لدى الدولة خطة لامتلاك القدرة على إنتاج 12 جيجاوات من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، وهو ما يتضمن إنجاز محطة للطاقة الشمسية بقدرة واحد جيجاوات للبصرة هذا العام. وتشير التقديرات إلى أنه من المتوقع أن تصل ذروة الطلب على الكهرباء في فصل الصيف في عام 2025 إلى 55 جيجاوات...
يواجه العراق، العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وأحد أكبر منتجي النفط في العالم، صعوبة في توفير الطاقة لمواطنيه منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 وأطاح بصدام حسين.
وفي ظل الاضطرابات التي أعقبت ذلك، أدى تراجع الاستثمار وسوء الإدارة إلى عدم قدرة الشبكة الوطنية على مواكبة الطلب.
وتعتبر قضية الكهرباء حساسة للغاية بالنسبة إلى العراق الذي يشهد بانتظام تظاهرات عندما يتفاقم انقطاع التيار في الصيف مع تجاوز الحرارة 50 درجة مئوية.
وفيما يتعافى العراق تدريجا من عقود من نزاعات وحروب أهلكت بناه التحتية لا سيّما قطاع الكهرباء، يعتمد البلد في تلبية حاجات سكانه على واردات الطاقة رغم ثروته النفطية، لا سيّما من إيران المجاورة والأردن وتركيا. ويسعى كذلك إلى زيادة إنتاجه للغاز الطبيعي.
ولذلك سئم مزارع القمح عبد الله العلي من دفع فواتير باهظة مقابل إمدادات الكهرباء المقطوعة معظم الوقت، مما دفعه ليصبح من بين عدد متزايد من المزارعين الذين لجأوا للألواح الشمسية لضمان استمرار أنظمة الري الخاصة بهم في العمل خلال حر الصيف اللافح في العراق.
وقال شاهد من رويترز في الموصل بمحافظة نينوى الزراعية في شمال البلاد إنه في بعض أيام الصيف عندما يمكن أن تتجاوز درجات الحرارة 40 درجة مئوية، توفر شبكة الكهرباء إمدادات لنصف الوقت فقط تقريبا.
وبلغت فاتورة الكهرباء الشهرية للعلي قرابة المليون دينار عراقي (763.94 دولار). ومنذ تركيب الألواح الشمسية، قال إنه أصبح يدفع للشبكة الوطنية 80 ألف دينار عراقي، وصار بوسعه التعويل على إمداداته من الكهرباء.
وقال إن المزارعين يتجهون إلى الطاقة الشمسية لخفض فواتيرهم، إضافة إلى أن الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية مستقرة.
وأضاف "إحنا هنا بالمزرعة طبعا صار سنتين نستخدمها، السنة الأولى جربنا بالمنزلي وشفنا فوائدها، قللت علينا فواتير الكهرباء وكانت كهرباء مستقرة ومستمرة بنفس الوقت".
وبالإضافة إلى ثرواته النفطية، يتمتع العراق بإمكانات هائلة في مجال الطاقة الشمسية تقول السلطات إنها ستستغلها لسد الفجوة بين العرض والطلب، وفي الوقت نفسه، الحد من انبعاثات الكربون.
ووفقا لوزارة الكهرباء، فإن لدى الدولة خطة لامتلاك القدرة على إنتاج 12 جيجاوات من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، وهو ما يتضمن إنجاز محطة للطاقة الشمسية بقدرة واحد جيجاوات للبصرة هذا العام.
وتشير تقديرات وزير الكهرباء العراقي في يناير كانون الثاني إلى أنه من المتوقع أن تصل ذروة الطلب على الكهرباء في فصل الصيف في عام 2025 إلى 55 جيجاوات، في حين تبلغ الإمدادات 27 جيجاوات فقط.
قوة المواطن
العلي ليس المواطن الوحيد الذي لم ينتظر تحرك الحكومة.
ويستطيع المزارعون في أنحاء نينوى استخدام الألواح الشمسية المثبتة على الأسطح أو في صفوف على الأراضي الزراعية لتشغيل أنظمة الري وتلبية احتياجات المنازل.
وفي المناطق الحضرية يجري رص الألواح متجاورة على الأسطح المستوية، التي تميز منازل الموصل، لتوليد أقصى قدر من الطاقة.
وقال حسن طاهر، وهو مهندس زراعي من سكان الموصل، إن التحول إلى الطاقة الشمسية أدى إلى تغيير حياته بالمنزل.
وقال لرويترز "أجور (فواتير) الكهرباء التي ظهرت، أجور كثير منخفضة لا تقارن بالأشهر السابقة، جدا قليلة ومناسبة لنا".
وشعرت الشركات المحلية أيضا بالزيادة في الطلب.
وقال محمد القطان، الذي يدير شركة موصل سولار لأنظمة الطاقة الشمسية، إن الإقبال ارتفع بشكل كبير في عامي 2024 و2025، وخاصة من المجتمعات الريفية، حيث يعيش 70 بالمئة من عملائه.
ورغم فاعليتها المتنامية من حيث التكلفة، لا تزال أنظمة الألواح الشمسية في العراق تكلف ما بين خمسة إلى عشرة ملايين دينار عراقي، ويبلغ متوسط سعر النظام الذي يولد ما بين خمسة إلى ستة كيلووات حوالي خمسة ملايين دينار.
ويقول العديد من المستخدمين إنهم يستعيدون التكلفة الأولية في غضون ما يتراوح بين عام وثلاثة أعوام، وتأتي معظم الأنظمة مع ضمان لمدة 15 عاما.
ويتجنبون أيضا الحاجة إلى مولدات الديزل باهظة الثمن، والتي تنبعث منها مستويات عالية من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الملوثات.
وفي المناطق الحضرية، لجأ عدد من أصحاب المنازل إلى الاشتراك في مصدر احتياطي من مولد كهربائي، بتكلفة تتراوح بين 50 ألفا و100 ألف دينار شهريا.
وقال القطان عن الطاقة الشمسية "بمقارنتها مع المولدات الأهلية، خلال سنتين هذا الرقم تقريبا يقدر يتوفر للمواطن ويكون بقيت المنظومة مجاني لمدة 30 سنة".
وقال أحمد محمود فتحي، المدير في فرع نينوى التابع لشركة الكهرباء الحكومية، إن أنظمة الطاقة الشمسية المثبتة منفصلة عن الشبكة، مما يعني أن أصحابها مكتفون ذاتيا تقريبا من الطاقة.
ولا يدفع المستخدمون لدائرة الكهرباء إلا مقابل استخدام الشبكة الوطنية ليلا، وهو ما يجذب المزارعين بشكل خاص لأنهم يستخدمون مضخات الجهد العالي نهارا ولا يحتاجون إلى الكهرباء ليلا.
وقال عمر عبد الكريم شكر، رئيس شركة سما الشرق، التي تبيع الألواح الشمسية، لرويترز إن المواطنين أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض يشترون أنظمة الطاقة الشمسية في ظل مبادرات حكومية تشجع على استخدامها.
ويقدم البنك المركزي أيضا قروضا بفائدة منخفضة للمواطنين الذين يشترون الألواح الشمسية رغم أن المزارع عبد الله العلي قال إنه تمكن من تدبير أمره بدون الحاجة إلى ذلك.
وقال "حاليا أنا اعتمدت كمزارع على نفسي اعتماد ذاتي من الموارد الذاتية... سمعنا إنه أكو دعم حكومي بهذا المجال، مبادرة يرعاها البنك المركزي العراقي، لكنني لم أتجه إليها".
بدورها توقعت وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الطلب العالمي على الكهرباء بواحد من أسرع المعدلات منذ أكثر من 10 سنوات، مدفوعا بزيادة الاستخدام في القطاع الصناعي ومراكز البيانات والمركبات الكهربائية.
وقالت الوكالة إن الطلب سيرتفع 3.3 بالمئة في 2025 و3.7 بالمئة في 2026، أي أعلى بكثير مقارنة مع معدل 2.6 بالمئة المسجل في الفترة من 2015 إلى 2023، وإن هناك حاجة إلى الاستثمار في الشبكات والتخزين وجعل منظومة الكهرباء أكثر قوة.
وذكرت الوكالة أنه في الوقت نفسه من المتوقع أن تتفوق الطاقة المتجددة على الفحم كأكبر مصدر لتوليد الكهرباء في العالم بحلول نهاية 2025 أو في 2026 على أقصى تقدير، اعتمادا على الطقس واتجاهات أسعار الوقود.
وتوقعت الوكالة في تقريرها أيضا وصول توليد الكهرباء بالطاقة النووية إلى مستويات قياسية، مدعوما بإعادة تشغيل المفاعلات في اليابان، والتوليد المستقر في الولايات المتحدة وفرنسا، والطاقة الإنتاجية الجديدة في آسيا.
وقالت الوكالة إنها تتوقع توليد الكهرباء بالغاز في الحلول مكان استخدام الفحم والنفط في الشرق الأوسط وآسيا.
وقال كيسوكي ساداموري مدير أسواق الطاقة والأمن في وكالة الطاقة الدولية "يعيد التوسع القوي في مصادر الطاقة المتجددة والنووية تشكيل أسواق الكهرباء في كثير من المناطق بشكل مطرد".
وأضاف "ولكن ذلك يجب أن تقابله زيادة في الاستثمار في الشبكات والتخزين ومصادر المتانة الأخرى لضمان قدرة منظومات الكهرباء على تلبية الطلب المتزايد بشكل آمن وبأسعار معقولة".
اضف تعليق