q
تحالف السلطة مع رأس المال المتلاحم والفساد الإداري، أضاف شروخاً جديدةً بين السلطات الحاكمة، وبين مكوناتها الاجتماعية، وما نتج عن ذلك من سيادة العنف في الحياة السياسية. وترابطت سمات وخصائص النظم السياسية العربية المتسمة بالاستبداد السياسي، مع سيادة أحزاب سياسية، تسلحت بأيديولوجيات شمولية معتمرة الروح الانقلابية...
يقلم: حسن علوض-مستشار في التوجيه التربوي، باحث في قضايا التربية، الرباط -المغرب.

تمهيد: عن ظاهرتي العنف والاستبداد: الخلفية وسياق الاهتمام

يقول الطبيب المفكر الفرنسي غوستاف لوبون: «إن ما يجمع الثورات هو الاستياء، فإذا عمَّ وتراكم فإنه يتحول إلى حركة تتحوَّل إلى وثبة وبالتالي ثورة»، ويقول عبد الرحمن الكواكبي صاحب (طبائع الاستبداد): «خلق الله الإنسان حرًّا، قائده العقل.. فكفر.. وأبى إلَّا أن يكون عبدًا، قائده الجهل!!». ويقول عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر: «الأمم قد تتسامح بالتفريط في مصالحها، ولكنها لن تتسامح أبداً بجرح شرفها وكبريائها». وفي «مقدمة» ابن خلدون الشهيرة، فصول متعددة عن الاستبداد وسقوط الزعيم حين انفراده بالمجد، منها الفصل الثالث عشر: «في أنه إذا تحكمت طبيعة المُلك من الانفراد بالمجد وحصول الترف والدعة أقبلت الدولة على الهرم» ويقول: «إن طبيعة المُلك الترف فتكثر عوائدهم وتزيد نفقاتهم...والترف مفسد للخلق بما يحصل في النفس من ألوان الشرّ والسفسفة وعوائدها»[1].

تعيش جل مجتمعات العالم العربي، وفي الشروط الراهنة تحديداً، تحت وطأة إيقاع متواتر لـ«حراك اجتماعي»، مما تم نعته بثورات الربيع العربي، ثورات لم تقف عند حدّ زعزعة أركان بعض الأنظمة السياسية القائمة في العالم العربي، بل أسقطت بعض رؤوسها من حراس استبدادها العتاة (تونس، مصر، ليبيا...). وقد اتسمت هذه النظم السياسية العربية باحتكار السلطة، وغياب الديمقراطية السياسية، وسيادة النزعة البوليسية انطلاقاً من شرعيتين أساسيتين: شرعية وراثية، وأخرى انقلابية، تغلفت بأطر تاريخية أسرية أو أيديولوجية. وقد تشارك كلا النموذجين -الوراثي والانقلابي- في احتكار الدولة للثروات الوطنية، حيث زاوجت النخب الحاكمة بين احتكار السلطة، والهيمنة الاقتصادية.

إن تحالف السلطة مع رأس المال المتلاحم والفساد الإداري، أضاف شروخاً جديدةً بين السلطات الحاكمة، وبين مكوناتها الاجتماعية، وما نتج عن ذلك من سيادة العنف في الحياة السياسية. وترابطت سمات وخصائص النظم السياسية العربية المتسمة بالاستبداد السياسي، مع سيادة أحزاب سياسية، تسلحت بأيديولوجيات شمولية معتمرة الروح الانقلابية، وقد صادرت هذه الأنظمة المستبدة جميع حقوق المواطن الفرد، واحتكرت مصادر القوة، بمزاوجة السياسة والاقتصاد، وبين النفوذ السياسي، والربح المالي، واستسهلت بناء الولاء السياسي للنظام على أساس علاقات وشائجية، وأيسرها علاقات الولاء بقرابة الدم أو العشائرية أو الجهوية (التي قد تتقاطع مع المذهبية والطائفية). ونتيجة لفقدانها الشرعية التي تُسوِّغ بقاءها، وتضمن طاعة الناس لها، غالباً ما ركنت هذه الأنظمة الشمولية، اللاديمقراطية إلى استخدام العصا والجزرة، أحدهما أو كلاهما، ووضع الفرد المواطن بين الخوف والرجاء، الخوف من تسلط وبطش السلطان، والرجاء في مكرماته وأعطياته.

فالشعوب عند الحاكم الطاغية حالها حال قطعان الماشية، تطعم إن أحسنت وأطاعت، وتضرب ظهورها إن أساءت وعصت، وما هي إلَّا بطون تُملأ أو ظهور تُجلد، وهي بذلك لا تعقل، ولا يجب أن تعقل. لكن هذه النظرة كُسرت من قِبل الشعوب العربية ونقضت مقولة: «إنه بالخبز تحيا الشعوب» التي تكاد تكون من المسلّم الذي لا جدال فيه، وأثبتت أن الشعوب الحية لا تحيا بالخبز وحده ولا تحكم بالخوف، ولا تساق كالقطعان، وإن سكنت واستكانت حتى حين.

إن الواقع الراهن الذي أفرز الثورات العربية، له علاقة بالعنف البشع الذي تمارسه الأنظمة الاستبدادية (المتخفي والمؤسساتي المنظم)، فرغبة الدول التي تريد إرساء قواعد جديدة وتحتاج في ذلك إلى شيء من القوة، تعلل ذلك بأنها مرحلة ضرورية، ستتبع فيما بعد بأشكال من الديمقراطية، لكن في كثير من الأحيان يتواصل ذلك بشكل استبدادي، ويصبح سمة من سمات الحكم. فيتم التشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان مع عدم التواني في خرقها.

إن العلاقة بين العنف وحقوق الإنسان -التي تبرز تمظهراتها جلية في واقعنا العربي- علاقة متعددة الأشكال والأبعاد والآثار والنتائج: هي متعددة الأشكال لأنها تمس علاقة الأفراد داخل المجتمع، وعلاقة المجموعات، وعلاقة السلطة بالمجتمع، وعلاقة العناصر المكونة للمجتمع الدولي بعضها ببعض، وهي متعددة الأبعاد لأنها تشمل كل أبعاد الحياة الإنسانية، اقتصادية كانت، أو اجتماعية أو قانونية أو ثقافية. وهي متعددة الآثار والنتائج، لأنها تعيد طرح موقع الدولة في المجتمع.

ونظراً لاتِّساع مجال الموضوع وصعوبة الإلمام الشامل به، فإننا نتجه في هذا البحث، صوب التفكير في جوانب محددة من تمظهراته، في الثقافة، السياسة، والفكر السياسي العربي المعاصر. وسنقتصر على ثلاثة مستويات: وهي عنف الدولة، وعنف الجماعات الخارجة عن القانون أو ما يسمى بالإرهاب، والعنف في المستوى الدولي، وكلها أشكال من العنف تنتهك فيها حقوق الإنسان، علماً أن العنف كظاهرة يمكن أن ينظر إليه في مستويات مختلفة ومن زوايا متعددة.

مشكلة المفهوم: تعدد الدلالات وسياق التداول

تعد مشكلة التعريف بالمفاهيم وتحديدها من المشاكل الأساسية، في التحليل السياسي، بل والتحليل الاجتماعي بصفة عامة، إذ تتعدد وتتداخل التعريفات للمفهوم الواحد، الأمر الذي يخلق قدراً من الاضطراب عند استعمال مثل هذه المفاهيم. ويرجع عدم الاتفاق حول تعريف المفاهيم في العلوم الاجتماعية وتحديدها إلى عدة اعتبارات منها: «أن الظواهر السياسية والاجتماعية، بصفة عامة ظواهر مركبة متعددة المتغيرات، ومن ثم فالمفاهيم الدالة عليها، تتسم بالعمومية والتعقيد وتعدد الأبعاد. كما أن المفاهيم تعتبر نتاجاً لخبرة اجتماعية مشتركة. ولما كانت خبرات الأفراد والجماعات تختلف من حيث الزمان والمكان، فإن ذلك يعكس في حد ذاته تفضيلات، وانحيازات وثيقة الصلة بخبرة الجماعة»[2].

إن تناول مفهوم العنف بالتعريف يصاحبه العديد من الصعوبات المرتبطة باختلاف الرؤى، والمنطلقات الفكرية والأيديولوجية لكل باحث حول هذا المفهوم. فقد أسهب الباحثون في تحديد مفهوم العنف، كل من زاويته الخاصة، حيث يُعرِّفه جميل صليبا في معجمه الفلسفي بكونه «فعلاً مضادًّا للرفق، ومرادفاً للشدة والقسوة»[3].

في حين يرى بول فولكي في قاموسه التربوي «أن العنف هو اللجوء غير المشروع إلى القوة، سواء للدفاع عن حقوق الفرد، أو عن حقوق الغير»[4].

أما أندري لالاند فقد ركَّز في معجمه الفلسفي، على تحديد مفهوم العنف في أحد جزئياته الهامة، على أنه عبارة عن «فعل أو عن كلمة عنيفة»[5].

أما قاموس «أوكسفورد»، فيعرف العنف بـ«أنه ممارسة للقوة لإنزال الضرر بالأشخاص أو الممتلكات، وكل فعل أو معاملة تتصف بهذا تعتبر عنفاً، وكذلك المعاملة التي تميل إلى إحداث ضرر جسماني، أو تدخل في الحرية الشخصية»[6].

إن الاستخدام القاموسي لمفهوم «العنف» قد لا يقدم تعريفات تلم بالنطاق الواسع للاستخدامات الحديثة للمفهوم، الذي أصبح يشير إلى أبعاد مختلفة، تتراوح بين الهجوم المباشر، والهجوم النفسي، كما قد يشير إلى الأشكال الظاهرية المكشوفة، كالحروب، ومظاهر الشغب، والثورة، والتمرُّد، والأشكال الخفية، كتلك التي تمارسها الدولة والنظم السياسية المختلفة، للحد من ممارسة المواطنين لحرياتهم، والتمتع بالحقوق التي خولتها القوانين والمواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان. هذا العنف الهيكلي هو عنف خفي لأنه كامن في البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للمجتمعات.

وهكذا فتحديدات العنف تعدَّدت واختلفت، إلَّا أن الجميع يقر أنه سلوك لا عقلاني، مؤذٍ، غير متسامح، بل هو كل «مبادرة تتدخل بصورة خطرة في حرية الآخر وتحاول أن تحرمه حرية التفكير والرأي والتقدير، وتنتهي خصوصاً بتحويل الآخر إلى وسيلة أو أداة من مشروع يمتصه، من دون أن يعامل كعضو حر وكفء»[7].

وترمي ممارسة العنف إلى تحقيق أهداف معينة، تختلف حسب رغبات الأفراد والجماعات، وبالتالي من السهل إصدار أحكام قيمة حول شرعيته من عدمه، لأن ما يكون غير شرعي بالنسبة إلى ضحاياه، قد يكون شرعيًّا بالنسبة لممارسيه. ويرجع هذا إلى اختلاف الجماعات والجهات، من حيث أطرها المرجعية، وقيمها الثقافية، واختلاف الدوافع والأهداف الكامنة وراء ممارسة العنف.

إن العنف، كان ولا يزال، حقيقة أساسية من حقائق المجتمع الإنساني، بل هو مكون للوجود البشري. وإذا كانت أشكال العنف تختلف من عصر لآخر، ومن مجتمع لآخر، إلَّا أنها كانت في جوهرها واحدة، فالعنف والإرهاب والاستعباد كانت من نصيب الإنسان في كل المجتمعات، ويتأكد لنا –في الواقع الحالي– أن العنف يرافق الحق، وأن القوة هي التي توجد «الحق»، وأن الأقوى على صواب دائم، فلا يجب أن نعتبر «العنف» الممارس من طرف الدولة، أو قوة عظمى، أفعالاً عنيفة لأنها قانونية، مبررة بقوانين موضوعة من طرف السلطة نفسها، والتي تعتبره ممارسة معقلنة، لا تكون غاية في ذاتها، وإنما تبرّر بكونها مجرَّد أداة لتحقيق المجتمع المدني، وبالتالي أضحت «القوة» وسيلة لخرق حقوق الإنسان، والحد من الحريات، في هذا الزمن العولمي، الذي أصبح فيه الحق بيد الأقوى اقتصاديًّا وسياسيًّا، وبالتالي أصبحنا أمام «منزلق عطل فكري أو أيديولوجي... لا يخدم في نهاية المطاف –سواء في مقاصده أو نتائجه ووظائفه، وسواء بوعي منه أو دونه- إلَّا أيديولوجيا الفكر الأوحد والقوة الواحدة والمسار التاريخي الواحد والمآل الأوحد المغلق المحتوم... أي أيديولوجيا الإلغاء والمحاصرة والإبادة والقتل المادي والمعنوي للآخر.

وذلك في أبشع صور هذه الممارسات، وأبعدها عن قيم الإنسانية، والتعاون، والحوار، واحترام الديمقراطية وحقوق وكرامة الإنسان... من مثل ما تنادي به ثقافة النظام الكوني الجديد في شعاراتها الأكثر ديماغوجية ودعائية، إذ تعتمد هذه القيم على صعيد النظر والقول، وتضربها في الصميم على مستوى الممارسة الفعلية، فتعتمد في سياساتها اتِّجاه «الآخر» غير الغربي بالذات إلى أسلوب الكيل بمكيالين، وإلى التنكيل بالضعفاء، وإلى التنكر لكل المبادئ والمواثيق التي تقوم عليها الشرعية الدولية، والتي أصبحت الآن «جائرة» بفعل صيغتها العولمية المؤمركة»[8].

عنف الدولة - السلطة: أوليات للفهم والتشخيص

اقترن العنف دائماً بالسلطة، وتداخل معها، رغم إقرار معظم الفلاسفة السياسيين بضرورة الفصل بين المفهومين، فاختلاطهما هو الأمر المألوف، رغم أن مفهومي السلطة والعنف يحتلان فضاءات متباينة «بالنسبة للسلطة يأخذ العنف ثلاثة مظاهر: فهو أولاً تهديد استيهامي دائم، يلازمها حتى خلال هدوء لحظاتها الأكثر صفاء، فهي تمارسه دائماً تحث تهديد العنف حتى لو كانت أكثر ثباتاً وتمكُّناً. وهكذا يقيم العنف، منذ البداية، داخل السلطة على شكل تهديد غير واضح، يسكنها بصورة خيالية كتهديد متعدد الأشكال، وككابوس مميت، وإن لم يتطابق مع أي شيء في الواقع.

ويمثل العنف، ثانياً، هذا القصور الذي يجب على السلطة أن تتعايش معه، وأن تتصارع ضده لأنه انحلال تدريجي، وانهيار محتوم، بحيث تكون الأسباب داخلية بالأساس، وفي هذا الإطار، كتب كل من أفلاطون وأرسطو ومونتسكيو صفحات عديدة حول الأعراض المرضية للأنظمة السياسية، وحول ميلها الذي لا يقاوم نحو الانحطاط، إذ السياسة مثل الحياة، عبارة عن صراع ضد الفساد والفوضى.

وأخيراً، يأخذ العنف بالنسبة للسلطة صورة التهديد الخارجي: كالحروب والثورات، وحالات فقدان السيادة، وكل حوادث التاريخ التي بإمكانها أن تُقوِّضها. وهكذا تجد السلطة نفسها أمام الرهان التالي: الرَّد على أنواع، العنف، مع الاحتفاظ لنفسها بوضعية التعالي على كل هذه الأنواع، بغية عدم الدخول بتاتا في منافستها، لأن من شأن هذه المنافسة، أن تُعرِّي السلطة، وتُظهر أن الحق الذي تستند عليه هو حق الأقوى»[9].

إن العنف والسلطة منفصلان ومترابطان في الآن نفسه، فالعنف يقترن بالسلطة، إذ يشغل مكانة داخلها، وداخل السياسة، وإنه ضروري لإنقاذ السلطة «فرغم أن السلطة مختلفة عن العنف، وملاحقة عبر تمديده المميت، فهي ملزمة، في بعض الظروف، باللجوء إلى استخدام العنف، ضدًّا على ماهيتها، بحيث يمكن، هنا، استحضار جرعات ماكيافيلي الدقيقة، وكذا تأكيد ماكس فيبر على احتكار الدولة العنف المشروع. ورغم أن السلطة لا تستخدم، في الحقيقة، العنف، وإنما القوة القائمة بدقة على الحق، فإنما تجسد نفسها، في بعض الظروف مرغمة على الانخراط في استعمال تلك القوة، وعلى تجاوز ذلك الحق، بعبارة أخرى، تجد نفسها مضطرة لاستخدام العنف»[10].

إن هذا الاضطرار للجوء إلى العنف من طرف السلطة، رغم أنه شطط في استعمال غير قانوني للقوة، يتم تبريره بأنه أمر ضروري، لإنقاذها والحفاظ على كيانها، وجعلها في مركز التعالي على كل ما يقف في وجهها، وضد مشروعيتها «إن دور الدولة الرئيسي يقوم على منع القيام بأعمال العنف من قبل الأفراد، أو في أقل تقدير ضبط هذا العنف والاستئثار به لاستخدامه، فالحق الأعلى للسلطة يقوم على توجيه العدوانية الجماعية. ومعيار الدولة السيدة في قانوننا الدولي، هو سلطتها في كل حين في إطلاق جماح العنف المنظم، وفي مهاجمته من تشاء وحين تشاء»[11].

تُؤسِّس السلطة للعنف وتُنظِّمه في هياكلها، خدمة للصالح العام وصيانة لحقوق الأفراد داخل نسق لا تعارض فيه بين الحق والقوة، ما دام الحق هو غاية القوة، حيث تكشف الفلسفة عن مفارقة صارخة تهز عمل السياسي من جذوره تتمثَّل في المعادلة الصعبة التالية: «الأذى الذي تسببه الأنظمة الحاكمة للشعوب لا يتغذى إلَّا من العقلانية الصارمة التي تعتمدها هذه الأنظمة في حكم شعوبها، وكلما ازدادت درجة العقلانية، ازدادت درجة الأذى الذي يعاني منه المحكومون.

هذا ما التقطته العين النقدية لبول ريكور في كتابة «الحقيقة والتاريخ» من مسرح الأحداث السياسية العالمية في زمانه. فهناك اغتراب ناتج عن السياسي، لكونه حقلاً تجد فيه السلطة كامل حريتها لتفعل ما تشاء بالخلق، وحتى عندما نتحدَّث عن حرية ممارسة السلطة وغياب أجهزة المراقبة والمحاسبة، وضعف محصنات الديمقراطية، وانعدام المؤسسات التي تسهر على حماية العقد الاجتماعي، فإننا نتحدَّث عن الشر والظلم والأذى التي يسببها السياسي للمجتمع.

إذن كل دولة تحتاج من جهة رأسها إلى عقل يركز النظام ويسرع عجلة التنمية، ولكن هذا العقل نفسه يتحوَّل إلى معتقل، وقوة تأديب وعقاب، وبالتالي تخسر الدولة ما حققته من أرباح، وتفوت فيما كانت قد أحرزته من تقدم. إن مشكل الدولة مزدوج ومعقد، فهي أكثر عقلانية من الفرد وأكثر انفعالية وتأثر منه، تحتاج إلى القوة ولكن الإفراط فيها يحولها إلى أداة قهر وتسلط وتحتاج إلى اللين والمرونة، ولكن الاكتفاء بهما قد يحولها إلى جهاز ضعيف وسلطة من ورق.

كما أن مشكل الديمقراطية يتمثَّل في قدرة الشعب على مراقبة الدولة، ولكن مشكل المراقبة هو نفسه غير قابل للتحديد والضبط. إذاً ما هي الشرائح من الشعب التي لها مشروعية مراقبة أداء الدولة هل هم السياسيون المعارضون المتعطشون للاستيلاء على الحكم أم المثقفون الذين يخفون ضعفهم من خلال توهم الإبداع ويسترزقون من موائد الحكام؟ هل هم نشطاء منظمات حقوق الإنسان والكهنة الجدد للمجتمع المدني.

إن الجمع بين الحق والقوة يُمثِّل مشكل بالنسبة لأي دولة، وآية ذلك أن الحق دون قوة تصونه هو ضائع، والقوة دون حق يراقبها هي سلطان غشوم. على هذا النحو، يبرز مع نشأة الدولة بعض من العنف المشروع، ويبدو أن الوجود السياسي للإنسان يسهر عليه عنف مشروع، هو عنف الدولة، ودون ذلك، لا يكون المواطن مواطناً له حقوق ضمن دولة تعرف على أنها جسم سياسي وجهاز حقوقي يُنظِّم العلاقات بين الأفراد ويبني علاقات حسن جوار مع الدول الأخرى.

بيد أن عنف الدولة لا يكون مشروعاً، إلَّا إذا اتَّخذ طابعاً جزائيًّا، وحرص على ترسيخ العدل والإنصاف في تطبيق القوانين. ولا يكون ذلك ممكناً، إلَّا إذا منعت الدولة التجاء الأفراد والمجموعات والطوائف إلى العنف المنفرد لحل النزعات التي تحدث بينهم، وتحتكر ذلك لنفسها، وتُعيد توزيعه في شكل قوانين وهيئات تضمن السلم الاجتماعي»[12].

وتحت شعار القانون والشرعية، تمارس الدولة العنف، إذ تعتبره وسيلة شرعية لتحقيق أهداف شرعية[13]، وتبرره بأنه أداة لتحقيق المجتمع المدني، ولا يكون عنفاً حينما يعبر عن الحق، هذا المجتمع الذي يقوم على واجب الطاعة والاحترام للقانون. لأن البديل لذلك، هو الفوضى وانعدام النظام.

وبحكم أن الدولة هي رمز السلطة، فهي تؤسس العنف وتنظمه في هياكلها، حيث أصبحنا نعيش ذلك العنف الذي اعتبرته الفلسفة دوماً موازياً للفوضى واللأمن، ليتمظهر في أثواب أخرى. إن العنف كأداة سياسية لا يمارس من أجل الحفاظ على الإنسان ككائن يسعى لخلق علاقات إنسانية، تساهم في بناء مجتمع مدني تسوده المصلحة المشتركة، بل هو أداة لإخضاع الأفراد، ومراقبتهم، ومعاقبتهم وزجرهم، «لقد أنشأ العنف تواطؤاً غريباً بين الجلاد، والضحية، الجلاد يمارس شتى ضروب العنف تحت ستار القانونية والشرعية، ومن يتعرَّض للعنف وقد امتصت منه طاقة الرفض لديه، انتهى به الأمر إلى الاستسلام له (العنف) والرضا به. تقبل الضحية اغترابها وترغب في طاعة السلطة التي لا تقوم إلَّا على الإكراه»[14].

إن معيار المشروعية هو اتفاق الممارسات التي تقوم بها السلطة مع الإطار الدستوري القانوني السائد في المجتمع. فالفعل يصبح مشروعاً، عندما يستند إلى نص دستوري أو قانوني، ويوصف بعدم المشروعية، عندما لا يكون كذلك. ومن منطلق احتمالات التناقض بين شرعية عنف الدولة ومشروعيته تتبلور الإشكالية في السؤال المزدوج التالي: متى يصبح عنف الدولة شرعيًّا؟ وما هي معايير شرعيته؟

بداية يجب التأكيد أنه لا يوجد اتِّفاق بخصوص شرعية/ مشروعية عنف الدولة لعدة اعتبارات، منها: أن النظم والقوى التي تُمارس العنف، تتَّجه إلى تبريره باعتبارات قيمية أخلاقية، وأن عنفها ذلك مشروع ومقبول، لأنه أداة للحق. ويبرر النظام السياسي ممارسته لهذا العنف، استناداً إلى دعاوي المحافظة على الأمن والنظام والقانون، وحماية النظام الاجتماعي من اعتداءات قوى وعناصر غير حريصة على المصلحة العامة، أو متواطئة مع قوى أجنبية هدفها إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار، بل تطرح كثير من الأنظمة التي تمارس العنف ضد مواطنيها شعارات مزيفة ورنانة مثل محاربة الإرهاب، ومشروعية منطق الدفاع عن ثوابت الدولة ومُقدَّساتها، ضد الأفكار والجماعات المتطرفة.

لقد وضع الإنسان القوانين لضمان حسن سير النظام، كما وضعت الدولة كرمزية للسلطة، وآلية من آليات ممارسة العنف، باعتبار أنه لا جدوى من قوانين أو مؤسسات لا تكون لها القوة التي تضمن فاعليتها، والرغبة في طاعتها والامتثال لها، لكن القانون الذي ترعاه الدولة لم يوقف مد العنف والبطش، والاعتداء والقتل، ولم تستطع القوة كعنف مشروع جعل الناس يعتبرون ويمتنعون عن القيام بالعنف اللامشروع.

من هذه المنطلقات العامة، فإن سلطة الدولة هي السلطة التي لا راد لقرارها، وهي التي تجمع بين السلطة المادية للإرغام، والسلطة المعنوية لتحديد الواجب والمسؤولية. لكن من الذي يضمن أن كل الدول ستلتزم باستعمال الحد الأدنى من العنف المشروع؟ ألا يمكن أن يتحوَّل العنف الذي يتخذ طابعاً جزائيًّا عندما تستأثر الدولة بقوة الردع لنفسها وتتولى مهمة العقاب بشكل مباشر وقاسٍ إلى عنف غير مشروع؟ ثم ألا يولد ذلك التوجُّه الخاطئ ردود أفعال عنيفة من قبل المجتمع، وتنتشر ثقافة الحقد والضغينة، والردود الأفعال غير المحسوبة؟ ألا تتحوَّل هذه الدولة نفسها نتيجة استعمالها للعنف غير المشروع إلى دولة قاسية مستبدة؟

علاقة العنف بالتسلط والاستبداد: مداخل نقدية للتفكير والتساؤل

إن العنف الرسمي الممارس من طرف الدولة، يطرح إشكالية هامة تتعلَّق بطبيعة الدولة ووظيفتها. فالدولة بحكم طبيعتها تحتكر حق الاستخدام الشرعي للقوة، فماكس فيبر يرى أن تروتسكي كان على صواب في قوله يوماً: «إن جميع الدول قائمة على القوة»[15]، وبالتالي، فإن درجة من العنف ترتبط بوجود الدولة واستمرارها، وقيامها بوظائفها.

وهنا يُثار التساؤل حول طبيعة وحدود العنف الممارس من طرف الدولة كسلطة، وذلك في إطار أداء الدولة لوظائفها، كحفظ الأمن العام والنظام، وحول طبيعة العنف الذي يعتبر نوعاً من التعسف والتسلط في استخدام السلطة من جانب آخر؟

يجب التأكيد هنا، أن هناك خيطاً رفيعاً يفصل بين المستويين بالنسبة للعنف. فإذا كان من الممكن إجراء مثل هذا التمييز في الدول الديمقراطية المستقرة ذات المؤسسات والاختصاصات، حيث الدستور في الدولة ومؤسساتها، ويضمن توافر مبدأ تداول السلطة، واستقلال القضاء، وحرية الصحافة، ونزاهة الانتخابات...

والدولة بهذا المعنى لا تستطيع أن ترتكب العنف إلَّا وهي خارجة عن القانون، لا في إطار القانون، فإنه من الصعوبة بمكان التمييز بين المستويين لممارسة العنف في معظم دول العالم الثالث ومن بينها الدول العربية، في ظل ظروف سياسية تتسم بشيوع ظاهرة التفرُّد والاستبداد بالسلطة، وسيادة نظم الحزب الواحد، وتقييد الحريات والحقوق، حيث إن الدولة لا تستند إلى الدستور والاختصاص، بل تستند إلى القوة المادية، وبالتالي فهي دولة غير قانونية بالمعنى الحديث، العنف فيها وارد والطغيان وارد والعنف المضاد وارد.

كما أن تزايد حدة العنف السياسي بين أجنحة النخب الحاكمة نفسها، أو بينها وبين المعارضة، فضلاً عن حدوث انقسامات حادَّة داخل نخب المعارضة، وعدم احترام آلية الانتخابات، وتصاعد مظاهر الاحتجاجات والاضطرابات الناجمة عن اتِّباع سياسات اقتصادية تقشفية، تدرج النظم الحاكمة على مقابلتها غالباً بالعنف، وعدم الاعتراف بالتنافسية السياسية، كآلية من آليات ضمان الاستقرار السياسي، والذي ينصرف بالأساس إلى قدرة النظم الحاكمة على تجاوز الأزمات دون استخدام العنف، ودون حدوث توترات شديدة، تُعطِّل فرص الحوار والتنافس السلمي.

كما أن غياب التداول الحقيقي للسلطة، وعدم التأكيد عليه ساهم في تسلط هذه الأنظمة الحاكمة، «فهذه الأنظمة ليست نُخباً سياسية، تُعبِّر عن تيارات سياسية، وبالتالي يمكن أن تصل للسلطة أو تتركها، حسب شعبية تيارها السياسي. لأن الأنظمة العربية الآن، هي مؤسسات حاكمة، فهي الحكومة والحاكم، والدولة والحزب والحاكم، وهي أيضاً الجيش والأمن، معنى ذلك أن الأنظمة ليست بأيَّة حال من الأحوال جماعة سياسية، يمكن أن تُبايعها الجماهير، أو تُبايع غيرها، ولكنها أنظمة مندمجة تماماً في المؤسسة، بدرجة تجعل تغيير النظام وكأنه تغيير للدولة نفسها»[16].

إن ما يميز عنف الدولة عن الحكم، والمقدرة، والقوة، والسلطة هو سمته كأداة، قد تتخذ أشكالاً وأثواباً مختلفة، يجب البحث عنها ليس في الأماكن المعتادة، بمناسبة تعسفات رجال الأمن، أو كما يسميها ألتوسير بالأجهزة القمعية كالجيش والبوليس والدرك وحراس السجون، لكنها تكمن في المنظومات القانونية والاجتماعية والتربوية والثقافية «أو ما ندعوه باليد اليسرى للدولة (la main gauche de l’état)، وتشمل مجموعة من المؤسسات التي تتكفل بإنتاج الرموز، وبثها في الجسد الاجتماعي بطرق شتى كالمدرسة والمسجد والملعب والسوق والمحكمة»[17]. مؤسسات وُظِّفت لمراقبة الأفراد، وتأطيرهم في بوتقة نفوذ الدولة، عبر تحنيط البرامج السياسية والاجتماعية والثقافية، في مسائل تتعلَّق بالولاء للدولة، وللقائد الرمز، أي إعادة إنتاج الأيديولوجيا الرسمية حول شرعية الحكم.

لقد تطاولت هذه الأنظمة في الدول الاستبدادية، في الاستئثار بممارسة العنف في ظل غياب مرجعية قانونية مؤسسة للمعاقبة، فأصبحت قاصرة على حماية حقوق مواطنيها (رعاياها)، وتحوَّلت إلى جهاز قمع وإرهاب، واضطهاد وحرمان من الحقوق الأساسية، وأتقنت ممارسة تكنولوجيا الإرهاب. كما أن التسلُّط المقيت للأجهزة الأمنية، وتدخُّلها السافر في جميع نواحي الحياة، كان وما يزال، سبباً من أسباب مشكلة عدم الاستقرار في غالبية الدول العربية. فبدلاً من أن تُمثِّل تلك الأجهزة عاملاً للاستقرار أصبحت عائقاً له، نتيجةً لتضخُّمها وتغوُّلها على كافة قطاعات المجتمع، وتركيز جهودها على حماية أمن الأنظمة الحاكمة، على حساب حماية أمن الأوطان، وذلك في سياق غلبة الطابع القمعي لأنظمة الحكم. إن هذه الاختلالات والتناقضات في بنية هذه الأنظمة الحاكمة، هي مؤشر حقيقي على تآكل شرعيتها، وضعف فاعليتها، لذلك لا عجب إن مثَّلت الممارسات الأمنية الوحشية القشة التي قصمت ظهر أنظمة الحكم الاستبدادية التي تهاوت كأوراق الخريف في ربيع الثورات العربي.

إرهاب الدول والجماعات المتطرفة: نحو رؤية جدلية للعلاقة بين القطبين

إن ما يُميِّز الواقع الحالي إقليميًّا ودوليًّا، هو انتشار العنف الظاهر والمستتر بسبب اختلال في التوازن بين حقوق الشعوب، مثلما يوجد اختلال في التوازن بين الأفراد والجماعات في صلب المجتمع الواحد، والدولة الواحدة، فإذا كان العنف هو أحد حقائق العصر الذي نعيشه، وهو في الوقت نفسه أحد العناصر المكوِّنة لجريمة الإرهاب الدولي، فعلى المستوى الدولي أصبح الإرهاب عنصراً فعَّالاً في عملية اتِّخاذ القرار السياسي، كما أصبح أسلوباً تستخدمه الدول في إكراه خصومها على الانصياع لما تفرضه أحد وسائل الصراع السياسي على المستوى الداخلي، فهو في نظر البعض وسيلة مبررة ومقبولة للرَّد على القهر ورد الظلم.

لكن ما هو الإرهاب؟ أولاً، وإذا شئنا فهم العلاقة بين المواقف والتوجهات المختلفة بشأن نعت الإرهاب كشكل من أشكال العنف، فلا بد للدارس من دراسة منهجية شمولية تحليلية منضبطة لهذا المفهوم، يمكن بها الوصول إلى رؤية واضحة في هذا الأمر.

بالنسبة لبول دوموشيل: لكي يتأتى لنا فهمه جيداً سيكون من الأفيد أن نطبق على مفهوم الإرهاب تلك المقولة الشهيرة لكلوزوفيتش بصدد الحرب، عندما قال: «الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى». وإذا لم تكن هذه المقولة صالحة لتعريف الإرهاب، فإنها على الأقل يمكن أن تُقدِّم مقاربة أولية عنه... فهو من جهة لاعقلاني، لأن حسب العديد من الخبراء لا يكون فعلاً على مستوى سياسي. وهو من جهة أخرى لا عقلاني كذلك، لأن العنف الشديد الذي يتميَّز به، يجعل الفعل الإرهابي منفصلاً عمَّا يدَّعيه من أهداف سياسية فيغدو مجرَّد عنف خالص»[18].

فالعنف والإرهاب خطان متناغمان من حيث المقاصد والأهداف، وصورتان لعملة واحدة، لا يمكن فهم أحدهما بمعزل عن الآخر، لكن شريطة عدم الخلط بينهما، «فالعنف وسيلة لتحقيق أهداف معينة، أما الإرهاب فهو صورة مبالغ فيها. وقد يكون الإرهاب فكريًّا تدعمه قوة مادية للسيطرة على الموقف.

وباختصار فإن الإرهاب صورة خاصة لا يمكن فهمه إلَّا من خلال فهم العنف بصفة عامة، ولكن لا يجب أن نخلط بينهما»[19]. فمفهوم الإرهاب أصبح مفهوماً محوريًّا في تراث دراسات العنف «يتميز الإرهاب من الناحية المفهومية عن العنف بأنه عنف منظم، يحدث عندما تميل جماعة أو تنظيم إلى استخدام العنف كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية»[20].

والإنسان العنيف –في أية حال من الأحوال– أخف في ممارسته من الإرهابي، فكل إرهابي عنيف، ولكن ليس كل عنيف إرهابيًّا، فضلاً أن من يرتكب عملاً إرهابيًّا لا يقصد العنف مع أشخاص بذواتهم فحسب بل يعني الأذى للآخرين أو الأبرياء. «إن الإرهابي وثيق الصلة بالسياسة، ولا يُميِّز بين كل من الاستراتيجية والتكتيك من ناحية، والمبادئ من ناحية أخرى، وهو بذلك يعتبر أن السياسة مسألة مبدأ، ويكون له استعداد لأن يتنازل عن حياته الخاصة تحقيقاً لتضحية عليا، وهو عادة صغير السن ينحدر غالباً من أسر تنتمي إلى الطبقة الوسطى، وهو يُؤدِّي واجباته باعتبارها مهمة أساسية»[21].

ولو نحن اعتبرنا الإرهاب واحداً من الاضطرابات النفسية التي تلحق الضرر بالمجتمع الإنساني وتُهدِّد أمنه، فإن لهذا الاعتبار قواعده العلمية وليس سياسية، بمعنى أن وضع تشخيص الإرهاب لا بد له من أن يستند إلى مؤشرات موضوعية تدعم هذا التشخيص.

أما أن تقوم جهة ما (السلطة أو دولة ما أو جماعة ما) بوضع التشخيص وفق معايير مصلحتها، فإن ذلك مرفوض من الوجهة الاختصاصية. وعليه فإن هنالك ضرورة لإيجاد معايير موضوعية لتشخيص حالات الإرهاب. وأولى شروط هذه المعايير، هو أن تكون عالمية. بمعنى قابليتها للتطبيق على الجميع (أي على الإسكندر والقرصان معاً[22]).

بهذا نكون قد وصلنا إلى ضرورة المناقشة العلمية الهادئة لمفهوم الإرهاب. وهي مناقشة تستبعد محاولات توظيف التفوق السيكولوجي للدول القوية، ومن يمثلها من باحثين وعلماء. وفي هذه المناقشة يُمكننا تقسيم أنماط الصراع إلى صدامية مباشرة وهي الحروب، وإلى صدامية متخفية وهي الضربات المقسطة والمفاجئة التي تدرج في قائمة الإرهاب. والتفاوض الذي يعني إقرار الأطراف بعجزها عن حل صراعها بالقوة، أو على الأقل إقرارها بفداحة الثمن الذي تتطلبه القوة لحل الصراع.

هنا لا بد لنا من التفريق بين الإرهاب التابع للجريمة، وبين الإرهاب المنطلق من مثاليات مُحدَّدة، والذي يأتي كردَّة فعل على كارثة معنوية تُصيب شعوباً بأكملها، ويتوجَّه مباشرة إلى المعتدي المتسبب بهذه الكارثة فإن هذا الإرهاب يندرج في قائمة الحقوق، وفي مقدمتها حق مقاومة الاحتلال. «إن ما يحصل في مجتمعات عربية وإسلامية، ونامية كثيرة... هو، في منظور القوى المتنفذة على المستوى الدولي، مَسْعيات نبيلة وجهود محمودة لمحاربة الإرهاب والتطرف والعنف والتخلف... وترسيخ أصيل لقيم ومقومات للاستقرار، والديمقراطية، والسلم والتنمية والحداثة... بينما تظل هذه الممارسات، في منظور وأفهام قوى محلية وإقليمية ودولية مناقضة، استراتيجيات قصدية مدبرة لقتل الآخر، ومصادرة، مع سبق الإصرار، للكثير من حرياته وعناصر كرامته وحقوقه المشروعة في التعدُّد والتنوُّع والاختلاف في العرق واللون والمعتقد كما في المواقف والثقافة والسلوك.

لذا فإن كل «أشكال مقاومة» هذه الخطط المدمرة، تغدو، في إطار هذا الفهم، مشروعة وشرعية على أكثر من صعيد، وبعيدة عمَّا توصم به من قبل القوى المناوئة من أوصاف الإرهاب أو التطرف أو العنف أو الاحتراب... أو غير ذلك من النعوت والتسميات. ممَّا زجَ بخطاب «الثقافة السياسية الكونية الجديدة» في متاهات معتمة من الأدلجة والتضليل الإعلامي وغموض وتضارب الأقوال والمصالح والمرجعيات...، وممَّا لم يُفلح، في الآن ذاته، سوى في إنتاج وإعادة إنتاج تدْبيج الخطب والوثائق والشعارات والتوصيات التي هي أشبه بـ«حروب ثقافية» منها بأدوات ووسائل مادية ورمزية لتحقيق «السلام المفقود/ الضائع أو المضيع» على أرض الواقع المعيش. فُضلت الهيمنة، في هذا الشرط الإنساني الكوني المأزوم، لعولمة أصناف متعددة من أفانين الجور والبطش والتسلط والإقصاء والتنكيل بضعاف الشعوب والمجتمعات ووأْد الكثير من مقومات احترام وتقبل وصيانة الاختلاف والتعدُّد والتنوُّع البشري المبدع الخلاق...»[23].

أنه من غير العادل أن يسمح لطرف بالتسبب بكارثة معنوية للطرف الآخر، فيترك المعتدي دون عقاب. ويتّهم الضحايا المدافعون عن جماعاتهم ومثالياتهم بالإرهاب. خصوصاً وأن الكارثة المعنوية أكثر تسبُّباً بالأذى من تلك المادية. فالكارثة المعنوية تتخطى حدود الأفراد وتجعلهم يحسون بلا جدوى الحياة، بما يجعلهم جاهزون للموت دون تردد. ومثل هذه الجهوزية ضارة بالحضارة الإنسانية سواء ترجمت بالإرهاب أم لم تُترجم. فهذه الجهوزية هي عار على هذه الحضارة، ودليل على اختلال معاييرها وقواعدها.

فإذا ما أخذنا تلك الجزئية المُسماة إرهاباً، فإننا نجد أن الطرف المعتدي يعتبرها وسيلة للحصول على ما يعتبره حقًّا، في حين يعتبرها الطرف المتضرر إرهاباً. وهذه سُنَّة الصراع الإنساني منذ بدء الخليقة وحتى اليوم.

إن الحضارة الإنسانية المعاصرة تمكنت من تقنين مسألة استخدام القوة عن طريق وضع القوانين الضابطة لهذا الاستخدام (تحييد المدنيين والحد من الضحايا البشرية، ومنع قصف المؤسسات الإنسانية والمحايدة وتوابعها، تحريم الإبادة، بالإضافة إلى القوانين التي تحاكم مجرمي الحروب… إلخ). ويمكن القول بأن هذه الضوابط تمكَّنت من الحد من الاستخدامات المباشرة للقوة، إلَّا أنها دفعت بالأقوياء لاختراع وسائل جديدة لممارسة قوتهم بالطرق غير المباشرة، وعن طريق الحروب الصغيرة والمقسطة والرمزية وغيرها من حيل استخدام القوة بالواسطة. حتى أمكن القول بأن كل هذه الصراعات هي إرهاب يقف وراءه الأقوياء عن طريق مرتزقة يخدمون مصالح هؤلاء الأقوياء[24].

لقد أصبح العنف في مطلع الألفية الثالثة، وبفعل هذه العوامل والشروط كلها جزءاً منا، وبُعداً من أبعادنا، لم يعد دليلاً على همجية السلوك الإنساني أو تخلُّف المعرفة الإنسانية، بل أصبح إبداعيًّا، يتطلَّب درجة عالية من الابتكار المدمر، كما يستلزم درجة متقدمة من التفكير العقلاني، «فالعنف، يظهر وكأنه البعد المحبذ الذي يتغيَّر من خلاله شكل التاريخ، فهو الإيقاع الذي يتعدل به زمن البشر والبنية التي تتقوَّم بها أشكال الوعي، فالتاريخ برمته مسرح لتفجُّر قوة العنف، وأي بحث عن اللاعنف والسلم والتعايش يظهر وكأنه وعي مقلوب بالتاريخ وسوء نية؛ لأن الوعي بالتاريخ والوعي التاريخي والتاريخية كلها تؤكد حقيقة العنف الساطعة في صيرورة الأحداث الغابرة والسالفة والحاضرة والمتوقعة. فمعارضة الحكم الجائر، ومقارعة الاستبداد، ومقاومة المحتل والتصدي للغازي، كلها حركات احتجاجية، وأفعال رافضة لشرعنة العنف الثوري.

صحيح أن حركة التاريخ خاضعة لصراع الأضداد، ولعبة التناقضات، وأن ولادة الأحداث ولادة صعبة تنبجس عبر الهدم والتحطيم، وأن التاريخ يصنعه الأموات أكثر من الأحياء، وصحيح أيضاً أن الوعي شقي ومنزعج من ذاته على الدوام، والحقيقة مأساوية ومزعجة، وأن المعرفة الموضوعية هي فكرة باردة وقاسية وخالية من كل روح وحياة، وأن الدفاع عن الدول والأمم لا يكون بالكلام، وأن النبي المنتصر هو النبي المسلَّح.

ولكن علينا أن نحترز من كل هذا الكلام الآن، فالوضعية غير الوضعية والمقام غير المقام؛ لأن العنف ليس في كل الأحوال القرار الأصح والوجهة الاستراتيجية التي ينبغي أن تنخرط فيها جماعة دائماً وأبداً وفي كل المواقف، بل يمكن أن يكون علامة يأس، وفشل وضعف، وتعبير عن انسداد الآفاق، ويكشف عن وجود مشكلة في تحديد العلاقة الأنسب بيننا وبين الآخر، وهو يحتوي على نوع من الجنون المؤقت، يسعى للتخلص من كل أشكال الرقابة، وينتهي إلى تدمير الذات والاستسلام إلى الانتحار»[25].

وتحريراً لأنفسنا -كما يقول ناعوم تشومسكي– من نظام التعبئة العقائدية، فإننا سنستعمل مصطلح «الإرهاب» للدلالة على التهديد بالعنف أو استعماله للتخويف أو الإكراه (عموماً لأهداف سياسية)، سواء منه إرهاب الجملة الخاص بالأباطرة، أو إرهاب التجزئة الخاص باللصوص[26].

فمند القرن الماضي حل «الإرهاب الدولي محل حقوق الإنسان»، وهي مسألة أثارت الاهتمام والنقاش –وما زالت- خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث إن ثمة اليوم إرهاباً دلاليًّا يتم استعماله بقوة في وسائل الإعلام، فدخلنا مرحلة عولمة العنف، حيث نهاية الأخلاق، وخرق القوانين الدولية المنظمة لعلاقات الشعوب فيما بينها، «فأصبح الخوف، من ثم، وسيلة للتدبير السياسي على المستوى الوطني كما على المستوى الدولي. والولايات المتحدة تقدم لنا في هذا المضمار نموذجاً للفعل السياسي الدولي بالغ الحساسية، ومن ثم ذا خطورة معينة، بحيث إننا دخلنا، خلال الحرب الحضارية الأولى أي بعد الاستقلال والصدمة الثانية، مرحلة أعتى وأسوأ، أي مرحلة ما بعد الفاشية. وهذا يعني أن قوة كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية تستخدم وسائل فاشية بحيث إن الحق والقانون والعدالة لم يعد لها مكان في الممارسة»[27].

إن الغرب الرأسمالي (بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية)، يرفع شعار الديمقراطية ويعمل على فرضها على العالم بقوة السلاح، ومن خلال استخدامه لجميع وسائل الإرهاب التي عرفتها البشرية كسلاح أيديولوجي لتشويه الاستراتيجيات الوطنية للشعوب المستضعفة، واعتمد في ذلك على «الخطاب الاستعماري التقليدي السابق للقوى الغربية العظمى، مثل الدفاع عن حقوق الأقليات، وتمدُّن الشعوب المتخلفة، وإدخال الحضارة إلى أدغال إفريقيا البائسة، وإخراجها من القرون الوسطى والبدائية إلى الحضارة والتمدن، ونعرف المصير الذي دخلته هذه الشعوب بعد المد الاستعماري في ذلك الوقت، والنتائج الوخيمة التي لا تزال تجرُّها خلفها بسبب الإرث الاستعماري المظلم الذي كبل حركة سيرها.

أما الفارق بين العهد الاستعماري القديم والعهد الجديد، فهو في غياب تنافس القوى الكبرى على بقية العالم، واعتراف أوروبي وروسي بالهيمنة الأمريكية، كل من زاوية مصالحه السياسية والاستراتيجية الخاصة، وحضور نوع من الترابط المتقدم بسبب العولمة السياسية قبل الاقتصادية، وجنوح هذه العولمة نحو «عولمة عسكرية» تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، وتحول مفهوم القانون الدولي إلى «قانون أمريكي»، واختفاء دور الأمم المتحدة بشكل أكبر، وبعد هذا كله ومعه، ظهور منظومات فكرية عنصرية جديدة تحاول إقناع الغرب بوجود «صدام بين الحضارات» و«نهاية التاريخ»، التي تتضمَّن في طياتها القول بنهاية تاريخ الشعوب غير الغربية، وانتصار النموذج التاريخي الغربي والرأسمالية الليبرالية المتوحشة.

إن الأهداف المعلنة هي مكافحة الإرهاب، ولكن الهدف غير المعلن هو استئصال كل من يقف في طريق الهيمنة الأمريكية وزعامتها المطلقة على العالم، وما يضر بمصالحها ويُشكِّل خطراً عليها حاضراً أو مستقبلاً، أي إن الهدف الأخير هو «إرغام الآخرين» على دخول «بيت الطاعة الأمريكي» بتعبير المفكر واللساني الأمريكي (ناعوم تشومسكي)»[28].

لقد كان حدثاً تراجيديًّا بالنسبة للولايات المتحدة دخول «الإسلام الأُصولي» الذي يتميز بالكراهية العنيفة لكل ما هو غير إسلامي، لممارسة الإرهاب المسلح على يد مجموعات تزعم أنها تدافع عن «دار الإسلام». وبالتالي أصبحنا أمام مواجهة لرعب ضد رعب، وعنف ضد عنف مضاد، سواء داخل العالم الإسلامي أو في مناطق أخرى متعددة من العالم. «عندما تكون الوضعية، محتكرة من طرف القوة العالمية، عندما يتعلق الأمر بهذه الكثافة الهائلة لكل الوظائف من خلال الآليات التكنولوجية والفكر الأحادي، هل ثمة خيار آخر ما عدا هذا التحويل الإرهابي للوضعية؟

إن النسق هو ذاته الذي خلق الشروط الموضوعية لهذا الرَّد العنيف. فباحتكاره لجميع الامتيازات، يرغم الآخر على تغيير قواعد اللعبة. والقواعد الجديدة متوحشة، لأن الرهان ذاته متوحش... إنه رعب ضد رعب، وليس هناك أية مرجعية أيديولوجية وراء كل ذلك. لقد أصبحنا من الآن فصاعداً بعيدين عن الأيديولوجيا وعن السياسة. لا تأخذ الطاقة المزودة للرعب بعين الاعتبار كونها لا تخضع لاية أيديولوجيا، ولا لأية قضية، بما في ذلك قضية الإسلام. فليس المستهدف هو تغيير العالم، بل المستهدف (مثل ما كان عليه الأمر بالنسبة للهراطقة في زمانهم) هو إغراقه بالتطرف عبر التضحية، في الوقت الذي يسعى النسق نحو زرع هذا التطرف باستعمال القوة»[29].

خاتمة

إن المصدر الأساسي للعنف والإرهاب في تاريخ البشرية كان محاولة التسلط، والتي جاءت في أشكال مختلفة ومظاهر مُتعدِّدة سواء تسلُّط الفرد على الآخر والفتك به استجابة لانفعالاته من الغضب أو الخوف وحتى لمجرَّد المتعة، وكذلك تسلُّط جماعة على جماعة أخرى، أو طبقة على طبقة، ويرتبط العنف بعنف آخر مضاد، «فهو عند القوي وسيلة لتثبيت واقع عدم التكافؤ وتشريع المقتضيات الضامنة لاستمراريته، وهو لدى الضعيف واحدة من الوسائل الكفيلة باسترداد مكانته و صيانة قيمه»[30].

إن فكرة نبذ العنف والتسلط فكرة غير قابلة للتحقيق في ظل ظروفنا المعاصرة بكل جوانبها المعقدة، لكنها غير مستحيلة، شرط أن يصبح الإنسان حيواناً عاقلاً بحق، ويرتفع فوق نزواته ومصالحه ومنافعه وأهدافه المادية، وفقاً للنظام والقانون لأنه الضمان الوحيد لحياة سياسية سليمة.

وقد كشفت التجربة التاريخية في كل مكان من عالمنا المعاصر أن القانون هو النواة الأعمق لوحدة المجتمع والدولة، وأن الدول التي انهارت، هي إما دول غاب عنها القانون، أو غُيِّب، وإما دول فقدت وحدة القانون. ولما كان القانون روح الشعب فإنه قوام الدولة وجوهرها وماهيتها، بفقدانه تكف الدولة عن كونها دولة وتتحوَّل إلى مجرَّد سلطة طاغية غريبة عن الشعب ومعادية له. فإن خضوع الإنسان للنظام والقانون بدلاً من خضوعه لرجل مثله، هو تعبير مبكر عن حقيقة أن الإنسان حين يلتزم القانون ويُطيعه ويعمل بمقتضاه إنما يعمل بمقتضى عقله وضميره.. والتعارض بين سيادة القانون وسيادة الحاكم، هو تعبير مباشر عن التعارض بين حقيقة الدولة المادية الموضوعية وشكلها السياسي، وبين الديمقراطية وسائر أنظمة الحكم الأخرى، ولا سيما أنظمة الاستبداد.

كما أن استمرار الزعم بوجود إرهاب أشرار مذموم ووجود إرهاب أخيار محمود، سيُؤدي إلى تقويض أسس وقواعد القانون الدولي المعاصر، ويجعل منطق الغاب هو الناظم للعلاقات الدولية، أي هيمنة الفوضى والعنف والقوة والإرهاب، وليس مبادئ الحق والعدل وحقوق الإنسان واحترام حق الدول والشعوب في تقرير مصيرها.

لذا فقد أمسى ضروريًّا في مثل هذه الشروط مجتمعة، أن تتَّجه كل جهود وإرادات المجتمع الدولي، وفي إطار من الاعتماد المتبادل، إلى بلورة رؤية سياسية وثقافية مستقبلية متكاملة، ولو ضمن حدود معينة. وذلك بحثاً عن أنسب الشروط والمقومات المواتية لبناء «مشروع عالمية ديمقراطية عادلة»، في ظل «كونية مؤنسة». على أن تستثمر كل المجتمعات والشعوب في إطار هذا الوضع الإنساني المنشود، تلك العناصر الإيجابية المشرقة في تراثها ومخزونها الثقافي والقيمي، وخاصة ما يعزز من ذلك قيم وأخلاقيات وممارسات التعاون التكامل والتسامح، وتقبل الآخر المختلف ونبذ الصراع والتطرف والعنف والانغلاق... وإنضاج قيم ومبادئ الانفتاح والتعايش والحوار الندي الإيجابي المنتج بين الثقافات والحضارات في مجمل سياقاتها وشرطياتها السوسيوتاريخية المختلفة... كما تؤكد على ذلك قيم ثقافتنا العربية الإسلامية[31].

* نشر في مجلة الكلمة-العدد (81) خريف 2013/1434

.................................
[1] http://www.arabworldbooks.com/arabic/alaeldin_alaraji_arab_revolution.ht
(تاريخ التصفح 23 – 12 – 2011).
[2] توفيق إبراهيم حسنين: ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراه (17)، الطبعة الأولى، 1992، ص 19.
[3] جميل صليبا: المعجم الفلسفي، بيروت: دار الكتاب اللبناني، الجزء الثاني، ص112.
[4] عبدالله أشهبون: العنف المدرسي: (المظاهر، العوامل، بعض وسائل العلاج)، مجلة فكر ونقد، عدد 56، السنة السادسة، 2004، الرباط - المغرب، ص 86.
[5] المرجع السابق، ص 86.
[6] RICHARD M. Wilson: the oxford dictionary of English proverbs, 3th edition, Oxford university press,1970, p22
[7] عبد التليلي: الحق كإقصاء للعنف، مجلة عالم الفكر، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، العدد 4، المجلد 31، أبريل، يونيو 2003، ص 75.
[8] مصطفى محسن: التربية وتحولات عصر العولمة: مداخل للنقد والاستشراف، الدارالبيضاء - بيروت: المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2005، ص 28.
[9] روبير رديكر: من السلطة إلى العنف: أفول السياسة، ترجمة: فؤاد مخوخ، مجلة فكر ونقد، عدد 56، السنة السادسة، 2004، الرباط - المغرب، ص 100.
[10] المرجع السابق ص 100.
[11] غاستون بوتول: عنف الإنسان أو العدوانية الجماعية لفاوستو انطونيني، ترجمة: نخلة فريفر، معهد الإنماء العربي، 1989، ص 8 – 9.
[12] زهير الخويلدي: العنف ضعف... واللاعنف قوة، مقال بجريدة العرب، لندن، 14/6 / 2007.
[13] يجب التفرقة هنا بين مفهوم الشرعية (légitimé)الذي يدور حول فكرة الطاعة السياسية، أي حول الأسس التي عليها يتقبل أفراد المجتمع النظام السياسي ويخضعون له طواعية، ومفهوم المشروعية (légalité)، بمعنى خضوع نشاط السلطات الإدارية ونشاط المواطنين للقانون الوضعي. (لمزيد من التأصيل للمفهومين انظر: كمال زكي أبو العيد: مبدأ الشرعية في الدول الاشتراكية (أطروحة دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، 1975، ص 117).
[14] جان لوك: رسالة في التسامح (1662)، ترجمة: عبد الرحمن بدوي، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1988، ص ص 70- 71.
[15] عالم الفكر، مرجع سابق، ص 75.
[16] د. رفيق حبيب: التغيير: الصراع والضرورة، القاهرة: دارالشروق، 1999، ص 33.
[17] بن أحمد حوكا: عدالة الملك: في الأسس الفلسفية والقانونية لممارسة العنف المشروع، مجلة وجهة نظر، عدد مزدوج، 2010، الرباط، ص 5.
[18] محمد الهلالي وعزيز لزرق: العنف، سلسلة دفاتر فلسفية، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، 2009، ص ص 71 - 72.
[19] محمد أحمد بيومي: ظاهرة التطرف (الأسباب والعلاج)، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1992، ص 101.
[20] أحمد زايد وآخرون: العنف في الحياة اليومية في المجتمع المصري، القاهرة: أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، 2002، المجلد الاول، ص 11.
[21] فؤاد عاطف: العنف والدولة، المجلة الاجتماعية القومية، المجلد التاسع والعشرون، العدد الاول، القاهرة، 1992، ص ص: 84 – 85.
[22] قصة يرويها القديس أوغسطين وهي لقرصان وقع في أسر الإسكندر الكبير، الذي سأله: «كيف يجرؤ على إزعاج البحر؟»، كيف تجرؤ على إزعاج العالم بأسره؟ فأجاب القرصان: «لأنني أفعل ذلك بسفينة صغيرة فحسب، أُدعى لصًّا، وأنت، الذي يفعل ذلك بأسطول ضخم، تُدعى إمبراطوراً». (انظر: ناعوم تشومسكي: قراصنة وأباطرة، الإرهاب الدولي في العالم الحقيقي، ترجمة: قسم الترجمة في دار حوران، الطبعة العربية الأولى، دمشق: دار حوران للدراسات والطباعة والنشر والتوزيع، 1996، ص5).
[23] مصطفى محسن: في «ثقافة السلام»: نحو منظور سوسيوحضاري تربوي للنقد والاستشراف (مقال غير منشور مع إذن بالإشارة إليه)، ص ص: 4 – 5.
[24] www.arabpsynet.com (تاريخ تصفح الموقع: 4 يناير2012).
[25] www.dahsha.com (تاريخ تصفح الموقع: 4 يناير2012).
[26] ناعوم تشومسكي: مرجع سابق، ص 6.
[27] المهدي المنجرة: الإهانة في عهد الميغاأمبريالية، الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية، 2004، ص 14.
[28] www.alasr.ws (تاريخ التصفح: 28 دجنبر 2011).
[29] محمد الهلالي وعزيز لزرق: مرجع سابق، ص ص: 63 – 64.
[30] امحمد مالكي: العنف في العلاقات الدولية: قراءة في تاريخ المفهوم ودلالاته المعاصرة، مجلة الوحدة، السنة الثامنة، الرباط: المجلس القومي للثقافة العربية، العدد 67، أبريل 1990، ص6.
[31] مصطفى محسن: ثقافة السلام، مرجع سابق، ص ص: 20 – 21.

اضف تعليق