لن نكون الصين –بأي حال من الاحوال- ولكن؛ على الخارطة دول ذكية تمكنت من الارتقاء بمستوى اقتصادها بفضل الانفتاح على الدول المتقدمة في مجالات تفيد اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية الخاصة، واذا أوردنا العراق مثالاً للبلد المحتاج بإلحاح الى مشاريع تنموية بالدرجة الاولى، فان امامه اكبر الفرص لذلك، كونه يفتح ابوابه على مصراعيها لدول مصنّعة...

عندما نتحدث عن تجارب البلاد المتقدمة علمياً وتقنياً، فانما نشير الى المنهج والادوات والسبل، ومنها الاستفادة من تجارب الآخرين وخبراتهم في مجالات التعليم والبناء والصحة وغيرها، حتى تكون الخطوة اللاحقة في الوصول الى مصاف الدول المتقدمة وتبدأ المنافسة على السوق والتأثير في الاحداث العالمية، ومثالنا الأبرز؛ الصين الشعبية التي انطلقت في اقتصادها من نظام قائم على الايديولوجيا الماركسية واقتصاد الدولة الخانق، لتصل الى رحاب اقتصاد حر وسوق مفتوحة على العالم، وفرص متاحة لمليار انسان بالعمل والانتاج والتملك، مستفيدين من الانفتاح على الاقتصاد الغربي وما فيه من تقنية وتجارب وخبرات.

الصين لا تكتفي بما لديها من تقدم علمي وتقني، انما تسعى للمزيد من الخبرات والاستثمارات في مجالات عدة، فهي تبحث عن متبغاها في كل مكان بالعالم، حتى وإن كان في بقعة، هي من أكثر البقاع خطورة واستقطاباً للأزمات والحروب مثل اسرائيل!

وهل وجدت الصين أي تناقض بين ما تقوم به اسرائيل من جرائم قتل وتشريد وتجريف واستيطان وقائمة تطول بحق الفلسطينيين، وما تقوده من أزمات وحروب في المنطقة، ولاسيما في سوريا، وايضاً علاقات مضطربة مع دول المنطقة، وبين ما تقوم هي (الصين) من ندوات ومؤتمرات اقتصادية وفكرية مع الاسرائيليين، بحثاً عن أسواق جديدة وتقنيات حديثة.

وفي تقرير لمراسل "بي بي سي" للشؤون الاقتصادية، جاء أنه "خلال عام 2016 زادت الاستثمارات الصينية المباشرة في اسرائيل بمقدار ثلاثة أضعاف، لتصل الى 16مليار دولار"، وحسب ادعاء مُعد التقرير فانه "خلال العقدين الماضيين، عزز الاقتصاد الاسرائيلي مكانته كمركز رائد للتطوير التقني، ويقول معلقون ان الشركات الصينية ترغب في الوصول الى هذه التقنية، بينما ترغب الشركات الاسرائيلية في الوصول بشكل افضل الى السوق الصيني الواسع"، ويشير التقرير الى مؤتمرات ومنتديات اقتصادية تعقد بين الجانبين بشكل سنوي، منها "منتدى سيليكون دراغون اسرائيل" الذي عقد في اسرائيل مؤخراً.

ولا يخفى ما تنطوي عليه العلاقات الصينية – الاسرائيلية، من بعد سياسي الى جانب البعد الاقتصادي الذي هو –بالحقيقة- متفرع من الأول، بيد ان المهم لدينا طريقة عمل الصينيين وبحثهم الدؤوب عن الافضل في أي مكان بالعالم، غاضين النظر عن أي عائق او مشكلة في الطريق، وإلا فان تطور هذه العلاقات لم يكن لولا الضوء الاخضر الاميركي لتكون الصين البديل عنها في ضخ الاستثمارات الى هذا الكيان الغاصب مقابل شراء موقفها المحايد او الملتزم إزاء سياساتها في المنطقة ولاسيما المواجهة المحتدمة والمتصاعدة مع ايران.

لن نكون الصين –بأي حال من الاحوال- ولكن؛ على الخارطة دول ذكية تمكنت من الارتقاء بمستوى اقتصادها بفضل الانفتاح على الدول المتقدمة في مجالات تفيد اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية الخاصة.

واذا أوردنا العراق مثالاً للبلد المحتاج بإلحاح الى مشاريع تنموية بالدرجة الاولى، فان امامه اكبر الفرص لذلك، كونه يفتح ابوابه على مصراعيها لدول مصنّعة، وفي مقدمتها الصين، لتكون سوق كبيرة لمختلف المنتجات والسلع الاستهلاكية، وهكذا دول اخرى، بالامكان إجراء عملية تبادل السوق الاستهلاكية بالخبرات والتجارب التي يحتاجها في الحاضر وفي المستقبل.

والامر ليس على شاكلة الدورات التأهيلية في مجال التعليم والتنمية البشرية والصحة، إنما ينبغي الارتقاء الى حيث تطوير قطاعات استراتيجية في الاقتصاد، مثل الطاقة والزراعة والطرق والاتصالات، فثمة دول نامية حققت نجاحات مشهودة في هذه القطاعات بالامكان عقد اتفاقيات تعاون علمي وتكنولوجي، وإرسال بعثات دراسات عليا في المجالات ذات الاهتمام لرفد المسيرة الاقتصادية والتنموية بمزيد من الافكار المبدعة.

ولابد من الاشارة هنا الى نقطة هامة تعزز فرصة العراق اكثر من غيره في مجال الحصول على التقنيات الحديثة من العالم، وهي خلوه من العلاقات المتأزمة مع دول العالم، ولاسيما العالم الغربي، بخلاف ما نلاحظه مع ايران –مثلاً- او حتى تركيا، فالعراق؛ بلد مايزال يمثل بالنسبة للدول الكبرى، أرضاً بكراً لم يشهد الاستثمار الحقيقي في مجالات الطاقة والمعادن والمواصلات وغيرها بسبب الظلال الكثيفة لعدم الاستقرار الامني منذ الاطاحة بنظام صدام، فهل يعني هذا ان يجلس المعنيون من أهل الحكم، وايضاً من اهل العقل والحكمة ينتظرون انقشاع الغمامة السوداء ليفتحوا مسارات الحوار الاقتصادي والعلمي مع العالم؟

واذا القينا نظرة على خلفية الغليان الشعبي نجد انه يعود الى اسباب نفسية، الى جانب المطالب الآنية، فالتخلف والأمية في المجالات الحيوية يستدعي الحرمان والتبعية للخارج، وهو بدوره يزرع روح الخيبة والخذلان في نفوس الناس، ولاسيما الشريحة المتعلمة والاكاديميين من خريجي الجامعات، من المعنيين في الحكومة لانها لم توظيف قدراتهم الذهنية ومواهبهم لخدمة البلد ومستقبله كما فعلت الدول النامية من مستوى العراق، وربما أقل من حيث القدرات البشرية والموارد الطبيعية الهائلة.

اضف تعليق


التعليقات

AHMAD A DASHTI
Al Salmiya
مؤخرا تحارب بريطانيا الموقف الصيني من الأتحاد الأوروبي وعلاقاته معه .. فكيف نثق بمصدر بريطاني عدو لدود للجميع تقريبا بهذا التصريح ..
ينبغي التدقيق على ما ذكر بالمقال قبيل بث السموم للعالم ..
الصين لن ولن نرتقي لمستواه لبعدها عن الخزعبلات التي نحن مشغولون فيها ..2018-07-25