الخطوة الأولى من خطوات التوازن تتمثل بالمشاركة الواعية، لا العشوائية، أي التصويت للقوائم التي تمتلك مشروع انتخابي واضح وبرنامج قابل للتنفيذ، ومراقبة الأداء بعد الانتخابات، وإذا تحقق ذلك فقد تحول الصوت الانتخابي من مجرد رقم إلى أداة ضغط مستمرة، فهل التغيير ممكن؟...
هنالك جملة من الأسئلة عادة ما تتردد مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، حول أهمية المشاركة وجدواها في ظل الإحباط الذي يحمله الجميع من نتائج العلمية السياسية على مدار السنوات الماضية، وتكرار الوجوه والممارسات، ما يجعل خيار المقاطعة هو الأنسب بالنسبة للبعض الذي اخذ يلوح بهذا الخصوص.
فهل المقاطعة من الأساليب الفعالة في بلد مثل العراق؟
المقاطعة من طرق الاحتجاج التي غدت بالية ودون جدوى على الصعيد السياسي، فهي لم تحقق التغيير المطلوب، بل تسهم وبشكل كبير في تكريس الوضع الحالي، من خلال فسح المجال امام العديد من الشخصيات المغمورة للظهور الى الساحة السياسية وتمكينهم من اتخاذ القرار.
في السطور القادمة نحاول الإجابة على القدر الأكبر من الأسئلة التي يتناقلها معظم العراقيين.
فالمقاطعة للانتخابات البرلمانية تعني ان الفرد "المواطن" قدم هدية على طبق من ذهب للأحزاب الحاكمة في الوقت الحالي، التي تخشى من الاقبال الواسع والوعي الكامل الذي يحارب وجودها وربما يحمي الكثير منها من الوجود، كما تفعل المشاركة الواسعة في بعض البلدان من سحب البساط من تحت اقدام القوى المؤثرة.
وعلى الرغم من ان الانتخابات تعد الأداة المدنية لانتقال السلطة، ويحث جميع العقلاء على المشاركة فيها، لكنها تبقى بالنسبة لبعض القوى الحاكمة، وسيلة من وسائل الازعاج والتهديد الوجودي، فمثلا نلاحظ الكثير من الدعوات لعودة التيار الصدري من اجل المشاركة في الانتخابات المقبلة.
لكن وفي الوقت نفسه هذه الدعوات وان كانت تحمل في ظاهرها نوايا سليمة، لكن في الخفاء الكثير لا يود العودة او المشاركة، ذلك ان العودة تعني ان التيار الصدري وما تمثله من كتلة برلمانية، يعودون لنفس التأثير السابق في العلمية السياسية وتقاسم الاطباق بنسبة لا تقل عن المئة بالمئة.
وعليه يكون رجوع التيار من مصادر القلق بالنسبة للقوى التي حاصرته لتخرجه في الدورة السابقة من مقاعد التمثيل السياسي.
ولهذا فالانتخابات القادمة ليست حلا سحريا لجميع المشكلات العالقة، فهي ربما تختلف قليلا عن الانتخابات السابقة بحكم الظرف الذي تعيشه المنطقة، وقد يحدث خللا في توازنات القوى الدولية، لكن على المدى القريب لا يوجد تأثير كبير على العملية السياسية في البلاد طالما يبقى واقفا على الحياد.
هنالك حقيقة ربما غائبة عن اذهان الكثيرين من الناخبين، وهي اعتبار الانتخابات غاية لا وسيلة، بينما هي في الحقيقية وسيلة لتحقيق غاية التغيير الشامل او النسبي الكبير، فهي الوسيلة الأكثر اتاحة لتغير قواعد لعبة السياسة الداخلية، ومن دون هذه المشاركة الشعبية الواسعة تفقد الانتخابات معناها وتصبح مجرد إجراء شكلي تنتجه القوى المتنفذة وتعيد عبره إنتاج سلطتها.
في المقابل هل المشاركة تعني الرضى عن الواقع السياسي؟
المشاركة في الانتخابات لا تعني الرضى المطلق عن الواقع بل العكس، ولهذا نقر بأهميتها لتغييره، ولا ننسى ان المقاطعين غالبا ما ينطلقون من شعور بعدم جدوى التصويت، أو اعتقاد بأن النظام مغلق وغير قابل للإصلاح، لكن التاريخ القريب يُثبت أن غياب الصوت الاحتجاجي داخل صناديق الاقتراع لا يُضعف السلطة القائمة، بل يُريحها من القلق ويمنحها حرية أوسع في فرض إرادتها.
في معظم التجارب تؤدي المقاطعة إلى تقليل نسبة المشاركة العامة، ما يمنح الأفضلية للكتل المنظمة والتي تمتلك قواعد تصويتية ثابتة، مثل القوى الطائفية أو المليشياوية أو المرتبطة بمصالح اقتصادية، وبالتالي، تكون نتيجة المقاطعة إعادة تدوير نفس الوجوه التي يرفضها الناس.
وحينما يُحجم الشباب والمثقفون والمستقلون عن التصويت، فإن البرلمان المقبل لن يضم صوتهم، ولن يشعر بالحاجة إلى تمثيلهم، فالنظام السياسي في العراق، بما فيه من مشاكل تراكمية، لن يتغير بطريقة الامتناع عن المشاركة، بل بخلق توازنات جديدة داخل مؤسساته، تبدأ من البرلمان.
والخطوة الأولى من خطوات التوازن تتمثل بالمشاركة الواعية، لا العشوائية، أي التصويت للقوائم التي تمتلك مشروع انتخابي واضح وبرنامج قابل للتنفيذ، ومراقبة الأداء بعد الانتخابات، وإذا تحقق ذلك فقد تحول الصوت الانتخابي من مجرد رقم إلى أداة ضغط مستمرة.
فهل التغيير ممكن؟
من السهل حصول التغيير وما يؤكد ذلك بروز عدد من النواب المستقلين في الانتخابات السابقة، رغم كل العوائق، فهو دليل على أن التغيير ممكن ولو كان تدريجيا.
خلاصة ... الفرص لا تتكرر وعلينا تقع مسؤولية التغيير، فلنجعل من الانتخابات القادمة موعدا مع الإرادة، لا مناسبة جديدة للخذلان، لا سيما وان المشاركة في الانتخابات ليست مجرد فعل موسمي، بل جزء من معركة طويلة لتحسين الواقع السياسي.
اضف تعليق