موسى يشق البحر الأحمر

التحديات الاستراتيجية لإسرائيل مع ظهور طرق جديدة

يحمل المشروع تداعيات جيوسياسية واقتصادية هامة للمنطقة. وبينما يعد الجسر بمكاسب لوجستية وتكاملاً أعمق بين الخليج وإفريقيا، فإنه يمثل أيضاً تحديات استراتيجية، لا سيما لإسرائيل. يتجاوز هذا الرابط البري الجديد إسرائيل بالكامل، مما يخلق بديلاً لـ الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) المقترح، والذي كان من...

يقدّم هذا المقال الذي نشره المجلس الأطلسي بقلم عاميت ياروم، تحليلاً للمشهد الجيوسياسي المتغير في الشرق الأوسط، ويناقش مشروع جسر موسى، وهو جسر جديد يربط بين المملكة العربية السعودية ومصر عبر مضيق تيران، ممّا يخلق طريقاً برياً يربط آسيا وأفريقيا. يؤكد الكاتب أن هذا الجسر، إلى جانب ممرات النقل الإقليمية الناشئة الأخرى، يتجاوز إسرائيل ويشكل تحدياً لدورها كمركز عبور رئيسي في الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC). 

هذا الجسر الجديد بتكلفة 4 مليارات دولار عبر مضيق تيران قد يقلب خطط دمج إسرائيل ماديًا في الشرق الأوسط.

وفيما يلي ترجمة المقال:

في خطوة كبيرة تعيد تشكيل الاتصال عبر البحر الأحمر، أعلنت المملكة العربية السعودية ومصر مؤخراً عن خطط نهائية لـ جسر موسى، وهو جسر/معبر يبلغ طوله اثنين وثلاثين كيلومتراً يربط الساحل السعودي في رأس حميد بـ شبه جزيرة سيناء المصرية في شرم الشيخ. سمي هذا المشروع العملاق الطموح تيمناً بالقصة التوراتية لموسى وهو يشق البحر الأحمر، ويهدف إلى الربط المادي بين آسيا وإفريقيا، مما يعزز التجارة والسياحة ومسارات الحج بين الخليج وشمال إفريقيا. يتم تمويل المبادرة بالكامل من قبل الرياض، وهي تعكس دبلوماسية البنية التحتية الأوسع لولي العهد الأمير محمد بن سلمان في إطار رؤية 2030. وتشكل هذه الخطوة تحولاً من عقود من النقاش إلى مرحلة التنفيذ.

يحمل المشروع تداعيات جيوسياسية واقتصادية هامة للمنطقة. وبينما يعد الجسر بمكاسب لوجستية وتكاملاً أعمق بين الخليج وإفريقيا، فإنه يمثل أيضاً تحديات استراتيجية، لا سيما لإسرائيل. يتجاوز هذا الرابط البري الجديد إسرائيل بالكامل، مما يخلق بديلاً لـ الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) المقترح، والذي كان من المتوقع أن تعمل فيه إسرائيل كعقدة عبور رئيسية. وإلى جانب الممرات البرية الناشئة عبر سوريا والعراق المعاد تأهيلهما، يسلط جسر موسى الضوء على مستقبل محتمل يتم فيه استبعاد إسرائيل من التكامل الإقليمي إذا استمرت التوترات السياسية.

قد تتحدى هذه المسارات البديلة إسرائيل، ولكن يجب أن تكون أيضاً بمثابة جرس إنذار بشأن ما هو على المحك وما هو ممكن. يجب على إسرائيل أن تقاوم فكرة النظر إلى هذه الممرات الجديدة على أنها تهديد صفري؛ بل يمكن لمسارات العبور المتعددة أن تتعايش بل وتكمل بعضها البعض إذا تم التعامل معها ببصيرة استراتيجية وواقعية. وربما الأهم من ذلك، يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل التعامل مع هذه التطورات لا كمنافسة يجب التغلب عليها، ولكن كـ زخم يجب تسخيره؛ من خلال التنسيق، والدبلوماسية الهادئة، والمكاسب الاقتصادية المشتركة.

من الرؤية إلى الواقع: جسر موسى

يعكس مشروع جسر موسى نية السعودية ومصر في تنويع الاتصال بشروطهما الخاصة. اكتسبت الخطة زخماً بعد أن نقلت مصر ملكية جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين إلى السعودية في عام 2017، مما أزال عقبة دبلوماسية رئيسية. وفي يونيو 2025، وبعد مرور ما يقرب من عقد من الزمان، أكد وزير النقل المصري كامل الوزير أن جميع أعمال التخطيط للجسر اكتملت، وأن البناء يمكن أن يبدأ "في أي وقت"، بانتظار الموافقة النهائية.

يُعد الموقع الاستراتيجي للمشروع حاسماً. فـ مضيق تيران هو البوابة الوحيدة لإسرائيل إلى ميناء إيلات على البحر الأحمر، ويخضع لضمانات دولية نابعة من اتفاقيات كامب ديفيد. ومع ذلك، وبوجود ضمانات أمنية مدعومة من الولايات المتحدة، لم تعارض إسرائيل الخطة. من الناحية اللوجستية، يتمتع جسر موسى بالقدرة على تبسيط التجارة والسفر الإقليمي بشكل كبير. وقد تم تصميمه لدعم حركة المرور البرية وربما السكك الحديدية، ومن المتوقع أن يتصل بشبكة السكك الحديدية السعودية المتوسعة والبنية التحتية المصرية النامية في سيناء. 

وسيدعم الجسر أيضاً مشروع مدينة نيوم السعودية العملاقة، الذي يقع بالقرب من نقطة النهاية السعودية. ويقدر المسؤولون أن الجسر يمكن أن يخدم أكثر من مليون مسافر سنوياً، بما في ذلك الحجاج المسافرون مباشرة من شمال إفريقيا إلى المدن المقدسة في السعودية. ومن خلال توفير بديل بري، قد يخفف الجسر الضغط على نقاط الاختناق البحرية ويساعد في تقليل أوقات العبور وتكاليف الشحن، وهو أمر مهم بشكل خاص نظراً للضغط المالي الأخير على قناة السويس الناجم عن اضطرابات الحوثيين في البحر الأحمر.

بالنسبة للسعودية، يمثل المشروع أكثر بكثير من مجرد طموح هندسي مدني؛ إنه حجر الزاوية في استراتيجية المملكة الجغرافية-الاقتصادية الأوسع. تمنح رؤية 2030 الأولوية لتطوير البنية التحتية كوسيلة لتحويل السعودية إلى قوة لوجستية تربط إفريقيا وآسيا وأوروبا، بهدف تصنيفها ضمن أكبر عشرة مراكز لوجستية في العالم. وفي هذا السياق، فإن الجسر ليس مجرد رابط بين الكتل الأرضية، بل هو أداة استراتيجية للتأثير، يربط القارات مادياً مع تعزيز دور السعودية كمركز إقليمي لا غنى عنه للاتصال والتجارة.

سياق ممر IMEC: دور إسرائيل المتجاوز

ظهر جسر موسى في وقت تتسابق فيه القوى الإقليمية لإنشاء روابط بين الشرق والغرب. ففي قمة مجموعة العشرين (G20) عام 2023، أعلنت الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي عن مبادرة IMEC، وهو ممر تجاري مقترح يربط الموانئ الهندية بأوروبا عبر الخليج وإسرائيل. وتضمنت الخطة مسارين: رابط بحري في المحيط الهندي إلى شبه الجزيرة العربية، وطريق بري شمالي يمر عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل وصولاً إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط.

بالنسبة لإسرائيل، كان مشروع IMEC بمثابة فائدة استراتيجية، حيث يقدم فوائد اقتصادية ودبلوماسية من خلال توليد إيرادات العبور وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. وقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الممر بأنه "نعمة لشرق أوسط جديد سيحول الأراضي التي كانت تعاني من الصراع والفوضى إلى حقول للازدهار والسلام". وقد تماشى ذلك مع زخم اتفاقيات إبراهيم ورؤية إسرائيل كشريك حيوي في اللوجستيات والتجارة الإقليمية.

لكن مشروع IMEC يواجه رياحاً معاكسة. فاندلاع حرب غزة في أواخر عام 2023 خفف من الحماس الإقليمي وعلّق محادثات التطبيع بين السعودية وإسرائيل، مما ألقى بظلال من الشك على موثوقية إسرائيل السياسية كشريك. وفي الوقت نفسه، بدأت الأطراف الإقليمية في تنويع خياراتها.

استراتيجية التحوط السعودية

يعكس جسر موسى استراتيجية التحوط الأوسع للسعودية. وتستثمر الرياض في ممرات متعددة: شرقاً إلى الهند، وغرباً إلى إفريقيا، وشمالاً عبر العراق وسوريا إلى تركيا. كل هذه الطرق تتجاوز إسرائيل. وبينما وضع مخطط IMEC إسرائيل في المركز، يسمح جسر موسى للسعودية بالاتصال بأوروبا بشكل مستقل، عبر البوابة المصرية على البحر الأبيض المتوسط، مما يوفر بديلاً "منزوعاً من التسييس" يتجنب مخاطر التورط في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

كان المسؤولون السعوديون واضحين في هذا الصدد. ففي أكتوبر 2024، كرر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن التطبيع مع إسرائيل "ليس مطروحاً على الطاولة" حتى يتم التوصل إلى "حل لإقامة الدولة الفلسطينية". علاوة على ذلك، تشير استطلاعات الرأي الحديثة إلى أن 81% من السعوديين يعارضون التطبيع مع إسرائيل. ونظراً للتوترات العالية وعداء الرأي العام، فمن غير المرجح أن تتبنى المملكة مشاريع بنية تحتية مرتبطة بإسرائيل في المدى القريب.

دور مصر الآخذ في التوسع

أما مصر، فترى في الجسر وسيلة لتعزيز نظامها اللوجستي الخاص بها، وضمان أن الشحن القادم عبر جسر موسى يمكن أن ينتقل بكفاءة إلى موانئ مثل بورسعيد أو دمياط. ويتكامل الجسر مع استراتيجية مصر الوطنية للنقل واللوجستيات. وتتطلع القاهرة أيضاً إلى تقليل اعتمادها على قناة السويس، التي انخفضت إيراداتها بنسبة 50% تقريباً وسط توترات البحر الأحمر، من خلال توسيع الطرق التجارية البرية. إذا نجحت هذه البنية التحتية، يمكن أن تساعد مصر في إعادة تموضعها كجسر بري بين إفريقيا والخليج وأوروبا؛ متجاوزة إسرائيل مرة أخرى.

بالإضافة إلى جسر موسى، نوقش مساران بريان إضافيان: إعادة الفتح التدريجي لسوريا، والذي يمكن أن يعيد ربط دول الخليج بتركيا عبر السعودية أو الأردن، و"طريق التنمية" المقترح للعراق، الذي يربط ميناء الفاو الكبير بتركيا. وكلاهما يوفر بدائل نظرية، رغم أن كل منهما يواجه عقبات مالية وسياسية وأمنية كبيرة.

التداعيات الجيوسياسية على إسرائيل

تشير هذه التطورات مجتمعة إلى وجود العديد من البدائل البرية التي يمكن أن تقلل من الضرورة الاستراتيجية لإسرائيل كمركز عبور. إن جسر موسى هو أكثر من مجرد رابط مادي، إنه رسالة استراتيجية: السعودية ومصر تبنيان البنية التحتية لشرق أوسط ما بعد الصراع قد لا يعتمد بالضرورة على إسرائيل. وبالنسبة للولايات المتحدة، يمكن لهذا التحول أن يقلص إحدى قنوات نفوذها الرئيسية المحتملة في المنطقة.

تعزز الإشارات الدبلوماسية الأخيرة هذا التحول. خلال جولته الخليجية في مايو 2025، زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرياض والدوحة وأبو ظبي، ولكنه تخطى إسرائيل بشكل لافت للنظر. وفي تصريحات ألقاها في الرياض، اقترح حوافز اقتصادية جديدة للسعودية دون ربطها بالتطبيع مع إسرائيل، وهو خروج صارخ عن السياسة الأمريكية الماضية. كانت الرسالة واضحة: "الطريق إلى واشنطن لم يعد بالضرورة يمر عبر القدس".

المسارات الاستراتيجية للمضي قدماً

كيف ينبغي لواشنطن أن تستجيب لهذه التطورات؟ يجب أن تتولى الولايات المتحدة دوراً قيادياً أكثر استباقية في دفع ممر IMEC، ويشمل ذلك تشجيع العمل المتعدد الأطراف بين إسرائيل ومصر والهند والأردن ودول الخليج، والتشجيع على قابلية التشغيل البيني بين مشاريع البنية التحتية. كما يجب على الولايات المتحدة أن ترفع مكانة IMEC كـ أولوية استراتيجية، لترسيخ نفوذ واشنطن وموازنة نفوذ القوى المنافسة.

على نطاق أوسع، يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل أن تدعوا إلى تأطير "منزوع من التسييس" لمشروع IMEC، يركز على الفوائد الاقتصادية واللوجستية المتبادلة بدلاً من التطبيع الرمزي. قد تخلق الدبلوماسية الهادئة التي تؤكد على المصالح المشتركة في الاتصال وتخفيف آثار المناخ والأمن الغذائي مساحة للمشاركة مع الدول العربية والإسلامية التي لا تزال حذرة من العلاقات مع إسرائيل.

أما إسرائيل، فيجب أن تستجيب بالعمل لا بالهلع. يجب أن تكون إعادة بناء الثقة مع السعودية أولوية قصوى. ويمكن أن تساعد التهدئة المستدامة في غزة، مقترنة بخطوات ذات مغزى نحو مستقبل مستدام ومفعم بالأمل للفلسطينيين، في تنشيط الحوار المتوقف واستعادة الثقة بين الدول العربية.

أخيراً، يجب على إسرائيل أن تستثمر في بنيتها التحتية اللوجستية الخاصة بها، خاصة في الرقمنة واللوجستيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي. ومن شأن هذا أن يعزز جاذبيتها ويجعل المشاركة في IMEC والممرات المستقبلية أكثر إقناعاً. إذا تم التعامل مع الأمر بواقعية وبتنسيق وثيق مع واشنطن، فلا يزال بإمكان إسرائيل أن تضع نفسها كشريك قيم؛ ليس فقط ضمن IMEC، ولكن في شبكة ناشئة من الممرات الإقليمية. النافذة مفتوحة، ولكن ليس إلى الأبد.

* عاميت ياروم هو طالب دراسات عليا في كلية إليوت للشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن. وهو باحث في السياسة الخارجية متخصص في منطقة الخليج العربي.

https://www.atlanticcouncil.org/

اضف تعليق