الثابت ان المنطقة كلها تواجه أزمة مياه، والجفاف يهدد الجميع ولو بنسب متفاوتة. مع ايران لم تكن هناك مشكلة مياه، ولم يكن هناك اتفاق معهم سوى اتفاقية اذار، التي قسمت شط العرب بين البلدين. لم تتحرك المشكلة سوى في السنوات الأخيرة مع تراجع كميات المياه الداخلة إلى العراق...

إيران تشكو من عدم ارسال أفغانستان لحصتها من نهر هلمن، الذي ينبع داخل افغانستان ويصب في بحيرة عند الحدود المشتركة، والعراق يشكو من قطع ايران مياه انهارها، التي ترفد نهر دجلة وسدود دربندخان ودوكان وحمرين.

العراق أيضا يشكو من تراجع المياه القادمة من تركيا في نهري دجلة والفرات، والخبراء يتحدثون عن كارثة قادمة تستدعي اعلان حالة طوارئ مائية.

الثابت ان المنطقة كلها تواجه أزمة مياه، والجفاف يهدد الجميع ولو بنسب متفاوتة. مع ايران لم تكن هناك مشكلة مياه، ولم يكن هناك اتفاق معهم سوى اتفاقية اذار، التي قسمت شط العرب بين البلدين. لم تتحرك المشكلة سوى في السنوات الأخيرة مع تراجع كميات المياه الداخلة إلى العراق.

وحيث ان الدولتين المتجاورتين تتأثران ببعضهما، فلا مناص من التعاون معاً في مواجهة موجة الجفاف على قاعدة تقاسم الضرر، وليس تقليل الضرر على حساب الجار الذي جاره بالجفاف أيضا.

فالتصحّر في العراق يكون سبباً لكثير من العواصف الترابية التي تضرب ايران، والأخيرة تشكو من تلوث الغبار القادم من العراق بمواد مشعّة. من اشكال التعاون هو ما يمكن أن تقدمه ايران من تقنيات الري الحديثة التي تطبقها، والتي تقلل نسبة استهلاك المياه في الزراعة بشكل كبير.

هذه إحدى حاجات العراق الملحّة التي تأخر الاهتمام بها كثيراً، وكانت ذريعة دائمة للجانب التركي الذي يردّ على المطالبة العراقية بإطلاقات أكبر للمياه بالقول: إن أغلب هذه المياه تهدر في وسائل الري التقليدية.

مع الجانب التركي، لا يتوقف الامر عند شح المياه سبباً لقلة الاطلاقات إلى العراق، فلا يمكن تحييد العامل السياسي وموضوع الضغط المتعلق بأخذ امتيازات تخص الطاقة، التي تشكل هاجساً للحكومة التركية على مرّ العقود. بناء السدود العديدة ساهم بشكل كبير في تراجع كميات الميا، لكن إطلاق حاجة العراق منها ليس بالأمر العسير، بدليل الإعلان عن إطلاق المياه لمدة شهر فقط بعد زيارة رئيس الوزراء لأنقرة مؤخراً.

قرار المحكمة الفرنسية بتغريم تركيا بعد تجريمها بالتصدير غير القانوني للنفط من إقليم كردستان العراق، أفقد أنقرة الكثير من الامتيازات التي كانت تحصل عليها من الإقليم سابقاً.

هذا ما يبدو سبباً حقيقيا لعدم استئناف ضخ النفط العراقي، وفق الاتفاق الجديد الذي جعله ضمن شروط شركة تسويق النفط العراقية «سومو». الجانب التركي يريد ذات الامتيازات السابقة وهو بحاجة إلى هذا النفط، سواء كانت الكميات التي يستهلكها، أو التي يشتريها بثمن منخفض ليعيد بيعها، أو تلك التي يبيعها الإقليم عبر ميناء جيهان التركي.

تزامن توقف التصدير عبر تركيا، مع تفاقم أزمة الجفاف في العراق يشي بوجود ضغط تركي باتجاه المقايضة، وهو ما لم تفكر باستخدامه الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003 في ظل تحول العراق إلى سوق استهلاكية للبضائع التركية، وعمل مئات الشركات التركية في العراق، والتي يرتبط اغلبها بحزب أردوغان. وصلنا الآن إلى مرحلة إعطاء المزيد من الامتيازات من أجل الحصول إلى اطلاقات مائية. مبدأ مقايضة المصالح صحيح، لكن لو تم ذلك قبل عقد أو عقدين، لكانت تنازلات العراق أقل ومكاسبه أكبر.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق