q
قضية الإمام الحسين هي صراع بين الحق والباطل، بين الإسلام الحقيقي والإسلام المزيف، والتبليغ عن الارتباط الوثيق بين الغدير وعاشوراء، فعاشوراء استمرار للرسالة والولاية فكل ما يرتبط بالاسلام كان منتهيا لولا الإمام الحسين.. فالتبليغ هو لمواجهة الانحراف، وهو واجب لإيصال الحقيقة إلى الناس، وإخراجهم من حالة التضليل...

ماهو مفهوم التبليغ؟ وما المقصود به في قضية الامام الحسين (عليه السلام)، وماهي مسؤولياتنا ومسؤوليات مختلف الطبقات في التبليغ للقضية الحسينية؟ وكيف نمارس التبليغ في حياتنا اليومية؟ وماهي آليات ووسائل التبليغ التي تؤدي الى تحقيق أهداف النهضة الحسينية؟

مفهوم التبليغ

التبليغ: التبليغ هو الإيصال، أي إيصال المعنى أو إيصال المفهوم، وهو في معناه الاصطلاحي ايصال الحقائق في مقابل التضليل الذي يمارسه جهات كثيرة ومنها الجهات الحاكمة.

التبليغ لغةً بمعنى الإيصال، والاسم منه البلوغ، إذ يُقال: بلغ الصبي أي وصل إلى سنّ الرشد. والبلوغ، والإبلاغ، والتبليغ بمعنى الانتهاء، والوصول، والإيصال، والتوصيل إلى غاية مقصودة.

ويعتبر التبليغ أساس في إلقاء الحجة على الناس وهدايتهم وارشادهم، وقد قال الله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين).

وقال الإمام علي (عليه السلام): فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه؛ ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة.

فقد بعث الله بأنبيائه ليحتجوا عليهم بالتبليغ، لذلك من هذا الباب يصبح التبليغ واجباً عقلا، ولأنه واجب عقلا يصبح واجبا شرعا، لأنه هو الذي يؤدي المقصود، وفي الآية القرآنية (يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك..)، يشير الى أن رسالة الإسلام قد قامت على قضية التبليغ بالولاية.

والتبليغ مهم جدا في قضية الإمام الحسين (عليه السلام) لأنها استكمال لرسالة الإسلام، بل هي الأساس الذي ثبتت به أسس الإسلام، ولذلك عندما نبلّغ عن قضية الإمام الحسين، فإننا نلقي الحجة على الناس، ونفتح لهم طرق الهداية.

وقد أكد المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله) كثيرا على قضية التبليغ واعتبره واجبا عينيا وليس واجبا كفائيا، لأنه في عالم اليوم الذي يشهد تشوها بالأفكار والثقافات والقيم، وخصوصا التشوه والتضليل حول الإسلام التي تسببت به بعض الجماعات والفرق المحسوبة على المسلمين، لذلك أصبح التبليغ واجبا لإيصال رسالة الإسلام الحقيقي الى العالم حتى يعرفوا ما هو معنى الإسلام، وقضية الإمام الحسين (عليه السلام) هي من أهم الأسس التي يمكن أن ننطلق منها في قضية التبليغ.

فقضية الإمام الحسين هي صراع بين الحق والباطل، بين الإسلام الحقيقي والإسلام المزيف، والتبليغ عن الارتباط الوثيق بين الغدير وعاشوراء، فعاشوراء استمرار للرسالة والولاية فكل ما يرتبط بالاسلام كان منتهيا لولا الإمام الحسين (عليه السلام).

فالتبليغ هو لمواجهة الانحراف، وهو واجب لإيصال الحقيقة إلى الناس، وإخراجهم من حالة التضليل التي تمارسها وتعتاش عليها كثير من الجهات، لتقوية سلطاتها وبالتالي استغلال الناس.

معنى الإبلاغ:

السيد المرجع الشيرازي استخدم عبارة التبليغ، واستخدم عبارة الإبلاغ، أليس التبليغ والإبلاغ شيء واحد أم يوجد فرق بينهما؟

التبليغ هو الإبلاغ، هما يشتركان في معنى واحد هو الإيصال أو الوصول، ولكن السيد المرجع الشيرازي أكد على قضية الإبلاغ تشديدا على التبليغ، فلابد أن يجتهد الشخص من أجل إيصال معنى أو مفهوم القضية الحسينية، أو الإسلام الحقيقي، هذا معنى الإبلاغ الذي يجب إيصاله للشخص حتى يفهم المقصود توصيله وهذا هو معنى التبليغ الحقيقي. فالإبلاغ يعني الايصال الفاعل، الايصال الصحيح، الايصال العميق.

عندما يحدث التبليغ عن طريق شخص واحد أو اثنين، فهذا لا يصل إلى كثير من الناس، أو عندما يُطبع كتاب (10) نسخ، ربما يقرأه أربعة أو خمسة أشخاص، هذا عمل لا بأس به، نعم إنه تبليغ جيد، ولكن التبليغ الحقيقي والذي يصل للمقاصد، هو التبليغ الذي يصل للناس ويفهمونه، وهذا يعني أن الإبلاغ أشدّ من التبليغ أو أكثر تشديدا من التبليغ، والمقصود منه أن تصل الأفكار للشخص مباشرة.

مسؤوليتنا ومسؤوليات الجميع

وبما ان التبليغ واجب عيني، فالكل لابد ان يمارس هذا الدور وبحسب إمكاناته وطاقاته وقدراته، وان هذا العمل هو حفظ لنا ولأبنائنا ولأسرتنا ولمجتمعنا، وحفظ للإسلام، ولأننا إذا لم نمارس هذا الدور، فمعنى ذلك أن هذا العالم الكبير وفي الزخم الثقافي تضيع الأجيال وتذهب هدرا، وهنا الجميع مسؤول بأن يمارس التبليغ لكن كل بطريقته.

وهذا يعني أن التبليغ لا يقع على عاتق رجال الدين فقط، بل على مختلف الأصناف من العلماء والأكاديميين وعلى المثقفين والتجار والشباب والنساء، وحتى على الأطفال لكن بطريقه تربوية، وإن ممارسة هذا الدور هي مسؤولية عامة بل هي تربية على المسؤولية، فالتبليغ مطلوب لأننا لا نحيي الشعائر فقط، بل إن إحياءها شيء عظيم بحد ذاته، لكن الهدف من الشعائر هو إيصال رسالة الإسلام الحقيقي، رسالة أهل البيت، رسالة الإمام علي، رسالة الإمام الحسين (عليهم السلام)، ويجب ان نطبقها في حياتنا، فشرط حضور المجالس الحسينية هو أن نلتزم بها في حياتنا اليومية.

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي، لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس.

ولجعل التبليغ ممارسة يومية، نحتاج إلى عدة امور منها، لابد أن تكون لدينا مناهج في التربية على قضية الإمام الحسين، ولابد أن نستعين بالعلم والمعرفة لأن قضية الإمام الحسين قضية علم فالتبليغ معناه إيصال الحقيقة. كذلك إنقاذ الناس من الانحراف يحتاج للعلم، وأن نكون مسلحين بالمعرفة حتى نستطيع أن نزوّد الناس بالاستدلال والعقل والتعقل بقضية ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، ويجب أن لا ننظر للعلم والمعرفة كشيء ترفي أو كمالي، بل أساسي وجوهري حتى نستطيع أن نوصل المقصود من خلال آية (يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك)، وبالعلم والمعرفة نصل للمقصود.

التجسيد العملي

في نجاح التبليغ لابد من التأكيد على أهمية التجسيد العملي لمبادئ الامام الحسين (عليه السلام) في شخصياتنا وسلوكنا، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية.

وذلك يجب أن يتجسد في شخصية الإنسان وسلوكه وأخلاقه وفي ذاته، ويجسد كل قيم أهل البيت عليهم السلام، فهذا يمثل أكبر دعوة وأكبر عمليه تبليغ، عندما يرى الناس هذا الشخص ورِعا متقيا مجاهدا كلّه خير ومتمسك بالقيم السامية، وصادق وأمين، فهذه هي أكبر دعوة في التبليغ، وهذا هو الحسيني الحقيقي.

إن الناس يتبعون النهضة الحسينية في التجسيد العملي لسلوكنا، لذلك نحن في عاشوراء نذهب في رحلة تربوية ذاتية لأنفسنا، وان يكون هنالك تأمل في ذواتنا وعملية إصلاح ذاتي ونفسي، حتى نرمم سلوكياتنا ونربي أنفسنا بشكل صحيح، فبعد فترة من الزمن نراجع أخطائنا ونغذي أنفسنا بالفضائل الخيرة.

كل خير في مواقف الإمام الحسين (ع) وعند أصحابه، نأخذه ونطبقه على أنفسنا، نغذي به أرواحنا، ونستلهم هذه القيم والفضائل حتى نكون تجسيدا حقيقيا لنهضة الإمام الحسين، هذا هو معنى التجسيد الفعلي للتبليغ، ونستطيع أن نلخّص نجاح هذه الرحلة بالعلم والعمل والمعرفة والاستقامة كما جاء في محكم الكتاب (الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا)، فقد علموا وعملوا بما تعلموا، ثم استمروا على تعليمهم وبلّغوا الآخرين به.

التبليغ هو عمليه تغيرية ذاتية لنفسي ولغيري، فلذلك أنا أمارس التغيير الذاتي (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ويجب ممارسة التغيير الذاتي إلى أن نحقق المجتمع الصالح السعيد المتكامل والجميل، فلابد أن أغيّر ذاتي واستثمر الفرص المناسبة لهذا التغيير الذاتي، وأراجع نفسي، ماذا فعلت، وبماذا أخطأت عبر محاسبة النفس؟

يقول الإمام الكاظم (عليه السلام): ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل خيرا استزاد الله منه وحمد الله عليه، وإن عمل شيئا شرا استغفر الله وتاب إليه.

فهل نحن نحاسب أنفسنا في كل ليلة، هذه فرصة جيدة، وأقصد في شهر محرم، نحاول تغيير أنفسنا حتى لا تشملنا آية (لمَ تقولون مالا تفعلون)، وإذا لم أغيّر نفسي كيف يحقّ لي أن أغيّر الآخرين؟

ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية: فالورع يعني تجنّب محارم الله، أي أن يعلّم الإنسان نفسه التقوى وترويض النفس ويتعلّم تجنّب المحارم، والاجتهاد أي العمل الجدي المستمر الناجح والنافع، والعمل الصالح المركز يجب أن يكون من صفاته، وكذلك الصلاة فيجب على الإنسان أن يكون ملتزما بالعبادة الحقيقية والخير، ويجب أن تكون نفسه كلها خيرا وليست شرا.

هذا هو التجسيد العملي للشخصية الحسينية، بالتالي عندما يرى الناس هذا الحسيني بهذه الصفات فهذا يعد أعظم تبليغ، وان التغيير لن يكون بين ليلة وضحاها، بل على الإنسان أن يحاول دائما مراجعة نفسه في كل يوم، وهو يمتلك مدة زمنية أمدها شهرين لمحرمٍ وصفرـ هذه المدة فرصة سانحة للتغيير وممارسته باستمرار حتى يقوده التغيير نحو ملَكًة التقوى، وهذه تأتي من خلال ممارسة مستمرة للتجسيد الحسيني العملي، فتحصل تغييرات نفسية وروحية وأخلاقية حتى يصل الإنسان إلى مرتبة (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).

نلاحظ أن التقوى والقلب والدمج بينهما عملية تحتاج إلى الممارسةـ لكي نصل إلى ملكة التقوى، والإنسان الذي يصل الى هذه النتيجة هو إنسان عظيم، وهذا هو معنى الشعائر، حيث يصل الإنسان من خلال الشعائر إلى تقوى القلوب، وهذه نتيجة كبيرة جدا. ومن المؤكد عندما يصبح للناس ملَكَة، فإنهم يستطيعوا أن يغيروا ويبلغوا ما تعلموه.

وسائل وآليات التبليغ

هناك وسائل كثيرة وكل إنسان من خلال تخصصه يختار وسيلة معينة، أو يختار الوسيلة المناسبة ويقوم بعملية التبليغ، وهذه بعض الوسائل التي من الممكن الاستفادة منها، بالإضافة الى أخرى لم يسمح الوقت في طرحها:

الكلمة الطيبة:

إن أقوى عنصر في الرسالات والأفكار هي الكلمة، والأقوى هي الكلمة الطيبة، فمثل كلمة طيبة كشجرة طيبة، والكلمة الطيبة تؤثر بالناس تأثيرا كبيرا، كأن تكون مع شخص عصبي (ومتنرفز) وتتحدث معه بكلام جميل، فسوف يهدأ مباشرة ومن ثم يرتاح نفسيا بالكلام الطيب.

أما إذا كانت الفكرة قائمة على كلمة عنيفة وحادة، فهذا لا يتقبله الإنسان، في حين إذا كانت كلمة طيبة جميلة فسوف تدخل إلى القلب مباشرة، خصوصا إذا طرح الإنسان كلمته بإخلاص، لذلك لابد أن نتعلم الكلمة الطيبة، والسؤال هنا كيف نتعلم ذلك؟، لابد أن نراجع أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، وهناك تأكيدات كبيرة على الكلمة الطيبة، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الكلمة الطيبة صدقة.

ويؤكد علماء الاجتماع على اللغة ويعتبرونها طريقة ووسيلة للتفكير، وإنتاج القيم والأفكار، فلا توجد فكرة معلَّقة في الهواء، الفكرة تأتي في اللغة، وعندما نمتلك لغة جميلة، وأدبا بارعا، فهذه الكلمة الطيبة ستؤثر في الناس، وتصلح كفكرة جيدة تدخل في ثقافة الناس، وسلوكياتهم، لذلك لابد أن نركز على لغتنا وعلى كلماتنا التي نطرح بها أفكارنا.

الخطابة:

تعد الخطابة من أهم الوسائل في الشعائر الحسينية، وقد قامت التبليغ الحسيني على المنبر الحسيني الذي يعتبر وسيلة فعالة للتبليغ والهداية، لذلك لابد أن نتعلم الخطابة وأساليبها وممارساتها وطرائقها وأدبها، بالإضافة إلى العلم والمعرفة التي تسند هذه الخطابة، فهي من المهارات الاساسية التي يحتاجها الإنسان في عمليه التفاعل مع الناس.

لذلك لابد أن نركز على الخطابة، لكي تصبح من الوسائل الأساسية فعلا، لقد كان المنبر الحسيني هو الطريق المهم للجهاد الحسيني، بمعنى الجهاد بالكلمة.

الكتابة:

الكتابة تاريخ ومستقبل، الكتابة تاريخ ماض وحاضر نعيشه، ومستقبل سوف تقرأه الأجيال، وللأسف الشديد التاريخ كتبه الظالمون والطغاة، وإن الذي وصلنا قليل جدا، ولولا عناية الله سبحانه وتمسك الناس بالقضية الحسينية لما وصلنا هذا الشيء الموجود حاليا.

لذلك لابد أن نسعى ونربي أجيالنا على الكتابة، حتى تصبح أقلاما مضيئة لنا في حاضرنا ومستقبلنا وأجيالنا المستقبلية، فكم كتاب يخرج في العام عن الإمام الحسين (عليه السلام)؟، وكم مقال كتب عن الإمام (عليه السلام)، أنا أعرف شخصيات بسيطة جدا لاتقاس باهل البيت (عليهم السلام)، كُتب عنها آلاف الكتب.

من الواجبات العقلية والشرعية علينا أن ننتج الكتب عن الإمام الحسين (ع)، بالتحليل والسيرة والأفكار والتاريخ والثقافة الحسينية، ومقدمة الواجب واجبة فعلينا أن نتعلم بأنه على كل طالب علم أو أكاديمي أو حوزوي أو مدرسي أو حتى مدرس ابتدائية أن يتعلم الكتابة، لأن فن الكتابة من أهم أساسيات التبليغ كونها توثيق للتاريخ، وأن لا نترك الآخرين كتابة التاريخ بطريقتهم.

لذلك لابد أن نربي أبناءنا وشبابنا على الكتابة الجيدة في مستوى راقٍ، لأننا من خلال الكتابة نستطيع أن نطبع الكتب، سواء أكانت كتبا الكترونية او ورقية، ونترجمها إلى كل اللغات لكي نوصل الرسالة الحسينية لكل العالم.

* نص حوار من مجموعة حوارات بثت على قناة المرجعية في أيام عاشوراء 1443

اضف تعليق