كارل بيلدت

 

ستوكهولم ــ ببطء ولكن بثبات، تقترب محادثات إيران مع المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي من نقطة النجاح أو الانكسار. ولكن الأمر الأكثر أهمية هو أن النتيجة قد تمثل نقطة تحول بالنسبة الشرق الأوسط الأكبر ــ والمتزايد التقلب.

إن التقارب بين إيران وشركائها في عملية التفاوض بشأن القضية النووية الأساسية واضح. ولا أحد في هذه المرحلة يعتقد جاداً أن إيران تحافظ على برنامج نشط لتطوير الأسلحة النووية، برغم أن الحكمة السائدة قبل وقت ليس بالبعيد كانت أن إيران تقترب من الحصول على السلاح النووي.

والآن أصبح التركيز على ضمان أن إيران سوف تحتاج إلى عام أو نحو ذلك حتى تتمكن من تجميع قنبلة نووية إذا قررت ذلك في أي وقت. ولكن مفهوم "وقت الاختراق" مريب وملتبس. فإذا انهارت الثقة، وقرر النظام الإيراني إبطال كل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، من المرجح إلى حد كبير أن تحصل إيران على سلاحها النووي، حتى ولو قُصِفَت البلاد بشكل متكرر. وبالتالي فإن التركيز الاستراتيجي على "وقت الاختراق" في غير محله.

إن المفتاح إلى تحقيق التقدم يتلخص في المساعدة في تحويل إيران من قضية إلى بلد، على سبيل إعادة صياغة مقولة هنري كيسنجر. ويتعين على إيران أن تركز على تطوير كل مواردها البشرية والمادية لكي تصبح جزءاً من منطقة تنتقل من المواجهة إلى التعاون. والاتفاق على القضايا النووية الأساسية يشكل ضرورية أساسية لهذا النهج، ولكن من الأهمية بمكان أيضاً إدارة عملية ذات مصداقية لتطوير العلاقات التجارية والاستثمارية التي من شأنها أن تسهل انتقال إيران من العزلة إلى الاندماج.

ومع دخول المحادثات مرحلتها النهائية، فإن قضية العقوبات من المرجح أن تكون في الطليعة. وهذا لأن خطة العمل المشتركة التي اتفقت عليها الأطراف في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، برغم تناولها لكل المخاوف النووية لدى الغرب تقريبا، فإنها لا ترسم خريطة للمسار اللازم للتطبيع مع إيران.

وكما هو من المتوقع أن تحاول القوى المحافِظة في إيران وقف هذا الاتفاق، فإن القوى التي تعيش وتترعرع على المواجهة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم سوف تفعل نفس الشيء. يعلب المتشددون في إيران على وتر الشكوك في أن الغرب قد يوافق على رفع العقوبات على الإطلاق، في حين سوف يبذل نظراؤهم في الغرب قصارى جهدهم لدعم هذا الافتراض. وقد ينتج عن هذا دوامة من الدبلوماسية المدمرة لكل الأطراف.

وهنا، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يشير بوضوح إلى استعداده لأخذ زمام المبادرة في تخفيف ورفع القيود المفروضة على إيران، وإن كان من الواضح أن هذا لابد أن يتم بالتنسيق الوثيق مع شركاء أوروبا. على سبيل المثال، من الممكن على الفور تقرباً تعليق العقوبات النفطية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، إذا تم التوصل إلى اتفاق.

وأي اتفاق يتم التوصل إليه لابد أن يتبعه أيضاً ارتباط سياسي دائم بشأن قضايا أخرى ذات أهمية مشتركة. فالتطورات في أفغانستان والعراق ملحة بوضوح. واستناداً إلى التشاور الوثيق مع كل من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، فقد يكون من الممكن رغم ذلك التحرك نحو ترتيبات أكثر تعاونية في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة.

وسوف يتطلب هذا وضع قضية سوريا على الطاولة بشكل مباشر. فبعد مرور أربع سنوات منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد، وبرغم العواقب الإنسانية المروعة التي يخلفها القتال، لم تحقق الدبلوماسية الدولية أي شيء لوقف العنف هناك. وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منقسماً وغير فعّال، ويبدو أن حتى روسيا تخسر تدريجياً النفوذ الذي كان لها ذات يوم في دمشق.

إن مصلحة إيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مشتركة في وقف حرب تتسبب في انهيار الدولة السورية ــ مع كل ما قد يترتب على ذلك من نتائج كتلك التي نشهدها في العراق منذ عام 2003 ــ وتعمل على تعزيز قوى السُنّية الجهادية في مختلف أنحاء المنطقة. ويتبقى لنا أن نرى ما إذا كان هذا يشكل أرضية مشتركة كافية لإقامة حوار بنّاء مع إيران حول إنهاء الحرب الأهلية في سوريا، ولكنه خيار لابد من السعي إليه.

إن المحادثات التي تقترب الآن من فصلها النهائي في لوزان تقتصر على القضية النووية؛ ولكن ما وراء الاتفاق تلوح في الأفق احتمالات ومخاطر أكبر. وتحقيق تقدم مفاجئ في هذا السياق ربما يستلزم الدخول في مرحلة من الدبلوماسية المكثفة، وإعطاء إيران المسار إلى التطبيع الدبلوماسي والانفتاح على صفقات كبرى كفيلة بالبدء في استعادة النظام والاستقرار إلى بقية المنطقة. على النقيض من هذا، فإن الانهيار برغم أنه قد لا يؤدي بشكل مباشر إلى الحرب، فإنه قد يؤدي إلى إثارة تطورات قد تفضي إلى ذلك الاتجاه، وقد تنزلق المنطقة بالكامل إلى دوامة أكثر عمقاً من الفوضى والعنف.

ومع تسوية القضية النووية الأساسية تقريبا، فقد بات من المحتم الآن أن يتم حل قضايا أخرى مثل العقوبات والتطبيع واغتنام الفرصة للتوصل إلى صفقات كبرى إقليمية قد تصبح في حكم الممكن بعد ذلك. ولابد أن يكون الاتفاق النووي بداية لجهود حثيثة من قِبَل المجتمع الدولي لإشراك إيران والتصدي لأصعب التحديات في الشرق الأوسط.

* وزير الخارجية السويدي من 2006 إلى اكتوبر 2014، ورئيس الوزراء 1991-1994

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق