إننا ننشد أن نحقق روحا جديدة تفيض بالفكر والإبداع وسلوكا يتحمل المسؤولية في الحوار والتفاهم بعيدا عن الصراع العنيف والقطيعة الانعزالية والاحتكار الاستبدادي. لابد أن نتحرك لإيجاد حركة اتصال فيما بيننا وبين الآخرين لنكون قادرين على الفعل والتأثير في عالم أصبح لا غنى فيه عن الحوار والتفاهم بعد أن قلصت التكنولوجيا كل عوامل البعد المادي والجغرافي وبقي علينا تحمل المسؤولية في تقريب الأرواح والأفكار والأنفس ونزع الضغائن والأحقاد وإطفاء روح الانتقام وتمكين روح النقد الموضوعي والعلمي وإخماد فورات الجهل.
لكي نتواصل لابد من:
1- التأكيد على القواسم المشتركة التي تقرب النفوس والأفكار أولا وإغفال التقاطعات التي تبعد وتقطع الاتصال. فالجماعات العاقلة هي التي تركز على بناء القواسم المشتركة لتحافظ على مصالحها لأنها تعي أنها في دخولها بنزاعات منفعلة سوف تقضي على كل مصالحها. فأكثر الأفراد والجماعات تقدما هي التي تعتمد معايير أخلاقية مشتركة بين الأفراد حيث تحقق الإجماع على الالتزام بقواعد أخلاقية ومعنوية تشكل أساسا لبناء الثقة المتبادلة والتفاهم والتعايش فيمكن بعد ذلك تعميم الثقة بين الأفراد مما يرسخ حقيقة التواصل البناء. ان إيجاد معايير مشتركة تحت نظام القيم والمصالح المشتركة يبرمج الكثير من النزاعات والصراعات في إطار التنافس الخلاق والإبداع والتطور.
2- إيجاد روح التعاون والتعايش في النفوس عبر تنمية الروح الجماعية في الفرد واخراجه من القوقعة التي تحدد فكره وسلوكه، هذه الروح هي تعبير حضاري عن إمكانية الإنسان في مد جسوره مع الآخرين فكلما زاد تعاونه مع الغير ارتفع حسه الإنساني وتعاظمت طاقاته الذاتية وتسامت قيمه الأخلاقية واصبح متمكنا اكثر على العطاء بحيث يصبح نموذجا يحتذي به الآخرون. ويمثل رسول الله نموذجا مثاليا في قدرته على تحريض الروح الجماعية بالتعاون والتشارك في مجتمع جاهلي كان فيه قتل الآخر من أهون الأشياء، لذلك استطاع ان يجمع المتضادات والمتناقضات وصبها في حضارة إنسانية رسمت تأثيراتها التقدمية الكبيرة في التاريخ البشري. يقول الإمام علي(ع): من استصلح الأضداد بلغ المراد.
3- أحد العوامل التي تؤدي بالإنسان إلى قطيعة أخيه هو عدم تحمله للرأي الآخر المضاد إحساسا منه بالضعف أو الجهل، ولكن ما لا يدركه ان الرأي الآخر على العكس من ذلك ينمي إمكانية الإنسان الفكرية والثقافية ويزخه بألوان متنوعة ومتضادة بالرؤى تغنيه وتثريه. فإذا وسع الإنسان صدره أعطى مساحات واسعة لعقله في استيعاب الفكر الآخر فانه يكون قادرا على التواصل الإيجابي المثمر، وعن الإمام علي بن الحسين(ع): وحق المشير عليك ان لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه إذا أشار عليك فإنما هي الآراء وتصرف الناس فيها واختلافهم.
ان التوجيهات الشريفة الواردة لا تحضنا فقط على تحمل الآخرين بل على صلة من قاطعنا وهذا من روائع الخلق الإنساني المتميز، فعن علي (ع): احمل نفسك من أخيك عند صرمه على الصلة وعند صدوده على اللطف والمقاربة وعند جموده على البذل وعند تباعده على الدنو وعند شدته على اللين وعند جرمه على العذر.
وهنا فان سلوك المسلم اتجاه تصرف الآخر هو فعل نابع من تربية وملكة مارسها بوعي وفهم، لذلك فانه يتحمل الرأي الآخر عن مسؤولية أبعد من تحمله فقط، بل على تواصله مع من يقاطعه.
اضف تعليق