الجهَلة الذين يُحاربونَ الفُرصةَ من دونِ علمٍ ويُواجهُون المُصلحِ والمُفكِّرِ المُتنوِّرِ من دونِ هُدى، لا يفقهُونَ شيئاً وليسَ لهُم درايةٌ في الأُمور وشعارهُم حشرُ معَ النَّاسِ عيدٌ فهُم يُقاتِلونَ التَّغيير ويُواجهُونَ المُتنوِّرينَ فقط لأَنَّ [الصَّنم] الذي يعبدُونهُ من دُونِ اللهِ يفعلُ ذلكَ. إِنَّهُم الذين يعتاشُونَ على موائدِ الفاسدِينَ...
ثانيَ الذين يُحاربُونَ فُرص التَّغييرِ والإِصلاحِ هُم المُستفيدُونَ من عطايا السُّلطةِ الغاشِمة.
إِنَّهُم الذين ربطُوا مصالحهُم ومصيرهُم ووجُودهم المالي والإِقتصادي ونفُوذهم الأَمني والسِّياسي بالسُّلطةِ الفاسِدةِ التي تتخادمُ معهُم على مُختلفِ المُستوياتِ.
وإِذا كانت أَدوات السُّلطة الغاشِمة في الحربِ على فُرصِ الإِصلاحِ هيَ السِّلاح الفتَّاك والتجسُّس والمُطاردة والإِعتقال والقتل، فإِنَّ سلاحَ ذيُولِها وأَبواقِها ما يلي:
- التَّشكيكُ في نوايا المُصلِحِينَ كما فعلُوا بالحُسينِ السِّبطِ (ع) عندما شنُّوا ضدَّهُ حملةً شعواءَ من التَّشكيك حتى وصلَت بهِم الوقاحةَ والنَّذالةَ والخِسَّةَ أَنَّهُم شكَّكُوا في علاقتهِ معَ أَخيهِ الحَسنِ السِّبط (ع) عندما اتَّهموهُ (ع) بأَنَّهُ لم يكُن على وِئامٍ في الموقفِ من السُّلطةِ الغاشِمةِ فكانَا (ع) على النَّقيضِ من ذلكَ!.
وللأَسفِ الشَّديدِ فلقدِ انطلَى هذا التَّشكيكُ على بعضٍ من [شيعتهِ] إِلى يَومِكَ هذا بسببِ حجمِ التَّضليلِ وسِعةِ الجهلِ.
- الطَّعنُ والسَّبُ والقَذفُ والشَّتمُ حتَّى قالوُا بكُفرِ عِدلِ القُرآنِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع)!.
يصفُ (ع) ذلكَ بقولهِ (أَصَابَكُمْ حَاصِبٌ ولَا بَقِيَ مِنْكُمْ آثِرٌ! أَبَعْدَ إِيمَانِي بِاللَّه وجِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللَّه (ص) أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ! «لقَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ!» فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ وارْجِعُوا عَلَى أَثَرِ الأَعْقَابِ! أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلاًّ شَامِلًا وسَيْفاً قَاطِعاً وأَثَرَةً يَتَّخِذُهَا الظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً).
أَمَّا ثالِثُ المُحاربينَ فهُم الجهَلة الذين يُحاربونَ الفُرصةَ من دونِ علمٍ ويُواجهُون المُصلحِ والمُفكِّرِ المُتنوِّرِ من دونِ هُدى، لا يفقهُونَ شيئاً وليسَ لهُم درايةٌ في الأُمور (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ) وشعارهُم [حشرُ معَ النَّاسِ عيدٌ] و [مَن تزوَّجَ أُمِّي أُسمِّيه عمِّي].
فهُم يُقاتِلونَ التَّغيير ويُواجهُونَ المُتنوِّرينَ فقط لأَنَّ [الصَّنم] الذي يعبدُونهُ من دُونِ اللهِ يفعلُ ذلكَ!.
ولقد أَحسنَ شاعِرُ أَهل البَيت (ع) في وصفهِم في قصيدةٍ رائعةٍ يشرحُ فيها حالَ هؤُلاء المساكينَ بقَولهِ؛
لِلحُكَّامْ أَفواهْ مأَجِّرَه
لِلحُكَّامْ كُلهُم لِزمَوْا سِرَه
الفاسِد تِتعنَّالَه
هَالنَّاس الحَيَّالَة
لِليِدفَع ميَّالَه
هَالنَّاس الحَيَّالَة
إِنَّهُم الذين يعتاشُونَ على موائدِ الفاسدِينَ على حِسابِ كرامتهِم وإِنسانيَّتهِم وعقلهِم!.
ولقد وصفهُم مرَّة أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقَولهِ يوصِي كُمَيل (يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ إِنَّ هَذِه الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ؛ النَّاسُ ثَلَاثَةٌ فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ ومُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ ولَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ).
وذاتَ مرَّةٍ أُتِيَ بِجَانٍ ومَعَهُ غَوْغَاءُ فَقَالَ (ع) (لَا مَرْحَباً بِوُجُوهٍ لَا تُرَى إِلَّا عِنْدَ كُلِّ سَوْأَةٍ).
وهذا النُّموذَج هوَ الأَخطرُ في المُجتمعِ على كُلِّ مُحاولةٍ للإِصلاحِ وعلى كُلِّ مُصلحٍ يُبادِرُ لاغتنامِ فُرصةِ التَّغييرِ والإِصلاحِ لأَنَّهُم الأَغلبيَّة التي تُشكِّلُ بجهلِها اليدُ الضَّارِبةُ التي تهوي بها السُّلطةُ الغاشِمةُ على رأسِ الفُرصةِ فتُحطِّمَها.
تعالُوا نقرأ جانِباً مِن مُعاناةِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) معَ هذهِ الشَّريحةِ.
يقُولُ (ع) (أَلَمْ تَقُولُوا عِنْدَ رَفْعِهِمُ الْمَصَاحِفَ حِيلَةً وغِيلَةً ومَكْراً وخَدِيعَةً؛ إِخْوَانُنَا وأَهْلُ دَعْوَتِنَا اسْتَقَالُونَا واسْتَرَاحُوا إِلَى كِتَابِ اللَّه سُبْحَانَه فَالرَّأْيُ الْقَبُولُ مِنْهُمْ والتَّنْفِيسُ عَنْهُمْ؟! فَقُلْتُ لَكُمْ؛ هَذَا أَمْرٌ ظَاهِرُه إِيمَانٌ وبَاطِنُه عُدْوَانٌ وأَوَّلُه رَحْمَةٌ وآخِرُهُ نَدَامَةٌ! فَأَقِيمُوا عَلَى شَأْنِكُمْ والْزَمُوا طَرِيقَتَكُمْ وعَضُّوا عَلَى الْجِهَادِ بَنَوَاجِذِكُمْ ولَا تَلْتَفِتُوا إِلَى نَاعِقٍ نَعَقَ، إِنْ أُجِيبَ أَضَلَّ وإِنْ تُرِكَ ذَلَّ! وقَدْ كَانَتْ هَذِه الْفَعْلَةُ وقَدْ رَأَيْتُكُمْ أَعْطَيْتُمُوهَا! واللَّه لَئِنْ أَبَيْتُهَا مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ فَرِيضَتُهَا ولَا حَمَّلَنِي اللَّه ذَنْبَهَا، ووَ اللَّه إِنْ جِئْتُهَا إِنِّي لَلْمُحِقُّ الَّذِي يُتَّبَعُ وإِنَّ الْكِتَابَ لَمَعِي مَا فَارَقْتُهُ مُذْ صَحِبْتُه، فَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّه (ص) وإِنَّ الْقَتْلَ لَيَدُورُ عَلَى الآباءِ والأَبْنَاءِ والإِخْوَانِ والْقَرَابَاتِ فَمَا نَزْدَادُ عَلَى كُلِّ مُصِيبَةٍ وشِدَّةٍ إِلَّا إِيمَاناً ومُضِيّاً عَلَى الْحَقِّ وتَسْلِيماً لِلأَمْرِ وصَبْراً عَلَى مَضَضِ الْجِرَاحِ، ولَكِنَّا إِنَّمَا أَصْبَحْنَا نُقَاتِلُ إِخْوَانَنَا فِي الإِسْلَامِ عَلَى مَا دَخَلَ فِيهِ مِنَ الزَّيْغِ والِاعْوِجَاجِ والشُّبْهَةِ والتَّأْوِيلِ فَإِذَا طَمِعْنَا فِي خَصْلَةٍ يَلُمُّ اللَّه بِهَا شَعَثَنَا ونَتَدَانَى بِهَا إِلَى الْبَقِيَّةِ فِيمَا بَيْنَنَا رَغِبْنَا فِيهَا وأَمْسَكْنَا عَمَّا سِوَاهَا).
اضف تعليق