يُقال ان عنترة بن شداد، سُئل مرة عن كيفية تحقيقه الانتصارات على اعدائه في معاركه وجعلهم يفرون من مواجهته، فأجاب بانه عند بدء المعركة، يختار اضعف الرجال في معسكر العدو فيهجم عليه بشدة ويبطش به امام الآخرين، فيثير بذلك الرعب في نفوس الاقوياء ويجعل معنوياتهم تنهار...
يُقال ان عنترة بن شداد، سُئل مرة عن كيفية تحقيقه الانتصارات على اعدائه في معاركه وجعلهم يفرون من مواجهته، فأجاب بانه عند بدء المعركة، يختار اضعف الرجال في معسكر العدو فيهجم عليه بشدة ويبطش به امام الآخرين، فيثير بذلك الرعب في نفوس الاقوياء ويجعل معنوياتهم تنهار، وهكذا ينتصر في النهاية!
ماحدث في مصر، لم يكن عفويا ابدا، وانه جاء في سياق مخطط تضافرت لأجله جهود داخلية مصرية وخارجية، تتصل بطبيعة الصراع في المنطقة، ودور القوى الكبرى ومصالحها، وما تريده من ما يسمى بـ"الربيع العربي" الذي تحكمت بمخرجاته، بشكل واضح بعد ان تدخلت بشكل او بآخر في مدخلاته التي ضبطتها بطريقة بالغة الدهاء، تمثلت في امساك ايدي الانظمة عن قمع الاحتجاجات الداخلية، بعد ان ادخلت الامر في حسابات قيمية عالمية، تتصل بحقوق الانسان وحرية التعبير عن الرأي وحق الشعوب في الديمقراطية وغيرها من المقولات التي باتت عنوانا (سياسيا) للعبة كبرى، لا يمكن ان تكون مخرجاتها خارج حسابات الكبار بأي شكل من الأشكال.
لم يكن الاخوان المسلمون في مصر، الحزب الاضعف بين الدول التي ينشط فيها هذا التنظيم، لكن مصر بشعبها الذي يتجاوز التسعين مليونا لم تكن في غالبيتها اخوانية، وان القوى المدنية فيها هي الأغلبية الكاسحة، لكنها لم تكن منظمة بما يكفي لمواجهة الاخوان، المنظمون بشكل جيد والنافذون الى الشرائح الفقيرة في المجتمع، والمتحكمون بالنتيجة في لعبة الانتخابات، التي حققوا فيها نتائج كبيرة في نسختيها التشريعية والرئاسية، على الرغم من انها في معطاها النهائي لم تكن معبرة عن وجود اغلبية اخوانية على مستوى الشارع، لكن انقسام القوى المناهضة لهم فسح المجال امامهم للإمساك بالسلطة، ليغدو النموذج الإخواني المصري ملهما ومحفزا لقوى الاخوان الأخرى في المنطقة بأن تتقدم وتندفع بحماسة باتجاه "أخونة المنطقة" بعد ان "تأخونت" مصر على مستوى التشريعات والإمساك بالحلقات المفصلية للدولة.
هذا ما جعل القوى الكبرى تعيد حساباتها الستراتيجية التي رسمتها لـ"الربيع العربي" وتبحث عن سبل جديدة لجعل مخرجاته النهائية متوافقة مع الاهداف المرسومة سلفا، اي اقامة انظمة موالية ومنسجمة مع الرؤية الاميركية الغربية، وبمرجعيات مدنية، لأن امساك السلطة من قبل القوى الاصولية في المنطقة قد يجعل العلاقة مع الغرب والعالم بشكل عام في المستقبل معقدة، وكان لابد من مسعى جاد لإنهاء حكم الاخوان في مصر، وسينفذ بطريقة تكاملت فيها إرادة خارجية مع ارادة شعبية مصرية، بغالبية معقولة ضد الاخوان الذين احرجتهم الحشود المليونية التي خرجت في 30 حزيران من العام الماضي، بعد ان تمت اعادة تنظيم القوى المدنية المصرية، الامر الذي وضع الجميع امام استحقاق جديد، سيكون الاخوان ضحيته الاكبر بسبب غرورهم وحساباتهم الخاطئة في مسألة ادارة الدولة التي اعتقدوا انهم امتلكوها وحسموا الامر لهم، متناسين إن الحسابات الدولية اكبر بكثير من سذاجتهم التي غلفتها نشوتهم الشديدة وهم يرسمون صورة لمصر لا يريدها العالم.
هذه الإرادة مسنودة بحراك شعبي سيتم الدفع به الى النهاية، وبخارطة طريق بدأت باطاحة الرئيس محمد مرسي، كبداية لمسلسل طويل، مقرر له ان يبدأ بمصر وينتهي بآخر معقل للاخوان في المنطقة، وهو ما سيتم العمل عليه مستقبلا، وبطريقة الخطوة خطوة.
المعنى ان الذي حصل في مصر، هو ضربة عنترة بن شداد الاولى، لكن ليس الى الضعيف بل الى القوي الذي سيجعل الاضعف منه، مستسلمين، لان احدا منهم لايريد ان يرى "سيسيا" آخر يلقي به في قفص الاتهام، لان العمق الخارجي للظاهرة "السيسية" بات معروفا للجميع، وان هذا العمق يبحث عن حركة احتجاج ولو صغيرة في الشارع، لانها ستكون كافية لتغيير قواعد اللعبة، التي كان يجب ان يعرفها الجميع من قبل!
اضف تعليق