الطَّاغيةُ ونظامهُ الإِرهابي مارسَ كُلَّ أَشكالِ العُنفِ والتَّخويفِ والإِرعابِ لمنعِ الحُسينيِّينَ من الإِستمرارِ في إِحياءِ عاشوراء، كانَ من أَخطرِها قرارهُ الظَّالم الذي صدرَ في ذكرى الأَربعين من ذلكَ العام والقاضي بمنعِ عادةِ النَّاس في السَّيرِ على الأَقدامِ إِلى كربلاء لزيارةِ المَولى أَبي عبد الله الحُسين السِّبط فقُتِلَ مَن قُتِل...
إِنَّ أَشجعَ وأَجرأَ خُطبةٍ في التَّاريخ هي التي خطبَتها عقيلة الهاشميِّينَ زينب بنت عليٍّ بنت فاطِمة الزَّهراء بنت رسُول الله (ص) في مجلسِ الطَّاغيةِ يزيد بن مُعاوية في الشَّام بعدَ واقعةِ كربلاء.
وإِنَّ أَشجعَ وأَجرأَ ما في الخُطبةِ قولُها (ع) تُخاطبُ الطَّاغيةَ بتحدٍّ ويقينٍ وثباتٍ وإِيمانٍ وصبرٍ (فكِدْ كيدَكَ واسعَ سعيَكَ وناصِب جهدَكَ فوالله لا تمحُو ذِكرَنا ولا تُميتَ وَحيَنا).
وفي مُعادلةِ التَّحدي هذهِ طرَفان؛
الأَوَّل؛ هو الطَّاغوت الذي سيظَل يُكشِّرُ عن أَنيابهِ ويحُدُّ سيُوفهُ على مرِّ التَّاريخ لطمسِ معالمِ عاشوراء وتشويهِ أَهدافِها وإِذا تمكَّن فمحوِها من ذاكرةِ الأَجيالِ لتنساها كما نسِيت الكثير من أَحداث التَّاريخ المِفصليَّة.
ولتحقيقِ هذا الهدَف البائِس يتوسَّل الطَّاغوت بكُلِّ الطُّرق والأَساليب المعقُولة وغَير المعقُولة، الماديَّة منها والمعنويَّة والروحيَّة والنفسيَّة.
الثَّاني؛ هو الذي سيتحمَّل مسؤُوليَّة وواجِب حِماية عاشوراء من النِّسيان والإِندثار والتَّشويه كذلكَ على مرِّ التَّاريخ.
ولا أُريدُ هُنا أَن أَسبرَ أَغوار الماضي السَّحيق فأَستشهِد بجرائِم الطُّغاة ومساعيهِم لمحوِ آثار عاشوراء، وما تحمَّلهُ الحُسينيُّونَ من عذاباتٍ وآلامٍ لحمايةِ ذِكرى عاشوراء، وإِنَّما أَتكلَّمُ عن عصرِنا الرَّاهن الذي مثَّلَ فيهِ الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين الطَّرف الأَوَّل في المُعادلةِ، فيما مثَّلَ رجالُ إِنتفاضة صفَر المظفَّر الظَّافرة في عام ١٩٧٧ وشهداؤُها الطَّرف الثَّاني من المُعادلةِ الزَّينبيَّةِ.
- فالطَّاغيةُ ونظامهُ الإِرهابي مارسَ كُلَّ أَشكالِ العُنفِ والتَّخويفِ والإِرعابِ لمنعِ الحُسينيِّينَ من الإِستمرارِ في إِحياءِ عاشوراء، كانَ من أَخطرِها قرارهُ الظَّالم الذي صدرَ في ذكرى الأَربعين من ذلكَ العام والقاضي بمنعِ عادةِ النَّاس في السَّيرِ على الأَقدامِ إِلى كربلاء المُقدَّسة لزيارةِ المَولى أَبي عبد الله الحُسين السِّبط (ع).
فقُتِلَ مَن قُتِل وأُعدِمَ مَن أُعدِمَ وسُجِنَ مَن سُجن وطُوردَ مَن طُورد وحُكِم ظُلماً مَن حوكِم في محاكمَ صوريَّة قرقوزيَّة شكَّلها النِّظام وبإِشرافٍ ومُتابعةٍ مُباشرةٍ من قبلِ الطاغية.
- أَمَّا الحُسينيُّونَ فوقفُوا مَوقفاً زينبيّاً مُشرِّفاً تحدَّوا فيهِ الطَّاغوت عندما قرَّروا السَّير على الأَقدام إِلى حيثُ مَثوى أَبي الأَحرار الحُسين السِّبط (ع) في كربلاء مهما غَلا الثَّمن، دماءٌ وأَرواحٌ ودموعٌ وأَيتامٌ وأَرامل وثكالى ومعذَّبونَ في قعرِ السُّجونِ.
السُّؤَال هوَ؛ فأَيُّ طرَفا المُعادلة حقَّقَ هدفهُ؟! أَيَّهُما نجحَ في التحدِّي؟! وأَيَّهُما انهزمَ؟!.
لا نحتاجُ إِلى كثيرِ عناءٍ وبحثٍ وتَفكيرٍ للإِجابةِ على السُّؤَال، فما تنقلهُ القنَوات الفضائيَّة ووسائِل التَّواصُل الإِجتماعي وكامِيرات الهَواتِف الشَّخصيَّة الآن لحظةً بلحظةٍ عن المَسيراتِ المليونيَّةِ التي تزحَف إِلى كربلاء العِشق الحُسيني وما يُرافِقها من خدماتٍ تُلبِّي حاجاتِ المُشاةِ أَحسنَ وأَحلى وأَفضلَ وأَشفى وأَوفى إِجابةٍ على السُّؤَال.
كنتُ واحداً من الفئةِ القليلةِ التي شاركَت في إِنتفاضة صفَر المُظفَّر الظَّافرة عام ١٩٧٧ والتي حوصِرت في الطَّريق بالطَّائرات النفَّاثة فَوق رؤُوسهِم وبالدبَّابات التي سحقَت أَجساد الشُّهداء وشتَّتَ الإِرهابُ الدَّمَويِّ شملَ الجمُوعِ فلَم يصل مِنهم إِلى كربلاء إِلَّا النَّفر القليل [كنتُ واحداً منهُم] الذي نشرَ قميصَ الشَّهيد [محمَّد الميَّالي] المُضمَّخ بالدَّمِ على ضريحِ الشَّهيدِ إِبنِ الشَّهيدِ.
رُبَّما جالَ بخاطرِ بعضِنا وقتئذٍ أَن قد نجحَ الطَّاغوتُ في مسعاهُ فلم يعُد بالإِمكانِ إِحياءِ الأَربعين من الآن فصاعداً، غافلينَ عن حقيقةٍ مفادُها أَنَّ الدَّمَ هوَ أَقدس وأَعظم وقُودٍ طاهرٍ لمسيراتِ العشقِ الإِلهي، فهوَ الذي يحمِيها من الإِندراسِ وهو الذي يُبقيها حيَّةً طريَّةً مُتجدِّدةً كُلَّ عامٍ.
وبالفعل، لم تمُر إِلَّا سنواتٍ قليلةٍ لينفجرَ العالَم بهذهِ المسيرات المليونيَّة التي يقصُدها عُشَّاق الكرامَة والحريَّة من كُلِّ بقاعِ العالَم وكأَنَّ أَذاناً حُسينيّاً يُدوِّي في السَّماءِ كُلَّ عامٍ يسمعهُ القاصي والدَّاني على غرارِ قولِ الله تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).
لقد تحوَّلت الفِئة القلِيلة المُحاصَرة والمُطاردَة والمسجُونة في مُعتقلاتِ الطَّاغوتِ إِلى سَيلٍ هادرٍ لم يمنعهُ شيءٌ في زحفهِ إِلى كربلاء، وهوَ مُؤَشِّرٌ واضحٌ على نقاءِ التحدِّي وصِدق النَّوايا التي استرخصَت التَّضحيات من أَجلِ العقيدةِ.
يقولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) (فَلَمَّا رَأَى اللَّه صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ وأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ).
ويكفي هذا مِصداقٌ لتحدِّي عقيلة الهاشميِّينَ لتجبُّرِ الطَّاغوت.
وصدقَت العقيلة زَينب الكُبرى (ع) عندما أَخبرت إِبنَ أَخيها الإِمام علي بن الحُسين السجَّاد زَين العابدينَ (ع) بعدَ عاشوراء مُباشرةً تُطمئِنهُ بإِيمانٍ ويقينٍ (ولقد أَخذَ اللهُ ميثاقَ أُناسٍ من هذهِ الأُمَّة لا تعرفهُم فراعِنةَ هذهِ الأَرض، وهُم معروفُون في أَهلِ السَّماوات أَنَّهم يجمعُونَ هذهِ الأَعضاء المُتفرِّقة فيُوارُونها وهذهِ الجسُوم المُضرَّجة وينصبُونَ لهذا الطفِّ علماً لقبرِ أَبيكَ سيِّدِ الشُّهداء (ع) لا يُدرَسُ أَثرهُ ولا يعفو رسمهُ على كرُورِ اللَّيالي والأَيامِ، و ليجتهدَنَّ أَئمَّةَ الكُفرِ وأَشياعَ الضَّلالةِ في محوهِ وتطميسهِ فلا يزدادُ أَثرهُ إِلَّا ظهوراً وأَمرهُ إِلَّا علوّاً).
إِنَّ إِحياءَ وتخليدَ كُلُّ ما يتعلَّق بعاشوراء وكربلاء من ثَوراتٍ وإِنتفاضاتٍ أُريقَت فيها الدِّماء وزُهِقَت فيها الأَرواح، هوَ واجِبٌ أَخلاقيٌّ وهوَ بعضُ الوفاءِ وهوَ جزءٌ لا يتجزَّأ من تخليدِ الذِّكرى نفسَها، ومنها إِنتفاضةِ صفَر المُظفَّر الخالِدة عام ١٩٧٧ والتي تمرُّ علينا الآن ذِكراها الخمسُون.
يجبُ على مَن شاركَ في الإِنتفاضةِ وعاشَها أَن ينقُلَ رسالتَها إِلى الأَجيالِ المُتعاقِبةِ فذلكَ جزءٌ من التحدِّي الزَّينبي.
وبحمدِ الله تعالى فلقَد كتبَ كثيرُونَ عنها، كانَ آخرهُم سماحة العلَّامة المُحقِّق الدُّكتور الشَّيخ محمَّد الحسُّون رئيس مركز الأَبحاث العقائديَّة الذي كتبَ وأَرَّخَ أَدقَّ التَّفاصيلِ عنها مشفوعةً بالوثائقِ النَّادرةِ معَ تحليلٍ علميٍّ وتفسيرٍ منطقيٍّ للإِنتفاضةِ ومقدِّماتِها وخلفيَّاتِها ونتائجِها وشُهدائِها.
عنوانُ السِّفرِ [إِنتفاضةُ النَّجَفُ الأَشرفِ الصَّفَريَّةِ] والذي صدرَ بطبعةٍ جديدةٍ هذا العام في الذِّكرى الخمسين للإِنتفاضةِ عن [مَركز كربلاء للدِّراساتِ والبحوثِ] في العتبةِ الحُسينيَّةِ المُقدَّسةِ والذي يُقيمُ [المركز] بهذِهِ المُناسبةِ ندوةً بعنوانِ [إِنتفاضةُ صفَر ١٩٧٧…دورٌ في المُقاومةِ وتَوثيقٌ للتَّاريخِ] يَوم الأَربعاء القادِم [٢٥ صفَر ١٤٤٧ هـ المُوافق ٢٠ آب (أُغسطُس) ٢٠٢٥ م السَّاعة [٩] صباحاً على قاعةِ سيِّد الأَوصياء في العتبةِ الحُسينيَّةُ المُقدَّسةِ.
اضف تعليق