منذ اندلاع الازمة السورية عام 2011 اصبحت منطقة الشرق الاوسط تسير على ارضية متحركة من القرارات المختلفة، منها ما هو مفاجئ وقرارات اخرى كانت متناقضة او تنازلا عن مبادئ معروفة عن هذه الجهة او تلك، فبينما تتهم امريكا بالانسحاب البارد من المنطقة، في المقابل يتهم حزب الله المدعوم من ايران بانه استغل الازمة السورية لتعزيز نفوذه وتنازل عن مبادئة المعروفة بتوجيه سلاحه تجاه اسرائيل فقط.

الأمين العام حزب الله اللبناني حسن نصر الله توعد بوجود أقوى وأكبر للحزب في سوريا وإرسال عدد أكبر من السابق من القادة بعد مرور أسبوع على مقتل قائده العسكري مصطفى بدر الدين قرب دمشق منتصف مايو ايار. وقال نصر الله في كلمة نقلها تلفزيون المنار التابع لحزب الله "إن هذه الدماء الذكية ستدفعنا إلى حضور أكبر وأقوى وأكثر تعقيدا في سوريا إيمانا منا بحقانية هذه المعركة وأيضا ليقين منا بأن الآتي هو الانتصار في هذه المعركة".

وأضاف "نحن باقون في سوريا وسيذهب قادة إلى سوريا أكثر من العدد الذي كان موجودا في السابق. سوف نحضر بأشكال مختلفة وسنكمل هذه المعركة... ونحن على يقين بأن عملنا ودماءنا وجهادنا ومساهمتنا ... ستؤدي الى فشل هذا المشروع. المشروع الامريكي الاسرائيلي التكفيري والآن سعودي الهيمني السلطوي الاقصائي"، ومضى يقول "هذا المشروع سيسقط في سوريا وسيُدمر في سوريا ولن يستطيعوا أن يسيطروا على سوريا لا على قيادتها ولا على شعبها ولا على جيشها ولا على أرضها ولا على خيراتها"، وفي منتصف مايو ايار أعلن حزب الله مقتل بدر الدين في قصف مدفعي لجماعات مسلحة قرب مطار دمشق. ويقاتل حزب الله في سوريا دعما لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد ضد مجموعة من الجماعات المسلحة وعلى راسها جبهة النصرة التباعة لتنظيم القاعدة وتنظيم داعش.

وأشار نصر الله إلى أن "الإنجاز الأخير في الغوطة الشرقية. قبل أسابيع كان السيد مصطفى وأخوانه يحضرون للمساهمة في هذا الانجاز ودرسوا المشاركة وقرروا المشاركة واليوم الجيش السوري وبمشاركة كل هؤلاء الابطال إستعادوا عددا كبيرا من البلدات في الغوطة الشرقية ليبعدوا الخطر بشكل كبير جدا حتى لا أبالغ واقول نهائي عن مطار دمشق الدولي حيث أستشهد السيد مصطفى".

وتعد اسرائيل حزب الله عدوها الاقوى وتخشى من أن يرسخ وجوده على الجبهة السورية ويحصل على المزيد من الاسلحة الاكثر تقدما. لكن نصر الله أكد في كلمته على انه لا يوجد أي مؤشر على تورط اسرائيل في إغتيال بدر الدين وتوعد الاسرائيليين قائلا "إذا إمتدت يدكم إلى أي مجاهد من مجاهدينا أيها الصهاينة سيكون ردنا مباشرا وقاسيا وخارج مزارع شبعا".

عقوبات دولية

وبعد مقتل القيادي في حزب الله مصطفى بدر الدين قررت المحكمة الدولية الخاصة (1 يونيو/ حزيران 2016) الاستمرار في محاكمته، لاتهامه بالاشتراك في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري، وذلك بانتظار حصولها على "ادلة كافية" تثبت ما أعلنه الحزب بشأن مقتله في سوريا في منتصف مايو/ ايار.

وقالت المحكمة في بيان نشرته على موقعها الالكتروني ان "غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان اصدرت قرارا شفهيا في قضية عياش وآخرين يقضي بمواصلة المحاكمة في انتظار تلقي مزيد من المعلومات من حكومة لبنان عن وفاة المتهم مصطفى أمين بدر الدين".

واضاف البيان ان "القضاة يعتقدون أنه لم تقدم بعد أدلة كافية لإقناعهم بقيام الدليل على وفاة السيد بدر الدين". ولفتت المحكمة في بيانها الى ان "القرار صدر بالأغلبية عن غرفة الدرجة الأولى المؤلفة من ثلاثة قضاة وأبدى أحدهم رأيا مخالفا".

واضاف البيان ان "الادعاء ينتظر أجوبة على طلبات للمساعدة بعث بها إلى حكومة لبنان للحصول على مزيد من المعلومات التي تتعلق بما حدث للسيد بدر الدين". وتابع "في الوقت المناسب، سوف تستعرض غرفة الدرجة الأولى أيضا أي مواد إضافية وسوف تعيد تقييم المواد التي قدمت سابقا".

وفي سياق منفصل قال مسؤول بوزارة الخزانة الأمريكية إن وزراء وأعضاء في مجلس النواب اللبناني ينتمون لحزب الله قد تشملهم عقوبات يفرضها قانون أمريكي جديد يستهدف وقف تمويل الحزب. وأقر القانون الأمريكي لمنع التمويل الدولي لحزب الله في ديسمبر كانون الأول ويهدد بفرض عقوبات على أي شخص يمول حزب الله بشكل كبير.

وأثار هذا القانون خلافا لم يسبق له مثيل بين حزب الله أقوى جماعة في لبنان ومصرف لبنان. وعندما سئل في مقابلة مع قناة (إل.بي.سي) التلفزيونية اللبنانية عما إذا كان هذا القانون يمكن تطبيقه على وزراء ونواب حزب الله في لبنان قال دانييل جلاسر مساعد وزير الخزانة الأمريكي لشؤون تمويل الإرهاب "إننا لا نميز بين أعضاء حزب الله."

وتصنف الولايات المتحدة حزب الله جماعة إرهابية لكن الحزب يملك نفوذا سياسيا هائلا في لبنان بينما يلعب جناحه العسكري القوي دورا رئيسيا في الصراع السوري. وقال مصرف لبنان ومسؤولون أمريكيون مرارا إن هذا القانون لا يستهدف المواطنين اللبنانيين العاديين أو الشيعة بصفة خاصة ولن يؤثر بشكل سلبي على القطاع المالي اللبناني. وقال جلاسر "ندرك الفرق بين حزب الله والطائفة الشيعية بشكل أوسع."إننا ننفذ هذا القانون في شتى أنحاء العالم. وبشكل واضح فإن له تأثير محدد هنا في لبنان لأن لحزب الله تواجدا كبيرا هنا في لبنان. ولكن حزب الله هو هدف هذا القانون وليس الشيعة".

دعوات داخلية

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قال إن تطبيق القانون الأمريكي المعروف بقانون مكافحة تمويل حزب الله دوليا "أمر ضروري" لتحقيق الاستقرار للمصارف اللبنانية وإن عدم التطبيق يعني "إنعزال النظام المصرفي عن العالم". ويهدد قانون منع التمويل الدولي عن حزب الله الذي تمت الموافقة عليه في ديسمبر كانون الأول الماضي بفرض عقوبات على أي شخص يقدم تمويلا مهما للحزب.

وكان حاكم مصرف لبنان أصدر في وقت سابق من مايو أيار تعميما للبنوك يحمل تفاصيل لضوابط تتعلق بمن تفرض عليهم عقوبات. وانتقد حزب الله البنك المركزي لموافقته على هذه الضوابط التي يصفها بأنها تأتي في إطار حرب عليه.

سلامة قال في بيان "القانون الصادر في الولايات المتحدة هو قانون أمريكي مطلوب تطبيقه عالميا وفي لبنان وبالتالي فإن التعميم رقم 137 الصادر عن مصرف لبنان في تاريخ 3 أيار 2016 كان واجبا قانونيا لبنانيا." وقال البيان "لا يمكن ضمان الاستقرار التسليفي إذا لم يطبق هذا القانون الأمريكي. إن إصدارنا للتعميم رقم 137 يريح المصارف المراسلة ويؤكد ملاءمة العمل المصرفي في لبنان مع ما هو مطلوب دوليا."ولو لم نفعل ذلك لكان في إمكان المصارف المراسلة تطبيق سياسة التقليص من المخاطر فيصبح قطاعنا المصرفي معزولا عن العالم."

واكد سلامة انه يتعين على البنوك التي تنوي إقفال حساب فرد أو منظمة على أساس هذا القانون تقديم مبرر لهذا القرار وأن تنتظر ردا من هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان والتي قال انها "تتمتع باستقلالية وبصفة قضائية".

نواب من حزب الله في البرلمان اللبناني قالوا إن القانون يفتح الباب "لحرب إلغاء محلية" يتم شنها بمساعدة مصرف لبنان وعدد من البنوك الأخرى. واشار النواب الى إن القانون سيدفع البلاد "نحو الإفلاس بسبب ما سينتج من قطيعة واسعة بين اللبنانيين والمصارف" وهو طرح سيمنع الكثير من اللبنانيين من التعامل مع البنوك خشية التعرض لعقوبات.

ولدى الولايات المتحدة قائمة بالأشخاص المشمولين بالعقوبات بسبب قوائم الإرهاب الامريكية. ولم يكن بوسع أي بنك أو شركة لبنانية تجري معاملات مع هذه الجهات التعامل مع أي مؤسسة مالية أمريكية لأنها قد تعاقب بغرامة مالية أو تتهم بعدم الامتثال للقانون. ويمكن لأي بنك لبناني من الناحية النظرية الاستمرار في التعامل مع هؤلاء الأفراد مع القبول بأنه ليس في استطاعته إقامة أي علاقات مع بنوك دولية لكن سلامة قال إن هذا لا يمكن أن يصبح خيارا متاحا وطالب جميع البنوك بالامتثال.

عقوبات تخطيء الهدف

مؤسسة خيرية لبنانية يديرها السيد علي فضل الله قالت إنها تأثرت دون وجه حق بالعقوبات المالية الأمريكية على حزب الله واتهمت المصارف اللبنانية بتطبيق القيود على نطاق واسع بشدة. وقالت جمعية المبرات الخيرية التي يشرف عليها فضل الله نجل العلامة الشيعي الراحل محمد حسين فضل الله لرويترز إن بعض المصارف اللبنانية جمدت بعض حساباتها خشية العزلة الدولية رغم عدم وجود انتماء سياسي للجمعية.

وأضاف فضل الله في مقابلة مع وكالة رويترز في مكتبه بالضاحية الجنوبية ببيروت أن الجمعية "لم يرد اسمها في هذا القانون ... ما يحصل الآن هو إجراءات احتياطية تتخذها بعض المؤسسات التي تتعامل في هذا الأمر بعيدا عن الدقة المطلوبة لكي لا يظلم أحد."

وترعى جمعية المبرات دور الأيتام بشكل عام كما ترعى ذوي الإعاقة والمصابين بالتوحد وتوفر مأوى للمسنين وكذلك مؤسسات صحية في العديد من المناطق اللبنانية. ولجمعية المبرات امتداداتها في مناطق أخرى في العالم ومن ضمنها الولايات المتحدة وأفريقيا واستراليا حيث توجد مؤسسات تربوية تابعة لها. ولدى جمعية المبرات مؤسسات لتأمين الموارد بما فيها فنادق ومطاعم ومحطات وقود.

وقال فضل الله "شعرنا من خلال لقائنا ببعض المصارف أن لديهم خوفا وأحبوا أن يأخذوا احتياطات أكثر من اللزوم ... لم يكن مفروضا هذا الأمر. لو ذكرت جمعية المبرات على اللائحة قد نبرر لهم ولكن لم تذكر."

واكد فضل الله "جمعية المبرات الخيرية ... هي بالأساس لم يكن عندها أي بعد سياسي ولم تكن في كل مراحلها تستند إلى أي إطار سياسي. لا تستند لا في وجودها ولا في استمرارها وهي لن تستند ... هذه المؤسسات منذ أن انطلقت هي من الناس وإلى الناس ونحن شفافون في هذا الموضوع." وشدد على أن الجمعية لا تتلقى أي دعم من أي دولة بما في ذلك إيران ويقول "أموالنا دائما من الناس وبعيدا عن أي تسييس ولذلك نحن حريصون على بقاء هذه الصورة."

من جانبه قال علي فياض وهو نائب عن حزب الله في حديث إذاعي تعليقا على العقوبات الامريكية "هناك جانبان جانب تقني وجانب سياسي. الحكومة يجب أن تتابع هذا الموضوع على المستوى السياسي وتحوله إلى قضية وطنية والبنك المركزي يتابع هذا الأمر على المستوى التقني."

وأضاف "نحن لدينا كل الحق في أن ندافع عن أنفسنا ومن المبكر أن نتحدث كيف ولكن كل اللبنانيين تحت سقف واحد والسقف إذا سقط فسيسقط على رأس الكل وليس على رأس واحد فقط. الاستقرار الاجتماعي إذا ما تهدد سيترك تأثيراته السلبية على مجمل الأوضاع."

وقال غازي وزني وهو خبير اقتصادي لبناني "اليوم هناك تخوف كبير جدا لدى حزب الله من أن تطال هذه الإجراءات بيئة حزب الله أو شريحة واسعة من حزب الله أو طائفة مثل الطائفة الشيعية خاصة وأن الطائفة الشيعية على صعيد القطاع المصرفي فإنها تمثل ودائعها ثلث ودائع القطاع المصرفي. أي أن هناك أكثر من 52 مليار دولار للطائفة الشيعية موجودين في القطاع المصرفي اللبناني." وعبر عن تخوفه من أن تؤثر الأضرار على ما يتراوح بين 10 إلى 15 ألف شيعي. وأوضح أن اللائحة الأمريكية تشمل 92 فردا أو مؤسسة.

مخاوف اسرائيلية

الاسرائيليون لا يفوتون مناسبة الا وتحدثوا عن مخاوفهم من حزب الله حيث يؤكد مراقبون ان العقوبات الامريكية الاخيرة ضد حزب الله لم تقلل المخاوف الاسرائيلية من القوة المتنامية للحزب بعد سنوات من مشاركته في سوريا.

وبعد لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (21 نيسان/ أبريل 2016) في الكرملين قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو "جئت إلى هنا بهدف هو تعزيز التعاون الأمني بين بلدينا لتفادي الأخطاء وسوء التفاهم ومواجهات لا لزوم لها". وأضاف بحسب مكتبه الإعلامي أن "إسرائيل حددت خطوطاً واضحة لضمان أمنها"، مشيراً إلى "إننا نعمل بأقصى قدراتنا لمنع انتقال أسلحة متطورة من إيران وسوريا إلى حزب الله اللبناني".

وتخشى إسرائيل من تعزز قوة حزب الله، عدوها اللدود المدعوم من إيران، نتيجة شحنات الأسلحة الروسية إلى إيران كمنظومة أس-300 المضادة للصواريخ. كما أنها قلقة إزاء الدعم الروسي الثابت لنظام دمشق، مع تلقي الجيش السوري دعم الطائرات الحربية الروسية ومسلحي حزب الله في مواجهته الجهاديين والفصائل المعارضة. وتابع نتانياهو "نعمل لمنع تشكل جبهة إرهابية إضافية في هضبة الجولان"، علما أنه أكد قبل ذلك أن هذه الهضبة المحتلة "ستبقى في أيدي إسرائيل إلى الأبد".

وكان نتانياهو اصطحب معه خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو في أيلول/ سبتمبر حين بحث أيضاً مع بوتين الملف السوري كلا من رئيس الأركان الجنرال غدي ايزنكوت ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الجنرال هرتسل هاليفي.

اضف تعليق