q
على ضوء كلام زين العابدين يدور حول ان الانسان ينبغي ان يتعرف على مجمل الحقوق الإلهية التي تحيط به إحاطة الهواء بالإنسان، وإحاطة الأشعة من كل جانب، وان لم يشعر بها ظاهريا، كذلك الحقوق فإنها تحيط من كل جانب فعلى الانسان ان يستكشف هذه الحقوق...

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولاحول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)

بحر من الحقوق يحيط بنا

ان كل إنسان في هذه الحياة يعيش في بحر من الحقوق المحيطة به من كل حدب وصوب، اذ ان هناك المئات من الحقوق، بل الألوف من الحقوق التي تحيط بالإنسان من رأسه الى أخمص قدميه في كل ثانية ثانية، سواء أكان ساكنا أم متحركا، وسواء أكان رجلا ام كان امرأة، وسواء أكان عالما ام جاهلا، غنيا ام فقيرا، موظفا ام تاجرا، ام غير ذلك.

وللامام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه)ـ ونحن نعيش في هذه الايام، ايام شهادته ـ عبارة دقيقة شاملة الى ابعد الحدود حول هذه الحقوق التي تحيط بالإنسان من كل جانب.

فهو يقول (صلوات الله وسلامه عليه) في رسالة الحقوق: اعلم ان لله عزو جل حقوقا محيطة بك، في كل حركة تحركتها (فأية حركة مهما كانت بسيطة فان هناك مجموعة من الحقوق المترتبة لله تعالى علينا)، او سكنة سكنتها (وهذا اغرب لان الحركة فعل من الأفعال وهي أمر وجودي، ومن الواضح ان الوجود تتعلق به الاحكام، اما السكون فقد يتوهم انه عدم، والعدم لايكون موضوعا ولايكون محمولا، لكن الامام يثبت ان للسكون حقوقاً واحكاما ثابتة..

ومع ان البحث ليس في التحليل الفلسفي لهذه القضية، لكن سنشير إلى وجه الجواب بإيجاز فانه قد يناقش صغرويا: بان السكون ليس عدما، بلهو وجود وهو اللبث، وقد يناقش كبرويا: بان الاعدام المضافةلها حظ من الوجود فهي بهذا اللحاظ تكون منشأ الاثر والتأثير والتأثرعلى حسب كلام المشهور،كما ان الظلام كذلك فقد يتوهمانه عدم، مع انه موجود، كما ان النور موجود ايضا، في بحث يطرح في محله ان شاء الله تعالى.

او حال حلتها (وذلك فيما لو تحول الانسان من حال الى حال، كما لو تحول من حال الغنى الى الفقر او بالعكس، فانه على الفور سوف تحدق به سلسلة جديدة من الحقوق، والحالات المختلفة كثيرة جدا كما لو تحول الشخص من طالب الى استاذ، او من عاطل الى موظف، او من جندي الى ضابط او عكس ذلك، إلى غير ذلك.

ولكن ما أقل من يلتفت الى هذا البحر الزخار من الحقوق المحيطة بالإنسان)، او منزلة نزلتها، او جارحة قلبتها (كما لو حرك الانسان يدهفان هذا التحريك والتحرك تحيط به سلسلة من الحقوق)، او الة تصرفت فيها (كالعمل بجهاز الموبايل او الحاسوب او الانترنيت او غير ذلك، فان في كل تصرف بأيةآلة، توجد هنالك حقوق وحقوق...).... الى اخر كلامه (صلوات الله وسلامه عليه).

ضرورة استكشاف الحقوق الإلهية

وحديثنا اليوم على ضوء كلام سيد الساجدين وزين العابدين (عليه صلوات المصلين) يدور حول ان الانسان ينبغي ان يتعرف على مجمل الحقوق الإلهية التي تحيط به إحاطة الهواء بالإنسان، وإحاطة الأشعة بالإنسان من كل جانب، وان لم يشعر بها ظاهريا، كذلك الحقوق فإنها تحيط بالإنسان من كل جانب فعلى الانسان ان يستكشف هذه الحقوق، اذ ان كثيرا من الحقوق نحن عنها غافلون، مثلا الهواء من حقوقه ان لا نلوثه، وهو حق كبير. الا ان الامُم عادة لا تلتفت الى هذا الحق، مع ان بعض مراتبه محرمة كتلويث الجو الضار ضرراً معتداً به، وبعض مراتبه مكروهة، فيجب ان نحافظ على الهواء نقيا نظيفا، وليس من الصحيح مثلاً ان تترك عوادم السيارات وهي بالملايين، تلوث الهواء وبلا ضوابط تحدد او تقنن هذا الفعل بالنسبة الى الشركات والسائقين، ناهيك عن القطارات والطائرات والمصانع العملاقة وغيرها.

الدول الكبرى تسحق ابسط الحقوق

وعندما نجد تلك الدولة الكبرى المعروفة تنسحب من اتفاقية (كيوتو)، فان ذلك يعني انهم يسحقون ابسط الحقوق التي يدعون انهم يرفعون رايتها، ومع ذلك تجدهم يهاجمون الاسلام كدين، وانه لِمَ يسحق ـ في تصورهم ـ بعض حقوق المرأة، ولكنهم لايبالون بسحقهم حقوق البشرية بأكملها، وذلك بانسحابهم من أمثال هذه الاتفاقية من جهة وبصناعتهم لأسلحة الدمار الشامل من جهة أخرى.

عالم العقلاء ام عالم المجانين؟

السيد الوالد (قدس سره) له كتاب باسم (الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام) يتساءل في مقدمته هل العالم اليوم هو: عالم العقلاء ام عالم المجانين؟ وأي عالم نحن نعيش فيه؟ ويقول ان الفرق بين المجنون وسليم العقل، هو ان المجنون يقوم بأعمال لايتفق تاليها مع مقدمها، فهناك تهافت بين المبتدأ والخبر وتضاد، وهو من يقوم بأفعال غير موزونة كما لو انه خرج متجردا من بعض ملابسه الى الناس أو تدحرج في الشارع دون مبرر عقلائي أو صفع نفسه عبثاً وبلا وجه أو كان ممن ينقض غزله من بعد قوة انكاثا، (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً(فلاشك ان هذا مجنون او سفيه.

ثم يقول السيد الوالد (قدس سره): ان العالم الذي تتحكم فيه الحضارة الغربية هو عالم المجانين وليس عالم العقلاء؛ لانهم من جهة تراهم يبنون المستشفيات الراقية الضخمة وبأحدث الاجهزة الطبية، ويطورون عملهم والكليات الطبية باستمرار مطرد، لكنهم من جهة ثانية يصنعون الأسلحة الكيماوية، والقنبلة الذرية، والنووية وأقول: وهم الان مشغولون بمحاولة صناعة القنبلة الجينية وهي أسلحة عنصرية اذا انفجرت في مكان ما فإنها تقتل عنصراً خاصاً من البشر دون غيرهم كأن تقتل العربي مثلا دون الاسرائيلي او غيره! وهي مبنية على دراسة الخارطة الجينية والشفرات الوراثية لكل عنصر من العناصر كالأسود والأبيض او الألماني او الفرنسي او غير ذلك، فتعمل هذه الاسلحة في حال انفجارها على تخريب النسيج الداخلي لذلك العنصر المعين عن طريق بكتريا معينة او نوع من السموم او غير ذلك.. فهل هذا العالم عالم عقلاء ام عالم مجانين؟ مع انهم يدعون انهم لانظير لهم في العقل والحكمة والتحضر!!.

كما انهم يدعون الى الإباحية والتحلل ويروجون لها، مع ان مرض الايدز الخطير انما انتشر في العالم بسبب هذه الإباحية المقيتة التي حاربها الاسلام، ونهى عنها القران الكريم في حديثه عن قوم لوط، ومن الواضح ان السبب الرئيسي لهذه الجرثومة الخبيثة هو ذلك الفعل الخبيث المهين.

وهنا نتساءل: من الذي يروج للإباحية في العالم ؟ ومن الذي يصنع ويروج ويبيع الأسلحة في شرق الارض وغربها الى كل من هب ودب ولو كان رئيسا دكتاتوريا او حكومة ظالمة غاصبة كالكيان الصهيوني وغيره؟

ان هؤلاء المدعين لحقوق الانسان ـ والكثير من المسلمين مع شديد الاسف ـ ابتعدوا عن منهج الله الحقوقي، وان الامام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) يشير الى هذه الحقيقة. ويدعو اليها بأبلغ القول وأكمله وأتّمه.

أجلى المصاديق حق ذي القربى

ان الآية الشريفة التي افتتحنا بها مطلع البحث كغيرها من الآيات تشير الى مصاديق كثيرة من الحقوق، إذ يقول تعالى:

(فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ): وان المصداق الأجلى للقربى هم أهل البيت (عليهم ازكى الصلاة والسلام) وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام (وكان حق علي الوصية التي جعلت له والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوة) وهذا يعني بضميمة الآية الشريفة: ان إتيان ذا القربى حقه هو امرٌ لرسول الله (صلى الله عليه واله) بان يؤتي امير المؤمنين علي بن ابي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) حقه، من ميراثه من العلم ومن اثار النبوة، والوصية وغير ذلك، وهذا تفسير بالمصداق وهو مما لاشك فيه لأنه المصداق الاجلى، الا ان ذا القربى بالعنوان الاعم يراد به مطلق ذوي القربى لكل انسان.

لماذا كان الإمام يقبل المساكين؟

(وَالْمِسْكِينَ): وقد ورد ان الامام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) اذا اعطى سائلا مسكينا مالا، قبّله، حتى لايرى عليه اثر الذل !!وهذا الفعل منه (صلوات الله وسلامه عليه) في حقيقته، يُعَدُّ قمة القمة في رعاية الحقوق، وفي التطبيق العملي لما ذكره (صلوات الله وسلامه عليه) في رسالة الحقوق، وهي لفتة دقيقة الى ابعد الحدود ولعله ليس لها نظير، وان وجد فهو نادر جدا بل انه من تموجاته (صلوات الله وسلامه عليه)

وانني طوال عمري لم أرَ ولم اسمع بشخص صنع مثل ذلك، وفي الحقيقة فان الامام عندما يقبل ذلك السائل فانه يعطيه نوعاً من (العطاء العاطفي) زيادة على (العطاء المادي) ويشعره بالاحترام والتقدير ويجنّبه الشعور بالذلة والانكسار لان (المسكين) يشعر بانكسار وذل في قرارة نفسه عادة خاصة حينما يتلقى العطاء.

فالإمام (صلوات الله وسلامه عليه) في الحقيقة اعطاه عطاءين: عطاءاً مادياً وهو المال، وعطاءاً معنوياً وهو الاحتضان العاطفي والتقبيل، وذلك لان الانسان يحتاج الى من يرعاه ومن يعطف عليه ويعتني به، والى من يبرز له ان كرامته مصونة محفوظة ونحن ولله الحمد كرامتنا محفوظة فلعلنا لا ندرك كثيراً أهمية ذلك، لكن ذلك السائل ذهبت كرامته وقد يتولد من ذلك، الحقد والحسد وأنواع العقد في نفوس الكثير منهم، وبالتالي تتولد الجريمة، فاذا ما تعامل معه المجتمع بالعطف والحنان والانسانيةـ كما يعلمنا الامام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) ذلك ـ فان المحبة والعدل سيسودان وستنعدم او تقل الجريمة الى ابعد الحدود.

لكن المشكلة ان هذا (المَعْلَم الحقوقي) الذي لا نظير له، مهمل إلى حد كبير من قِبَلِنا ولايوجد من ينظّر له او يدعو اليه بالمستوى المطلوب.

والحاصل: ان هذا المعلم وهذا الخلق الإنساني الرفيع يجب أن يتحول الى ثقافة في المجتمع وإلى برنامج عام يهتم بـ(العناية العاطفية بالفقراء والمساكين والايتام) اضافة الى العناية المادية.

حقوق الملايين من أبناء السبيل

(وَابْنَ السَّبِيلِ) ولو لاحظنا كم يوجد الان من ابناء السبيل حول العالم، فإننا سنجد انهم لعلهم يربون على الملايين، مع ان البعض قد يتوهم ان ابناء السبيل هم قِلة لان ابن السبيل هو ذلك الانسان الذي انقطع به في سفره في منطقة ما أي المسافر الذي نفذت نفقته أو تلفت راحلته إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره، وهم في الواقع هم كثرة. لان المهجرين والمهاجرين والمسافرين في العالم الى خارج حدود بلدانهم او في الداخل إلى مناطق أخرى، يصلون الى عشرات الملايين وكثير منهم ينطبق عليه عنوان ابناء السبيل وإلا فمن سهم الفقراء أو المساكين أو سبيل الله في الجملة.

فهل خططنا لذلك؟ بل هل فكرنا في هذه الظاهرة وهذا الحق المغفول عنه عادة، ثم ما الذي صنعناه لأولئك الذين هجّرهم الارهاب او أي سبب اخر؟!

الامام السجاد ومجلس الإطعام العام

في رواية معروفة ان الامام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) كان له يوميا في داره مجلس إطعام عام، فهل خطّطنا لكي نحوّل ذلك إلى منهج عام يلتزم به كافة أبناء المجتمع خصوصا الميسورون والاغنياء؟.

وتتجلى أهمية ما قام به الامام (صلوات الله وسلامه عليه) إذا لاحظنا انه كانت له مسؤوليات كثيرة، ومراجعات لاتعد ولاتحصى، والاطعام كما لايخفى يكلف المطعِم مسؤولية إضافية لأنه لابد من الجلوس مع الوافدين، والتحدث معهم وقضاء حوائجهم، ولعل الكثير منهم لايقدِّرون وضع الانسان، ووقته، وقيمة هذا الوقت، وقد لايتعاملون بالشكل اللائق او المناسب، ولكنها الرحمة والإنسانية والأخلاق النبوية.

نعم توجد الان في الكثير من العشائر مضائف عامة يقصدها الناس وتقام فيها الولائم على مستوى عالي من الاكرام والاحترام ولله الحمد.

كما ان هناك بعض العلماء ممن نعرفهم يقدمون طعام الغداء، يومياً، لكل الناس ولكل من دخل داره المفتّحة الأبواب وقت الغداء، وعلى طول السنة. وهي عادة محمودة بلا شك، وسنة طيبة.

ولو ان هذه الثقافة اصبحت ثقافة عامة لكل ذي مُكنة، ولم تبقَ منحصرة بشيخ العشيرة لاقتضاء موقعه، او ببعض من يقوم بذلك رغبة في الثواب؛ لان الضيف ياتي برزقه ويخرج بذنوب اهل ذلك البيت، لو أصبحت هذه الثقافة ثقافة عامة، لتغيرت اوضاع البلاد والعباد الى ابعد الحدود.

يجب أن تتحول رسالة الحقوق إلى (مَعْلم) للبلاد

ولو اننا درسنا وطبقنا رسالة الحقوق للامام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) وهي الرسالة التي لانظير لها على مر التاريخ في ايجازها وشمولها وعمقها وحكمتها ودقتها، لَكُنّا سادة في الدنيا ومن الفائزين في الآخرة.

ان من الواجب أن نسعى لكي تكون الصحيفة السجادية ورسالة الحقوق (مَعْلَماً) بارزاً ظاهراً لكل بلاد الإسلام، بل لكافة أنحاء المعمورة، وذلك اننا لو دخلنا الى أي بلد في العالم، فان معالم ذلك البلد هي التي ترشد الى ثقافته ودينه، ومستواه العلمي والحضاري، والقضايا الحقوقية معلم من اهم معالم الدين لكننا – ومع الأسف الشديد – لانجد هذا (المعْلَم) متجليا في البلاد الاسلامية بشكل واضح، في الوزارات والدوائر والمدارس والشركات والشوارع والازقة، او حتى في الكتب والمناهج الدراسية.

وكان من نتائج ذلك هو ما نراه من هدر الحقوق، وتضييع المصالح العامة، وانتهاك الحرمات، وعلى مختلف المستويات.

الامام السجاد يكتب رسالة الحقوق في زمن اعتى الطغاة

ولكي ندرك بعض عظمة إنجاز سيد الساجدين (صلوات الله وسلامه عليه) في رسالة الحقوق، فلا بد أن نلاحظ انه في مقابل أي جهة، صنع ذلك؟! فان الامام (صلوات الله وسلامه عليه)كتب رسالة الحقوق في مقابل اعتى حكومة طاغية كانت تتحكم برقاب المسلمين.

وقد نقل المؤرخون صوراً مشينة من هدر الحقوق وانتهاك الحرمات مما كان يمارسه بنو امية نذكر منها:

1- من المعروف ان الخيول كانت توسم بوسم على اعناقها كي تكون علامة مميزة لها ولمالكها، وقد ابتدع بني امية وَسْمَ رقاب المؤمنين بوسم العبودية ليزيد او غيره من طواغيتهم!!.

2- لم يكتفوا بوسم رقاب المسلمين ـ وهو فعل شنيع مهين وهو امتهان لكرامة الانسان ـ بل كانوا ينقشون على اكفهم نقش العبودية ولعله لان الرقبة يمكن للإنسان ان يغطيها، لكن اليد من الصعب إخفاؤها.

3- كان بنو امية يبيعون الأحرار بالدين ويتملكونهم في الدين، فان بني امية كانوا هم الحكام وكانوا بكثرة كاثرة، وكان لهم من الاموال المغتصبة ما لهم، وكان الكثير من الناس بفعل سياسة بني أمية الفاسدة، محتاجين الى ابسط مقومات الحياة، فكانوا يقترضون منهم بعض الاموال لسد حوائجهم، وكان بعض المقترضين أحياناً من الشخصيات البارزة والمحترمة في المجتمع، فاذا لم يستطع سداد دينه في الوقت المحدد فان ذلك المقرِض من بني أمية كان يتملكه بِدَينه ! فيتحول الى رق وعبد أو أمة!

ولكم ان تتصوروا كم ان ذلك مؤلم أن يتحول السيد الحرّ إلى عبد مسترق؟ واي عالم كان يعيش فيه الامام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه).

4- ان بني امية كانوا يتملكون ويسبون ذراري الذين يخرجون عليهم، ويمتهنون كراماتهم بأبشع الطرق والاساليب، ولكم أن تتصورا حكومة تتعامل مع المعارضة بهذا الشكل فتسبي أبناء المعارضين وبناتهم وتعتبرهم عبيداً وارقاء واماء!.

والحديث عن جرائم بني امية حديث مطول، ويمكن لمن اراد مزيد الاطلاع ان يراجع – كنموذج - شرح بن ابي الحديد المجلد 15 الصفحة 242 وما بعدها حيث يذكر هنالك بعض مآسيهم وجرائمهم.

في مثل هذه الظروف وهذه الأجواء تصدى الامام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) لكتابة هذه الرسالة الالهية والانسانية وأودع فيها تعاليم واخلاق الاسلام، مما نظير له على وجه البسيطة وقام هو (صلوات الله وسلامه عليه) بتطبيق مافيها عمليا في مئات من الشواهد والقصص والأحداث وكان مها ما سبق من انه يقبل المساكين وكأنه يعتذر لهم ويستقل كثير ما يعطيهم

الامام السجاد يعلمنا الاحتياط في رعاية الحقوق

وفي مشهد آخر، تذكر لنا رواية اخرى ان الامام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) عندما كان يمر في الطريق وكان هناك بعض المارة لم يكن ينادي، ولم يكن يسمح لمن معه بان ينادي: الطريق.. الطريق.. أي افسحوا الطريق مع انهم في السابق كان من المعهود أن ينادي الراكب او احد خدمه وحشمه بالمارة: الطريق الطريق، لكي يفسح الناس الطريق وهو امر طبيعي وشائع في تلك العصور ولعله يوجد الآن ما يشبهه عند اهل العربات التي تجرها الخيول والبغال. لكن الامام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) لم يكن يقول الطريق الطريق، وذلك رعاية لحقوق الناس ولمشاعرهم، والى هذه الدرجة.

وكان يقول (صلوات الله وسلامه عليه): "هو مشترك ليس لي ان انحي عنه احدا" مع ان هذا الامر يعد في العرف حقا طبيعياً للراكب على الماشي.

الامام السجاد هو المعلم الحقيقي للحقوق

ان الامام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) هو المعلم الحقيقي البارز قولا وفعلا للحقوق بشتى أنواعها وألوانها وأشكالها، الا ان المشكلة أننا لم نمشي على هذا الدرب، ولم نقتف اثره.

ان علينا جميعا ان نقتدي بسيد الساجدين (صلوات الله وسلامه عليه) في كل حركة وكل سكون، وفي كل قول وفعل وان نعمل ونروج لرسالة الحقوق السجادية، وان نهتم أبلغ الاهتمام بحق الابوين والاولاد والاخوان والاخوات والجار والاقارب والعشيرة وغيرها، وفوق ذلك: حق الله وحق رسوله واهل بيته (عليهم السلام)، بل علينا أيضاً ملاحظة حقوق الاعداء او المنافسين من الجهات الاخرى سواءً أكانت جهات حزبية أم نقابية أم عشائرية او غيرها.

وللامام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) كلام صريح في رسالة الحقوق حول هذه الامر بالذات والذي ابتلينا به مع الاسف كثيرا؛ فان كثيراً من الحقوق تضيع لأسباب تعود إلى ان هذا الطرف هو من جهة معينة والطرف الآخر هو من جهة اخرى.

يقول (صلوات الله وسلامه عليه): "وحق اهل ملتك إضمار السلامة والرحمة لهم ـ بان لايكون في قلبك غل او حقد لاحد من المسلمين المؤمنين ـ والرفق بمسيئهم، وتالفهم، استصلاحهم وتألّفهم واستصلاحهم، وشكر محسنهم وكف الاذى عنهم، وتحب لهم ومنهم ـ الجهات الاخرى من أية جهة كانوا ـ ماتحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك، وان يكون شيوخهم بمنزلة أبيك، وشبانهم بمنزلة اخوتك وعجائزهم بمنزلة أمك والصغار بمنزلة اولادك "

والحديث في هذا الحقل طويل، ولم تكن هذه إلا اشارة بسيطة الى بحر الحقوق المحيط بنا من كل حدب وصوب.

نسأل الله تعالى ان يوفقنا وإياكم لكي نكون ممن يؤدي حقوق الله علينا وحقوق رسوله واهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم) وحقوق المؤمنين وكافة الحقوق الاخرى، على أكمل وجه، وأحسن صورة انه سميع مجيب.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

* سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم
http://m-alshirazi.com

اضف تعليق