ان المسؤولية بالدرجة الأساس تقع على مجلسي النواب والوزراء ورئيس الجمهورية:

أولا: مسؤولية مجلس النواب: إذ عهد إليه الدستور العراقي بالوظيفة التشريعية بموجب أحكام المادة (61/ أولاً) والمادة (65) المنوه عنها أعلاه التي ألزمت المجلس بسن قانون لمجلس الاتحاد والمادة (137) ألزمت مجلس النواب بإصدار قرار بأغلبية الثلثين للبدء بالأعمال التشريعية الخاصة بتأسيس المجلس.

ثانياً مسؤولية مجلس الوزراء: حيث عهد إليه المشرع الدستوري بموجب المادة (60) باختصاص تقديم مشروعات القوانين، كما الزم المادة (76) لنيل ثقة مجلس النواب بالحكومة التقدم ببرنامج حكومي يوافق عليه مجلس النواب بالأغلبية المطلقة ولما كان البرنامج الحكومي أشار إلى التزام الحكومة بتشريع قانون مجلس الاتحاد كما بينا أعلاه ولم تبادر الحكومة إلى ذلك الأمر الذي يثير مسؤوليتها السياسية التضامنية إزاء مجلس النواب والشعب العراقي.

ثالثاً: مسؤولية رئيس الجمهورية: حيث أشار الدستور العراقي بالمادة (67) إلى المركز القانوني للرئيس بأنه "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه، وفقاً لأحكام الدستور" ولما كان الرئيس هو الضامن للالتزام بالدستور فلماذا لم يخطر الرأي العام بخطواته بخصوص صيانة المؤسسات الدستورية وإجراءاته بسياق استكمال تأسيس هذه المؤسسات؟ ومنها مجلس الاتحاد لاسيما ان علمنا أنه أقسم اليمين بموجب المادة (50) من الدستور كما رئيس مجلس الوزراء والوزراء والنواب بصياغة "أقسم بالله العلي العظيم أن أؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية بتفانٍ وإخلاص وان أحافظ على استقلال العراق وسيادته، وأرعى مصالح شعبه واسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي وان اعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة واستقلال القضاء والتزم بتطبيق التشريعات بأمانة وحياد، والله على ما أقول شهيد".

ولما تقدم يتضح لنا أهمية تفعيل سبل المساءلة للجهات التي أهملت القيام بمهامها الدستورية والقانونية أولاً، وكذا التساؤل عن سبل الإنصاف للإرادة الشعبية التي تعمد القائمين على السلطات العامة تغييبها وتعطيل سبل مساهمتها في رسم السياسات العامة للدولة؟

 ولما كان مجلس الاتحاد الغاية الأساسية من تأسيسه تمثيل المحافظات والأقاليم بذاتها الأمر الذي يتطلب ان تكون له خصوصية نذكر منها على سبيل المثال آلية انتخاب المجلس إذ لم تحدد بشكل فني في الدستور العراقي، ولذا يفترض بالمشرع العراقي الاستفادة من التجارب الدولية التي أثبتت نجاعتها، فعلى سبيل المثال مجلس النواب أحيانا يجري انتخاب أعضائه إلا أن تصارعاً سياسياً يحول دون انتظام عمله أو اجتماعه في أقرب فرصة ممكنة، ولذا يفترض التفكير ان يكون الانتخاب نصف أو ثلث الأعضاء كل سنتين أو كل ثلاث سنوات بحسب عدد سنوات دورة المجلس لضمان استمرار عمل المجلس وعدم انقطاعها وبالتالي نضمن استمرارية عمله التشريعي والرقابي بشكل دائم.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2025

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

http://ademrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights



اضف تعليق