احتفظ اللاعبون الرئيسيون في هذه الأزمة حتى الآن بمخرج يحفظ ماء الوجه. يمكن لإيران أن تدَّعي أنها جعلت إسرائيل تدفع ثمناً لتجاوزها خطاً أحمر بمهاجمة قنصليتها؛ ويمكن لإسرائيل أن تدَّعي أنها صدَّت المسيرات والصواريخ الإيرانية والاستفادة من المزية الدبلوماسية التي تتمتع بها؛ ويمكن للولايات المتحدة...

تمكنت إسرائيل وحلفاؤها من صد جميع المسيَّرات المسلَّحة والصواريخ التي أطلقتها إيران تقريباً في 13 نيسان/أبريل. توفر هذه النتيجة لكلا الطرفين مخرجاً يحفظ ماء الوجه مما يمكن أن يتطور إلى مواجهة مدمرة أوسع.

في 13 نيسان/أبريل، وبعد أيام من التهديدات، أطلقت إيران وابلاً جوياً يستهدف مواقع عسكرية إسرائيلية. وقالت إيران إن هذه الهجمة غير المسبوقة بالمسيَّرات والصواريخ كانت ردها على ضربة جوية إسرائيلية قبل اثني عشر يوماً استهدفت قنصليتها في دمشق وقتلت ضباطاً كباراً في قوات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. في هذه الأثناء، كانت إسرائيل قد حذَّرت علناً أنها سترد بالمثل على أي ضربة إيرانية مباشرة مضادة. في الوقت الذي تفكر فيه إسرائيل الآن بما ستفعله، تُعاد كتابة قواعد الاشتباك بين الخصمين المريرين على نحو خطير. لكن المزيد من التصعيد ليس أمراً محتوماً؛ فجميع الأطراف في موقع الآن يمكنهم من التراجع عن المواجهة. وينبغي أن يفعلوا ذلك.

وضعت إيران وابل صواريخها ومسيَّراتها، الذي سمته عملية ’الوعد الصادق’، في إطار رد محسوب على هجوم إسرائيل. أطلقت أكثر من 300 مسيَّرة، إضافة إلى صواريخ كروز وصواريخ بالستية، لكن الأغلبية الساحقة منها تم اعتراضها من قبل الدفاعات الإسرائيلية وتلك الحليفة لها؛ وطبقاً للجيش الإسرائيلي، فإن حفنة فقط من الصواريخ تمكنت من اختراق المجال الجوي الإسرائيلي، وعدد أقل منها وصل إلى الأرض، مسبباً أضراراً طفيفة في قاعدة عسكرية، وإصابة واحدة، دون وقوع قتلى. لقد عبَّرت إسرائيل والولايات المتحدة عن رضاهما؛ إذ إنهما، وبفضل التخطيط الدقيق، أحبطتا على نحو كامل تقريباً هجوماً كان من شأنه أن يكون مدمراً. تعكس الحصيلة تنسيقاً شاملاً بين شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، الذين وفروا دعماً مباشراً وغير مباشر في إسقاط معظم المسيَّرات والصواريخ. كما أنها قد تشير أيضاً إلى جهود هادئة بذلتها طهران وواشنطن على حد سواء لإبقاء التصعيد منضبطاً؛ فقد منحت إيران الولايات المتحدة وإسرائيل وقتاً كافياً للتحضير للحدث، ويبدو أنها سددت نيرانها بطرق بدت مصممة –رغم المخاطر– لتسجيل النقاط أكثر مما هي مصممة لإحداث الأضرار.

في طهران، يصور المسؤولون النتيجة على نحو مختلف، إذ يتباهون بها على أنها “نصر“، على أساس أن إيران تعاملت مباشرة مع خصم قوي كانت في السابق تفضل مواجهته على نحو غير مباشر، فيما يمكن أن يُعدَّ سابقة لعمليات أكثر تدميراً في المستقبل. يسعى المسؤولون الإيرانيون إلى إعادة ترسيخ درجة من الردع ضد إسرائيل، مع اعتبار ضربة دمشق انتهاكاً لقواعد ”حرب الظل" الهشة التي كان الطرفان يتحاربان بموجبها منذ سنوات. الآن، يؤكدون أنهم سيوجهون ضربة أشد إذا ضربت إسرائيل أي هدف إيراني في أي مكان. ويضيفون أنه في المرة القادمة قد لا يكون الرد منضبطاً وعلنياً مثل الرد السابق. كما أن من غير الواضح ما الذي يمكن أن يفعله حليفهم حزب الله في لبنان – الذي يمتلك صواريخ غير دقيقة بعيدة المدى وصواريخ موجهة دقيقة قادرة على الضرب في العمق الإسرائيلي خلال دقائق.

في إسرائيل، تكثر التكهنات بشأن ما ستفعله حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ لحظة انطلاق أسطول إيران من القذائف إلى السماء. إسرائيل مصممة على الرد. وهدفها – كهدف إيران – أن تظهر وكأنها استعادت الردع، وإرسال رسالة واضحة إلى طهران مفادها أن هجوماً على أراضيها سيكون له تكاليف كافية بحيث تجعله خياراً غير مرغوب، لكن دون إشعال حرب إقليمية. لكن في مسعاها لاتخاذ القرار حول الكيفية التي سترد بها بالتحديد، تواجه إسرائيل معضلة. فمن جهة، وبالنظر إلى أنها صدت الهجوم الإيراني، فإن لديها الخيار في الرد بطريقة محسوبة أو عدم الرد نهائياً – كما أكدت الولايات المتحدة وشركاء إسرائيل الآخرين.

 لكن من جهة أخرى، فإن استهداف أصول عسكرية إيرانية أو أفراداً من قواتها خارج الأراضي الإيرانية –في سورية، على سبيل المثال– قد يبدو وكأنه عودة إلى ذلك النوع من العمليات المقيدة التي انخرطت فيها إسرائيل منذ سنوات، ومن ثم فإنها، من المنظور العسكري، تفتقر إلى قيمة ردعية كافية. أيضاً، ولأن إيران هاجمت إسرائيل مباشرة من أراضيها، في فعل غير مسبوق شلَّ البلاد برمتها من الخوف، قد تشعر إسرائيل أنها مجبرة على توجيه ردٍ مماثل بضرب إيران نفسها. لقد فعلت ذلك من قبل، لكن على نحو سري غالباً. كما أن لحسابات نتنياهو السياسية الداخلية دوراً هنا، بالنظر إلى أن له مصلحة واضحة في إطالة، بل حتى توسيع، مجهود إسرائيل الحربي لصرف الانتباه عن التحديات القانونية والسياسية التي قد تؤدي إلى فقدان قبضته على السلطة.

لكن عوامل أخرى في الحسابات الإسرائيلية تشير في الاتجاه المعاكس. فأبعد من الكيفية التي يمكن أن ترد بها إيران على ضربة إسرائيلية، وما إذا كان حزب الله سينضم إليها في فعل ذلك، لا بد أن تفكر إسرائيل فيما إذا كانت مستعدة لتحمل العواقب. إضافة إلى هجومها على قطاع غزة المستمر منذ ستة أشهر، والذي لم يحقق هدفه في إسقاط حماس ولا هدفه الآخر في إعادة الرهائن الذين أخذوا في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فإن إسرائيل تخوض حرباً محدودة مع حزب الله، الذي صعَّد تدريجياً في الشهور الأخيرة، وتتعرض لنيران أحياناً من مجموعات مدعومة من إيران في العراق، واليمن وسورية. 

في الضفة الغربية، تتصاعد التوترات مع زيادة عنف المستوطنين ونشر عدد من الجنود أكبر من العدد الذي أرسل إلى قطاع غزة. مع انتشار الجيش على مناطق أوسع من قدرته على السيطرة، والقيود المفروضة على الاقتصاد بسبب أشهر من تعبئة الاحتياطيين، وتضرر مكانتها الدولية بسبب حجم المعاناة في قطاع غزة، قد يتساءل القادة الإسرائيليون عن مدى المخاطر قصيرة المدى التي يريدون اتخاذها.

وثمة اعتبار آخر يتمثل في كيفية الرد بطريقة لا تنفِّر الدول التي هُرعت للدفاع عنها، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ولا سيما في ضوء الإدانة والعزلة المتزايدتين اللتين تواجهان إسرائيل بسبب تدميرها لقطاع غزة المستمر حتى قبل بضعة أيام خلت. لقد حثت الولايات المتحدة إسرائيل على عدم الرد أو على فعل ذلك بطريقة منضبطة. قد ترى إسرائيل في هذه اللحظة وقتاً مناسباً للبناء على التعاون المباشر وغير المباشر الذي تلقته من الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى في 13 نيسان/أبريل في تطوير إستراتيجية أبعد مدى لكيفية التعامل مع التهديد الإيراني. من شأن توجيه ضربة أخرى لطهران والمخاطرة بالاستقرار المترنح للمنطقة بفعلها ذلك أن يبدد تلك الفرصة. بالمقابل، يتعين على صُناع القرار الإيرانيين، بعد إقدامهم على مراهنة كبرى، ألَّا يصعِّدوا إذا أخفقت جهودهم لردع إسرائيل في إحباط ردٍ محدود.

رغم صعوبة التراجع عن دخول حلقة تصعيدية –ولا سيما بالنظر إلى نطاق الهجوم الإيراني في 13 نيسان/أبريل– فإن إسرائيل في موقع يمكنها من فعل ذلك. فمن خلال الحسابات المتأنية، والتحضير، وقدر لا بأس به من الحظ، احتفظ اللاعبون الرئيسيون في هذه الأزمة حتى الآن بمخرج يحفظ ماء الوجه. يمكن لإيران أن تدَّعي أنها جعلت إسرائيل تدفع ثمناً لتجاوزها خطاً أحمر بمهاجمة قنصليتها؛ ويمكن لإسرائيل أن تدَّعي أنها صدَّت المسيرات والصواريخ الإيرانية والاستفادة من المزية الدبلوماسية التي تتمتع بها؛ ويمكن للولايات المتحدة أن تدَّعي أنها ردعت إيران ودافعت عن إسرائيل بينما تجنبت نشوب أعمال قتالية أوسع. قد تبدو هذه مجرد فُتات، ولا سيما بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، لكن سلسلة أخرى من الضربات والضربات المضادة تخاطر في إشعال تصعيد مدمِّر ليس للجهات الضالعة في الصراع فحسب بل للمنطقة برمتها.

https://www.crisisgroup.org/

اضف تعليق