q
تعد الدعاية إلى وقت قريب وسيلة من وسائل السيطرة والرواج وتكاد تكون وحيدة الطرف والدليل على ذلك ما آلت إليه اليوم، اذ أصبحت علماً قائماً يستند إلى قوى ومميزات معينة وإلى طاقة وحنكة وخبرة الداعي وذكائه، فالدعاية إذاً هي إحدى الوسائل القوية لكسب الناس إلى جانب فكرة ما أو هدف معين...

كلمة دعاية Propaganda، مشتقة من الفعل Propagate فـي اللغـة الإنجليزية، والتي ترجع إلى الأصل اللاتيني Propagatus، اســـــتخدم نفـس الأصـل اللاتيـني، للتعريـف بالمجمع المقدسـي الـذي أسسـه البابـا جريجـوري للتبشير فيما وراء البحار. ثم شـاع استخدام الكلـمـة بكـل مشتقاتها في تعريف الدعاية في اللغات اللاتينية، وسرت منها اللغات الأخرى، حتى أنها استخدمت في اللغة العربية في مصر في مطلـع النهضـة السياسـية الحديثة، حيث استخدمت كلمة (بروباجندة) بمعنى دعاية.

تعـرض مفهـوم "الدعايـة" ومنـذ ظهـر إلى الوجـود، إلى تحـولات جوهرية. واستخدم هذا المصطلح بدايـة كتسمية لمؤسسة تبشيرية (Congregatio de Propaganda Fide)، تم تأسيسها في القرن السابع عشر في روما، مـن أجـل نشـر الكاثوليكية وسط الوثنيين ومحاربة البدع لكن هذا المصطلح اكتسب دلالة سياسية فقط أعوام الثورة الفرنسية، حيث ارتبط بظهور الجمعيات السياسية السرية، التي أخذت اسم "الدعاية" (Propaganda)، وكانـت تطمح لنشـر أفكارهـا عن طريق مبعوثيها في الدول الأخرى، أي أن كلمة "دعاية" كانت مرتبطة في البداية بأي منظمة، تركز جهودها لنشر مذهب ايديولوجي ما.

بعد ظهور النازية قبيل الحرب العالميـة الثانيـة، وظـهور النازيـة الدعائية، بدأ معنى الكلمة يحمل مفهوماً جديداً مستمداً من الممارسات النازيـة الدعائية، التي أسسها الداعية كوبلز Gobles وزير الدعاية في العهد النـازي، والتي كانت تقوم على التزوير والتحريف والتخويف، وأصبح معنى كلمة دعاية يعني الأفكار السياسية الشيطانية التي تحمل الأكاذيب أو الحقائق المزورة.

تعريف الدعاية:

"هي محاولة استمالة الاخرين عقليا وعاطفيا لاتخاذ الموقف الذي تسعى اليه وتعتمد الاقناع وتبتعد عن الضغط والإكراه او الثورات او العقاب او المكافأة المادية للتأثير في الرأي والمعتقد وطريقة التفكير".

وتعرف ايضا بأنها "عملية تلاعب بالعواطف تستهدف خلق حالة من حالات التوتر الفكري والشحن العاطفي والذي لابد وان يؤدي الى تشويه التتابع المنطقي".

والدعاية "هي محاولة التأثير في الأفراد والجماهير والسيطرة على سلوكهم لأغراض مشكوك فيها، وذلك في مجتمع معين وزمان معين ولهدف معين".

وتعرف الدعاية بأنها: "الجهود المنظمة والمستمرة المبذولة من قبل فرد أو جـمـاعـة للتـأثيـر في الاتجاهات والآراء والمواقف السـيـاسـيـة والفكرية لكل من الجماهير والصفوة البارزة في مجتمع وزمان معينين، ويصوره تتفق ورغبة الداعية، وذلك عبر الإيحاء وما يتصل به من تكتيكات نفسية، أو عن طريق الاستخدام العقلي للحجج المنطقية والفلسفية، وتستعمل لذلك كافة الرموز الممكنة ووسائل الاتصال المتاحة أو عن طريق الحجب الجزئي أو الكلي للمعلومات، ويتم هذا الحجب عبر العمليات الرقابية المتنوعة والتي تتمثل في اتجاهين: ما يسمى بالضبط الانتقائي للمعلومات الذي يترتب عليه طرح وتقييد وجهة نظر معينة أو عن طريق التلفيق المتعمد للمعلومات على نحو يكفل إحداث انطباع يغاير القصد الاصلي منها".

أهمية الدعاية:

تعد الدعاية إلى وقت قريب وسيلة من وسائل السيطرة والرواج وتكاد تكون وحيدة الطرف والدليل على ذلك ما آلت إليه اليوم، اذ أصبحت علماً قائماً يستند إلى قوى ومميزات معينة وإلى طاقة وحنكة وخبرة الداعي وذكائه، فالدعاية إذاً هي إحدى الوسائل القوية لكسب الناس إلى جانب فكرة ما أو هدف معين وقد يرى المرء لأول وهلة ضآلة شأنها نظراً لما تسلكه في إعلامها باعتمادها على بضع كلمات أو صور أو رموز أو عبارات أو خطب ...الخ، ويمكن أن تؤثر في النفوس وتجتذب الرأي العام وتكون منه جبهة لمصلحة مروجيها، والدعاية الملائمة هي تلك الدعاية التي تعتمد على الأحداث وتتماشى مع التقاليد وروح الشعب وتقوم على تكوين شهرة عامة أو على التعريف بأشياء مهمة بهدف توجيه الانتباه نحو مجال ما سواء أكان سياسياً أم اقتصادياً أم اجتماعياً ولهذا فقد استفادت الدعاية اليوم بشكل كبير من فن السينما والتلفزيون وذلك انطلاقاً من سطوة التأثير الكبير لهاتين الوسيلتين على المشاهدين والذين هم بنفس الوقت مستهلكين، ولذلك فإن للدعاية اليوم أثر كبير إذا ما تمت وفق خطة مدروسة وشاملة وإذا ما قامت على أسس علمية وارتكزت على إمكانيات ملائمة ونقلت عن طريق وسائل مناسبة.

أهداف الدعاية:

من أهم الأهداف الآتي:

1- تعد الدعاية أحد أساليب الترويج التي تهدف للتأثير في آراء واتجاهات ومواقف مختلف فئات المستهلين.

2- هي اتصال في شكل قصة إخبارية عن الشركة ومنتجاتها تنقل رسالة إلى عامة الناس عبر وسائل الإعلام بدون أجر.

3- تستخدم الدعاية لإيجاد علاقة طيبة بين الشركة وكل من عامة الجمهور والمستهلكين ورجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين والمجتمع بصفة عامة بهدف إرسال صورة إيجابية عن الشركة.

4- قد تستخدم الدعاية أيضاً لاطلاع الجمهور على منتجات الشركة وتذكيرهم بالعلامة التجارية وخلق انطباع لديهم بأن الشركة تسعى دائماً لتطوير والتحديث بما يلاءم احتياجاتهم.

5- الدعاية لا تؤدي دوراً مهماً في ترويج المبيعات فقط وإنما يمتد دورها لتحقيق أهدافاً رئيسية عامة أخرى فهي تهتم بالمركز التنافسي للشركة عن طريق خلق صورة ذهنية طيبة عن الشركة ومنتجاتها والدعاية التي تصل إلى الجمهور المستهدف عبر وسائل الإعلام المختلفة مثلها مثل الإعلانات وإن كانت تختلف عنها في أن الدعاية غير مدفوعة الأجر في حين أن الإعلانات مدفوعة الأجر.

انواع الدعاية

أنواع الدعاية من حيث نشاطها:

تنقسم الدعاية من حيث نشاطها إلى سبعة أنواع هي:

1- الدعاية السياسية (political propaganda): وكما هو واضح من إسمها فهي تلك الدعاية التي يكون مضمون رسالتها سياسياً، وهذا النوع من الدعاية يضم الأساليب التي تستخدمها الحكومة أو الحزب، أو الإدارة، أو جماعة الضغط بهدف التأثير لتغيير سلوك الجمهور وموقفه السياسي. وقد تكون هذه الدعاية استراتيجية أو تكتيكية، فالدعاية الاستراتيجية تنشغل بوضع الخطوط العامة وأنساق الجدل وترتيب الحملات الدعائية، أما الدعاية التكتيكية فتسعى للحصول على نتائج فورية في إطار عملها مثل المنشورات أثناء الحرب واستخدام مكبرات الصوت لتحطيم معنويات العدو ودعوته للاستسلام الفوري.

2- الدعاية الاجتماعية: وكما هو واضح من تسميتها فهي تلك الدعاية التي يكون مضمون رسالتها اجتماعياً. فهي دعاية تسعى إلى أن تؤثر في أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع وشرائحه لتشكل سلوكهم وقناعاتهم وفق نمط اجتماعي محدد، ويمكن أن نأخذ مثال ذلك: نمط الحياة الأميركية الذي بدا مهيمناً على الساحة الدولية، فعن طريق آلية الإعلام الأميركية تم تسويق نمط الحياة الأميركية إلى العالم أجمع، فتأثرت به الكثير من الشعوب وتبنته بوعي أو بدون وعي، وهذا ما يطلق عليه بأمركة العالم. وكما هو واضح فإن ظاهرة الدعاية الاجتماعية هي أكثر صعوبة، من حيث الاستيعاب والمواجهة والرفض، من الدعاية السياسية لأن هذه الدعاية معنية أساساً بالأيديولوجية عن طريق سياقها الاجتماعي، فمشروعها اجتماعي وليس سياسياً.

3- الدعاية الدينية (religions propaganda): وربما كان هذا النوع هو من أقدم أنواع الدعاية التي عرفتها البشرية. وكما هو واضح فإن هذه الدعاية تهدف إلى تحويل الناس من معتقداتهم الدينية إلى معتقد آخر، أو إرشادهم إلى الالتزام بفرائض دين ما أو مذهب أو عقيدة ما. وفيما يخص الدين الإسلامي فإن هذا النوع من الدعاية لنشر الدين الإسلامي يعرف بإسم الدعوة، كما يعرف النشاط الدعائي للدين المسيحي باسم التبشير، علماً أن مصطلح الدعاية استخدمه الرسول (ص) في إحدى رسائله لإحدى الشخصيات بقوله في سياق رسالته: أدعوك بدعوة الإسلام.

4- الحرب النفسية (psychological warfare): الحرب النفسية في الجوهر هي نوع من أنواع الدعاية. وهي تلك الدعاية التي تنشط أثناء الحرب وتستهدف إضعاف الروح المعنوية عند الخصم، والسعي إلى اهتزاز ثقته بنفسه وقيادته، وخلق حالة الشك بين أفراده. وقد تنشط الحرب النفسية أثناء فترة الانتخابات الرئاسية في البلدان التي تمارسها، وقد تمارس أحياناً على المستوى الفردي، ولكن في جميع الأحوال فإن أهدافها تبقى نفسها وهي: إضعاف الروح المعنوية للخصم وبث الشك والقلق في خططه وخلخلة إمكانيات دعمه.

5- الدعاية التجارية commercials propaganda: ويمكن أن يطلق مصطلح آخر على الدعاية التجارية وهو الإعلان. وكما هو معروف، إن الإعلان هو دعاية يسعى عن طريقها الدعائي إلى ترويج سلعة أو خدمة ما، تكون مدفوعة الأجر، كما أن المعلن يشهر عن نفسه بل ويؤكد هذا الإشهار باعتباره جزءاً من هدف الإعلان.

الدعاية من حيث المصدر:

لو تتبعنا مصادر الدعاية، وآلية حركتها من المصدر وحتى وصولها للمتلقي لوجدنا أنها تتحرك عمودياً وأفقياً.

1- الدعاية العمودية: (Vertical Propaganda): أي أنها دعاية تأخذ شكلا عمودياً في مسارها، فرسالتها تأتي من الأعلى متجهة نحو الأسفل. وهي دعاية تقليدية، متعارف عليها وبشكل واسع، إذ يقوم بها قائد أو سياسي، أو زعيم، أو رئيس حكومة أو دولة أو مرجع ديني معروف اجتماعياً وسياسياً وروحياً حيث يسعى للتأثير في الجمهور بشكل مباشر.

الدعاية التقليدية هي الدعاية العمودية ويقوم بها قائد أو سياسي أو رئيس ديني بحكم سلطته وموقعه القيادي المتفوق فيها ويسعى للتأثير في الجمهور الذي يتبعه. وهكذا فالدعاية تأتي من أعلى إلى أسفل، وهي تستخدم الطرق الفنية لمركزية وسائل الاتصال الجماهيري، فالدعاية العمودية تغلف الجمهور في حين يبقى ممارسوها خارج الغلاف. يبقى الدعائي وحيداً خارج الجمهور مع أنه واحد منهم. وردود فعل الجمهور هي استجابة لصوت القائد، ولذا فإن هذا النوع من الدعاية يتطلب موقفاً إيجابياً منهم، فالجمهور محاصر ومسيطر عليه وملتزم أيضاً بتجربته، فهم يتحولون في الحقيقية إلى أشياء فالفرد لا يأخذ قرارات بل يستجيب لقرارات القائد كما يطرحها الباحث براون.

2- الدعاية الأفقية (Horizontal Propaganda): واضح أن هذا النوع من الدعاية يختلف في مسار حركته عن الدعاية العمودية، فهنا الحركة انبساطية وأفقية، وهذا يعني أن رسالة الدعاية لا تهبط من الأعلى مباشرة، وإنما يتم تداولها من قبل جهات وأفراد يقفون على مستوى متقارب في الموقع الاجتماعي والتنظيمي. والدعاية الأفقية هي دعاية اندماجية من حيث الدور الذي تلعبه، سميت بالأفقية لأنها تتم داخل الجماعة وتنتشر بينها بشكل أفقي، كما أنها دعاية بلا قائد أو مرجع ديني، ويبرز هذا الأمر في يوميات العمل السياسي والتبشيري الديني، وفي الحملات الانتخابية. يرى جاك أيلول أن الدعاية الأفقية هي شكل من أشكال الدعاية التي تطورت حديثاً من حيث مضمونها، فقد تكون سياسية أو اجتماعية أو قد تكون كلاهما. وفي هذا النوع من الدعاية يتصل الافراد بعضهم بالبعض الآخر على مستوى واحد، ومثل هذه الدعاية تسعى إلى تشكيل وعي عام متماسك.

الدعاية من حيث الوظيفة:

تنقسم الدعاية من حيث وظيفتها إلى ثلاثة أنواع:

1 ـ الدعاية التحريضية (propaganda agitation): وهي الدعاية التي يقودها حزب يسعى إلى تحطيم الحكومة أو تأسيس نظام جديد وهي تسعى إلى تمرد أو حرب وهي كذلك دعاية حكومية تسعى إلى تحريض الجماهير لتقبل تغييرات جذرية تتبناها الحكومة، وقد انتعشت الحركات الثورية والحروب الشعبية بالدعاية التحريضية وهي غالباً ما تكون دعاية معارضة. الدعاية التحريضية واضح من إسمها، هدفها التحريض ضد جهة ما، أو طبقة ما، أو طائفة ما، أو حتى فرد ما، والتي كثيراً ما يقودها حزب أو تنظيم سياسي، وتسعى لتحفيز الطاقات إلى أقصاها، وسحب الفرد من سياق حياته اليومية إلى الحماس والمغامرة والتهور أحياناً. وقد تقوم الحكومة بالدعاية التحريضية لحفز الطاقات وتحريك الأمة في حالة الحروب وكذلك عندما تستلم الحكومة السلطة فإنها تحتاج إلى متابعة عملها الثوري وتحاول الدعاية التحريضية تحفيز طاقات الفرد إلى أقصاها والحصول على تضحيات أساسية منه، وأن يقوم الفرد بتحمل عبء محنة ثقيلة، وتقوم هذه الدعاية بسحب الفرد بعيداً عن حياته اليومية. وتدفعه إلى الحماس والمغامرة وتفتح أمامه إمكانيات غير متوقعة، وتقترح له أهدافاً استثنائية، تظهر له وكأنها بالكامل على مرمى البصر، وهذا النوع من الدعاية يعمل خلال الأزمات أو يقوم بإثارتها.

2 ـ الدعاية الإندماجية (integration propaganda): وهي تلك الدعاية التي تهدف إلى خلق نوع من التوازن الاجتماعي وتوحيد المجتمع وتعزيزه، لذا فهي أداة مفضلة عند الحكومات وخاصة التي تستلم الحكم في الدول الناشئة حديثة الاستقلال أو في الدولة التي تتكون من قوميات وأعراق مختلفة. وتنجح الدعاية الاندماجية أكثر كلما كان مناخها ملائماً ومشجعاً وتقوم بتوفير معلومات أكثر للذين تخاطبهم، والدعاية الاندماجية أكثر دقة وتعقيداً من الدعاية التحريضية لأنها لا تسعى إلى إثارة مؤقتة كالدعاية التحريضية بل إلى قولبة شاملة للمرء في العمق حيث عليها أن تستخدم التحليلات النفسية ووسائل الاتصال الجماهيري كما يذكر العالمان دوغ نیوزم وبوب كاريل.

3 ـ الدعاية التسويقية: وتدخل ضمنها الدعاية التجارية والإعلان بهدف تسويق السلع وتدخل أنشطة العلاقات العامة ضمنها بهدف تسويق المؤسسات وصورتها للجمهور، وتتجلى هذه الدعاية في الإعلانات. وأحياناً تتداخل في هذا النوع من الدعاية رسائل دعائية مختلفة، فقد تكون الأهداف سياسية لتسويق خطة سياسية ما أو برنامج سياسي أو شخصية سياسية، أو حتى توجه سياسي، وقد تكون الرسالة اجتماعية أو تعليمية يراد تسويقها.

الدعاية من حيث اساليبها:

هناك ثلاث صور رئيسية للدعاية:

1 ـ الدعاية البيضاء: وهي الدعاية الواضحة الشفافة والتي يمكن الدفاع عن مضمونها بحجج مقنعة فهي تقوم على أسس الحق والحرية والمبادئ الإنسانية كالدعاية لحقوق الإنسان والحفاظ على البيئة ومحاربة الطغيان ومساندة القضايا التي تتوافق مع قيم العدل والديموقراطية والشرعية، وتسمى هذه الدعاية بالدعاية المكشوفة overt propaganda أيضاً، أو الدعاية المباشرة Direct propaganda.

2ـ الدعاية الرمادية: وهي دعاية تمتلك قوة الإقناع والتوجيه. وهي في خطابها وعناصرها تخفي أموراً غير تلك التي تعلنها، غير أنه من الممكن الوقوف على غايتها الحقيقية وذلك عن طريق التدقيق في أهدافها وطبيعة الجماعات أو القوى التي تقف وراءها وبالتالي فضحها والكشف عن غايتها الحقيقية.

3 ـ الدعاية السوداء: وهي دعاية خفية تقترب من الشائعات المجهولة المصدر، هذه الدعاية تقوم بها أجهزة المخابرات والعملاء السريون. وهذه الدعاية تنمو وتتوالد بطرق خفية، وهي تتداخل مع حرب الشائعات والحرب النفسية التي تنشط خلال الحروب، وتسمى هذه الدعاية بالدعاية المستورة أو الدعاية غير المباشرة.

عناصر العمل الدعائي الخمسة:

يفترض العمل الدعائي العناصر الخمسة الآتية :

1- الشخص الذي يقوم بعملية الاتصال: اذ تحددت لديه النية في العمل على تغيير مظاهر الاستجابة المرتبطة والمعبرة عن موقف معين. الدعاية تفترض لذلك منطقين: منطق يملكه الشخص الذي توجه إليه الدعاية، ومنطق آخر يملكه المرسل أو من يقوم بعملية الاتصال. جوهر الدعاية يعنى صراعا بين المنطقين ونجاحها لا يعني سوى تغليب منطق المرسل على منطق المستقبل.

2- رموز Symbols مكتوبة أو مـسـمـوعـة: يستعملها المرسل للتعبير عن مفاهيمه. هذه الرموز هي التي تقوم بعملية التأثير والإيحاء أو الاضطراب والتشويش. بعبارة أخرى هي بمثابة عناصر تخلق نوعاً من الصدمات الفكرية التي لابد وأن تؤدى بالمنطق إلى السير في غير طريقه الطبيعي.

3- أداة للاتصـال Channel of Communication: أي قناة تربط المرسل بالمستقبل بحيث عن طريقها تتحرك اللغة الدعائية من المصدر إلى المستقبل. هذه الأداة يجب أن تتحقق فـيـهـا صـفـات معينة وبصفة خـاصـة يجب أن يكون أساسها الصلة المباشرة بحيث لا تسمح بتدخل أي عنصر آخر عبر عملية نقل الرسالة بالصيغة التي أعدت من المرسل حتى تنصب في الوعاء الفكري للمستقبل. الصورة الطبيعية للاتصال هي ما يسمى بالإعلام الجماهيري أي الأدوات التقليدية الأربع المعروفة: الصحافة والراديو والتليفزيون والسينما والأدوات الحديثة القنوات الفضائية والانترنت. ولكن من الممكن تصور أدوات أخرى عديدة للإعلام تقوم بالعمل الدعائي. المسرح ، الاسطوانات، النشرات بل المعارض الفنية لا تقل أهمية كأداة من أدوات الاتصال والصالحة - بالتالي - للقيام بالعمل الدعائي. كذلك يجب أن تكون أداة الاتصال بحيث تسمح لرجل الدعاية أن يكتشف وبسـرعـة نواحي النقص في إعداده للهجوم الـدعـائي من خلال معرفته برد الفعل لرسالته الدعائية في وقته المناسب لأن هذا يسمح له بالقيام بعملية تغيير لاحقة في عناصر منطقه ولغته الدعائية مما يجعل دعايته أكثر تقبلاً وأكثر احتمالاً للنجاح . ولعل هذا يفسر لماذا الدعـاية عبر الاتصال المباشر أكثر صلاحية من الدعاية الإعلامية.

4- جمهور أو مستقبل لعملية الاتصال: وهو المصب الذي تسعى إليه العمليـة الدعائية. أهميته بالنسبة للدعاية هو في فعاليته المحلية ولذلك فإن رجل الدعاية يجب أن يتجه أساسا إلى قادة الرأي أو إلى مراكز القوة لأن اقناع هذه مع ما يرتبط بذلك من استجابات معبرة عن تغيير في السلوك لابد أن يؤدي إلى اتخاذ مواقف مؤثرة وقابلة للانتشار والمحاكاة. فلنتصور مثلا في قرية صغيرة وقد تم اقناع العمدة وشيخ البلد وأمام المسجد بمبدأ تنظيم الأسرة. ان هذا وحده كاف لأن يقوم بعملية تغيير غير مباشرة في جمهور تلك القرية ودون حاجة إلى عـمـل دعـانـي مـتـصـل بهم لأن هؤلاء الأشخاص يمثلون قادة الرأي في ذلك المجتمع الصغير.

5- ثم هناك أخـيـرا منطق دعـائي وهذا هو الذي يسمح بالتجانس في عناصر الاستراتيجية الدعائية. الدعاية هي عملية اقناع وجوهر الدعاية لا يمكن أن يكون صحيحاً في جميع عناصره وإلا لما كانت هناك حاجة إلى الدعاية كذلك لا يجوز أن يكون المنطق كاذباً في جميع عناصره وإلا فالدعاية مقضى عليها بالفشل وعدم النجاح. المنطق الدعائي هو الحصول على أكبر قسط ممكن من الاقتناع ولو كان ذلك على حساب الحقيقة.

عناصر الدعاية الناجحة:

لكي تكون الدعاية ناجحة لا بد من ان تكون صادقة في غير مبالغة فالمبالغة تجد طريقا معبدا إلى إقناع القارئ وتفقد فاعليتها.

- فالدعاية الناجحة هي التي تهدف إلى زيادة معلومات القارئ.

- الدعاية الناجحة تتفق والذوق العام.

- الدعاية الناجحة تتصف بالصدق وتتحاشى تشويه الحقائق والخداع.

ويمكن إجمال عناصر الدعاية الناجحة فيما يلي:

- صور بلادك في اجمل صورة أسلوباً ومعنى.

- ابرز معالم بلادك التذكارية التي تجعلها حديث المجتمعات.

- لتكن مادة الدعاية موجهة إلى الجماهير، التي لم يسبق لها رؤية بلادك.

ولهذا يتعين استخدام وسائل الإغراء ولفت النظر بابتکار:

1- العناوين الملفتة للنظر والجمل الراقية.

2- الصور الجذابة والرسوم الحية والإخراج الفني المبتكر.

3- الإقناع بهدف الإعلان أو وسيلة الإعلام حتى تظهر فاعليتها، وفي حال استخدام الرسوم الفنية يلزم أن تكون غزيرة الألوان مع عمقها وتناقضها ومع الحرص على عناصر الحركة، حتى يتسم بطابع دعائي مؤثر.

اساليب الدعاية:

إختلف الدارسون في تقييم مدى قوة وفاعلية أساليب الدعاية، فمنهم من رأى في الكذب أسلوبًا قويًا للتأثير في الأشخاص مثل خبراء الدعاية النازيون الذين كان شعارهم: "أكذب، ثم أكذب حتى يصدقك الناس"، في حين، يرى البعض الآخر أنَّ الكذب أضعف أساليب الدعاية وهو يضر بالجهة القائمة بالدعاية أكثر مما ينفعها.

اتخذت أساليب الدعاية أشكالا عدة نذكر هنا أهمها:

1_ أسلوب التكرار: فالدعاية السياسية أو الاجتماعية لا غنى لها مطلقا عن التكرار وهي وسيلة من وسائل تثبيت المعلومات المراد إشاعتها بين الجماهير، ونحن عندما نعدّد هذه الأساليب قد لا تخص فقط الدعاية السلبية فقد تتعداها إلى الدعاية الطيبة الداعية إلى الحق.

3- القولبة والتنميط: لعل هذا الأسلوب من أكثر أساليب الدعاية شيوعاً ووضوحاً، إذ تقدم لنا وسائل الإعلام وجهات نظر أصحابها الخاصة في كل شيء، كأن يحرص على تقديم المسلم في صورة رجل طويل اللحية غريب الملبس، أو في صورة امرأة تتشح بالسواد وتجلس في مقعد السيارة الخلفي، حيث يعمل تكرار هذه الصورة على الربط التلقائي لكل ما تستدعيه من توابع قد لا يُصرح بها، فيغدو الإسلام مرتبطاً في ذهن الغربي بكل الصفات السلبية.

3- التأكيد بدلا من المناقشة والبرهنة: بالرغم من تساهل وسائل الإعلام مع أصحاب الاراء الشاذة في عرض وجهات نظرها، إلا أنها غالباً ما تغفل الآراء التي لا تتفق مع مصالحها بشكل شبه تام، فتقدم وجهات نظرها على أنها من المسلمات التي يتفق عليها الجميع دون نقاش، وتتجنب حتى الرد على الرأي الآخر خشية تسليط الضوء عليه والمساعدة على انتشاره بلفت الأنظار إليه، ومن ذلك تقديم الديمقراطية الليبرالية الغربية على أنها الحل المجمع عليه في الكثير من وسائل الإعلام العربية وكأن المجتمع العربي الإسلامي بكافة أطيافه قد قال كلمته في ذلك.

4- اسلوب النكتة: للنكتة أثر كبير في الرأي العام وخاصة في الشعوب التي تميل بطبيعتها إلى ذلك، وقد يحدث أحياناً أن يكون لبعض النكات تأثير في الرأي العام أكبر واعمق من تأثير المقالات الصحفية والأحاديث الإذاعية، ولذلك تعني البلاد المعادية دائما بجمع النكات ذات الهدف السياسي.

5- استخدام الصور الذهنية: إعطاء تسميات معينة تصبح معها هذه التصورات كتعابير لا تتأثر بالممارسة مثل الاشتراكية الرأسمالية، السلام، الإرهاب".

6- أسلوب الكذب والاختلاق: كما قال هتلر: إنه كلما كبرت الكذبة كلما أمكنت في بعض الأحيان من أن تتسجل في الأذهان".

7- اسلوب الاختيار: ذكر الايجابيات التي تناسب الغرض وإخفاء السلبيات، ويظهر هذا الأسلوب في الحملات الانتخابية.

8_ الأسلوب الديني: يستعمل مثل هذا الأسلوب في الدعاية السياسية والاجتماعية وهو خطر جدا إذ ينفذ إلا الأمة من أعماقها وعقائدها ويحاول ضربها ونسف كيانها العقائدي وتحقيق مصالحهم وفق ما يشتهون إذا ملكوا الأداة لتسيير الأمة.

9- أسلوب الاستضعاف والاستعطاف: ويستعمل هذا الأسلوب بغية التأثير في نفوس المقابل، وعليه تعتمد الصهيونية كثيراً في نشر دعاياتها ضد الدول العربية في ربوع أمريكا، ومثاله، استخدمت الصهيونية عبارات مؤثرة في نفوس الشعب الأمريكي مثل قوله (أعطونا لنعيش)، ومع هذه العبارة رسم طفلا صغيرا يريد طعاما فلا يجده، بذلك يستدرّون عطف الأمريكيين ويستجدون عطاءهم.

10- أسلوب استبدال الأسماء والمصطلحات: كاستخدام المصطلحات العاطفية والرنانة على ما يروج له وإطلاق أسماء سيئة على الغير.

11- إطلاق ألشعارات:

الشعارات هي عبارة عن الكلمات البسيطة التي تصدر عن الزعماء في كل حركة من الحركات السياسية والاجتماعية ثم يرددها الشعب نفسه وربما تدخل الأناشيد والقصائد الشعرية والأغانى كواحد من مصاديقها أيضا، وهو أسلوب شائع في الدعايات التجارية والسياسية.

12- الاعتماد على الأرقام والإحصائيات ونتائج الاستفتاء: وهذا الأسلوب يضفي الكثير من المصداقية على الخبر المراد ترويجه، إذ تعمد وسائل الإعلام- الأمريكية منها على وجه الخصوص- إلى دعم الكثير من الأخبار والإعلانات باستفتاءات وإحصائيات تنسب عادة إلى بعض الجهات المتخصصة ذائعة الصيت.

13- عدم التعرض للقضايا الحساسة: امتدادا لما سبق، فإن الإعلام الموجه يتجنب غالبا التعرض للقضايا المثيرة للخلاف، بل يتجاوزها إلى ما هو أبعد منها ليتعامل مع الواقع من حيث هو، مما يؤدي لا شعوريا إلى ترسيخ هذا الواقع في وجدان المتلقي إلى درجة التعايش معه وتقبله دون التساؤل.

15- الاسلوب الاستنكاري: هو ان تطرح الدعاية بلهجة استنكارية تثير لدى الانسان تحفزا استنكاريا مقابلا لمعرفة الحقيقة واستنكارها، وثم ياتي الاسلوب الاثباتي، وهو تثبيت امتداد الاسلوب الاول حيث ان ايجابية رد الفعل في الاسلوب الاول هو تقرير معلومات الاشاعة لحقيقة ثابتة.

16_ محاولة خلق عدو وهمي: ومن الاساليب الحديثة في تمرير الدعاية هي محاولة خلق عدو وهمي للامة، يحاول ان يفترس الامة في اي لحظة (وهماً)، وهنا يصبح من الميسور اصدار مختلف انواع الدعايات بشكل مهول وفي اي وقت، وهذا اسلوب يستخدمه الزعماء، الديكتاتوريون في الغالب اذ يصنعون امام نظر الشعب عدوا كبيرا وخطيرا ليروا سياساتهم الخاطئة ويصرفوهم اليه بدلا من قضاياهم المصيرية.

17- الاسلوب العلمي: يحاول البعض ان يطرح الدعاية باسلوب يدعي انه علمي ويتفلسف في الكلام في سبيل جلب ثقة المقابل بأنه عالم وفاهم فيتقبل منه الاشاعة برحابة صدر.

18- اسلوب الاحتواء: وهو محاولة افهام المقابل انه على رأيه ومذهبه وبعد ان يطمئن اليه يبدأ المشيع ببث افكاره شيئا فشيئا فلا يجد معارضة من الطرف المقابل في تقبل راية لأنه وثق ان المشيع معه في المبدأ والفكرة بينما المشيع يحاول تمرير اشاعته وأفكاره بهذا الأسلوب ويشير القران الكريم الى مثل هؤلاء الناس بقوله (ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين امنوا وما يخدعون الا انفسهم وما يشعرون) (ألبقرة 8-9).

19- اثار الغرائز وادعاء اشباعها: كما اتجهت الحرب الدعائية الى سلاح الغرائز الجنسية ايضا لاجتذاب الاخرين الى الدعاية ألمسمومة وكان اليابانيون يلقون المنشورات على الجنود الانكليز وقد رسم على الوجه الاخر منها تصاوير فتيات عاريات.

20- اسلوب التجديد: تعتمد الدعاية الى حد كبير على اسلوب التجديد حتى لا تصبح عملا روتينيا يمل منه الرأي العام، فالجدة من اهم العناصر الاساسية للخبر الدعائي.

21- التربية والتعليم: تختلف الدعاية السياسية عن التعليم في المجتمعات الديمقراطية، ولكن التعليم في البلدان الديكتاتورية يمكن ان يعلم الاطفال واليافعين بطرق يمكن ان يطلق عليها انها شكل من اشكال الدعاية السياسية، فالمعلمون في المجتمعات الديمقراطية يعلمون الناس كيفية التفكير، اما صناع الدعاية السياسية فهم يعلمونهم بماذا يفكرون.

22- اسلوب منطاد الاختبار او جس نبض الرأي العام: ويكون ذلك غالبا عن طريق الدعايات واطلاقها بين الناس في وقت معين، ثم القيام بتحليل الراي العام بالنسبة لهذه الدعايات، فاذا اثبت التحليل نجاحها ذاعت وتكررت، واذا اثبت فشلها عدل عنها الى غيرها وهكذا.

أساليب الدعاية:

لعل أهم أساليب الدعاية يكمن في اعتمادها الدائم على البهتان والتضليل، وتزوير الحقائق، واستعمال الشعارات البراقة، والكذب من خلال الصورة والصوت، وتجنيد كل العناصر المتاحة بما في ذلك وسائل الاعلام التقليدية والحديثة، كما اتخذت السياسية عدة أساليب تطرقت لها الدكتورة منال هلال مزاهرة ، نذكر أهمها على النحو التالي:

١-أسلوب االتكرار والملاحقة: فلا غنى للدعاية السياسية مطلق اً عن التكرار وهي وسيلة من وسائل تثبيت المعلومات المراد إشاعتها بين الجماهير.

٢-أسلوب الكذب: وتلجأ إليه الدعاية السياسية بدرجات مختلفة، لتحقيق هدف ما، ويترافق مع هذا الأسلوب في الغالب تقديم معلومات مغلوطة، أو اختلاق وقائع غير حقيقية.

٣-التشويه بالحذف أوالإضافة أو المبالغة: وتتخذه الدعاية السياسية للتقليل من القصور فيها عن طريق حذف بعض الكلمات والعبارات أو إضافتها لتغيير المعنى المقصود، ومن أشكال ذلك ما يعتمد فيه على التقنية الحديثة في تركيب الصور وإعادة ترتيب المشاهد، ونبرات الصوت، بل اختلاق مشاهد وصور لأحداث لم تقع.

٤-أسلوب الإثارة العاطفية: ويستعمل هذا الأسلوب بغية التأثير في نفوس المقابل بإثارة العواطف لا على المناقشة والإقناع.

٥-إساءة استخدام الأسماء والمصطلحات: وذلك بنشر أسماء ومصطلحات لا تتناسب وجوهر الأشياء التي تدل عليها، مثلما أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية تحرير العراق بدلاً من غزوه.

٦-التشكيك في الذات أو في الآخر: والهدف منه زعزعة الثقة بالنفس أو بالآخر عن طريق إحداث نوع من الهزيمة الداخلية.

٧-الارتباط الزائف: بعملية ربط بين الأمور التي لاعلاقات بينها بأي حال من الأحوال، مثلما ربطت الحكومة الأمريكية بين استمرار احتلال العراق ونشر الديمقراطية والاستقرار في ذلك البلد والدول العربية، والعكس صحيح.

٨-استخدام الصور الذهنية: من خلال استخدام صور معينة لإعطاء انطباعات معينة ادراك الجمهور للأحداث، وكل ما يتعلق بالعالم الخارجي، كالصورة التي تستخدمها وسائل الإعلام للعربي أو المسلم.

٩-أسلوب تحويل انتباه الجمهور: أي إلى موضوع آخر يمثل أهمية أو أكثر من الموضوع الأساسي الذي أثار انتباه الجمهور أو بإثارة موضوع آخر ليس له علاقة بالموضوع الأول.

استعمال الدعاية السياسية والدعاية المضادة أثناء الحرب:

استعملت الدعاية السياسية بقوة في فترة الحرب على العراق لأجل إثبات تفوق قوات التحالف، وإثبات صحة الحرب من خلال بحثها المستمر عن أسلحة الدمار الشامل، وإظهار سلبيات النظام العراقي، فموازاة مع الحرب العسكرية استمرت الإدارة الأمريكية بمساعدة الدول الحليفة لها حربها النفسية في إطار الحرب الإعلامية الكبرى، واستعملت لذلك الدعاية بأساليبها الآتية الذكر:

-1 التهديد والوعيد: استعملت التهديد والوعيد لبث الذعر والضغط النفسي كالوعد بتدمير حزب البعث إلى الأبد، والتهديد باستخدام ترسانتها العسكرية وقوتها التكنولوجية، وهددت بالقوة لما بدأت تحرك أساطيلها البحرية والجوية في الخليج العربي وتجري مناورات حربية، وأكد كبار مسئولي الجيش الأمريكي بقدرة أسطولهم الحربي على خوض غمار ثلاثة حروب في بقاع مختلفة من العالم.

إضافة إلى ذلك اعتمدت منذ بداية حربها على إلقاء ملايين من المناشير المهددة للقوات المسلحة العراقية تناديهم بعدم التعاون مع النظام العراقي والعودة سالمين للأهل، كتب عليها "استسلموا وانعموا بالحياة"، سبق لهذه القوات أن استعملت ذلك في نفس المنطقة أثناء الحرب الخليج الثانية، كما استعملت ذات الأسلوب مع "صدام حسين" لما أمهلته 48 ساعة للاستسلام والخروج من العراق، واستعملت أساليب القوة في مداهمة بيوت العائلات العراقية.

ولعل اصطلاح "تحرير العراق" المستعمل من طرف وسائل إعلام الدول المتحالفة دليل على ما تريد بثه في أنفس العدو والصديق، والمصطلح ذاته يعد رمزا سياسيا.

2 -أسلوب التضليل والتشويش: بعدم بث مشاهد انتصار المقاومة العراقية تلجأ إلى عملية التشويش على وسائل الإعلام الفضائية، كما عملت على تحطيم عدد من المواقع الالكترونية أو تعطيل بعضها بحجة أنها مواقع محرضة على الإرهاب، والجزيرة الناطقة باللغة الانجليزية عطّلت طيلة فترة هذه الحرب.

وسربت الإدارتين العسكرية والسياسية الأمريكية أخبارا ومعلومات كاذبة للمراسلين الصحفيين اللذين كانوا في بغداد، واللذين ذاقوا مرارة الحرب، لاسيما بعد قصف فندق فلسطين الذي يأوي المراسلين الصحفيين الدوليين، ونتج عن ذلك القصف مقتل صحفيين وإصابة عدد آخر بجروح بليغة، كما قصف مقرا قناة الجزيرة وقناة أبو ظبي.

رافق أسلوب التشويش التهديد والقوة الموجهة للإعلاميين، فلم يسلم حتى بعض الصحفيين الأمريكيين من التسريح عن العمل لما استنكروا الحرب في مقالاتهم الصحفية، وهو ما حدث لمراسل شبكة فوكس نيوز الأمريكية "جيرالدو ريفيرا" التي تعود ملكيتها إلى "روبارت مردوخ" اليهودي الأصل، كما طرد الصحفي "سموكو" مراسل صحيفة كريستيان ساينس من جنوب العراق، وقائمة الصحفيين المطرودين من العراق ومن مناصب عملهم طويلة.

وقد طرد عدد من المصورين والمراسلين، حتى الغربيين، من مواقع الحرب، واستعملت الدعاية السياسة الأمريكية صورا قديمة للإنزال في صحاري خالية لتبين سهولة الإنزال ولا وجود للمقاومة وهي صور تعود لحرب الخليج الثانية.

3-أسلوب الافتراء والكذب:

قام كبار ضباط الجيش الأمريكي بتنظيم مؤتمرات صحفية من قاعدة السيلية وواشنطن عن مستجدات الحرب بصفة شبه يومية، تطلق من خلالها إشاعات كثيرة نذكر منها على سبيل التمثيل:

*كانت تطلق إشاعات عن مقتل الرئيس وابنيه لإرباك الجيش العراقي، وتشجيع الفوضى بداخل _البلد، وقد نشرت على صفحات الواشنطن بوست، ثم تناقلته معظم وسائل الإعلام.

*إطلاق مصطلح الحرب النظيفة أي التي لا تستهدف المدنيين العزل، وحرب الصدمة أي التي لا تدوم مدة طويلة لسهولتها.

*تصوير عطف جنود قوات التحالف وهم يقدمون قطع الحلوى للأطفال العراقيين.

*إطلاق شائعة الخيانة العراقية وتأكيد استسلام المقاومة في جنوب العراق.

استعملت الإدارة العراقية هي الأخرى الدعاية السياسة والدعاية المضادة أثناء قيام الحرب ولم تتأخر لحظة عن استعمالها جنبا لجنب الحرب العسكرية، مستخدمة مختلف أساليبها منها التي

استخدمتها إدارة الخصم، ومن هذه الأساليب نذكر الآتي:

1-أسلوب التهديد و الوعيد: هدد الرئيس العراقي في خطبه بتكبيد عدوه خسائر فادحة في قواته

وأسلحته، مستعينا بالرموز الدينية من آيات قرآنية وأحاديث نبوية الحاثة على الجهاد لإعلاء كلمة الله، ليقوي من عزيمة جيشه.

وقام بتهديد زعزعة أمن إسرائيل وقصف قلبها تل أبيب عن طريق الصواريخ البعيدة المدى، وعرض صور انتصار المقاومة في عدد من المحافظات العراقية، واستعملت أسلوب التكرار في عرضها لصورة الفلاح العراقي البسيط الذي استطاع إسقاط طائرة الاباتشي لقوات التحالف.

2-أسلوب الاستمالة والاستعطاف: كان القائمون على الدعاية السياسية يستعملون الخطب السياسية المؤثرة في الشعب والجيش العراقيين والدول العربية والإسلامية المؤيدة عن طريق توظيف الدين من (آيات قرآنية وأحاديث نبوية، ووعظ وأحكام دينية)، وإثارة المسلمين لمساندة الشعب العراقي على أن القضية ليست عراقية فحسب.

عملية انتقاء الصور المؤثرة وتكرارها تبين فظاعة الحرب وتقديم إحصائيات عن عدد القتلى، والجرحى، والجثث المشوهة والمهشمة والمنشطرة لنصفين من جراء القنابل العنقودية المحرمة دوليا، وعمليات القصف التي استهدفت المستشفيات وعرض حجم الخسائر المادية بعد تهديم كّلي وشبه كّلي لأحياء سكنية ووزارات وهيئات إدارية ومتاحف ومصانع ومشافي، وقد كانت تلك الصور أصدق وأقوى مساند للدعاية والدعاية المضادة العراقية.

يندرج ضمن أسلوب الاستمالة أسلوبين آخرين مكملين هما:

استعمال الشعارات والرموز السياسية والأناشيد الوطنية، لذلك رافقت الدعاية السياسية العراقية مجموعة من الشعارات يرفعها قائد الحزب البعثي، نذكر منها "بغداد مقبرة الغزاة"، "حرب مقدسة حتى التحرير، كما استعملت الدعاية السياسية العراقية الرموز السياسية كوسيلة مثيرة في الدعاية لخلق عاطفة التضامن واستمالة أكبر قدر من المتعاطفين والمساندين، ومن هذه الرموز: الصور وهتافات الجماهير وصراخ الجرحى، ولتأثيرها العميق في النفوس اقتصر "هارولد لاسويل " في تعريفه للدعاية السياسية على حصرها في الاحتيال عن طريق الرموز".

3- أسلوب التهكم والسخرية:

استعملت الإدارة العراقية ردا على الدعاية الغربية أسلوب التهكم والسخرية، قاده وزير الإعلام

العراقي "محمد سعيد الصحاف" الذي كان يصف جنود التحالف بأرذل الألقاب كالعلوج والمرتزقة، كما وصف رئيس الولايات المتحدة ذاته بمواصفات هابطة كرأس الأفعى والمعتوه، ووصف توني بلير أيضا بذيله وكلبه...، هذه العبارات كانت تهز العدو، وذكرت وسائل الإعلام العربية أن الرئيس بوش ذاته وقادة الحرب يترقبون ويتابعون خطب الصحاف وجولاته في العراق.

انتهت فترة الحرب مباشرة بعد إسقاط التمثال الرمز للرئيس صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد يوم التاسع من أفريل. وقد عملت وسائل الإعلام الغربية على تكرار تلك المشاهد لمدة أيام حتى تجعل العالم أجمع يجمع على فوزها في تكسير النظام العراقي، وتصوير فرحة العراقيين بإسقاط التمثال وهم يضربون بنعالهم عليه، ويمزقون كل صوره في الشوارع ليترك الإعلام الغربي لتثبيت فكرة تحرير العراق أمام الرأي العام العالمي.

.............................................................................................
المصادر:
1- عاطف عدلي العبد، الدعاية والاقناع، القاهرة، دار الفكر العربي، 2007م.
2 - عبد اللطيف حمزة، الاعلام والدعاية، الاسكندرية، دار الفكر العربي، 1984م.
3- فريد حاتم الشحف، الدعاية والتضليل الاعلامي، دمشق، دار علاء الدين، 2015م.
4- نزهت محمود نفل، اتجاهات الدعاية الامريكية ازاء الارهاب الدولي، اطروحة دكتوراه، غير منشورة، جامعة بغداد، كلية الاعلام، 2002م.
5- نشأت الاقطش، الدعاية الاعلامية، فلسطين، مركز الوطن، 1999م.
6- نضال فلاح الضلاعين واخرون، الدعاية والحرب النفسية، عمان، دار الاعصار العلمي، 2015م.
7- ولاء محمد علي حسين الربيعي، الخطاب الدعائي الامريكي ازاء الشرق الاوسط، دار غيداء، عمان، 2015م.
8- برهان شاوي، الدعاية والاتصال الجماهيري عبر التاريخ، بيروت، دار الفارابي، 2012م.
9- صالح خليل ابو اصبع، الدعاية والرأي العام، عمان، دار البركة، 2012م.
10- رشيد حمليل، الحرب والراي العام والدعاية، وزارة الثقافة، الجزائر، 2007م.
11- سعد محمد بن نامي، الدعاية السياسية والترجمة، ورقة بحثيه، جامعة نايف العربية للعلوم الامنية، كلية اللغات والترجمة،2014م.
12- نبيلة بن يوسف، الدعاية السياسية اثناء الحروب، مجلة دفاتر السياسة والقانون، العدد الرابع، جامعة تيزي وزر، 2011م.
13 حازم محمد الحمداني، الدعاية السياسية بين الماضي والحاضر، دار اسامة، عمان، 2012م.
14- علاء درويش، الدعاية, مفهومها, نشأتها, أهميتها، بحث منشور على الرابط الاتي:
http://smartcontractor.blogspot.com/2017/10/blog-post_70.html،
تاريخ الزيارة 10 /3/2022م.

اضف تعليق